إدلب على طاولة سوتشي مجددًا.. معركة قادمة أم تهدئة؟

ىاتعه-1

على وقع قصف تشنه المقاتلات الروسية على مناطق متعددة في الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة المعارضة التي تتميز بـ”الحماية التركية”، تعقد غدًا الأربعاء قمة بين رئيسي روسيا وتركيا فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، لبحث آليات تطبيق الخطط المرسومة لهذه المنطقة التي باتت العقدة الكبرى في العلاقات بين الجانبين، كما أنها أصبحت ورقة الضغط التي يستخدمها كل منهما عندما يجد ضرورة لذلك حتى لو لم يكن الأمر سوريًا.

تعقد القمة في مدينة سوتشي الروسية، هذه المدينة التي اشتهرت بين السوريين كثيرًا، حيث عقدت الكثير من الاجتماعات التي تخص الوضع في سوريا عمومًا ومنطقة إدلب على وجه التخصيص، لكن أهالي تلك المناطق عادة لا يستبشرون بالخير عندما تنعقد هذه القمم في تلك المدينة، غير أن القمم التي حصلت بين أردوغان وبوتين كانت تلد اتفاقات وصفقات ترتّب أوضاع بعض المناطق لفترات محدودة.

عن أهمية الاجتماع يقول الصحفي السوري غسان ياسين في حديثه لـ”نون بوست”: “هذا الاجتماع له أهمية كبرى كونه يأتي في وقت يشهد العالم تغيرات على المستويات كافة، أهمها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والحديث عن انسحاب أمريكي من شمال شرق سوريا من المناطق التي تحكمها قوات سوريا الديمقراطية”.

يضيف ياسين “الأهم من كل ذلك، يأتي الاجتماع بالتزامن مع الحديث عن عملية عسكرية تركية قريبة في منطقة شمال شرق سوريا بتفاهم تركي أمريكي، الأمر الذي جعل روسيا تصعد على مناطق النفوذ التركي في عفرين”، مشيرًا إلى أن هذا الاجتماع مهم أيضًا بسبب “ما قالت المصادر المقربة من الرئاسة التركية أن اللقاء بين أردوغان وبوتين سيكون مطولًا لوحدهما دون وجود حتى مساعدين لهما كما حدث في اجتماعين سابقين”.

توتر يسبق القمة

خلال أيام مضت شهدت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية شمالي سوريا قصفًا عنيفًا من المقاتلات الحربية السورية والروسية، سقط جراء ذلك شهداء كثر من المدنيين، تركز القصف على مناطق جسر الشغور وجبل الزاوية وأريحا ودارة عزة التي تعتبر نقطة التقاء لقوات المعارضة والنظام والحماية الكردية، لكن الجديد في القصف، كان ما أصاب منطقة عفرين، التي خلصتها تركيا من قبضة الميليشيات الكردية عام 2018.

فقد شنت الطائرات الحربية الروسية غارات استهدفت مواقع فصائل سورية معارضة تابعة لتركيا في عفرين، كما اقترب القصف من محيط النقاط العسكرية التركية الموجودة بقرية براد في ريف عفرين، الغارات التي ضربت عفرين أسفرت عن 11 شهيدًا وعشرات الجرحى، سبق ذلك غارات من طائرات حربية روسية في الأول من سبتمبر/أيلول على معسكر لفيلق الشام الفصيل المدعوم تركيًا في محيط عفرين، وكانت تلك المرة الأولى التي يستهدف فيها الطيران الحربي عفرين وما حولها، خاصة أنها تحت السيطرة التركية ولم تدخل في إطار الاتفاقات بين روسيا وتركيا.

إلى ذلك تتعرض محافظة إدلب لقصف جوي متواصل من روسيا، على الرغم من اتفاقيات التهدئة المتعددة التي رُتب لها خلال الشهور الماضي وكان آخرها في مؤتمر أستانة 16، لكن روسيا تتحجج بوجود هيئة تحرير الشام هناك باعتبارها فصيلًا إرهابيًا، ودائمًا ما يتم الفصل في المباحثات بين المنطقتين إدلب وريف حلب الشمالي.

ومع القصف المتواصل يبدي سكان تلك المناطق قلقًا كبيرًا من هجوم وشيك لقوات النظام وروسيا للسيطرة على المنطقة، مما سيؤدي لرحلة نزوح كبيرة كتلك التي شهدها الشمال السوري في شتاء 2019.

