لماذا تسحب الكويت الجنسية من الآلاف؟

قضى مرسوم رسمي كويتي بسحب الجنسية من الداعية الشهير طارق السويدان، في تطور أعاد تسليط الضوء على حملة التجريد من المواطنة التي شهدتها الكويت خلال العامين الأخيرين.
ونشرت الجريدة الرسمية مرسوما موقعا من أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أنه “بناء على عرض النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الداخلية، وبعد موافقة مجلس الوزراء، تُسحب الجنسية الكويتية من طارق محمد الصالح السويدان، ومن اكتسبها معه بطريقة التبعية”.
لم يحدد المرسوم المادة الذي استُند عليها في سحب جنسية السويدان، لكن الكويت أعلنت سابقا أن من تُسحب جنسياتهم، إما قد يكونوا اكتسبوها عن طريق الغش، أو ارتكبوا جرما يستدعي سحبها، أو توافرت دلائل في قيام المسحوب جنسيته بالعمل على تقويض النظام.

متى وكيف بدأت حملة سحب الجنسيات؟
التوقيت: بدأت الحملة في 4 مارس/آذار 2024 بعد أشهر معدودة من وصول الأمير مشعل الصباح إلى الحكم في ديسمبر/كانون الأول 2023. وأعلنت الحكومة الكويتية وقتها عن 3 قرارات بسحب الجنسية، طاولت 11 مواطناً بينهم 8 نساء.
أول المستهدفين: كان أول وأبرز المستهدفين، رئيس “حزب الأمة” السياسي المعارض حاكم عبيسان المطيري الموجود خارج البلاد.
تغليف دستوري وتشريعي
عمل أمير الكويت على تغليف حملة سحب الجنسيات بإطار دستوري وتشريعي عبر عدة خطوات:
- حملة تنظيف: بعد حل البرلمان وتعليق مواد من الدستور في 10 مايو/أيار 2024، أطلق الأمير حملة وصفها بـ”تنظيف الجنسيات المزورة”.
- إنشاء اللجنة العليا لشؤون الجنسية: أنشأت بمرسوم أميري في 27 مايو 2024، ويرأسها وزير الداخلية وتضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية، وتتولى التحقيق في الملفات وتصدر قرارات أسبوعية تُنشر في الجريدة الرسمية.
- إلغاء مادة: في ديسمبر 2024 أعلنت وزارة الداخلية عن إلغاء المادة 8 التي كانت تسمح للمرأة الأجنبية بالحصول على الجنسية بعد 5 سنوات من الزواج، واستُبدلت بمنح إقامة طويلة الأمد دون جنسية، مع شرط الإقامة لمدة 15 سنة.
- تعديل المادة 13: ينص التعديل الجديد الذي صدر بنفس اليوم على إمكانية سحب الجنسية من أي شخص ارتكب جرائم تمس “الشرف أو الأمانة أو أمن الدولة أو المقدسات” أو إذا تصرف ضد مصالح الدولة وأمنها.
- تطبيق آليات المراجعة: أكد وزير الداخلية أن جميع الملفات يجري رقمنتها ومراجعتها إلكترونيًا، وأن هناك لجنة خاصة لتدقيق الحالات التي يشتبه في تزويرها، وهو ما تشكك به مؤسسات حقوقية.
ما حجم القرارات؟
لا توجد أعداد رسمية دقيقة للأشخاص المسحوبة جنسياتهم حتى الآن، لكن مصادر مختلفة تؤكد أن حجمها غير مسبوق في بلد يبلغ عدد مواطنيه حوالي 1.5 مليون:
- مراسيم أميرية وقرارات حكومية صادرة منذ مارس/آذار 2024 حتى 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أظهرت إلغاء جنسية 32,573 شخصًا.
- لكن مؤسسة “منّا لحقوق الإنسان” أو MENA Rights Group (غير حكومية مقرها جنيف)، قالت إن عدد من جردوا من الجنسية بين أغسطس وديسمبر لعام 2024 فقط، تجاوز 35 ألف شخص.
- صرح وزير الداخلية الكويتي أن عدد من سُحبت جنسياتهم بين يناير وأغسطس لعام 2025 فقط يقارب 50 ألف شخص.
- أُلغي تجنيس أكثر من 40 ألف امرأة حصلن على الجنسية عبر الزواج منذ 1987.

