هجوم بوندي: 5 طرق استخدمها الإعلام الغربي لربط الحدث بغزة والمسلمين

ربط تقارير غربية الحادثة بالاحتجاجات في أستراليا ضد الحرب الإسرائيلية بغزة

أثارت تغطية عدد من وسائل الإعلام الغربية للهجوم الذي استهدف مهرجان حانوكا اليهودي في شاطئ بوندي الأسترالي جدلًا واسعًا، بعدما تجاوزت في بعض معالجاتها حدود السياق الصحفي المهني، وانتقلت سريعًا إلى استدعاء قوالب تفسيرية جاهزة.

أعادت هذه التغطيات إنتاج خطاب يربط الحدث تلقائيًا بالمسلمين و”معاداة السامية”، فيما أقحمت حرب غزة والانتفاضة الفلسطينية في سردية الهجوم، رغم أن التحقيقات الرسمية لم تثبت أي صلة للمنفذين بتنظيمات أو دوافع أيديولوجية محددة.

يرصد هذا التقرير كيفية تناول صحف ومواقع غربية شهيرة للحادثة التي وقعت في 14 ديسمبر/ كانون الأول، ويفكك مواطن الخلل والتحيز في معالجاتها، ويسلط الضوء على الفجوة بين الوقائع المؤكدة والخطاب الإعلامي المقدم للجمهور.

عناوين وتغطيات الوسائل الغربية

وكالة رويترز

  • “معاداة السامية”: ادعت رويترز أن الهجوم كان “الأكثر خطورة ضمن سلسلة من الهجمات المعادية للسامية منذ حرب إسرائيل في غزة”، ووضعت الحدث في سياق “تزايد الكراهية ضد اليهود”، وفق زعمها.

  • استدعاء الاعتراف بفلسطين: ذكرت الوكالة البريطانية أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقد اعتراف أستراليا بدولة فلسطين وقال إنه يغذي العداء، في محاولة لإظهار أن الهجوم يأتي انعكاسا لهذه الخطوة.

  • الربط بحرب غزة: تقرير آخر لرويترز ربط الحادث بالاحتجاجات في أستراليا ضد الحرب الإسرائيلية بغزة، وركز على مطالبة الحكومة الأسترالية بتشديد القوانين لحماية اليهود ولم يبرز التطمينات المقدمة للجالية المسلمة.

الغارديان

  • تلميح إلى الإسلام: رغم تصريح رئيس الوزراء الأسترالي بعدم وجود دليل على ارتباط المهاجمين بخلية معينة، فقد وصفته الصحيفة بأنه هجوم “إرهابي”، ما رأى البعض أنه محاولة لوصم المسلمين به خاصة أن المنفذين (أب وابنه) من أصول باكستانية مسلمة.

  • اتهام مؤيدي فلسطين: في مقال تحليلي آخر، نقلت الغارديان آراء تتهم “عناصر مناصرة للفلسطينيين” بتأجيج خطاب الكراهية ضد اليهود وخاصة بعد الحرب على غزة.

  • تجاهل الآراء الأخرى: الغارديان اهتمت بتصريحات المسؤولين الرسميين في أستراليا حول الحادثة، لكنها لم تعطِ المساحة نفسها لبيانات منظمات إسلامية أو عربية تستنكر الحادث.

ربطت بعض وسائل الإعلام الغربية الهجوم بما أسمته "التحريض المعادي للسامية" عقب الحرب في غزة
ربطت بعض وسائل الإعلام الغربية الهجوم بما أسمته “التحريض المعادي للسامية” عقب الحرب في غزة

وسائل إعلام أخرى

  • قناة PBS ونيويورك تايمز: اختارتا عناوين بأحكام مسبقة مثل “إطلاق نار جماعي في مهرجان يهودي يُؤجج المخاوف من معاداة السامية” و”يشعر يهود أستراليا بالتخلي عنهم بعد هجوم معادٍ للسامية”.

  • سي إن إن وبي بي سي: ربطت القناتان الهجوم بما أسمته “التحريض المعادي للسامية” عقب الحرب في غزة، من دون التطرق إلى بيانات الإدانة التي أصدرها المجتمع المسلم في أستراليا للحادثة.