ب

بدوره حذر فريق “منسقو استجابة سوريا”، من خطورة التصريحات الروسية التي وصفت خلالها إدلب بأنها “منطقة إرهابية”، معتبرًا أنها قد “تكون مقدمة لمزيد من التصعيد الروسي”، وقال بيان الفريق إنه يدين “التصريحات العدائية المستمرة من الجانب الروسي، التي تعتبر نواة لإطلاق عمليات عسكرية جديدة في المنطقة”، محذرًا من أن المنطقة “غير قادرة على استيعاب موجات النزوح المستمرة”، مطالبًا بمنع تكرار العمليات العسكرية من قوات النظام وروسيا على المنطقة.

بدورها، دفعت أنقرة بمئات من الجنود مدعمين بعشرات المدرعات والدبابات لتعيد انتشارها في عدة مناطق، كما أنها بدأت تعزيز الجبهات القتالية والخطوط الأمامية بالسواتر الترابية وبناء خطوط دفاع خلفية على بعد 5 كيلومترات من خطوط المواجهة، وبحسب التقارير فإن مجموع القواعد التركية جنوب طريق M4 بلغ قرابة الـ30 قاعدة مدعمة بالمدافع والدبابات والأسلحة الثقيلة.

تهديد ووعيد

بالتوازي مع التحركات الميدانية وقبيل انعقاد لقاء سوتشي تتصاعد التصريحات الروسية والتركية بشأن مصير المنطقة، إذ هدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعمل عسكري ضد إدلب، زاعمًا أن “روسيا تستخدم القوة العسكرية في سوريا ضد الإرهابيين، بناءً على القرار رقم 2254 الصادر من مجلس الأمن والقاضي بمكافحة الإرهاب بحزم في سوريا”.

وجدّد وزير الخارجية الروسي تهديد بلاده بوقف إيصال المساعدات الأممية إلى شمال غربي سوريا – عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا – في حال عدم التعاون مع نظام الأسد، مضيفًا “ثمة بؤرة إرهابية واحدة متبقية في سوريا وهي إدلب، ولا مشكلة بمكافحة الإرهاب هناك”، مهدّدًا بأنّ “روسيا لن تتسامح مع الهجمات التي يشنها الإرهابيون من هناك على القوات الروسية وقوات نظام الأسد”.

يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف في لقائه مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في بحر سبتمبر/أيلول “استمرار وجود القوات الأجنبية غير المصرح بها من حكومة الأسد بأنه المشكلة الرئيسية لسوريا”.

من جهته قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن نظام الأسد يشكل تهديدًا وخطرًا على بلاده من الحدود الجنوبية، وأضاف “أتوقع مقاربات مختلفة من بوتين، أو بالأحرى روسيا كشرط لتضامننا. نحن بحاجة إلى خوض هذا النضال معًا في الجنوب”، مشيرًا إلى أنه “يتوقع أن يفعل نظيره الروسي فلاديمير بوتين شيئًا حيال ذلك”.

بالمقابل قال أبو مسلم الشامي القائد العسكري في هيئة تحرير الشام الفصيل المسيطر على إدلب وما حولها في حوار نُشر على موقع “نون بوست“، إن “المحتل الروسي وميليشياته يواصلون قصف مناطق مأهولة بالسكان في جبل الزاوية وغيره، سعيًا منه لتهجير المنطقة وإفراغها من سكانها المحليين، والمؤشرات الموجودة لا تدلُّ على قرب اندلاع معركة”، مؤكدًا استعداد الفصائل في الشمال على مواجهة أي تحركات للنظام هناك.

هل إدلب مقبلة على معركة كبرى؟

يتخوف الكثيرون من حصول معركة كبيرة في إدلب كتلك التي حصلت عام 2019، ما سيؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة، إضافة إلى موجة لجوء بالملايين، فتلك المنطقة تضم أكثر من 3 ملايين ونصف مليون سوري من مناطق مختلفة.

في “نون بوست سألنا الباحث والكاتب السوري عبد الوهاب عاصي عن إمكانية حدوث معركة كبيرة في المنطقة، وقال: “ما زال من المستبعد أن يشنّ النظام السوري وحلفاؤه عملية عسكرية واسعة على منطقة خفض التصعيد رغم التصعيد غير المسبوق الذي تشهده إدلب منذ مارس/آذار 2021”.

يضيف عاصي “في الواقع، إن هامش المناورة العسكرية منذ توقيع مذكرة موسكو (2020) تضاءل بشكل كبير؛ نظرًا للانتشار الكثيف للقوات التركية على شكل خطوط صد ودفاع على طول نقاط التماس مع النظام السوري يرفع من احتمال الاشتباك المباشر”، مشيرًا إلى أنه “في حال حصل أي صدام عسكري من المتوقّع أن تتعامل تركيا مع النظام السوري بنفس الطريقة التي تعاملت فيه معه مطلع عام 2020 لا سيما أن الرئيس رجب طيب أردوغان عاد ليؤكد مؤخرًا أن النظام يُشكل خطرًا على الأمن القومي لبلاده”.

