ماكينة القتل في سجون الأسد

ترجمة وتحرير: نون بوست

أمضت عائلة مطلق مطلق ما يقرب من عشر سنوات في البحث عنه بعد اعتقاله عام 2015، لكن دون جدوى. فعامًا بعد عام، كانوا يتوسلون إلى حراس فروع الأمن والسجون التابعة للرئيس بشار الأسد. وعندما أطيح بالأسد قبل عام، أخذوا ينقبون في المقابر الجماعية في سوريا.

لقطة شاشة لصورة شخصية (سيلفي) التقطها مطلق مطلق بالقرب من المطعم الذي اعتُقل منه في دمشق في فبراير/ شباط 2015، وقد قُتل أثناء احتجازه في ذلك العام نفسه.

وأخيرًا، وفرت صورة بعض الوضوح المروّع بشأن مصيره, فهي بمثابة أثر من بيروقراطية دولة قمعية، إذ أظهرت الصورة ذات الجودة العالية، مطلقًا عاريًا وعليه آثار التعذيب، وكان اسمه مكتوبًا بقلم أخضر على بطنه، فوق بقعة دم حمراء زاهية على وركه. وأشارت بيانات الصورة إلى أن بحث عائلته الطويل كان عبثًا، إذ أن مطلق توفي بعد أشهر قليلة من اعتقاله

وتُظهر صورة، قامت صحيفة واشنطن بوست بطمسها، جثة مطلق مطلق الذي قُتل أثناء احتجازه في سوريا عام 2015. (حصلت عليها شبكة القناة الألمانية العامة “إن دي آر”/الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين) تُعد هذه الصورة جزءًا من أرشيف ضخم يضم أكثر من 70 ألف صورة التقطها مصوّرو الة العسكرية السورية لتوثيق الوفيات، معظمها بين عامي 2015 و2024، وهي سنوات مثّلت ذروة الحرب الأهلية السورية. ومن بين هذه الصور، هناك 10,212 شخصًا قضوا في مراكز الاحتجاز أو بعد نقلهم من الاحتجاز إلى المستشفيات العسكرية.

تُظهر صورة، قامت صحيفة واشنطن بوست بطمسها، جثة مطلق مطلق الذي قُتل أثناء احتجازه في سوريا عام 2015.

تُعد هذه الصورة جزءًا من أرشيف ضخم يضم أكثر من 70 ألف صورة التقطها مصوّرو الشرطة العسكرية السورية لتوثيق الوفيات، معظمها بين عامي 2015 و2024، وهي سنوات مثّلت ذروة الحرب الأهلية السورية. ومن بين هذه الصور، هناك 10,212 شخصًا قضوا في مراكز الاحتجاز أو بعد نقلهم من الاحتجاز إلى المستشفيات العسكرية.

2015 / توفي 2,734 شخصًا أثناء الاحتجاز أو بعد نقلهم إلى المستشفيات العسكرية.

10,212 العدد الإجمالي للمعتقلين الذين تأكدت وفاتهم، وفقًا لفريق من الصحفيين في الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ). وأجرى الفريق تحليلًا للبيانات المستخلصة من الصور وأكد الأعداد السنوية. وقد سجّلت البيانات ما لا يقل عن 20 وفاة إضافية بين عامي 2012 و2013، لكن أرقام الفترة الممتدة بين 2012 و2014 غير مكتملة، ولذلك لم تُدرج تلك السنوات في الرسم البياني.

تُعد هذه المجموعة أكبر من الأرشيف السابق المعروف باسم “ملفات قيصر” الذي نُشر عام 2014 وكشف بتفاصيل مروّعة عن التعذيب والقتل داخل شبكة اعتقال الأسد. وقد حصلت القناة الألمانية العامة “إن دي آر” على المجموعة الجديدة وشاركتها في أكتوبر/تشرين الأول مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وشركاء آخرين، من بينهم صحيفة واشنطن بوست التي فحصت الملفات. ويضم الأرشيف أكثر من 30 ألف صورة للمعتقلين المتوفين، كثير منها التُقط من زوايا متعددة.

وكما حدث في تسريب “ملفات قيصر”، فإن الصور الجديدة سُرّبت أيضًا من ضابط عسكري سابق، وهو في هذه الحالة عقيد كان يرأس وحدة حفظ الأدلة التابعة للشرطة العسكرية في دمشق، بحسب القناة الألمانية العامة، التي أوضحت أن العقيد سلّم الملفات عبر وسطاء واشترط عدم الكشف عن هويته. وقد تمكنت واشنطن بوست من تأكيد صحة عدد من الصور عبر أقارب الضحايا، ونشرت صورتين بعد الحصول على موافقة عائلاتهم.

