كيف يواجه قطاع غزة أخطر أزماته الصحية منذ بدء الحرب؟

في قلب كارثة إنسانية تتسع رقعتها بلا هوادة، يقف قطاع غزة اليوم أمام واحدة من أعقد وأخطر الأزمات الصحية منذ بدء الحرب؛ أزمة تضرب جوهر النظام الطبي وتطال شرايينه الأكثر حساسية، المختبرات الطبية وبنوك الدم، فهناك، حيث تُصنع فرص النجاة وتُحسم حياة الجرحى، تتداعى المنظومة أمام الدمار الهائل والحصار الخانق، حتى باتت على حافة الانهيار الكامل.
في حوار خاص مع “نون بوست”، تكشف د. سحر غانم، مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة، صورة صادمة لحجم الانهيار، فمن أصل 12 مختبرًا مركزيًا لم ينجُ سوى أربعة، تعمل اليوم بقدرات شبه معدومة، محاصرة بنقص خانق في الأجهزة المخبرية والكواشف والمواد الأساسية التي تعتمد عليها التشخيصات المنقذة للحياة.
ما أبرز الأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار شبه الكامل في منظومة المختبرات وبنوك الدم في غزة؟
هذا الانهيار لا يعني فقط تعطّل فحوصات المرضى، بل يهدد حياة آلاف الجرحى والمصابين وذوي الأمراض المزمنة، في وقت يعتمد فيه القطاع الصحي على كل قطرة دم وكل نتيجة تحليل لتحديد فرص النجاة في ظل واقع يزداد قتامة كل يوم.
وفي ظل حربٍ أنهكت كل مفاصل النظام الصحي في قطاع غزة، وهناك انهيار حاد وغير مسبوق في منظومة المختبرات الطبية وبنوك الدم، بعدما أصبح القطاع الصحي يعمل بجزء ضئيل من قدراته الأصلية، وسط نقص خانق في المواد المخبرية وتدمير واسع للأجهزة الحيوية.
الفرق الطبية تواصل عملها منذ اليوم الأول للحرب بإمكانيات تكاد تكون معدومة، ورغم كل التحديات والمعيقات ونقص المواد وتدمير عدد كبير من الأجهزة، فإن المختبرات وبنوك الدم نجحت في الاستمرار بتقديم الفحوصات الأساسية وخدمات نقل الدم للمرضى والجرحى حتى اللحظة.
كم عدد المختبرات التي توقفت عن العمل كليًا أو جزئيًا، وما أبرز المشكلات التي تواجهها؟
الوضع الحالي كارثي بكل المقاييس، إذ لا يعمل سوى 4 مختبرات وبنوك دم من أصل 12 مختبرًا وبنك دم في مستشفيات القطاع، إضافة إلى 13 مختبرًا فقط في مراكز الرعاية الأولية من أصل 37، يعمل نصفها بشكل جزئي.
ومختبر الصحة العامة—الوحيد المختص بفحص المياه والغذاء والدواء—تعرض للتدمير الكامل، في حين دُمّرت معظم أجهزة ومعدات المختبر المركزي في المستشفى التركي، ما أدى إلى توقف غالبية الفحوصات المتخصصة للكشف عن الأمراض المعدية، ويتم حاليًا العمل على تجهيز الحد الأدنى من الفحوصات الضرورية بما تبقى من إمكانيات.
كيف أثر تدمير أكثر من 50% من الأجهزة المخبرية على قدرة المستشفيات على تقديم الخدمات الطبية؟
أكثر من 50% من أجهزة المختبرات دُمّرت أو خرجت عن الخدمة، فيما تعمل الأجهزة المتبقية تحت ضغط غير مسبوق، ما يؤدي إلى تعطلها بشكل متكرر ويؤخر نتائج الفحوصات، ويعيق التشخيص الدقيق والسريع للمرضى.
