الأسلحة التي “اختُبرت في غزة”: كيف تُباع؟ ولمن؟

استخدمت “إسرائيل” حروبها المتكررة على قطاع غزة ليس فقط لإيقاع الدمار وقتل المدنيين، بل لتحويل القطاع إلى ساحة اختبار ميدانية لأسلحتها وتكتيكاتها العسكرية، تمهيدًا لتسويقها لاحقًا حول العالم.
ورغم الانهيار الحاد في صورة “إسرائيل” دوليًا بعد عمليات الإبادة الجماعية في غزة (2023 – 2025)، فإن صادراتها من الأسلحة حقّقت قفزات قياسية، وامتدّت صفقاتها من أوروبا إلى آسيا، ووصلت حتى إلى بعض الدول العربية. فكيف ارتبطت الحروب على غزة بازدهار سوق السلاح الإسرائيلي؟ وما أدوات التسويق المستخدمة؟ ومن هم أبرز المشترين؟
الحروب “مختبر” إسرائيلي.. أدوات تسويق الأسلحة
استضافت تل أبيب في ديسمبر 2025 معرض “أسبوع التكنولوجيا الدفاعية” (Israel Defence Tech Week) بحضور أكثر من 2000 مشارك، حيث عرضت شركات إسرائيلية خلاله فيديو يظهر طائرتين مسيرتين تضربان مبنى في غزة، في مشهد يستخدم لقطات مجزرة لتسويق الأسلحة.
وحثت “إسرائيل” مستوردي السلاح الأوروبيين والآسيويين على مشاهدة الفيديو باعتباره برهانًا على “فعالية” الأسلحة في حرب حضرية. وأوضحت تقارير غربية حديثة أن الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023 استُخدمت لاختبار ما يُسمّى “أنظمة استخبارات معزَّزة بالذكاء الاصطناعي”، سمحت بالموافقة على آلاف الغارات في اليوم الواحد، ما ينعكس لاحقًا في تسويق هذه الحلول التقنية لشركات السلاح.
وربط تحليلات أخرى بين هذا الاستخدام المكثَّف للذكاء الاصطناعي وبين حجم الدمار والضحايا المدنيين، مشيرة إلى أن هذه الأنظمة ستُطرح لاحقًا في الأسواق العالمية كحلول “ذكية” لإدارة القتال في المدن، ما يربط مباشرة بين المختبر الغزِّي وسوق السلاح الدولي.
وتؤكد مجلة 972 الإسرائيلية أن ما تسمى صناعة الدفاع في “تل أبيب” ترى في غزة “مختبرًا” لتجربة أسلحة جديدة ثم تسويقها على أنها “مجربة ميدانيًا”؛ إذ تتم تجربة أنظمة آلية وتقنيات مراقبة وسلاح جديد في الحرب قبل عرضها في المعارض.
وذكرت أن شركات ناشئة مثل “Smartshooter” أطلقت حملات علاقات عامة تتباهى بقدرات أسلحتها التي اُستخدمت لأول مرة في غزة.
ووصف الباحث نوام بيري من “لجنة أمريكا لخدمات الأصدقاء” (منظمة إغاثية) هذه الاستراتيجية بأنها عرض غير أخلاقي للعدوان؛ حيث يتم استخدام تجربة القتال في غزة كعامل ترويج أمام المستثمرين.
وأشار إلى أن صناعة الدفاع الإسرائيلية وسمت نفسها منذ أوائل الألفية الثانية “عاصمة الأمن الداخلي”، إذ جرى تسويق أنظمة المراقبة والسيطرة على أنها مصقولة في ساحات غزة والضفة.
تحقيقات صحفيين استقصائيين مثل الألماني أنتوني لوفنشتاين والأمريكي كريس هيدجز تذهب في الاتجاه نفسه؛ إذ أكدا أن إسرائيل تنظر إلى الفلسطينيين في غزة على أنهم “حقل تجارب” لتكنولوجيا المراقبة والسلاح.
وأشار الصحفيان إلى أن الشركات الإسرائيلية تستخدم صيغًا تسويقية مثل “مجرَّب على الحدود” أو “مستخدم في غزة” لزيادة جاذبية منتجاتها أمام المشترين.

طفرة في صادرات السلاح الإسرائيلية
أرقام قياسية: أظهر تقرير لوزارة جيش الاحتلال أن قيمة صادرات الدفاع ارتفعت بنسبة 13 % عام 2024 لتبلغ 14.8 مليار دولار، أي أكثر من ضعف القيمة المسجَّلة قبل خمس سنوات.
