الأردن يقامر بالتطبيع مع الأسد لاعتبارات اقتصادية

ترجمة حفصة جودة
تمثل زيارة وزير الدفاع السوري علي أيوب للأردن يوم 19 من سبتمبر/أيلول تغييرًا في العلاقة الباردة التي كانت بين دمشق وعمّان خلال العقد الماضي، كانت سوريا والأردن على طرفي النقيض منذ بدء الثورة السورية في 2011، مع تحالف الرئيس السوري بشار الأسد مع روسيا، بينما وقف الملك الأردني عبد الله الثاني في جانب الولايات المتحدة.
لكن زيارة أيوب تمثل نقطة تحول دبلوماسية مع احتمالية زيارة مسؤوليين سوريين آخرين رفيعي المستوى لعمّان في المستقبل، لكن كيف بررت المملكة الهاشمية تحولها السياسي؟
اعتبارات أمنية
في عامه العاشر الآن، خلق الصراع السوري أسوأ أزمة لاجئين في العالم، فقد فرّ أكثر من 5.6 مليون سوري للدول المجاورة مليون منهم يعيشون الآن في أوروبا، كما قُتل أيضًا أكثر من نصف مليون شخص في الصراع السوري بينهم آلاف الأشخاص المحتجزين في سجون المخابرات وماتوا نتيجة التعذيب الوحشي.
وثق تقرير الأمم المتحدة مبكرًا هذا الشهر زيادة حديثة في القتال داخل سوريا يصاحبه عودة الحصار والتكتيكات المشابهة للحصار في بعض أجزاء البلاد ومن بينها محافظة درعا جنوب غرب البلاد التي تمثل مهد الثورة السورية وأحد آخر معاقل المعارضة.
اتهمت دمشق الأردن سابقًا بتدريب مقاتلي المعارضة والسماح لهم بدخول سوريا من خلال حدوده، وتراجعت العلاقات بين البلدين إلى الحد الذي طرد فيه الأردن السفير السوري بهجت سليمان خارج البلاد عام 2014.
تلقى الأردن إعفاءً من قانون قيصر الأمريكي الذي فرض عقوبات على أي تجارة مع الحكومة السورية
لكن وفقًا لوكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا” فإن لقاء أيوب مع رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية يوسف الحنيطي كان يهدف إلى ضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين والوضع جنوب سوريا ومحاربة الإرهاب والعمل معًا لمكافحة تهريب المخدرات.
ووفقًا للجنرال الأردني المتقاعد مأمون أبو نوار فإن زيارة وزير الدفاع السوري تهدف إلى زيادة تأمين الحدود بعد أن سيطرت قوات النظام على المناطق الجنوبية القريبة من الحدود الأردنية.
كانت الحدود السورية الأردنية مغلقة بشكل متكرر منذ 2015 نتيجة وجود مختلف الفصائل المسلحة حول المعبر الحدودي جابر – نصيب، لكن القوات الموالية للأسد استعادت السيطرة على تلك المناطق الحدودية مع الأردن مبكرًا هذا العام بعد اتفاق مع المعارضة في درعا التي تضمنت تسليم الأسلحة.
يقول الجنرال أبو نوار: “كان الهدف الرئيسي ضمان عدم انتقال الفوضى في سوريا إلى الأردن”، وأضاف الجنرال المتقاعد أن عمّان حصلت على تأكيدات بأن الميليشيات المدعومة من إيران لن تكون في منطقة الحدود الآن، بعد أن تلّقى الأردن إعفاءً من قانون قيصر الأمريكي الذي فرض عقوبات على أي تجارة مع الحكومة السورية.
مصالح متبادلة
تأتي الزيارة الآن بعد أن سعى الأردن لتطبيع العلاقات مع الأسد وهو تغير قوي عن موقف حكومته السابق، ففي 2017 صرح الملك عبد الله ضمنيًا لواشنطن بوست بأن الأسد يجب أن يستقيل، فقد قال الملك حينها: “الحس السليم يقتضي بأن الشخص الذي يتزعم إراقة دماء شعبه سوف يرحل غالبًا”.
يتمنى الأردن والحكومة المصرية ودول شقيقة أخرى أن تستعيد سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية
لكن الملك عبد الله منذ ذلك الحين تبنى منهجًا أكثر برغماتية، فقد صرح لسي إن إن في يوليو/تموز أن الأسد وحكومته باقيان في سوريا لفترة طويلة وأن الحوار والتنسيق معهما ضروري الآن.
في 19 من أغسطس/آب قال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة إن الأردن ومصر يدفعان لإعادة سوريا لجماعة الدول العربية، فقد صرح رئيس الوزراء لإندبندنت العربية: “يتمنى الأردن والحكومة المصرية ودول شقيقة أخرى أن تستعيد سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية”.
يرى المعلق التليفزيوني الأردني مالك العثامنة أن هذا التغيير في صالح الطرفين، وأضاف العثامنة “هذا التقارب بين البلدين يخدم مصالحهما الخاصة، منذ زيارة الملك عبد الله الثاني للبيت الأبيض في يوليو/تموز ومناقشته للقضايا السورية واللبنانية، فهمت واشنطن موقف الأردن ومحاولته تغيير الموقف تجاه سوريا بدلًا من تغيير النظام كله”.
“نتيجة لذلك، كان الأردن قادرًا على الفوز بإعفاء والتمكن من نقل البضائع والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا وكل ذلك أدى إلى تحسن فرص تفاهم إقليمي جديد”.
اعتبارات اقتصادية
في الوقت نفسه، كشف وزير الدولة لشؤون الإعلام صخر دودين في اجتماع مغلق مع منتجي الإذاعة الأردنية الخميس الماضي أن اجتماعًا لوزارء سوريين وأردنيين سيحدث في الأسابيع القادمة لمناقشة قضايا اقتصادية مختلفة بين البلدين.
انخفض الميزان التجاري الأردني مع سوريا من 615 مليون دولار في 2010 إلى 94 مليون دولار في 2020
وفقًا لدودين “فالاجتماعات مخططة لوزراء الطاقة والماء والزراعة، التي تتناسب جيدًا مع خطط الحكومة الجديدة للمرحلة القادمة من العلاقات مع الدول المجاورة التي تهدف إلى التنمية الاقتصادية”.
في الحقيقة، عُقد اجتماع بالفعل في عمّان يوم 8 من سبتمبر/أيلول بين وزراء طاقة مصر وسوريا ولبنان والأردن وناقشوا فيه تفاصيل توصيل الغاز المصري للبنان عبر سوريا والأردن.
قال خالد الشنيكات الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية: “يفهم الأردن والولايات المتحدة أن النظرة الواقعية للمشهد السياسي تتطلب فهمًا لأن فكرة تغيير النظام لم تعد صالحة الآن، فقد نشرت السلطات السورية سيادتها على جميع أنحاء البلاد”.
تضرر الأردن – الذي يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري – اقتصاديًا بقطع العلاقات مع سوريا وإغلاق الحدود، فقد انخفض الميزان التجاري الأردني مع سوريا من 615 مليون دولار في 2010 إلى 94 مليون دولار في 2020 وفقًا للإحصاءات الرسمية الأردنية.
يقول الشنيكات: “يرى الأردن وعدد من الدول الغربية أن الاستقرار في سوريا أولوية على وجود الفصائل العسكرية التي تسبب المشكلات”، ومع ابتعاد الصراع السوري عن الانتهاء قريبًا ومعاناة البلاد مع العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحرب، بقي أن نرى إذا ما كانت مقامرة عمّان الجديدة ستؤتي ثمارها.
المصدر: ميدل إيست آي