  • ذا أتلانتك ونيويورك تايمز: وضعتا حادثة بوندي في سياق الانتفاضة الفلسطينية وحرب غزة، لتقدما إطارًا سياسيًا جاهزًا يسبق نتائج التحقيق ويوجّه القارئ لقراءة الهجوم كامتداد لصراع قضية فلسطين داخل الغرب.

مكامن الخلل في التغطية

  1. الربط التلقائي بين الهجوم والقضية الفلسطينية: أعادت أغلب الوسائل الغربية الهجوم إلى “معاداة السامية” في سياق حرب غزة، رغم عدم وجود إعلان رسمي يدل على ذلك، في ربط قد يصرف الانتباه عن أسباب أخرى.

  2. إغفال التنديد الإسلامي والعربي: لم تبرز تقارير رويترز أو الغارديان بيانات الإدانة الصادرة عن المجلس الأسترالي للأئمة أو المنظمات الإسلامية، والتي وصفت الهجوم بأنه جريمة مروعة ودعت للوحدة، مما قد يعطي صورة أن المسلمين متهمون أو غير معنيين بإدانة العنف.

  3. التركيز على الهوية: ركزت بعض التقارير على هوية منفذي الهجوم وأصولهم، ووصفت الحدث بأنه جزء من تهديد ما تزعم أنه “الإرهاب الإسلامي” من دون تقديم أدلة.
  4. تعميم التهمة على نحو يُغذّي الإسلاموفوبيا: التلميح إلى المسلمين يحمّل مجتمعات بأكملها مسؤولية أفعال أفراد، مما يعرضهم في أستراليا وغيرها من الدول الغربية لأجواء عداء وكراهية.

  5. تفويت السياق التاريخي للتمييز ضد المسلمين: تنقل التقارير إحساس اليهود بالخوف لكن لا تتناول التاريخ الطويل للعنصرية ضد العرب والمسلمين في أستراليا، ولا تستحضر أن تجريد بعضهم من الجنسية أو تشويه صورهم في الإعلام قد يغذي ردود فعل متطرفة.

أعادت التغطيات الغربية إنتاج خطاب يربط الحدث تلقائيًا  بالمسلمين و"معاداة السامية"
أعادت التغطيات الغربية إنتاج خطاب يربط الحدث تلقائيًا  بالمسلمين و”معاداة السامية”

حين تُربك الوقائع السردية الجاهزة

في خضم هذه التغطية الغربية المشوهة، برزت مقالة للصحفي الأمريكي البريطاني المعروف مهدي حسن بوصفها صوتًا نقديًا يسلّط الضوء على مفارقة تجاهلتها عناوين كثيرة، وأربكت السردية التي حاولت بعض المنصات ترسيخها منذ الساعات الأولى للهجوم.

حسن ركز على الحالة النفسية التي تعيشها الأقليات المسلمة في الغرب بعد كل هجوم عنيف، والتي تتمثل بالخوف أولًا من أن لا يكون فقط على الضحايا، بل من أن يكون الفاعل مسلمًا، لأن ذلك يعني تلقائيًا تعميم الاتهام، وتحوّل الجريمة الفردية إلى إدانة جماعية.

هذا الإطار يوضح كيف أن التغطية الإعلامية لا تكتفي بنقل الحدث، بل تُنتج ضغطًا اجتماعيًا مسبقًا على فئة بعينها، حتى قبل اكتمال نتائج التحقيق.

يقول حسن في مقالته: “بينما كان منفذو الهجوم مسلمين، فإن الشخص الذي أوقف المجزرة وعرّض حياته للخطر لإنقاذ عشرات اليهود كان هو الآخر مسلمًا، مهاجرًا سوريًا”.

وأردف: “نعم، أحمد الأحمد، صاحب محل فواكه يبلغ من العمر 43 عامًا وأب لطفلين، أصيب برصاصتين في ذراعه ويده أثناء تصديه للمسلح ونزع سلاحه. وهو ليس مجرد مسلم، بل مهاجر سوري من إدلب”.

وهنا، لا ينفي حسن فظاعة الحادثة، لكنه يفضح انتقائية الإعلام الغربي بالتركيز على هوية القاتل، مقابل تهميش هوية المنقذ، لأنها لا تخدم الإطار الأيديولوجي الجاهز لإعادة إنتاج خطاب يعادي الإسلام والمهاجرين والتعامل مع الحدث بوصفه “دليلًا” على أطروحات مسبقة.