وقالت الوزارة خلال بيان في يونيو/حزيران 2025 إن حوالي 57 % من الاتفاقيات الموقعة عام 2024 كانت “صفقات ضخمة” تبلغ قيمة كل منها 100 مليون دولار على الأقل.
أبرز الشركات: معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI يضع ثلاث شركات أسلحة إسرائيلية ضمن قائمة أكبر 100 بالعالم وهي إلبيت سيستمز ورافائيل وشركة صناعات الطيران والفضاء، وتشير بيانات 2024–2025 إلى نمو إيراداتها بنسبة 16٪، مدفوعة بالحرب في غزة وأوكرانيا.
توجه المشترين: شكّلت أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ والقذائف ما نسبته 48 % من الصفقات (مقابل 36 % في 2023)، تلتها المركبات والمدرعات بنسبة 13 %، وحظيت الطائرات المأهولة والمسيّرة وأجهزة الرادار بنصيب أقل.
أسباب الارتفاع: ترجع وزارة جيش الاحتلال هذه الطفرة إلى عاملين رئيسيين:
- الحرب على غزة وما صاحبها من استخدام أنظمة إسرائيلية في جبهات أخرى (مثل اعتراض الهجمات الإيرانية في 2024).
- زيادة الطلب الأوروبي على أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى وصواريخ اعتراضية، بسبب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
الزبائن الرئيسيون ومناطق التصدير
أوروبا
أصبحت الزبون الأكبر للسلاح الإسرائيلي في 2024، إذ استحوذت على 54% من الصادرات، وخاصة أنه يسوق اليوم باعتباره “مجرب عملياتيًا” في اعتراض صواريخ باليستية بعيدة المدى، بما في ذلك الهجمات الإيرانية.
وقد ارتفع الطلب بشكل كبير مع الحرب في أوكرانيا، ما دفع دولًا مثل ألمانيا إلى شراء نظام الدفاع الصاروخي Arrow 3 – أكبر صفقة في تاريخ صناعة الدفاع الإسرائيلية – بقيمة 3.5 مليار دولار.
ووقّعت رومانيا عقدًا للحصول على راجمات صواريخ إسرائيلية واتفقت اليونان على شراء أنظمة دفاع جوية وصواريخ بالستية قصيرة المدى.
آسيا والمحيط الهادئ
شكلت هذه المنطقة 23 % من الصادرات، إذ تصدّر إسرائيل طائرات مسيّرة وأنظمة صاروخية إلى الهند وسنغافورة وكوريا الجنوبية.
وتُعد الهند أكبر مشترٍ للأسلحة الإسرائيلية خلال العقد الماضي، وتشمل صفقاتها صواريخ “باراك 8” وطائرات الاستطلاع “هاروب”.
وأوضحت رويترز في فبراير/شباط 2024 أن قيمة ما استوردته نيودلهي من معدات إسرائيلية عسكرية خلال عقد واحد بلغت نحو 2.9 مليار دولار، تشمل رادارات وطائرات مسيرة وصواريخ.
أمريكا الشمالية
رغم العلاقات الأمنية القوية، استحوذت الولايات المتحدة وكندا على 9% فقط من المبيعات الإسرائيلية للأسلحة. إذ يعتمد الجيش الأمريكي على صناعاته المحلية بينما تركز المشتريات الإسرائيلية على تكنولوجيا بعينها (مثل الدرع المضاد للطائرات بدون طيار).
الدول العربية
منذ توقيع اتفاقات التطبيع عام 2020، ارتفعت مبيعات السلاح لدول عربية إلى 12% من إجمالي الصادرات، ففي 2023 اشترت المغرب منظومة “باراك MX” للدفاع الجوي، كما حصلت البحرين والإمارات على أنظمة رادار ومسيّرات.
تقارير تحليلية مبنية على بيانات SIPRI والمونيتور تشير إلى أن المغرب، مثلًا، جعل إسرائيل ثالث أكبر مورّد للسلاح له في الفترة بين 2019–2023، بحصة تقارب 11 ٪ من وارداته العسكرية، بينما توسّع التعاون الدفاعي مع الإمارات والبحرين في مجالات الدفاع الجوي والمراقبة.
وتثير هذه الصفقات انتقادات من المؤسسات الحقوقية كونها تجري في ظل استخدام الأسلحة نفسها ضد الفلسطينيين وتغذي عمليات الإبادة الجماعية في غزة.