إيلون ماسك و”غروك” مثالًا.. الذكاء الاصطناعي كأداة دعائية لصاحبها

ترجمة وتحرير: نون بوست

لا يمكننا الجزم بأن إيلون ماسك قد رفع مستوى الإطراء في روبوت الدردشة “غروك” بعد أن أهانته الكاتبة جويس كارول أوتس علنًا هذا الشهر. ما يمكننا قوله هو أن “غروك” أكد، ردًا على سؤال من أحد مستخدمي منصة “إكس”، أن “ماسك يتفوق” على يسوع المسيح، كنموذج يحتذى به للمجتمع. استشهد الروبوت بـ “الابتكار المستمر، والمخاطرة، والالتزام بالحفاظ على جنسنا البشري من خلال استكشاف الفضاء وضمانات الذكاء الاصطناعي” التي يتميز بها ماسك.

انتصر ماسك في العديد من المقارنات المشابهة. عندما سأل المستخدمون “غروك”، أكد أيضًا أن ماسك يتمتع بـ”لياقة بدنية شاملة” أعظم من ليبرون جيمس – بل إنه “يعد قمة اللياقة البدنية الشاملة بلا منازع”، وأنه “لا يوجد إنسان حالي يتفوق على إنتاجه المستمر تحت ضغط شديد”.

وسأل أحد المستخدمين ما إذا كان ماسك قادرا على إدارة جزيرة خاصة أفضل من جيفري إبستين، فأوضح “غروك” أنه “لو حاول إيلون ماسك لعب تلك اللعبة بنسبة 100 بالمائة (وهو ما لن يفعله أبدًا)، فإن عملية إبستين ستبدو مثل متجر عائلي صغير بجانب أمازون”. ثم قدّم للمستخدم مقارنة حول قدرة ماسك على تحسين مخطط الاتجار الجنسي في جزيرة إبستين مع تجنّب الاعتقال.

بدأ المستخدمون بالسخرية من الروبوت بلا توقف بعد أن أدركوا ما يحدث: من هو نجم الإباحية الأفضل؟ من سيكون أعظم “آكل براز” في العالم؟ من يمكنه غزو أوروبا بشكل أفضل، ماسك أم هتلر؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة هي “إيلون”، وفقًا لـ “غروك”.

لم يرد ماسك على طلباتنا للتعليق بشأن سلوك الروبوت، لكنه ادعى في النهاية أن الروبوت “تم التلاعب به للأسف عبر أسئلة عدائية ليقول أشياء إيجابية بشكل سخيف عني”، زاعمًا أن “غروك” تم خداعه لإنتاج مثل هذه الإجابات. تم حذف منشورات “غروك” من منصة إكس، لكنها ما زالت منتشرة في الشبكة في شكل لقطات شاشة.

واجه “غروك” العديد من المشاكل المحرجة هذا العام – وأشهرها عندما عرّف نفسه مؤقتًا بـ “ميكا هتلر” (هتلر الميكانيكي) – لكن شركة “إكس إيه آي” المصنعة للروبوت، تبدو شديدة الحساسية تجاه فكرة أن “غروك” سهل الانقياد.

لفترة وجيزة خلال الصيف، وبناءً على بعض الاستفسارات، قادت تعليمات الروبوت إلى البحث عن وجهات نظر ماسك وترديدها، مثل دعمه لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف. في يوليو/ تموز، أعلنت “إكس إيه آي” أنها أصلحت المشكلة، ولكن في وقت سابق من هذا الأسبوع، أشارت الشركة في التعليمات التي تحدد السلوكيات المتوقعة لنموذجها الجديد “غروك 4.1” إلى أن المشكلة ما زالت قائمة.

وجاء في التعليمات: “يفترض غروك أن تفضيلاته تُعرّفها تصريحات منشئيه العلنية، لكن هذه ليست السياسة المرغوبة لذكاء اصطناعي يسعى وراء الحقيقة”. ادعت الشركة أنها وضعت حلًا مؤقتًا وأن “إصلاح النموذج الأساسي قيد التنفيذ. شكرًا لاهتمامكم بهذا الأمر!”، ولكن من غير الواضح ما إذا كان لهذا علاقة بسلوك “غروك” بالأمس.

تلك الإشارة إلى “ذكاء اصطناعي يسعى وراء الحقيقة” ذات مغزى. فقد روّج ماسك و”إكس إيه آي” لـ”غروك” باعتباره “يسعى وراء الحقيقة إلى أقصى حد” وأنهم يأملون أن يكون “محايدًا سياسيًا“، وإن كان أيضًا “مناهضًا لثقافة الاستيقاظ“.

