3 تغييرات أوروبية صارمة تمس طالبي اللجوء العرب

يتحرك الاتحاد الأوروبي بخطى عملية نحو إعادة تشكيل حياة الآلاف من طالبي اللجوء، وخاصة العرب منهم، الذين فرّوا من الحروب وعدم الاستقرار في سوريا والعراق واليمن وبلاد عربية أخرى، ففي 8 ديسمبر 2025، أعلن وزراء الداخلية في دول الاتحاد الأوروبي التوصل إلى “موقف تفاوضي نهائي” بشأن حزمة قوانين جديدة للهجرة والعودة؛ وهي خطوة تمهيدية قبل اعتمادها النهائي من البرلمان.
ولأول مرة تُمنح الدول الأعضاء إمكانية إرسال من رُفضت طلباتهم إلى “بلدان ثالثة” أو مراكز ترحيل خارج أوروبا، مع فرض عقوبات أشد على من يرفض مغادرة الاتحاد، بما في ذلك تمديد فترات الاحتجاز.
وعلى الرغم من أن الاتفاق ما زال في مراحله التفاوضية، فإنه يؤشر إلى تحول كبير في التعامل مع ملف الهجرة، نتيجة ضغوط سياسية وإعلامية كبيرة، وتصاعد الدعم للأحزاب اليمينية في عدة دول أوروبية.
أبرز التغييرات الجديدة
1- مراكز ترحيل خارج الاتحاد الأوروبي
بموجب الاتفاق الجدد، يجوز للدول الأعضاء عقد اتفاقات مع بلدان خارج الاتحاد لإنشاء مراكز لاستقبال المهاجرين الذين رُفضت طلبات لجوئهم بانتظار الترحيل، شرط وجود اتفاقيات ثنائية واحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
في السابق، كان يجب أن تربط طالب اللجوء صلة قوية بالبلد الثالث، لكن الاتحاد الأوروبي ألغى هذا الشرط، ما يتيح إنشاء مراكز ترانزيت أو مراكز إقامة دائمة حيث يمكن احتجاز الأشخاص لفترات طويلة.
وافقت أغلبية الدول الأعضاء على هذا التوجه لأسباب سياسية، منها السيطرة على الحدود وإرضاء الرأي العام، لكن هناك انقسام، إذ شككت فرنسا في قانونية وجدوى هذه المراكز، في حين أن إسبانيا ليست مقتنعة بفعاليتها بعد تجارب سابقة فاشلة. ورغم هذه التحفظات، حظيت الخطط بدعم نواب من أحزاب وسطية ويمينية، مما يعزز فرص تمريرها بالبرلمان.
2- إعادة تعريف الدول الآمنة
في خطوة مرتبطة بملف المراكز الخارجية، اتفق الوزراء على تحديث مفهوم “الدولة الثالثة الآمنة”، إذ يمكن اعتبار الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد وبلدان مثل بنغلاديش وكولومبيا ومصر والهند وكوسوفو والمغرب وتونس ضمن قائمة الدول “الآمنة” التي يمكن الترحيل إليها.
وهذا يعني أن طالبي اللجوء الذين جاءوا من هذه البلدان أو مروا عبرها يمكن أن يعادوا إليها، كما يشمل ذلك الترحيل إليها كدول ثالثة حال وجود اتفاقية بينها وبين الاتحاد الأوروبي.
والهدف المعلن هو تسريع إبعاد من لا يحق لهم البقاء، إذ تشير بيانات المفوضية الأوروبية إلى أن نحو 20% فقط من قرارات الترحيل تُنفذ حالياً.
3- تشديد العقوبات وفترات الاحتجاز
- عقوبات على رافضي المغادرة: في ظل النظام المقترح، إذا رفض اللاجئون المغادرة طوعاً بعد صدور قرار الترحيل، يمكن للدول الأعضاء فرض عقوبات تشمل سحب أو تخفيض المعونات الاجتماعية، منع تجديد تصاريح العمل، أو حتى السجن.
- إطالة مدة الاحتجاز – يسمح النظام الجديد بحجز الأشخاص الذين صدر بحقهم أمر بالعودة لفترة أطول من المدد المعمول بها حالياً، كما يمكن للدول فرض منع دخول يصل إلى 10 سنوات أو أكثر على من تعتبرهم تهديداً أمنياً.
- توسيع الصلاحيات: ستُلزم القوانين الجديدة طالبي اللجوء الذين صدرت بحقهم قرارات ترحيل بتوفير بياناتهم البيومترية والبقاء على اتصال دائم مع السلطات، مع إمكانية مداهمة منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم. كما تسمح بإصدار أوامر عودة أوروبية مشتركة، مما يعني أن أي قرار ترحيل صادر في دولة واحدة يصبح ملزماً في جميع دول الاتحاد.

