هل تساعد الوكالات الإنسانية اللاجئين على الاستقلال؟ لنسأل التاريخ

اللاجئون يتخذون مأوى لهم أمام مركز اللاجئين التابع للأمم المتحدة بجنوب إفريقيا

ترجمة حفصة جودة

عندما دخل 5.3 مليون أوكراني الاتحاد الأوروبي بين شهري فبراير/شباط ويونيو/حزيران عام 2022، كان هناك دعم أساسي بالإضافة إلى المساعدات الطارئة المنقذة للحياة، ألا وهو الحق في البقاء والعمل في الاتحاد الأوروبي لمدة تصل إلى 3 سنوات، يأتي ذلك اعترافًا بأن الناس يستحقون فرصة لتأسيس حياة في المنفى، كما أن القيام بذلك مفيد للدول المضيفة أيضًا.

عرّفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR” الاعتماد على الذات بأنه القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية بطريقة مستدامة وبكرامة، من خلال عملي وجدت أن ذلك يعني أن اللاجئين يعيشون بشكل مستقل على المساعدات الإنسانية لكن في فقر مدقع.

يعيش نحو ثلثي اللاجئين في فقر شديد، ونادرًا ما يحصلون على جنسية البلد المضيف، كما أن بعضهم يُمنعون من مغادرة معسكرات اللاجئين، وفي بعض الأحيان يكون هناك تجاهل صارخ لقدرات اللاجئين ومهاراتهم، ومع ذلك فهذه السمات عادة ما توفر أساسًا للعيش المستقل.

في أثناء عملي ومعيشتي في أوغندا كنت أتساءل: هل كان تعزيز اعتماد اللاجئين على الذات هدفًا للمجتمع الإنساني والتنموي؟ وهل كان الأمر ناجحًا؟

قادتني هذه الأسئلة إلى الأرشيف وبدوره إلى تقارير وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي ومنظمة أوكسفام ولجنة الإنقاذ الدولي وغيرهم من الجهات الفاعلة في المجال الإنساني، يوثق ذلك عقودًا من مشاريع الاعتماد على الذات للاجئين في اليونان وتنزاينا وباكستان وغيرهم.

يُستخدم عمل اللاجئين عادة لخدمة أهداف البلاد المضيفة وأحيانًا الوكالات الدولية، وفي بعض الأحيان على حساب سبل معيشة اللاجئين

عند دراسة أوضاع اللاجئين في عشرينيات القرن الماضي أو هذا العام، وجدت أن الترويج للاعتماد على الذات في سبل العيش يأتي على حساب رفاهية اللاجئين وحمايتهم، تتطلب هذه المعرفة نظرة أقرب للاتجاهات الحاليّة لبرامج الاعتماد على الذات للاجئين ومن تُخدم مصالحهم.

عمل اللاجئين مقابل سبل المعيشة

يُستخدم عمل اللاجئين عادة لخدمة أهداف البلاد المضيفة وأحيانًا الوكالات الدولية، وفي بعض الأحيان على حساب سبل معيشة اللاجئين.

في عشرينيات القرن الماضي على سبيل المثال، سعت الوكالات الإنسانية وعصبة الأمم إلى مساعدة اللاجئين في اليونان ليصبحوا مزارعين تجاريين، فقد شجعوهم على الحصول على قروض لزراعة محاصيل ربحية مثل الطباق، لكن سرعان ما انهار سعر الطباق في الأسواق العالمية، أدت طريقة المعيشة تلك التي شجعت عليها الوكالات الإنسانية إلى إفلاس اللاجئين ومعاناتهم لإطعام عائلاتهم.

في تلك الحالة، جاءت محاولة تعزيز اقتصاد التصدير اليوناني على حساب اللاجئين، ربما كانت زراعة الكفاف وتنوع المحاصيل لتحقق نتائج أفضل مع اللاجئين، فهذه الطرق تركز على احتياجات اللاجئين أكثر من الدول المضيفة أو الاقتصاد العالمي.

استغلال المهارات المتاحة

جاءت محاولات تعزيز الاعتماد على الذات للاجئين في شرق إفريقيا في السبعينيات من خلال الزراعة، فقد بُذلت الجهود لإجبار اللاجئين على زراعة المحاصيل الربحية في مستوطنات جماعية، توثق التقارير وضع اللاجئين في سجون المخيمات لأجل الصيد بدلًا من الزراعة.

