عبدالله بن طوق المري: الوزير الذي يقود التمدد الإماراتي في إفريقيا

ينتهج أبناء زايد مقاربة مختلفة لترسيخ النفوذ الإماراتي، تقوم على تحقيق ما تعجز عنه القوة العسكرية عبر الاقتصاد والاستثمار الناعم، فبفضل الإمكانات المالية الهائلة، تعمل أبوظبي على توسيع حضورها في مختلف مناطق العالم، واضعة القارة الإفريقية في مركز الاهتمام باعتبارها عمقًا استراتيجيًا وفرصة لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي.
وفي قلب هذه الرؤية، يبرز عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد والسياحة، كأحد أهم الأذرع التي يعتمد عليها الرئيس الإماراتي محمد بن زايد في تنفيذ هذه الاستراتيجية، فمنذ تقلّده حقيبته الوزارية عام 2020، نجح في دفع الحضور الإماراتي داخل إفريقيا عبر أدوات المال والاستثمار والشراكات الاقتصادية.
ويرتبط المري بعلاقة وثيقة مع محمد بن زايد، ويعتبره قائدًا استثنائيًا نقل الإمارات إلى مرحلة جديدة من الحضور الدولي وتوسيع شبكة التحالفات، بما في ذلك التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فمن هو عبدالله بن طوق المري، الرجل الذي تحوّل خلال سنوات قليلة إلى ركيزة أساسية في أدوات السياسة الخارجية للإمارات، وواحد من أبرز الأذرع في مشروع توسيع النفوذ الإماراتي داخل إفريقيا؟
ذراع بن زايد في أفريقيا
خلال بضعة عقود لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، انتقلت الإمارات من دولة ناشئة خرجت من مظلة الحماية البريطانية في سبعينيات القرن الماضي إلى قوة إقليمية شبه إمبريالية، تعيد عبر أدواتها السياسية والاقتصادية والعسكرية رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا.
في قلب هذه التحولات برزت استراتيجية جيوسياسية محكمة قوامها السيطرة على شرايين التجارة البحرية ومحاور الخدمات اللوجستية؛ فقد ركّزت أبوظبي على إحكام قبضتها على الموانئ الممتدة حول القارة الإفريقية، من البحر الأحمر شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، في مسعى للهيمنة على المسارات التجارية العالمية واستخدامها بوصفها أدوات ضغط جيوسياسي رفيعة التأثير.
ويقود هذا التمدد لاعبان رئيسيان: مجموعة موانئ أبوظبي التابعة لشركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ)، التي يتركز نشاطها على نطاق البحر الأحمر، وموانئ دبي العالمية التابعة لحكومة دبي عبر شركة الموانئ والمناطق الحرة العالمية (FZE)، والتي تركز على القرن الإفريقي والمنافذ الاستراتيجية على المحيط الهندي.
لكن السنوات الخمس الأخيرة شهدت انتقالًا نوعيًا؛ إذ لم تعد الإمارات تكتفي بتموضعها حول الموانئ، بل اتجهت إلى توسيع حضورها داخل القارة عبر اختراق قطاعات الاقتصاد والتجارة والسياحة والتكنولوجيا، في محاولة لإعادة تشكيل أدوات القوة الناعمة بما يخدم تعزيز نفوذها في إفريقيا.
وفي هذا السياق، نجح عبدالله بن طوق المري، منذ توليه حقيبة الاقتصاد، في تثبيت مكانة أبوظبي كواحد من أهم الشركاء الاستراتيجيين للقارة الإفريقية؛ فقد قفزت الاستثمارات الإماراتية في عهده من نحو 60 مليار دولار عام 2019 إلى أكثر من 110 مليارات دولار خلال أربع سنوات فقط، ما جعل الإمارات رابع أكبر مستثمر عالمي في إفريقيا بعد الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.
الاقتصاد.. السلاح الناعم
نفذ بن طوق المري رؤية محمد بن زايد في القارة الإفريقية بحذافيرها، فاتحًا خزانة بلاده لتعميق الشراكات وبناء جسور التعاون مع حكومات القارة السمراء، مستغلا الوضعية الاقتصادية الهشة التي يعاني منها معظم بلدان أفريقيا.