آلية توزيع اللاجئين بين الدول الأوروبية
على مستوى الدول المضيفة، حافظت ألمانيا لسنوات على صدارة استقبال الطلبات، تليها إسبانيا ثم إيطاليا وفرنسا واليونان في المراكز التالية، لكن بجانب سياسات الترحيل، اتفق الوزراء على “آلية تضامن” جديدة تتيح للدول المشاركة اختيار أحد مسارين:
- استقبال جزء من اللاجئين
- تقديم دعم مالي
بالنسبة لعام 2026، يتوقع أن يصل حجم التضامن المذكور إلى 21 ألف عملية نقل أو 420 مليون يورو (ما يعادل 20 ألف يورو عن كل لاجئ).
الدول التي تستقبل أعداداً كبير ستستفيد من هذا الدعم، بينما تستطيع دول أخرى دفع مساهمات مالية بدلاً من استقبال اللاجئين. ورغم وجود اتفاق مبدئي، تشير التقارير إلى أن وزراء الداخلية واجهوا صعوبة في الإعلان عن عدد اللاجئين الذين ستستقبلهم كل دولة، خوفاً من ردود الفعل المحلية. وهو ما يفسر استمرار الخلافات حول التوزيع العادل، مع تفضيل بعض الحكومات المساهمة المالية بدلاً من استقبال طالبي اللجوء.
بالأرقام.. اللاجئون وطالبو اللجوء
شهدت السنوات الأخيرة تغيراً ملحوظاً في حجم وتوزيع طالبي اللجوء واللاجئين داخل الاتحاد الأوروبي.
الطلبات الكلية: شهدت انخفاضاً بنسبة 13 % عام 2024 مقارنة بعام 2023، بعدد كلي بلغ 911,960 طالب لجوء.
تراجع الأعداد: النصف الأول من عام 2025 سجّل تراجعاً أعمق، بانخفاض نسبته 23 % عن الفترة نفسها من 2024، ليصل مجموع الطلبات إلى حوالي 399 ألفا.
الدول المتصدرة: تمثلت في سوريا وأفغانستان منذ عام 2015، لكن حدثت تغيرات خلال العام الأخير.
السوريون: في عام 2024، قدم 147,965 سورياً طلبات لجوء – ما يعادل 16.2 % من إجمالي الطلبات، لكن سقوط نظام الأسد غير المعادلة. فقد انخفضت الطلبات إلى نحو 25 ألف طلب في النصف الأول من 2025، بنسبة 66 % مقارنة بالفترة نفسها من 2024، ما جعل السوريين يتراجعون إلى المركز الثالث بعد الفنزويليين والأفغان.
الطلب الشهري للسوريين: هبط من حوالي 16 ألف طلب في أكتوبر 2024 إلى نحو 1000 في مايو 2025.
الأفغان: قدموا نحو 72155 طلباً عام 2024، وتراجعوا قليلاً بالنصف الأول من 2025 إلى 42 ألف طلب وظلوا ثاني أكبر مجموعة تطلب اللجوء.
فنزويلا: أصبحت المصدر الأول لطلبات اللجوء مع استمرار الأزمة الاقتصادية والسياسية فيها.
التأثيرات المحتملة
بالنسبة للاجئين وطالبي اللجوء العرب، خاصة السوريين والعراقيين والسودانيين واليمنيين، قد يؤدي إدراج دول مثل مصر والمغرب وتونس على قائمة “البلدان الآمنة” إلى إعادتهم إليها رغم عدم وجود صلة شخصية لهم بها. إضافة إلى ذلك، فإن تشديد الاحتجاز وفرض عقوبات على عدم التعاون سيجعل مسار اللجوء أكثر صعوبة وتعقيدًا.
وتحذر منظمات حقوقية مثل العفو الدولية من أن التحول نحو مراكز خارجية، سيترك اللاجئين في أوضاع قانونية غير مستقرة وقد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، ما يحمل مخاطر خاصة للفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال القادمين من بلدان عربية مضطربة.
كما أن “الإجراءات القمعية” يمكن أن تضر بفرص دمج اللاجئين الذين قد يحصلون على حماية لاحقًا. فالاحتجاز المطول يعيق تعلم اللغة والتعليم والعمل، كما أن الرأي العام الذي يربط الهجرة بالعنف قد يزيد من التمييز ضد اللاجئين العرب.