توثيق التعذيب والقتل في شبكة اعتقال الأسد:

وتُظهر الصور الجديدة أن كشف عام 2014 — الذي تصدّر عناوين الصحف العالمية وأسهم في إدانات بجرائم حرب في ألمانيا وأدى إلى فرض عقوبات أمريكية على نظام الأسد — لم يوقف الروتين الوحشي للدولة السورية: الاعتقال والتعذيب والقتل على نطاق صناعي للمعارضين وغيرهم، مع هوس النظام بتوثيق هذه الفظائع وكأنه لا يخشى شيئًا.

وكان غالبية الضحايا في الصور رجالًا، بعضهم مسنّون وآخرون يبدون مراهقين، وكثير منهم هُزلت أجسادهم حتى العظم. ومن بين القتلى عدد قليل من النساء، من بينهن امرأة توفيت في مارس/آذار 2024 وفقًا للبيانات الوصفية، وقد ظهرت ملفوفة بالضمادات مع جروح كبيرة في ظهرها وساقيها.

وكانت إحدى الصور تُظهر رضيعًا توفي عام 2017، ملفوفًا ببطانية خضراء، وذُكر في التعليق أنه ابن معتقلة في الفرع 235 سيئ السمعة، وهو مركز احتجاز تابع للاستخبارات العسكرية يُعرف أيضًا باسم “فرع فلسطين“.

وقال أنور البِنِّي، المحامي السوري البارز في مجال حقوق الإنسان الذي قضى وقتًا في سجون الأسد ويترأس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” في ألمانيا، إن حكومة الأسد كانت تشعر بـ”الراحة” وهي تواصل الإخفاء والقتل على نطاق مذهل. وأضاف: “في وقت التقاط هذه الصور، لم يكن أحد يتخيل أن النظام سيُحاسب”. وأوضح أن القوانين السورية منحت الرئيس وحتى أصغر عناصر الأمن “حصانة كاملة”.

المحامي السوري في مجال حقوق الإنسان أنور البِنِّي يتحدث إلى الصحفيين أمام المحكمة بعد صدور الحكم في محاكمة متهم سوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في مدينة كوبلنز بألمانيا، بتاريخ 24 فبراير/شباط 2021.

وقال البِنِّي إن الصور تكشف عن “تعذيب أكثر مما ورد في ملف قيصر الأول”. وتشير الصور الجديدة، إلى جانب شهادات الضحايا، إلى أن حجم القمع ربما ازداد، على الأقل لفترة من الزمن.

وبلغ عدد الصور في الأرشيف ذروته في السنوات الأولى، بين 2015 و2017، وهي الفترة التي اعتُقل فيها مطلق مطلق، حيث صُوّرت أكثر من 7,000 ضحية، بالتزامن مع تصاعد العنف خلال الحرب الأهلية بفعل هجمات المعارضة وتدخل روسيا العسكري لدعم حكومة الأسد.

أما في عام 2024، الذي انتهى بسقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول على يد فصائل معارضة يقودها الرئيس الحالي أحمد الشرع، فقد احتوى الأرشيف على ما يزيد قليلًا عن 100 صورة لمعتقلين. حينها كان نظام الأسد في أضعف حالاته، ويترنح تحت طائلة العقوبات الدولية ويفقد دعم حلفاء قدامى مثل جماعة حزب الله المدعومة من إيران، التي كانت تخوض حربًا مع إسرائيل.

وإذا كان عدد القتلى في المعتقلات أقل ذلك العام، فإن أسباب اعتقالهم لم تكن أقل تعسفًا. فقد قالت عائلة عبد الرحمن صفاف، الطالب الجامعي البالغ من العمر 30 عامًا الذي توفي في المعتقل بعد اعتقاله من منزله، إنها لم تستوعب سبب احتجازه.

وأُجبرت العائلة على توقيع وثيقة تفيد بأنها لن تحتج أو تسعى للانتقام لمقتل عبد الرحمن، كما اضطروا لدفع 300 دولار مقابل سيارة إسعاف لنقل جثمانه من دمشق إلى منزلهم في حماة، على بعد ثلاث ساعات شمالًا.

وقال والده صهيب صفاف: “أعلم أن ابني لم يفعل شيئًا”، مضيفًا أنه كان سيرسله إلى الخارج فورًا لو ظن أنه متورط في أمر ما، وأضاف: “أعتقد أنهم كسروا عنقه”.

