لماذا تنهار الإغاثة الدولية في السودان؟

في السودان، حيث تتقاطع الحرب مع الجوع والنزوح، تتجه منظمات إنسانية رئيسية إلى خفض المساعدات بسبب عجز التمويل وتراكم الأزمات عالميًا، في لحظة يعتمد فيها ملايين السودانيين على الإغاثة بوصفها خط الدفاع الأخير عن البقاء.
هذا التحول لا يهدد بتقليص الدعم الغذائي فحسب، بل ينذر بتآكل القدرة الإنسانية على الاستجابة، ويترك الفئات الأشد هشاشة أمام مخاطر مفتوحة بلا بدائل واضحة، فمن ينسحب من مشهد الإغاثة في السودان بسبب الحرب بين الجيش ومليشيات الدعم السريع، وما كلفة ذلك على الغذاء والصحة والنازحين، وهل يمكن تعويض هذا الفراغ عبر مسارات بديلة أم أن الأزمة مقبلة على طور أكثر قسوة؟
قرارات مؤلمة
- في 12 ديسمبر، أعلن برنامج الأغذية العالمي (WFP) أنه سيخفض حصص الغذاء للسودانيين اعتباراً من يناير 2026 بسبب عجز تمويلي كبير.
- المساعدات ستقتصر على 70٪ من حصة المجتمعات التي تواجه المجاعة، و50٪ للذين يواجهون خطر المجاعة.
- الموارد الحالية تكفي لعدة أشهر فقط في ظل عجز تمويلي بنسبة 34٪ في 2025.
- يحتاج البرنامج 700 مليون دولار لضمان استمرار الإمدادات لمدة ستة أشهر، ويحذر من انهيار الوضع قبل ذلك.
- الأزمة المالية لا تقتصر على “الأغذية العالمي”، إذ أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن ميزانيتها لعام 2026 ستنخفض بنسبة 17٪ مقارنة بميزانية 2025، ما يفرض تقليص برامج ودعم طارئ في عدة دول بينها السودان.
- أظهر تقرير لشبكة ACAPS أن قرار الإدارة الأمريكية في يناير 2025 بتجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً أدى إلى وقف برامج حيوية في السودان، لأن واشنطن كانت تمثل 44% من التمويل الإنساني في هذا البلد.
- نتيجة لذلك، اضطر عدد من المنظمات الدولية والمحلية إلى إنهاء عقود موظفين وتقليص برامج غذائية وصحية في السودان.
أرقام قاسية
الحرب أدت إلى أكبر أزمة إنسانية بالعالم، انعكست في أحدث تقرير لـ”يونيسف” كالتالي:
- يحتاج 30.4 مليون شخص في السودان إلى مساعدات عاجلة في 2025، منهم 15.6 مليون طفل.
- تجاوز معدل سوء التغذية الحاد عتبة الطوارئ (15%) في معظم الولايات، وبلغ ببعض المناطق أكثر من 30%، ما يعادل حالة مجاعة.
- 24.6 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويواجه حوالي 770 ألف طفل خطر الهزال الشديد.
- أكثر من 11.6 مليون شخص نزحوا داخلياً أو إلى البلدان المجاورة، وخرج 17 مليون طفل من المدارس.
- تعطلت 70% من المرافق الصحية، ويواجه 3.4 مليون طفل دون الخامسة خطر انتشار الأمراض.
- 1.4 مليون طفل يعيشون في مناطق تعاني المجاعة أو معرضة لخطرها و150 ألف طفل بولاية شمال دارفور يعانون سوء تغذية حاد.
- هذه المؤشرات تبرز أن السودان يعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الدولية لتأمين الغذاء، الصحة، التعليم والمياه.
الفئات الأكثر تضرراً
- يُعد الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات والنازحون داخلياً أكثر الفئات عرضة للتأثيرات.
- تشير “يونيسف” إلى أن ما لا يقل عن 130 ألف طفل محاصرون في الفاشر بشمال دارفور ولا يستطيعون الحصول على العلاج أو الغذاء.
- يعاني النازحون في معسكرات دارفور وولاية الخرطوم من انعدام الأمن الغذائي ونقص مياه الشرب والرعاية الصحية.
- في دارفور، تضطر الأسر إلى تقليل الوجبات والبقاء على وجبة واحدة يومياً في كثير من الأحيان.

ماذا بعد؟
تصريحات “الأغذية العالمي” تشير إلى أن التخفيض الحالي ليس النهاية؛ إذ وصف روس سميث مدير الاستعداد للطوارئ والاستجابة في البرنامج، الوضع بأنه “منحدر خطير” قد ينهار بعد أبريل 2026 إذا لم تصل تمويلات جديدة.
السيناريو المطروح هو تحول التخفيض إلى موجة مجاعة أوسع إذا استمر نقص التمويل وأعيق وصول المساعدات وتواصل القتال، إذ سينخفض الوصول إلى الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الجوع الحاد والوفيات.
وقد تضطر الأسر إلى اللجوء استراتيجيات يائسة مثل تقليل الوجبات أو بيع الأصول المتبقية للبقاء على قيد الحياة، كما سيتعرّض النازحون في معسكرات دارفور وولاية الخرطوم لمزيد من المخاطر الصحية نتيجة الاكتظاظ وسوء التغذية.
