قتل واحتجاز واختفاء قسري.. انتهاكات صحفية بالجملة في 2022

press

يبدو أن الانتكاسات التي شهدها عام 2022 لم تقف عند حاجز السياسة والاقتصاد والأمن فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى الشق الحقوقي كذلك، لتشهد واحدة من أكثر الأعوام انتهاكًا للحقوق والحريات على المستويات كافة خلال العقد الأخير، وهو ما وثقته شبكة “مراسلون بلا حدود” في تقرير شامل لها.

التقرير الذي نشرته الشبكة السبت 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، قال إن قرابة 57 صحفيًا قتلوا في مختلف أنحاء العالم خلال الـ12 شهرًا الماضية، ليبلغ إجمالي الصحفيين القتلى في أثناء ممارسة عملهم الصحفي على مدار العشرين عامًا الأخيرة (2002 – 2022) نحو 1668 صحفيًا، بمعدل أكثر من 80 صحفيًا سنويًا.

كما وثَّقت المنظمة ما لا يقل عن 65 صحفيًا محتجزًا كرهائن، بجانب اعتبار 49 آخرين في عداد المفقودين ليصل عددهم نحو 533 صحفيًا، فيما احتلت بلدان منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الثلاثي (سوريا – اليمن – العراق) قائمة أكثر الدول المحفوفة بالمخاطر بشأن الصحفيين.

وتؤكد الأرقام الصادرة بشأن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون على إصرار الأجهزة السلطوية والأنظمة الديكتاتورية على استهداف الكلمة والصورة وإجهاض حق المواطنين في المعرفة والوعي، مع انتهاج سياسة ترهيب الصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي بصفة عامة لعدم الخروج عن النص والرضوخ لإملاءات السلطة أيًا كانت هويتها.

2022.. عام الانتهاكات

وفق الأرقام والإحصاءات الموثقة فإن عام 2022 هو عام الانتهاكات الصحفية بامتياز، فقد تجاوز كل الأرقام القياسية التي سجلتها الأعوام الماضية في مجالات الانتهاكات المختلفة، البداية مع الاحتجاز، فقد ازداد عدد الصحفيين المحتجزين خلال العام المنصرم بنسبة 13.4% مقارنة بما كانت عليه في 2021.

وبلغ عدد الصحفيين القابعين في السجون والمعتقلات نحو 533 صحفيًا بحلول 1 ديسمبر/كانون الأول 2022، أكثر من 25% منهم احتجز خلال 2022، وهو ما يؤكد مخاوف العديد من الخبراء بشأن تصاعد منحنى استهداف الصحافة والحريات الإعلامية خلال الآونة الأخيرة استغلالًا لحالة الفوضى العارمة التي تخيم على المشهد العالمي.

وتصدرت الصين قائمة أكبر خمسة سجون في العالم للصحفيين خلال العام الماضي بإجمالي (110 صحفيون) تليها بورما بـ(62 صحفيًا) ثم إيران بـ(47 صحفيًا) وفيتنام (39 صحفيًا)، وأخيرًا بيلاروسيا باحتجازها (31 صحفيًا)، هذا خلاف من يتم احتجازهم لفترات قصيرة ثم يطلق سراحهم، فهؤلاء لا يدخلون ضمن مثل تلك الإحصاءات.

شهد عام 2022 مقتل 57 صحفيًا (53 صحفيًا و4 معاونيين إعلاميين) من بينهم 50 صحفيًا بنسبة (87.7%) و7 صحفيات (12.3%)

وتتصدر مناطق آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا قائمة مناطق العالم الأكثر احتجازًا للصحفيين، حيث يحتضون قرابة 75% من إجمالي الصحفيين المحتجزين، فيقبع نحو 45% من الصحفيين المحتجزين في سجون آسيا وما يزيد على 30% في سجون شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

كما سجل التقرير احتجاز 78 صحفية قابعة خلف القضبان، بزيادة قدرها 30% عن العام قبل الماضي، وهو رقم غير مسبوق، فالنساء يشكلن اليوم 15%  من إجمالي الصحفيين المحتجزين، بزيادة قدرها أكثر من 100% عما كانت عليه قبل خمس سنوات حين كانت النسبة 7% فقط، ويقبع نحو 70% من الصحفيات المحتجزات في سجون 4 دول فقط هي: الصين (19 حالة) إيران (18 حالة) بورما (10 حالات) بيلاروسيا (8 حالات).