تجمع الناس خارج مستشفى حرستا العسكري في ضواحي دمشق في 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، بعد أيام من سيطرة فصائل المعارضة الإسلامية على المدينة في هجوم خاطف أطاح بالرئيس بشار الأسد.

اعتقالات بلا سبب وجيه

وقال العقيد الذي سرّب الصور لـ “هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية العامة” إن معظم الضحايا الذين قضوا في المعتقل صُوّروا في مستشفى حرستا العسكري، شمال شرق دمشق، مضيفًا: “لا نعرف أين ماتوا”. وأوضح أن نحو نصف الأرشيف الضخم لا علاقة له بالمعتقلين، بل يضم صورًا لعسكريين قضوا في حوادث أو لأسباب أخرى مثل الانتحار.

وقد تكون بعض صور المعتقلين قد التُقطت في أماكن أخرى، فكثير منها يُظهر ضحايا عراة على أرضية شاحنات حديدية.

وفي مجموعة صور من عام 2015، ظهرت جثث ضحايا هزلى متناثرة داخل شاحنة، بعضهم مكتوب أسماؤهم على بطونهم، وآخرون مجهولون. وأشارت صفحة تأبين على الإنترنت لأحد الضحايا في تلك الشاحنة إلى أنه توفي في سجن صيدنايا، وهو سجن عسكري سيئ السمعة شمال دمشق. (كانت مثل هذه الصفحات شائعة؛ إذ غالبًا ما تسرّبت معلومات عن وفيات المعتقلين إلى عائلاتهم قبل سقوط الأسد وظهرت في منصات إلكترونية بعد رحيله).

وعلى أطراف كثير من الصور، ظهرت أقدام، بعضها يرتدي أحذية بيضاء أو ملفوفة بشاش طبي، ربما تعود لعاملين طبيين أو مصورين أو عناصر أمن أو حفّارين.

وخلال الفترة التي تغطيها هذه الملفات، احتُجز العديد من المعتقلين بلا سبب يبرر اعتقالهم، وفقًا لعائلاتهم، وبعضهم وقع ضحايا لمداهمات أمنية أو عند نقاط التفتيش، أو لمجرد انتمائهم لمدن اعتُبرت متمردة. وأكد البِنِّي أن كثيرين تعرضوا للاستجواب رغم عدم امتلاكهم أي معلومات، مشيرًا إلى أن السلطات في الواقع “لم تكن بحاجة إلى معلومات”.

وبعد مرور ما يقرب من عام على فرار الأسد إلى روسيا وإفراغ المتمردين للسجون، أصبح السوريون الباحثون عن أقاربهم ضمن شبكة الاحتجاز الشاسعة يعرفون في الغالب ما إذا كانوا أحياء أم أموات، بحسب البِنِّي. ومع ذلك، لا تزال هذه الصور تحمل دلائل حاسمة يمكن أن تساهم في مساءلة سوريا عن جرائم عهد الأسد، وهي عملية تقول منظمات حقوق الإنسان إنها بالكاد بدأت.

رجل في الخلف على اليسار يُساعد أثناء نقل بقايا قريب له تم التعرف عليه بين جثث تحمل علامات تعذيب في مشرحة أحد المستشفيات بدمشق في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2024

لم يتضح بعد ما إذا كان المدعون السوريون أو العائلات الساعية لمعرفة مصير أقاربهم سيتمكنون من الوصول إلى جميع الصور. وقال العقيد الذي سرب الصور إنه أخرج القرص الصلب الذي يحتوي على الصور من مقر الشرطة العسكرية، دون أن يوضح ما إذا كان يخطط لتسليمه للحكومة السورية الجديدة.

وخلال سنوات حكم الأسد، كانت صور الضحايا تُرسل بانتظام إلى القضاء العسكري، كجزء من عملية قانونية كان الهدف منها، بحسب قوله، إضفاء “شرعية” على الوفيات. لكن بعد إطاحة الأسد، فقدت الملفات وغيرها من الأدلة نتيجة نهب أو إحراق فروع الأمن والمحاكم.

ولم ترد الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا على أسئلة حول ما إذا كانت على علم بهذه الملفات أو لديها إمكانية الوصول إليها. وقالت زهرة البرازي، نائبة رئيس لجنة “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” في سوريا:  “كل هذه المواد يجب أن تُشارك مع الحكومة السورية لأسباب قضائية وأسباب أخرى.”

