أوقاف أهل السنة في العراق مهددة بالضياع بعد اتفاق يستهدف تقسيمها

20200516_105139-47

لا يزال ملف الأوقاف يشكل مشكلة كبيرة ومتفاقمة في العراق، مشكلة بدأت عقب الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003 عندما حُلت وزارة الأوقاف وتشكل بعدها ديوان للأوقاف لكل مذهب. 

ومع محاولات الوقف الشيعي والفصائل المسلحة (الميليشيات) المتكررة على مدى السنوات الماضية للسيطرة على العقارات والأوقاف في العراق من قبل، جاء الاتفاق الجديد بين الوقفين السني والشيعي على تقاسم أملاك الأوقاف ليشير لمزيد من الاستيلاء على أوقاف أهل السنة في العراق. 

قد لا يعلم غير العراقيين مدى أهمية الأوقاف في العراق، فغالبية الأوقاف التي تضم المساجد والأملاك العقارية كالبيوت والعقارات التجارية عائدة للسُنَّة، ما حدا بالوقف الشيعي ومنذ سنوات إلى محاولة الاستيلاء على الأملاك الوقفية للسنة في بغداد وديالى وكركوك ونينوى وبابل وصلاح الدين.

اتفاق مثير للجدل

يضم نص محضر الاتفاق المشترك بين الوقفين الشيعي والسني لحسم أملاك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الملغاة صيغيتين لحسم الخلاف القائم منذ عام 2003.

إذ كشفت الوثائق أن الخيار الأول يتضمن نقل أرشيف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الملغاة إلى وزارة الثقافة (دائرة الكتب والوثائق) وأن على جميع الجهات الحكومية الأخرى تسليم الأرشيف والوثائق والأحكام القضائية والمتعلقات كافة التي كانت عائدة إلى الوزارة الملغاة قبل الـ9 من أبريل/نيسان 2003 إلى وزارة الثقافة خلال مدة أقصاها نهاية العام الحاليّ، كما يشير الخيار الأول إلى توزيع الأرشيف لاحقًا على الدواوين المختصة حسب نتائج عمل اللجنة العليا المشكلة وفق اتفاق الوقفين.

أما الخيار الثاني – بحسب ما تسرب – فينص على إقرار محضر الاتفاق المشترك بين ديواني الوقفين الشيعي والسني لحسم أملاك وزارة الأوقاف الملغاة الذي جاء وفق مذكرة مكتب مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون الإستراتيجية المؤرخة في 20 من أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وبحسب ما اتفق عليه، ستشكل لجنة عليا برئاسة رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ورئيسي الوقفين الشيعي والسني، للإشراف على تنفيذ فرز الأوقاف الإسلامية والأموال التابعة للوزارة الملغاة، فضلًا عن تشكيل لجنة فرعية أخرى لتسجيل الأوقاف والأموال التي تتوافر فيها حجج شرعية صحيحة باسم الوقف المعني (السني أو الشيعي)، أو الركون إلى النسبة السكانية المعتمدة في كل محافظة في حال عدم وجود سند (حجة وقفية) مصادق عليه، باستثناء محافظة كركوك التي يطبق عليها مبدأ النصفية للوقفين، فيما استثنى الاتفاق المساجد المشيدة من الأفراد التي ستكون حسب مذهب الواقف.

تطور خطير

بُعيد الكشف عن تفاصيل الاتفاق، وصف سياسيون وخبراء الاتفاق بـ”الخطير”، إذ غرَّد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية النائب عن تحالف القوى العراقية محمد الكربولي بالقول: 

 

 

أما رئيس البرلمان الأسبق ورئيس تحالف القرار أسامة النجيفي فوصف من جانبه قرار مجلس الوزراء لحسم مصير الأوقاف في العراق بـ”الكارثي والمخالف للقانون”، فضلًا عن أنه سيمهد للسيطرة شبه المطلقة على أوقاف السنة في العراق.