القتل.. شهد عام 2022 مقتل 57 صحفيًا (53 صحفيًا و4 معاونيين إعلاميين) من بينهم 50 صحفيًا بنسبة (87.7%) و7 صحفيات (12.3%)، ولم يعد استهداف الصحفيين حكرًا على المناطق الملتهبة التي تشهد نزاعات وحروب، إذ تصدرت المناطق الهادئة قائمة المناطق الأكثر قتلًا للصحفيين.

ويوثق تقرير “مراسلون بلا حدود” مقتل 20 صحفيًا في مناطق النزاع يشكلون نسبة 35.1% من إجمالي الصحفيين القتلى خلال 2022، مقارنة بـ37 في مناطق السلم بنسبة 64.9%، فيما جاء الصحفيون المحليون في مرتبة الصدارة بـ49 حالة يشكلون نسبة 86% مقارنة بـ8 صحفيين أجانب بنسبة 14% من إجمالي الصحفيين القتلى.

أما عن أخطر البلدان على حياة الصحفيين فجاءت المكسيك في المقدمة (11 صحفيًا) وأوكرانيا (8 صحفيين) وهاييتي (6 صحفيين) ثم سوريا واليمن والبرازيل (3 صحفيين في كل دولة)، فيما احتلت منطقة أمريكا قائمة مناطق العالم الأكثر استهدافًا للصحفيين بنسبة 47.4% من إجمالي الصحفيين القتلى، ثم المغرب العربي والشرق الأوسط بنسبة 19.3%، تليها أوروبا وآسيا الوسطى بـ15.8%، وآسيا 10.5% وأخيرًا إفريقيا التي تشهد الكثير من النزاعات وتفتقد للبيئة الآمنة لعمل الصحفيين بنسبة 7%.

الرهائن.. شهد عام 2022 احتجاز نحو 65 صحفيًا كرهائن (52 صحفيًا + 6 معاوني إعلاميين + 7 صحفيين غير محترفين) من بينهم 61 صحفيًا محليًا بنسبة 93.8% مقابل 4 صحفيين أجانب بنسبة 6.2%، وتعتبر منظمة “مراسلون بلا حدود” أن الصحفي يعتبر في عداد الرهائن “منذ اللحظة التي يقع فيها بين أيدي جهة غير حكومية تهدد بقتله أو إصابته أو مواصلة احتجازه من أجل الضغط على طرف ثالث (دولة أو منظمة أو مجموعة من الأشخاص) بهدف إجباره على القيام بعمل معين، علمًا بأن احتجاز الرهائن يمكن أن يكون له دوافع سياسية و/أو اقتصادية (أي عندما ينطوي على مطالبة بدفع فدية)”.

وكالعادة تحتل بلدان الشرق الأوسط نصيب الأسد في قائمة أكثر البلدان المحفوفة بالمخاطر بشأن الصحفيين، تلك التي تشهد هيمنة مطلقة لأنظمة الحكم السلطوية التي تتعامل مع حرية الصحافة كعدو، حيث جاءت سوريا في المقدمة برصيد (42 صحفيًا محتجزًا) ثم العراق واليمن (11 صحفيًا محتجزًا في كل دولة) ومالي (صحفي واحد محتجز).

كما تم تسجيل حالتي اختفاء في أوساط الصحفيين خلال 2022، فقد اختفى الصحفي الأوكراني دميترو خليوك في 4 مارس/آذار الماضي شمال العاصمة كييف، في بلدة ديمر التي وقعت تحت احتلال القوات الروسية، وتفيد المعلومات التي حصلت عليها “مراسلون بلا حدود” بأنه نقل إلى روسيا دون وجود معلومات عنه حتى اليوم.

الحالة الثانية كانت في المكسيك وتتعلق بمؤسس موقع “تشياباس دينونسيا يا” ويدعى روبرتو كارلوس ميندوزا الذي اختفى في 20 سبتمبر/أيلول الماضي ولم يعد هناك أي أثر للسيارة التي كان يستقلها، لينضم إلى قائمة مطولة من الصحفيين المختفين في المكسيك والبالغ عددهم 27 صحفيًا.