وقد شاركت هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية العامة 1,500 اسمًا لمعتقلين مستخرجة من أرشيف الصور، إلى جانب مجموعة منفصلة من ملفات استخباراتية تعود لعهد الأسد، مع منظمتين سوريتين غير حكوميتين والمؤسسة المستقلة للأمم المتحدة المعنية بالمفقودين في سوريا.

وتم أيضًا تسليم نسخة أخرى من المجموعة للمدعي العام الفيدرالي الألماني، الذي سبق له أن حصل على إدانات بحق مسؤولين سوريين متهمين بارتكاب فظائع.

اختُطف من مطعم

وظل باسم مطلق، شقيق مطلق مطلق، يحدق في الصورة طويلاً عندما عرضها عليه صحفيو واشنطن بوست في أواخر الشهر الماضي، بينما كان اثنان من أبناء مطلق الثلاثة يجلسان بجواره. وقد سبق للعائلة أن شاهدت ما ظنّوه صورة لجثة مطلق، أرسلها لهم شخص ما بعد سقوط حكومة الأسد، لكنها لم تكن له.

وتكشف الصورة عن ندوب مفتوحة حول عنق مطلق، وجروح عميقة فوق عينه اليسرى، وإصابة في إحدى يديه، وجسده العاري ممددًا على أرضية معدنية باردة. وعند رؤيتها، ذرف أحد الأبناء دموعه، وقال باسم إنه تعرف على شقيقه من يديه، إذ كانت تلك إبهاماته التي لا تخطئها العين.

كان مطلق من إنخل في محافظة درعا جنوبي سوريا، وانتقل مع عائلته إلى دمشق في عام 2011، بعد وقت قصير من اندلاع الانتفاضة ضد حكومة الأسد. وعمل في مطعم يُدعى “الأسيس”، الواقع في سوق كبير للخضار والفواكه في الهواء الطلق، حيث كان حينها يعمل العديد من الرجال الآخرين من إنخل.

مطعم “الأسيس” في دمشق حيث كان مطلق يعمل بتحضير السندويشات

في فبراير/ شباط 2015، بينما كان مطلق يحضر سندويشات الفلافل، وصل ضباط الأمن إلى خارج المطعم. وقبل ذلك بوقت قصير، كان المتمردون قد هاجموا نقطة تفتيش حكومية قرب إنخل، وكانت قوات الأمن تجوب المدينة لتوقيف الرجال، بحسب موظفي المطعم. واعتقل الضباط رئيس مطلق، مهند الحميد.

وقال مطلق، محاولًا لفت انتباههم: “ما الذي يحدث؟”، بحسب ما رواه الحميد لاحقًا في مقابلة؛ فرد أحد الضباط: “خذ هذا أيضًا”، وأمسكوا بمطلق، ليصبح هو الآخر ضحية للاعتقال.

بدأت الضربات فورًا، وحُشر الرجلان مع آخرين من العاملين في سوق الخضار داخل سيارة مغلقة. واستمر التعذيب في مركز احتجاز تابع للمخابرات العسكرية، حيث جرى استجوابهم مع تغطية أعينهم وتجريدهم من ملابسهم حتى الداخلية، ثم تعرّضوا لطرق تعذيب متعددة تحمل أسماء تبدو بريئة، مثل “الإطار” و“الكرسي”، لتُخفف بذلك من وحشية ما كانوا يعايشونه جسديًا ونفسيًا.

مهند الحميد، رئيس مطلق السابق، يظهر في صورة شخصية في سوريا. تم اعتقال الاثنين على يد السلطات السورية في نفس اليوم من فبراير/ شباط 2015: الحميد أولًا، ثم مطلق بعد أن سأل ضباط الأمن عن سبب اعتقال رئيسه

أُفرج عن الحميد بعد عدة سنوات، لكن ذلك لم يتحقق إلا بعد أن دفعت عائلته ما يعادل 26,000 دولار كرشوة لقاضٍ.

أما والدة مطلق، مريم، فقد قضت سنوات في رحلة يائسة للعثور على ابنها، متنقلة بين المحاكم ومراكز الاحتجاز. وقال باسم: “أحيانًا يقولون لا شيء، أحيانًا يكون بخير، أحيانًا يقولون إنه مات، وأحيانًا يقولون إنه حي. رجل واحد صرح لنا بالحقيقة، كان عضوًا في البرلمان، دفعنا له المال.”