أما في حال توقفت البرامج الصحية، فسيؤدي ذلك إلى انتشار الأمراض المعدية وتدهور حالة النظام الصحي المنهك. وتوّضح “يونيسف” أن فجوات التمويل الكبيرة أدت بالفعل إلى تقليل الخدمات التعليمية والحماية، ما يترك الأطفال دون تعليم ورعاية نفسية.
وتحذّر “يونيسف” وبرنامج الأغذية العالمي من أن جيلًا كاملاً من الأطفال قد يعاني أضرارا لا يمكن إصلاحها، وأن السودان قد يواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة.
ما حجم مساهمات الدول العربية؟
قطر
- في المؤتمر رفيع المستوى للمانحين في جنيف، تعهدت عام 2024 بتقديم 50 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية للسودان والخطة الإقليمية للاجئين.
- سيرت جسراً جوياً نقل 318 طناً من المساعدات من الغذاء والملابس والمواد الطبية بقيمة تجاوزت 4 ملايين دولار بالإضافة إلى إجلاء 1,784 شخصا.
- في نوفمبر 2025، أوصل صندوق قطر للتنمية بالتعاون مع “قطر الخيرية” 3 آلاف سلة غذائية و1,650 خيمة إلى مدينة الدبة بشمال السودان، ونصبت مخيماً، استفاد منه أكثر من 50 ألف شخص.
- وزعت قطر الخيرية منذ بدء الحرب 5,715 طناً من المواد الغذائية من خلال 142,880 سلة غذائية وصلت إلى 887,000 مستفيد.
- إجمالي مساعدات قطر للسودان خلال العقدين الماضيين تجاوزت مليار دولار.
السعودية
- في أبريل 2023، تعهد مركز الملك سلمان للإغاثة بتقديم 100 مليون دولار كمساعدات إنسانية للسودان وأطلق حملة تبرعات وطنية.
- تُظهر بيانات خدمة التتبع المالي (FTS) للأمم المتحدة أن مساهمات المملكة للسودان ضمن خطة الاستجابة لعام 2025 بلغت حوالي 3.1 ملايين دولار، موزعة على أربعة مشاريع تشمل دعم التنسيق والمياه والصحة وحماية الأطفال.
- على المستوى الميداني، وزّع المركز في نوفمبر 2025، نحو 1,200 سلة غذائية في ولاية سنار استفاد منها 9,027 شخصاً، كما وزع في اليوم ذاته 800 سلة غذائية في ولاية الخرطوم استفاد منها 5,239 شخصاً.
- في أبريل 2024، وقّع المركز اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي بقيمة 1.4 مليون دولار لعلاج سوء التغذية لدى نحو 35 ألف طفل وامرأة حامل أو مرضعة في السودان وجنوب السودان.
- على الرغم من أن المملكة موّلت برنامج الأغذية العالمي بأكثر من 2.2 مليار دولار خلال العقدين الماضيين على مستوى العالم، فإن الجزء المخصص للسودان لا يوازي حجم العجز الحالي في التمويل.
الكويت
- تبرعت في نوفمبر 2025 بـ 4 ملايين دولار لتمويل مشروعين بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعزيز الصمود والوصول إلى الطاقة المتجددة ودعم التعافي الزراعي بالسودان.
- المشروع الأول، بقيمة 6.8 ملايين دولار بتمويل مشترك مع سويسرا وUNDP، يهدف إلى دعم 160 ألف شخص في ولايات كسلا والقضارف والبحر الأحمر، من خلال دعم الزراعة المقاومة للمناخ وتحسين سلاسل القيمة وإيصال المياه والطاقة النظيفة.
- المشروع الثاني، الذي تموله الكويت بالكامل بمليوني دولار، فوفر نظم ري تعمل بالطاقة الشمسية ويدعم 500 ألف مزارع في ولايات النيل الأبيض والجزيرة وكسلا والبحر الأحمر.
- تشير بيانات UNDP إلى أن مساهمات الكويت في مشاريع إنمائية بالسودان منذ عام 2013 بلغت 18.6 مليون دولار.
- إضافة إلى ذلك، وقّع الهلال الأحمر الكويتي واللجنة الدولية للصليب الأحمر في أكتوبر 2025 اتفاقية بقيمة مليوني دولار لتعزيز الخدمات الصحية للفئات الضعيفة في السودان، وهو ما يعكس استمرار الدعم الصحي والإنساني.
وعلى الرغم من أهمية هذه المساهمات، فإنه لا يمكن اعتبارها بديلاً للبرامج التي تقدمها المنظمات الدولية الكبرى، إذ يغطي تعهد قطر البالغ 50 مليون دولار، وسلال الغذاء والتخييم، وعدة مشروعات سعودية وكويتية عشرات أو مئات آلاف المستفيدين، لكن يحتاج برنامج الأغذية العالمي وحده 700 مليون دولار لمواصلة تقديم خدماته خلال ستة أشهر، كما وتتجاوز خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة 4.2 مليار دولار.