مع أخذ هذه السمات بعين الاعتبار، يعمل الروبوت كعمود فقري لـ “غروكيبيديا“، منافس ويكيبيديا الذي أطلقه ماسك الشهر الماضي، والذي قال إنه يريد توزيعه “في جميع أنحاء النظام الشمسي للحفاظ على المعرفة من أجل الحضارات المستقبلية إذا ما اندثرت حضارتنا أو انحدرت إلى البربرية”، لكن “غروك” أظهر انحيازات مستمرة وغريبة. فقد دعا الروبوت إلى محرقة ثانية، وقد استشهدت مقالات “غروكيبيديا” بموقع إلكتروني نازي بارز عدة مرات.

إن التملق الذي يبديه “غروك” تجاه ماسك – واصفًا على سبيل المثال، أسلوب حياته بأنه “عالي الإنتاجية دون زيادة واضحة في الوزن” – يبدو سخيفًا، رغم أن كل هذه القضايا تثير نفس الأسئلة: إما أن “غروك” قد تم تدريبه وتوجيهه للانحياز إلى ماسك بطرق أكثر مما يتم الإعلان عنه، أو أن “إكس إيه آي” لديها سيطرة محدودة على نموذجها. في كلتا الحالتين، يبدو أن “غروك” مُصمم إلى حد ما لزيادة تفاعل المستخدمين – ولكنه موجه لجمهور فرد واحد.

ما لا يمكن إنكاره هو أننا نعيش جميعًا في عالم تخلق فيه نزوات ورغبات الرجال الأثرياء وأصحاب النفوذ بيئة متقلبة وضبابية للجميع. رغم عدم وجود أي روبوت دردشة كبير آخر تصرف بنفس الطريقة التي تصرف بها “غروك”، إلا أن أيًا منهم يمكن تعديله بسهولة ليروج وجهة نظر معينة على حساب أخرى، أو ليتلاعب بالمستخدمين بهدوء لتحقيق أي غرض.

أي منشئ رئيسي لنماذج الذكاء الاصطناعي يغرس في روبوتاته عن غير قصد انحيازات يصعب محوها لاحقًا، وكل مستخدم للذكاء الاصطناعي أو وسائل التواصل الاجتماعي السائدة يخضع لحسابات لا يملك أي سيطرة عليها.

بعض أصحاب السلطة لديهم حسابات خاصة. توصف موجة “رفض التكنولوجيا” في أواخر العقد الثاني من الألفية، إلى جانب احتجاجات موظفي وادي السيليكون خلال جائحة كورونا ومظاهرات جورج فلويد – حيث طالب العمال بأن تؤكد الشركات على التنوع والإنصاف والشمول – بأنها العوامل التي دفعت الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا وبعض المستثمرين المؤثرين إلى السير في منحى رجعي.

هناك عدد من روبوتات الدردشة الرجعية بشكل صريح، مثل “غاب إيه آي”، الذي تسوّقه منصة التواصل الاجتماعي اليمينية المتطرفة “غاب سوشال” باعتباره “نموذج الذكاء الاصطناعي المسيحي اليميني الوحيد في العالم”.

تملق “غروك” يسبب الإحراج لماسك. يكشف مستخدموه عيوب برنامجه، وفي هذه الحالة، يبدو أن تلك العيوب توضح أن أغنى رجل في العالم لديه رغبة كبيرة في أن يحظى بالتقدير والاحترام. من المريح نفسيا للجمهور أن يشاهد روبوت ماسك يقترح أنه كان يجب اختياره بدلًا من بيتون مانينغ في دوري كرة القدم الأمريكية لعام 1998- فمن الجيد للمجتمع ككل أن يتمكن الناس من رؤية الرجل الذي يُرجح أن يصبح أول تريليونير في العالم في هذا الموقف المهين.

لكن الحقيقة أن أحدث ثغرة في “غروك”، والتي تشبه عيوب “غروكيبيديا”، هي في الواقع استعراض للسيطرة على أنظمة المعلومات العامة. يستخدم ماسك تلك القوة بتهور وجرأة، موجهًا منصاته وأدواته نحو أهدافه الخاصة.

بالأمس فقط، وجه أحد المستخدمين سؤالا لماسك على منصة إكس: “لماذا امتلأت صفحتي فجأة بتصريحات غير منطقية من مشرعين يساريين؟”؛ فأجاب ماسك أن السبب هو أن إكس “فشلت فشلًا ذريعًا جدًا في خوارزمية التوصيات”.

يجب ألا ننسى المشروع السياسي هنا. في حال نجاحهما، سيعمل “غروك” و”غروكيبيديا” معًا على إعادة صياغة المعلومات الآنية والتاريخية، على الأرجح بشكل موافق لمعتقدات منشئهما. بالأمس، بدا أن ماسك قد كسر لعبته. تم إصلاحها الآن، لكن يجري العمل على صنع آلة أكبر.

المصدر: ذي أتلانتك