المبررات الرسمية والدلالات السياسية
تقدم الحكومة الكويتية عدة مبررات للحملة، أبرزها:
مكافحة التزوير والازدواجية: تؤكد السلطات أن كثيرًا من الجنسيات حصل عليها أصحابها بطرق غير قانونية، إما عبر التلاعب بسجلات الجنسية أو ازدواجية الجنسية، وأن اللجنة تستهدف “الجنسيات المزورة”.
استعادة الهوية الكويتية: الأمير مشعل يريد “إعادة الكويت إلى أهلها الأصليين”، عبر حصر الجنسية في “من يرثونها عن آبائهم وأجدادهم”، ما أدى إلى إلغاء جنسية آلاف النساء حصلن عليها عبر الزواج.
تصحيح الخلل الديمغرافي: الحملة مرتبطة بإحساس قومي بأن منح الجنسية لأعداد كبيرة خلال العقود الماضية أدى إلى حدوث خلل ديمغرافي، بحسب دراسة نشرها مركز الإمارات للسياسات.
إعادة تنظيم النظام السياسي: تؤكد الدراسة ذاتها أن الأمير يخطط لإعادة تشكيل النظام السياسي، إذ حل البرلمان وعلق مواد دستورية حتى “لا تستخدم الديمقراطية لتدمير الدولة”، كما أن تجريد الجنسية يُعد أداة للتحكم في الخريطة الانتخابية بإضعاف القبائل والفئات المعارضة وتسهيل تشكيل برلمان “منضبط”، وفق وصفها.
لكن يرى معارضون ومؤسسات حقوقية أن الحملة:
- ليست مجرد إصلاح إداري بل خطوة لتقليص التنوع السياسي والتأثير القبلي.
- منظمة MENA Rights Group تعتبرها عقابًا جماعيًا وتُحذر من غياب الشفافية وحق الدفاع.
- تأتي في سياق تنافس إقليمي على رسم الهويات الوطنية مع السعودية والإمارات اللتان تقاومان منذ سنوات منح الجنسية وتسقطانها عن المعارضين وتحاصران البدون.
- يرى كثيرون أن سحب الجنسيات يهدف إلى التخفيف من عبء الدعم الحكومي في ظل “إصلاحات اقتصادية”.
المتأثرون.. فئات اجتماعية وسياسية
- زوجات الكويتيين: القانون الكويتي لعام 1959 (المعدل) كان ينص في المادة 8 على منح الجنسية للنساء غير الكويتيات بعد خمس سنوات زواج من مواطن كويتي، قبل تعديله.
- التجنيس القَبلي والخدمات الخاصة: بعد استقلال الكويت عام 1961، منحت الحكومة الجنسية لآلاف البدو العرب (قبائل مطير، عجمان، عنزة وغيرها) لتعزيز الولاء، كما مُنحت لأشخاص أدوا “خدمات جليلة” أو لعائلات التجار بموجب المادة 13، لكن اليوم تُتهم بعض تلك الملفات بالتزوير.
- معارضون وفنانون وصحفيون: شملت القائمة شخصيات معروفة مثل رئيس مجلس الأمة السابق الشيخ نواف بن حسين المبنا (الغانم) والنائب السابق محمد حسين المهان والداعيان طارق السويدان ونبيل العوض والمطربة نوال الكويتية والممثل داوود حسين.
أين القضاء؟
رغم أن الدستور الكويتي يضمن حق التقاضي، فقد حصرت التعديلات الجديدة سلطة مراجعة الجنسية في السلطة التنفيذية وتحديدا في شخص وزير الداخلية.
وتنص الآلية على منح المتضرر إشعارًا وتسليم الوثائق الرسمية، لكن منظمات حقوقية تقول إن كثيرين تفاجؤوا بوقف رواتبهم ومعاشاتهم قبل التبليغ.
وأكدت مؤسسة MENA Rights Group، أن الحملة تخلو من رقابة قضائية وقد تحرم المتضررين من حقهم في الطعن. وأوضحت أن فاقدي الجنسية الجدد يتحولون إلى فئة “البدون”، فيفقدون حقهم في جواز السفر والبطاقة المدنية والتعليم والصحة المجانية والوظائف الحكومية ويتعرضون للفصل من أعمالهم ووقف معاشات التقاعد.