أخبرهم عضو البرلمان أن مطلق قد مات، لكن مريم رفضت تصديق ذلك، مصممة على متابعة البحث عن الحقيقة مهما كلفها ذلك.

وبعد الإطاحة بالأسد وإفراغ السجون، زارت مريم المقابر الجماعية، بما في ذلك مقبرة في نجها خارج دمشق، في مارس/آذار الماضي، حيث تحدثت لفترة وجيزة إلى فريق من صحفيي واشنطن بوست، وقالت لهم، بصوت يفيض بالإرهاق والحزن: “أنا منهكة”.

خندق في مقبرة بلدة نجها، إحدى أكبر المقابر الجماعية في سوريا، جنوب دمشق، بتاريخ 3 مارس / آذار 2025. دفن في الموقع آلاف المعتقلين السياسيين الذين قضوا تحت التعذيب أو في ظروف غامضة أثناء احتجازهم لدى النظام

قريبًا من الزواج

ولم تضطر عائلة عبد الرحمن صفاف على البحث طويلاً عنه، فقد استلمت جثته بعد شهرين فقط من اعتقاله.

وحين تم اعتقاله في يونيو/ حزيران 2024، كان صفاف يدرس الماجستير في تكنولوجيا المعلومات، ويعمل في بيع أقمشة الملابس. وكان خاطبًا، وحدد موعد زفافه في يوليو/ تموز. وفي إحدى الأمسيات، عاد والده إلى المنزل ليجد ضباط المخابرات العسكرية متمركزين في الطابق السفلي، بحسب العائلة.

ونقل الأب عن أحد الضباط قوله:” نحن نعلم أن عبد الرحمن هنا؛ نريد استجوابه”. وكان صفاف في الطابق العلوي، يرتدي ملابسه استعدادًا للذهاب لرؤية خطيبته، دون أن يوضح له أحد سبب طلبه، وحاول الضباط طمأنة العائلة أثناء اقتياده، قائلين: “لن نحتفظ به لفترة طويلة”.

لكن بدلاً من ذلك، انطلق صفاف سريعًا في دوامة شبكة الاحتجاز المخيفة، من مقر الشرطة العسكرية في دمشق إلى فرع فلسطين. وأخبر أحد الأشخاص العائلة أنه مطلوب بتهمة الإرهاب وسيُحاكم، بينما قال آخرون: “ليس أمرًا كبيرًا، سيتم الإفراج عنه خلال شهر”، بحسب شقيقه الأصغر عبد الخالق، مضيفًا: “الجميع كان يريد المال”.

وكان والده، صهيب، قد حجز قاعة لزفاف عبد الرحمن في مدينة حماة، حيث يعيشون، وقال بمرارة: “كنا نؤجله كل شهر”.

صهيب صفاف، والد عبد الرحمن، ينظر إلى صورة ابنه في منزل العائلة بحماة

في أوائل أغسطس/ آب، سمع أفراد العائلة أن صفاف سيُفرج عنه، فجمعوا الأقارب للترحيب به في المنزل، ثم توجهوا إلى مستشفى تشرين العسكري في دمشق، وأُبلغوا بأنه ليس هناك، ثم ذهبوا إلى مستشفى حرستا العسكري، حيث أحس طبيب، بعد أن قال في البداية إن صفاف ليس هناك أيضًا، بالشفقة تجاه العائلة فأخبرهم بأن لديهم جثته.

وفي النهاية، أخبر المسؤولون العائلة أن صفاف قد توفي في مستشفى تشرين خلال أغسطس/ آب، ولم يُسمح لهم بأخذ جثته إلا بعد أسبوعين. وعند إحضاره للدفن، لاحظت العائلة بعض الندوب، لكنها لم تكن واضحة كما ظهرت لاحقًا في صورة الأرشيف العسكري الذي تم الكشف عنه حديثًا، بما في ذلك الجروح حول معصميه.

وفي مقابلة، تساءل أشقاء صفاف عما إذا كان قد عُلّق من معصميه، وهي طريقة تعذيب شائعة يُشار إليها في وثائق المخابرات باسم “التعليق على الشبكة”، وهل ربما قللت أسابيع احتجازه في ثلاجة مشرحة من وضوح ندوبه؟

أما تقرير الشرطة العسكرية، الذي أُبلغت به العائلة، فلم يوفر أي وضوح. فلم يذكر سبب اعتقاله، ولم يتحدث كثيرًا عن كيفية وفاته، مكتفيًا بالقول ببساطة:  “توقف قلبه وتنفسه”.

المصدر: واشنطن بوست