وكانت قمة “الإمارات وأفريقيا للاستثمار السياحي 2025” التي عقدت في أكتوبر/تشرين الأول 2025، أحدث حلقية في مسلسل تلك الاستراتيجية الطموحة، حيث تم عرض أكثر من 100 مشروع بقيمة 6 مليارات دولار مع 20 دولة إفريقية، لتوفير نحو 70 ألف وظيفة، مع التركيز على الطاقة النظيفة والسياحة كأحد أهم خمسة محركات للتنمية المستدامة.
لم يكن المري يقتصر على الاقتصاد وحده، بل أرسى خارطة شراكات دبلوماسية عبر أدوات اقتصادية مع دول أفريقية مثل جنوب أفريقيا وبوروندي، لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والسياحة، ما جعل الإمارات شريكًا تنمويًا رئيسيًا قادرًا على التمدد النفوذ دون أي تورط عسكري مباشر.
وقد شكّلت قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والبنية التحتية والخدمات اللوجستية والعقارات الدعائم الأساسية لهذه الاستراتيجية، من خلال مشاريع بارزة مثل مشروع “Bilene Hotel Resort” في موزمبيق باستثمار يبلغ 200 مليون دولار، و”Muyuni Beach Resort” في كينيا، و”Kempinski Hotel” في جزر القمر، بالإضافة إلى مشروعات عملاقة في جنوب أفريقيا مثل “Pearl Valley Golf Estate” و”Shamwari Game Reserve” عبر شركة “Leisurecorp”، لتغدو الإمارات حاضرة في قلب إفريقيا عبر بصمة تنموية واضحة ومتنامية.
وعلى مدى السنوات الخمس الأخيرة، تحت قيادة المري، تمكنت الإمارات من تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي عبر أكثر من 20 دولة إفريقية، من أنغولا ونيجيريا إلى جنوب إفريقيا وزيمبابوي، لترسم صورة إمارات عابرة للحدود، حاضنة للاستثمار والتنمية، ورافعة للأمل والفرص في القارة الإفريقية.
صديق تل أبيب
برز بن طوق المري كأحد أبرز المعمّقين لعلاقات الإمارات مع إسرائيل، ليصبح الرجل الثاني في كتيبة التطبيع الإماراتية، ليس فقط بصفته وزير الاقتصاد، بل كأحد الداعمين الرئيسيين لاتفاقات أبراهام، ومنفذي رؤية محمد بن زايد التي تقوم على بناء جسور التعاون مع تل أبيب كركيزة أساسية للتمدد الإماراتي إقليميًا.
كان المري جزءًا من أول وفد إماراتي زار إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد توقيع اتفاقية أبراهام بين البلدين في سبتمبر/أيلول من نفس العام، ووصف الاتفاق بـ”الرائع”، مشددًا على الفرص التي يتيحها لتعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري.
منذ ذلك الحين، أشرف الوزير المقرب من بن زايد على توقيع عشرات الاتفاقيات، أبرزها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في مايو/أيار 2022، والتي تهدف إلى رفع حجم التجارة الثنائية إلى 10 مليارات دولار سنويًا خلال خمس سنوات، مع إلغاء الرسوم الجمركية على 96% من البضائع وزيادة الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، بما يعكس رؤية الإمارات لـ اقتصاد مستقبلي متنوع ومستدام.
لم يقتصر دور المري على توقيع الاتفاقيات، بل شمل إطلاق قمم ومبادرات استثمارية مشتركة، مؤكدًا أن الاتفاق الإبراهيمي يمثل إطارًا لتعزيز العلاقات الثنائية في مجالات متعددة، من الصحة والزراعة إلى الفضاء، مع توقع بدء رحلات الطيران المباشر خلال أسابيع قليلة، ورأى الوزير أن هذا التحالف مع إسرائيل “سيحافظ على أمن المنطقة”، مشيرًا إلى إمكانية ربط دول شمال إفريقيا ضمن هذا التعاون.