برامج الاعتماد على الذات وسبل المعيشة للاجئين لم تُطور من فراغ، لكنها تأثرت بالتوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية والدولية

بحلول عام 1985، كانت معظم المستوطنات تعاني من انعدام الأمن الغذائي مما يعد فشلًا ذريعًا، فمعسكرات اللاجئين للاعتماد على الذات في ذلك الوقت كانت تعني تحقيق الاكتفاء الذاتي لإطعام سكانها وكانت تضم بضعة آلاف من اللاجئين فقط، غادر آلاف غيرهم تلك المستوطنات بحثًا عن سبل المعيشة خارج نطاق المنظمات الإنسانية المكلفة بمساعدتهم.

تأثيرات خارجية

أظهر البحث أن برامج الاعتماد على الذات وسبل المعيشة للاجئين لم تُطور من فراغ، لكنها تأثرت بالتوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية والدولية.

ركزت برامج العشرينيات على توطين اللاجئين في المزارع أو استغلالهم في العمل الرسمي مثل برنامج مطابقة التوظيف لمنظمة العمل الدولية، يعكس ذلك تصور اللاجئين كعمالة مهاجرة وتوافر الأرض الزراعية في دول مثل اليونان والنقص الحاد في سوق العمالة في دول مثل فرنسا.

في الثمانينيات بباكستان، تحولت مساعدة اللاجئين الأفغان للاعتماد على الذات إلى تعزيز ريادة الأعمال، الذي لا يعكس بالضرورة مهارات اللاجئين، بل القيود المفروضة على استخدام الأرض من الحكومة الباكستانية.

وجدت وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 74% من اللاجئين يمكنهم تلبية مجرد نصف أو أقل من نصف احتياجاتهم الأساسية

واليوم، يُشجع اللاجئون على الانضمام لقطاع العمل غير الرسمي، الذي تقمعه الدول المضيفة في بعض الأحيان، كما تصاعد تعزيز اعتماد اللاجئين على الذات من خلال العمل عن بُعد، هذه التغيرات تعكس توجهًا عالميًا في عالم الأعمال، ربما أكثر مما تعكس فرصًا لتوسيع مجال اعتماد اللاجئين على أنفسهم، وفي بعض الأحيان تُعزز سبل المعيشة تلك لمساعدة الوكالات على تجنب المحادثات المحرجة بشأن حقوق اللاجئين في المقام الأول.

الاعتماد على الذات في القرن الـ21

اليوم، يحتاج الفاعلون في المجال الإنساني والإنمائي إلى إعادة النظر بشأن كيفية مساعدة اللاجئين على مواجهة التغيرات والاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالمية، تتضمن تلك التغييرات تطبيع انتهاك معاهدة اللاجئين لعام 1951 والصدمات المناخية الشديدة المؤثرة على الاقتصادات.

أظهر كوفيد-19 مدى هشاشة حياة اللاجئين، فقد وجدت وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 74% من اللاجئين يمكنهم تلبية مجرد نصف أو أقل من نصف احتياجاتهم الأساسية.

يجب أن ترتكز مناقشات اعتماد اللاجئين على أنفسهم وسبل المعيشة على وصول اللاجئين لأنظمة حماية اجتماعية وطنية، والارتباط بجهود أوسع لتحسين أخلاقيات العمل غير الرسمي الذي ينخرط فيه أغلب اللاجئين، من شأنه أن يحسن سبل معيشة اللاجئين.

يجب أن نراعي بجدية أيضًا تعزيز حقوق اللاجئين وعدم مشاركتهم في حال كان العمل الوحيد المتاح خطيرًا واستغلاليًا، هناك أيضًا محادثات مهمة جارية بشأن تجاوز التركيز الاقتصادي للاعتماد على الذات ليشمل تعريفه متعدد الأبعاد.

إن القوى المؤثرة على اعتماد اللاجئين على أنفسهم أكبر بكثير مما يمكن لأي تدريب على سبل المعيشة أن يحققه، العمل من هذا المنطلق ضروري ليستحق مفهوم اعتماد اللاجئين على أنفسهم تعزيزه في المستقبل، وإلا فإنه سيكون هدفًا غير منطقي ولا معبر لنظام اللاجئين الدولي.

المصدر: ذي كونفرسايشن