ويقول عاصي: “على أي حال، فإن النظام السوري لن يتخلّى عن محاولة شن هجمات برية سواءً بغرض اختبار رد فعل تركيا أو لرفع التكلفة عليها”.

بدوره يقول الصحفي السوري غسان ياسين في حديثه لـ”نون بوست”: “يوجد إشاعات كثيرة تصدر بما يخص حصول معركة كبرى على إدلب خلال الأيام القادمة، لكن أعتقد أن هذا تهويل ومبالغة كبيرة بموضوع تعاطي وتناول الأخبار”، ولا يوافق ياسين من يقول بـ”وجود معركة كبرى قادمة”، مضيفًا: “صحيح يوجد تصعيد روسي في الفترة الأخيرة لكن كل ذلك يأتي في سياق الرسائل الروسية لتركيا وكالعادة يحاول بوتين الضغط على أردوغان قبل أي اجتماع بينهما ويتجلى ذلك من خلال قصف الجيش الوطني المدعوم تركيًا في مناطق عفرين”.

يرى ياسين أن الأعمال العسكرية ستقتصر على “عمل عسكري محدود بمنطقة جسر الشغور ومحيطها، كما يوجد تفاهمات وترتيبات بشأن تشغيل الطرق الدولية إم 4 وام 5، وفي هذا الموضوع يمكن أن تقدم تركيا تنازلات لروسيا، لكن لن يكون هنالك معركة كبرى، الأمور ذاهبة إلى استقرار لفترة طويلة خاصة أن تركيا موجودة بقوة في هذه المنطقة، إذ يوجد آلاف من الجنود والمدرعات والعتاد في إدلب ومحيطها”.

يشير ياسين إلى أنه على الرغم من “استبعاد العمل العسكري الكبير، يوجد مساومات من الروس بعدما حصل من تفاهمات أمريكية تركية بخصوص مناطق سيطرة قسد شرقي سوريا، حيث يريد الروس إرسال رسائل لتحسين التفاوض بخصوص منطقة الجزيرة”، معتبرًا أن “القصف في إدلب والعين على مناطق سيطرة قسد”.

ويتوقع ياسين هدنة طويلة في المنطقة ويقول: “موضوع إدلب لن يحسم قريبًا والأمر يحتاج لسنوات وسنوات بسبب وجود ما يقرب من 4 ملايين نازح والوجود العسكري التركي الضخم في عموم محافظة إدلب وريف حلب الغربي”.

من جانبه يقول الباحث عبد الوهاب عاصي: “مضى على التهدئة في إدلب 18 شهرًا وهي أطول مدة لوقف إطلاق النار منذ اندلاع النزاع في سوريا، وسيكون من الصعب على تركيا وروسيا التخلي بسرعة عن هذا الإنجاز لما له من أهمية في دعم العملية السياسية التي بات كلا الضامنين المؤثرين الرئيسيين فيها، ومع ذلك، فإنّ أولوية روسيا هي تحقيق مكاسب فعلية على المستوى الاقتصادي والأمني والإنساني في إدلب أكثر من استمرار التهدئة”. 

يضيف عاصي “قمة سوتشي ما لم تضمن تفعيل خطوط التجارة والنقل على طريق حلب – اللاذقية وافتتاح المعابر التجارية والإنسانية، وتحقيق تقدّم واختراق في التنسيق المشترك حول ملف مكافحة الإرهاب غرب وشرق الفرات، فإن روسيا لن تتخلّى عن التصعيد أو حتى التهديد بإنهاء التهدئة وما يترتب على ذلك من احتمال انهيار تفاهمات فك الاشتباك. يُمكن الاعتقاد أيضًا أن روسيا سترفع سقف المطالب لدرجة الاقتراح على تركيا بإخلاء المنطقة جنوب M4 من أي وجود عسكري لضمان تفعيل حركة التجارة والنقل على الطريق الدولي وكذلك استئناف عمل الدوريات المشتركة”.

أخيرًا: يبدو أن الملفات العالقة بين تركيا وروسيا في سوريا أكثر مما هو متفق عليه، ولن تكون عقدة إدلب الأخيرة بين البلدين، إذ إن ملف شرق الفرات يأخذ حيزه أيضًا، وإلى حين حل هذه الملفات تتواصل معاناة الشعب السوري في ظل غياب مشروع سوري وطني واضح المعالم يفرض كلمته.