من زاوية سياسية واضحة، كشف المري، في حوار له مع صحيفة “غلوبس” العبرية عقب التوقيع الرسمي لاتفاق التطبيع في البيت الأبيض، أن القضية الفلسطينية ليست أولوية مباشرة في حسابات أبو ظبي، حيث أوضح أن الخطوة الأولى في السياسة الدولية تعتمد على الاقتصاد والتجارة ورفع مستوى المعيشة، بينما تأتي القضية الفلسطينية لاحقًا.
بل أشار إلى دوره في وساطة اقتصادية لإقناع السلطة الفلسطينية بتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، مؤكّدًا على أن العلاقات التجارية والاقتصادية السلمية كانت دائمًا محفزًا للسلام، داعيًا رجال الأعمال الفلسطينيين للقيادة في هذا الاتجاه على أمل انضمام حكومة رام الله لاحقًا.
بهذه الخطوات، يظهر المري كشخصية مركزية في استراتيجية الإمارات الاقتصادية والسياسية الإقليمية، حيث تمثل المصالح الاقتصادية أداة لتعزيز النفوذ وتوسيع شبكة التحالفات الإقليمية، مع وضع السلام والتعاون الاقتصادي كقاعدة أساسية لتحولات المنطقة.
خريج برنامج قيادات حكومة الإمارات
يُعد عبدالله بن طوق المري، المولود عام 1982 والحاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة شيفيلد عام 2005، أحد القيادات الطموحة، رغم حداثة سنه، فقد تخرج من برنامج قيادات حكومة الإمارات ومركز محمد بن راشد لإعداد القادة، لينطلق في مسار مهني حافل بدأ بالانضمام إلى مكتب رئيس الوزراء عام 2007، قبل أن يتدرج ليصبح المدير العام للمكتب التنفيذي والرئيس التنفيذي المؤقت، وعضو مجلس الإدارة في مؤسسة دبي للمستقبل، المبادرة التي تهدف إلى تحويل الإمارة إلى مدينة المستقبل.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، عُيّن المري أمينًا عامًا لمجلس الوزراء الإماراتي، حيث ساهم في صياغة استراتيجيات التنمية الوطنية مثل رؤية الإمارات 2021 واستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، كما أسس مختبر التشريعات، المنصة التي تهدف إلى خلق بيئة تشريعية موثوقة، وهو ما تحدث عنه خلال مؤتمر إيمتيك مينا 2019.
وفي يوليو/تموز 2020، تولى المري منصب وزير الاقتصاد ضمن التشكيل الوزاري الجديد، وبجانب مهامه الوزارية، يشغل أيضًا رئاسة الهيئة العامة للطيران المدني، وهيئة الأوراق المالية والسلع، ومجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، ومجلس أمناء الصندوق الوطني للمسؤولية الاجتماعية للشركات.
في عام 2020 تم إدراج اسمه ضمن قائمة “Agile 50” التي أصدرتها منصة Apolitical، لتكريمه كأحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في إحداث التحولات الحكومية، تقديرًا لدوره في مختبر التشريعات وجهوده في بناء جسور التعاون بين الحكومة المحلية والاتحادية، ما يجعله أحد أبرز الوجوه المؤثرة في تصميم مستقبل الإمارات التنموي والاقتصادي.
من هنا، يتضح أن عبدالله المري تجاوز دوره الضيق المرسوم له كوزير للاقتصاد، بأن أصبح ذراعًا رئيسيًا لمحمد بن زايد في تعزيز النفوذ الإماراتي داخل القارة الإفريقية، جامعًا بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية في تنفيذ استراتيجية أبوظبي للتوسع الناعم عبر الاستثمار والشراكات المستدامة.
وفي الوقت نفسه يبرز كأحد رموز التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مُترجمًا رؤية بن زايد التي تقوم على توسيع دائرة النفوذ عبر بناء جسور التعاون مع تل أبيب، ما يجعل المري اليوم أحد أبرز المعمّقين لدور الإمارات على الساحتين الإفريقية والإقليمية، ومثالًا حيًا لكيفية تحويل المصالح الاقتصادية إلى أدوات نفوذ جيوسياسية ملموسة ولو كانت على حساب المرتكزات القومية والعروبية والإسلامية.