 

 

وفي وقت سابق كشفت النائب سميعة الغلاب عن سعيها لاستجواب رئيس ديوان الوقف السني بالوكالة سعد حميد كمبش، عازية ذلك لوجود ملفات فساد كثيرة وهدر بأموال الديوان، وأكدت الغلاب امتلاكها ملفات فساد كبيرة تتعلق بصرفيات رئيس الديوان سعد كمبش وإهداره المال العام، فضلًا عن ملفات فساد تتعلق بالعقود والعقارات التابعة للوقف السني، مشيرة إلى أنها ستقدم طلب استجوابه لرئيس مجلس النواب قريبًا.

على الجانب الآخر، علّق تحالف الفتح على استنكار بعض الجهات السياسية لنص الاتفاق بأنه يأتي في خضم الدعاية الانتخابية، وقال رئيس كتلة الفتح في البرلمان العراقي محمد الغبان في بيان صادر عن مكتبه: “طالعنا تصريحات من بعض الشخصيات تعترض على الاتفاق التنظيمي لشؤون الأوقاف، وقد أعادتنا هذه التصريحات إلى لغة الخطاب الطائفي الذي ظننا أننا غادرناه وبدأنا نفكر بخطاب وطني جامع يهتم بمصير ومصالح ومستقبل المواطنين العراقيين وليس مصالح الفئات والطوائف ولأغراض سياسية وانتخابية مبكرة”.

مخالفة قانونية

وسط كم الانتقادات التي وجهت لقرار الفك والعزل بين الوقفين المصادق عليه من رئاسة مجلس الوزراء، برزت مشكلة قانونية أخرى تخل بالمصادقة والاتفاق من الأساس، إذ وصف تحالف القوى العراقية توقيع رئيس الوقف السني بالوكالة سعد كمبش على اتفاق تقاسم الأوقاف الدينية بأنه مخالفة قانونية واستغلال وظيفي لتحقيق غايات ومنافع شخصية.

ويبرهن تحالف القوى على تلك المخالفة بأن رئيس الوقف السني سعد كمبش يعمل بالوكالة وغير مُثّبتٍ في منصبه، إذ لم يصوت مجلس النواب على تعيينه حتى الآن، ولا يملك صلاحية التوقيع على قرارات مصيرية تتعلق بالتخلي أو التنازل أو التفريط بأوقاف المسلمين.

وطالب اتحاد القوى رئيس الوزراء العراقي بإنهاء عمل رئيس الوقف واختيار أحد مرشحي المجمع الفقهي لإدارة الوقف السني أصالة، وسحب محضر الاتفاق المبرم بين الوقفين. 

موقف المجمع الفقهي العراقي

ليست الكتل السياسية وحدها من رفضت نص الاتفاق بين الوقفين السني والشيعي ومصادقة رئاسة مجلس الوزراء عليه، إذ إن المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء رفض بشدة ما اتفق عليه جملةً وتفصيلًا. 

المجمع الذي يعد أعلى جهة شرعية ومرجعية لكبار علماء أهل السنة في العراق أكد أن عدم اطلاع أعلى سلطة في ديوان الوقف السني على تفاصيل اتفاقية أملاك الوقف فضلًا عن أن عدم الحصول على موافقته أمر يثير الريبة وشكوكًا كبيرةً.

 

 

كما حذر المجمع الفقهي من خطورة نقل الأرشيف والحجج الوقفية إلى وزارة الثقافة وتعريضها للتلاعب أو التلف، مشيرًا إلى أنه وبعد الاطلاع على تفاصيل الاتفاق ومدى خطورته، قرر المجمع الفقهي بحرمة الاتفاق بأكمله.

 

 

كما أشار مرصد أفاد الذي يعني بالقضايا الحقوقية والانتهاكات في العراق إلى أن الاتفاق جاء مخالفة قانونية وإدارية، محذرًا من تهديد الاتفاق للسلم الأهلي والمجتمعي في البلاد، فضلًا عن أنه جاء – وفق بيان المرصد – محاباة سياسية وشخصية على حساب الأملاك الوقفية في العراق.

 

 

هو ملف شائك لا يزال حاضرًا منذ 17 عامًا، في خضم محاولات مستميتة للاستيلاء على عقارات ديوان الوقف السني في البلاد الذي يمتلك في بغداد وحدها آلاف العقارات التجارية التي لا تقدر بثمن.