وقعت أكثر من 80% من جرائم قتل الصحفيين في العالم في 15 بلدًا فقط، جاء العراق وسوريا في الصدارة بـ578 قتيلًا خلال 20 عامًا (العراق 299 حالة وسوريا 279 حالة) بما نسبته 30% تقريبًا من إجمالي الصحفيين الذين لقوا حتفهم في العالم خلال العقدين الماضيين

20 عامًا من الاستهداف

بإحصاء انتهاكات 2022 يرتفع عدد القتلى الصحفيين بسبب أداء مهامهم الوظيفية خلال العشرين عامًا الأخيرة إلى 1668 صحفيًا، بمعدل مقتل 80 صحفيًا كل عام، ويعد عاما 2012 و2013 الأحلك على الصحافة والصحفيين بوجه عام، فقد سُجل ما لا يقل عن 144 و142 ضحية على التوالي، وكانت النزاعات والصراعات التي تشهدها سوريا والعراق واليمن أحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع هذا المعدل.

ووقعت أكثر من 80% من جرائم قتل الصحفيين في العالم في 15 بلدًا فقط، جاء العراق وسوريا في الصدارة بـ578 قتيلًا خلال 20 عامًا (العراق 299 حالةً وسوريا 279 حالةً) بما نسبته 30% تقريبًا من إجمالي الصحفيين الذين لقوا حتفهم في العالم خلال هذه الفترة، ومن بعدهما تأتي كل من أفغانستان (81 حالة) واليمن (40 حالة) وفلسطين (29 حالة)، أما على المستوى الإفريقي فجاء الصومال في صدارة القارة بـ(78 حالة).

وعلى المستوى الأوروبي جاءت روسيا على رأس القائمة بـ25 حالة قتل لصحفيين خلال العقدين الماضيين، تليها أوكرانيا بـ20 حالة ثم تركيا 9 حالات، فيما حلت فرنسا في المرتبة الرابعة بـ8 حالات قتل، تلتها أذربيجان بـ6 حالات وجورجيا 5 حالات وكازاخستان 3 حالات وكرواتيا واليونان وهولندا ولكل منهم حالتين.

منذ 2012 كانت المناطق التي تشهد نزاعات وحروب هي الأكثر حصدًا لأرواح الصحفيين، حيث قتل نحو 94 صحفيًا في مناطق النزاع خلال هذا العام مقارنة بـ50 في المناطق السلمية، الأمر استمر في 2013 بنفس النسبة إلى حد ما، لكن منذ عام 2019 بدأت الأمور تأخذ منحى آخر، لتحصد المناطق السلمية الحصيلة الكبرى، حيث مقتل 21 صحفيًا فقط من بين 54 صحفيًا قتلوا في هذا العام بمناطق نزاع، ووصل الرقم في عام 2022 إلى 20 صحفيًا في مناطق النزاع مقارنة بـ38 في مناطق سلمية، ولعل ارتفاع العدد خلال العام الماضي يرجع إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي راح فيها عدد من الصحفيين.

ودفعت الصحفيات حياتهن ثمنًا للمهنة كما الصحفيين تمامًا، إذ لقيت 81 صحفية حتفها على مدار العقدين الماضيين، بما نسبته 4.86% من إجمالي جرائم القتل التي طالت الصحفيين خلال هذه الفترة، ولعل عام 2017 هو الأكثر حصدًا لأرواح الصحفيات، فقُتلت فيه 10 صحفيات، أما عام 2022 فشهد مقتل 7 صحفيات ليعد العام الثاني الأكثر قسوة على الصحفيات منذ عام 2003.

القراءة الأبرز لتلك الإحصاءات على مدار العشرين عامًا الماضية تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط والشمال الإفريقي باتت واحدة من أكثر مناطق العالم خطرًا على الصحفيين، ورغم أن أمريكا تحتل مرتبة الصدارة، فإن المنطقة العربية دخلت على خط المنافسة بقوة في ظل سيطرة الأنظمة الديكتاتورية على المشهد، وهو ما توثقه تقارير الشفافية والحريات الصادرة عن الجهات الحقوقية المعنية بحرية الإعلام.

وتتعامل حكومات بلدان المنطقة مع الصحافة وحرية الإعلام كخطر يهدد وجودها وينسف إستراتيجياتها المبنية في الأساس على التضليل والتزييف وقلب الحقائق وإجراء عمليات غسل مخ للشعوب، ومن ثم فإن السماح للصحافة بممارسة دورها بحرية كاملة سيكشف المستتر ويسقط الأقنعة المزيفة على مدار سنوات طويلة، وهو ما قد يضع مستقبل الأنظمة الحاكمة على المحك.