ممداني يزعزع قواعد الدعم الأمريكي لإسرائيل

ترجمة وتحرير: نون بوست

ينبغي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يرتجف خوفًا من الانتصار الحاسم الذي حققه زهران ممداني في انتخابات عمدة مدينة نيويورك في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، وهذا ليس بسبب مزاعم معاداة السامية التي لا أساس لها من الصحة، بل لأن ممداني كسر المحظورات القديمة التي التزم بها المرشحون الفائزون في نيويورك بعدم انتقاد الحكومة الإسرائيلية، وقد عزز هذا النهج في الشهر الذي تلا انتخابه.

تضم نيويورك أكبر تجمع يهودي في الولايات المتحدة، وثاني أكبر تجمع يهودي في العالم بعد تل أبيب، وقد كان الافتراض السائد منذ فترة طويلة أن كثيرًا من الناخبين اليهود يضعون الدفاع عن الحكومة الإسرائيلية فوق أي قضية أخرى، وأن انتقاد إسرائيل سيجعلهم يقفون ضد أي سياسي.

لكن ممداني نسف هذا الافتراض تمامًا؛ فقد تحدث خلال حملته الانتخابية بصراحة ودقة عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وأصرّ على أن جميع سكان إسرائيل يجب أن يتمتعوا بحقوق متساوية، وقال إنه سيعتقل نتنياهو إذا ظهر في نيويورك. ومع ذلك، صوّت لصالحه ثلث الناخبين اليهود في نيويورك، إلى جانب كثيرين آخرين.

قد يكون بعض اليهود غير مرتاحين لانتقادات ممداني لإسرائيل، لكنهم أحبوا جوانب أخرى من حملته، مثل تركيزه المستمر على قضية القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة. فيما انجذب آخرون – وأنا منهم – إلى صراحته في قضية بالغة الأهمية مثل إسرائيل. كما شعر كثيرون بالاشمئزاز من محاولات خصمه الرئيسي، أندرو كومو، لتشويه صورته باتهامات معاداة السامية التي لا أساس لها من الصحة.

استمر ممداني على صراحته في الحديث عن إسرائيل بعد انتخابه. ففي لقائه الودي مع دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم 21 نوفمبر/ تشرين الأول، كرر ممداني موقفه بشأن الإبادة الجماعية وأشار إلى أن الحكومة الأمريكية تموّلها، وقد تجاهل ترامب هذا التعليق.

وبعد أن استضاف كنيس كبير في مانهاتن مجموعة تشجع اليهود الأمريكيين على الهجرة ليس فقط إلى إسرائيل (وهو أمر معتاد)، بل أيضًا إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، أشار ممداني إلى عدم شرعية هذه المستوطنات، وهو ما يعكس بدقة المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها إلى الأراضي المحتلة.

يصعب المبالغة في وصف مدى غرابة مثل هذه التصريحات الصادرة عن مرشح فائز في مدينة نيويورك.

لا يتعلق الأمر بأن مرشحي نيويورك لا ينتقدون إسرائيل مطلقًا. في مارس/ آذار 2024، ألقى تشاك شومر، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ واليهودي المنحدر من بروكلين، والذي يمثل ولاية نيويورك، خطابًا أثار الكثير من التعليقات، قال فيه إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكن عليها أن تفعل ذلك مع تقليل الأذى الذي يلحق بالمدنيين الفلسطينيين في غزة. غير أن لغته كانت حذرة للغاية – باهتة مقارنة بخطاب ممداني – ورفض أن يعلن دعمه لممداني حتى بعد فوزه بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي على منصب العمدة.

لقد بدأ ممداني بالفعل في جذب مرشحين تقدميين آخرين إلى انتخابات الكونغرس في مدينة نيويورك ممن هم على استعداد لانتقاد إسرائيل، متحديًا أولئك الذين لا يفعلون ذلك. وبكل المؤشرات، فقد كسرالجمود وبدأ اتجاهًا جديدًا.

ولا ينبغي أن نساوي بين نيويورك والولايات المتحدة ككل. هي مدينة ديمقراطية راسخة وتقدمية بشكل استثنائي. والأهم من ذلك، أن تجربتي كأحد سكانها السابقين تشير إلى أن جزءًا كبيرًا من سكانها اليهود يتبنون هذا التوجه التقدمي. وخلال رحلاتي في أنحاء الولايات المتحدة، لاحظت أن المجتمعات اليهودية الأصغر غالبًا ما ترى نفسها أقلية معرضة للخطر، وبالتالي تميل إلى دعم إسرائيل باعتبارها ملاذًا محتملاً من الاضطهاد. أما في نيويورك، فاليهودية جزء من نسيج المدينة، والشعور بالأمان الذي يولّده كون المرء يهوديًا في نيويورك يجعله أكثر انفتاحًا على النقد الصريح للحكومة الإسرائيلية.

إن التحول السياسي الذي يمثله انتصار ممداني بشأن إسرائيل يجب أن يكون جرس إنذار لحكومة نتنياهو. ارتكابها للإبادة الجماعية في غزة جعل إسرائيل دولة منبوذة في معظم أنحاء العالم. حتى ألمانيا علّقت مؤقتًا بيع الأسلحة التي يمكن استخدامها في غزة، كما اعترفت بريطانيا وكندا وفرنسا وأستراليا بدولة فلسطينية، وقد وُجّهت لإسرائيل تهمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، ويواجه نتنياهو ووزير دفاعه السابق اتهامات بارتكاب جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب تجويع المدنيين الفلسطينيين وحرمانهم من احتياجاتهم الأساسية. تعتمد إسرائيل اليوم بشكل ساحق على المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة والدعم الدبلوماسي من دولة واحدة: الولايات المتحدة.

ترامب معنيّ بكل ذلك. وهو يقرأ استطلاعات الرأي، لا بد أنه يلاحظ أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، اللوبي المؤيد لإسرائيل، لم يعد قادرًا على حشد الأصوات اليهودية كما كان يفعل سابقًا، ولا بد أنه يرى أيضًا أن قاعدته من المسيحيين الإنجيليين – الذين كانوا يعتبرون تقليديًا الأكثر ثباتًا في دعم إسرائيل – باتوا أكثر تحفظا بعد الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.

ويبدو أن تراجع شعبية إسرائيل في الولايات المتحدة كان من العوامل التي ساعدت ترامب على فرض خطته للسلام المكونة من 20 بندًا على نتنياهو، رغم فشلها في تلبية مطالبه المتطرفة. ومن المؤكد أن تراجع مكانة إسرائيل سيلعب دورًا مرة أخرى عندما يقرر ترامب ما إذا كان سيصر على وجود مسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية، كما يريد القادة العرب. سوف يعتمد عليهم ترامب لتمويل إعادة إعمار غزة وتوفير قوة دولية لتثبيت الاستقرار في المنطقة.

حقيقة أن دعم إسرائيل لم يعد أمرًا مفروضًا في نيويورك، قد تعني أنه لم يعد إلزاميًا في واشنطن أيضًا، وهذا شيء جيد للفلسطينيين، لكنه خبر سيء لنتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف الذين كانوا يأملون أن تواصل الحكومة الأمريكية غض الطرف بينما تعمل الحكومة الإسرائيلية على “حل” الصراع الفلسطيني عبر الإبادة الجماعية والترحيل الجماعي القسري وفرض نظام فصل عنصري دائم.

المصدر: الغارديان