ما أنواع الفحوصات الأساسية التي توقفت تمامًا أو مهددة بالتوقف، وما خطورة ذلك على المرضى؟
الوضع يتجه إلى الأسوأ خلال أيام قليلة، إذ إن فحص CBC (عد الدم الكامل)—أحد أهم الفحوصات الأساسية لجميع أقسام المستشفيات—مهدد بالتوقف التام بسبب نفاد المواد اللازمة، كما تواجه فحوصات أملاح الدم، والفحوصات الكيميائية، وفحوصات سلامة وحدات الدم نفس الخطر، الأمر الذي يعني حرمان المرضى من التشخيص والعلاج الصحيح.
اضطرت مختبرات غزة منذ بداية الحرب لاستخدام طرق بدائية وبدائل يدوية في إجراء بعض الفحوصات لضمان استمرار تقديم الخدمة لأطول فترة ممكنة، رغم أن ذلك يستغرق وقتًا أطول ويستهلك جهدًا أكبر للكوادر المخبرية المحدودة أساسًا.
هل هناك نقص في الكوادر الفنية المختصة، أم أن المشكلة تركز على المعدات والمواد فقط؟
المشكلة الأساسية ليست في الكادر البشري، بل في غياب المواد والمستلزمات والمعدات التي تمنع المختبرات من العمل، وذلك ورغم مطالبات وزارة الصحة كافة المؤسسات والجهات الدولية بالتدخل العاجل لتوريد المواد المخبرية والأجهزة الضرورية.
مع الحاجة اليومية إلى 300 وحدة دم، ما تأثير نقص الدم على حياة المصابين والجرحى؟
الحاجة اليومية تصل إلى 300 وحدة دم نتيجة كثرة الإصابات الخطيرة، وتحذر الصحة من أن توقف العمل في المختبرات في أي لحظة قد يهدد حياة آلاف المرضى والجرحى في القطاع، في ظل استمرار العدوان وتردي البنية التحتية الصحية.
وما وصل إلى مختبرات القطاع من مواد مخبرية منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار يُعد ضئيلًا للغاية ولا يلبي الحد الأدنى من الاحتياج المتزايد، خاصة في ظل الأعداد الكبيرة من الجرحى والمرضى.
نسبة النقص الحاد في المواد المخبرية تجاوزت 70%، ما يعني أن معظم الفحوصات الأساسية باتت مهددة بالتوقف بسبب نفاد الأرصدة بالكامل تقريبًا.
كيف يمكن ضمان استمرار العمل في المختبرات إذا استمر الوضع الراهن أو تصاعد العدوان الإسرائيلي؟
المختبرات في القطاع تقف أمام حاجة ملحّة وعاجلة لإدخال أجهزة التحاليل المخبرية بجميع أنواعها، لا سيّما تلك المرتبطة بتشخيص ومتابعة حالات الأمراض المزمنة والخطيرة، إضافة إلى الجرحى الذين تتطلب إصاباتهم الحرجة فحوصات دقيقة ومستمرة.
استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المواد والمستلزمات والأجهزة المخبرية يهدّد بتوقف عمل المختبرات في أي وقت، الأمر الذي سيترك آثارًا خطيرة على حياة المرضى والجرحى.
وما تبقّى من مستلزمات تشغيلية لا يكفي إلا لفترة وجيزة، ما يجعل خدمات الفحوصات الحيوية مهددة بالانهيار الكامل إذا لم يتم التدخل العاجل.
ما الرسالة التي توجهونها للمجتمع الدولي بشأن دعم قطاع غزة الصحي ومنع توقف خدمات المختبرات وبنوك الدم؟
إذا لم يتم إدخال المواد والمستلزمات بشكل فوري، ستتوقف المختبرات عن تقديم العديد من الفحوصات العامة والضرورية، وسيدفع المرضى حياتهم ثمن هذا الانقطاع.
ويقف القطاع الصحي في غزة على شفا الانهيار الكامل، بينما تتضاءل فرص المرضى في الحصول على تشخيص صحيح أو علاج آمن في ظل حرب استنزفت كل مقدرات الحياة.