الأمريكيون في العراق من جديد

بعد عشر سنوات إلا قليلاً، يحزم الأمريكان أو من كانوا يسمون(قوات الاحتلال) امتعتهم يحزمونها للعودة إلى حيث أتوا، تاركين خلفهم دمارا ورعبا، لمن كانوا بينهم ولانفسهم هم.
غادروا باحتفالية متواضعة احتضنها مطار بغداد الذي منه انطلقوا، وتم إنزال علم الدولة المحتلة وغادر آخر جندي إلا قليلاً ممن يعمل في السفارة داخل المنطقة الخضراء أو خارجها.
مغامرة أقل ما يقال فيها (فلم رعب) تكبد الأمريكان من خلاله ما يقارب الخمسة آلاف قتيل، ونحو خمسة وثلاثين ألف جندي جريحا، أما في الجانب الآخر فحدث عن رقم فلكي آخر سنختزله بخمسة ملايين متضرر أو يزيد بين قتيل وجريح ومعتقل ومهجر داخلياً أو خارجيا. أما مالياً فالارقام لا تسعف في الطرفين العراقي والأمريكي.
خاضت الولايات المتحدة الأمريكية تلك الحرب في عام لأسباب كثيرة كان من أهمها تضليل عاشته القوات المهاجمة أو ثمة من ظللها بامتلاك البلد لترسانة لا تبقي ولا تذر، ولم يكن ثمة شئ من هذا. ما حققه الغزو الأمريكي كان بالدرجة الأولى تدمير قدرات القوات المسلحة العراقية الخائضة لحرب الثمان سنوات مع الجارة الشرقية إيران، وكانت حربا بالنيابة.
ولم يكن ثمة تصور واضح لدى القوات الغازية لفرض الأمن واشاعة روح التسامح، بل كان شغلها الشاغل تسريح وحل الجيش العراقي السابق بأمر من الحاكم المدني السابق بريمر، وفرض الديمقراطية التي ما عاش في ظلها العراق وأهله يوماً واحدا والأيام شاهدة.
الإنسحاب هزيمة..
الحرب في العراق وما الت إليه في النهاية من انسحاب للقوات المحتلة وتحقيقها نصف نصر تمثل في تشكيل (بعض) القدرات القتالية الفعالة في القضاء على المجاميع الارهابية والمسلحة المقاومة من طرفي النزاع السني والشيعي حيث لم تستطع القوات المكونة حديثاً فرض إرادتها في العديد من المحافظات لولا سيرها يدا بيد مع القوات الأمريكية وبالأخص في أعوام 2007 و2008.
أنصاف الانتصارات الدرامتيكية التي قادتها القوات المحتلة لم ينتج عنها الحد من الأعمال الإرهابية وتحجيم عدد الانتكاسات الأمنية وقبل هذا وبعده تقليل منحنى المواجهة التي نتجت من الإخفاقات في سنوات الغزو الأولى.
نخلص من وراء هذه التقدمة إلى أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق لم يكتب له أن يكون إعلان حالة نصر في الحرب التي خاضتها على العراق في عام 2003 وإنما شكل نهاية لحرب باهظة التكاليف من الناحية الإستراتيجية، ولم يكن ثمة تخطيط يذكر، وقدم آخر جندي يغادر العراق. وهنا لابد من استدعاء ما ذكره تشرشل في موقف مشابه حيث قال:
(من النادر في التاريخ البشري أن حدث هذا الكم الهائل من التضحيات الغالية والنفيسة لتحقيق ذلك القدر الهزيل من النتائج).
ماذا بعد 2014/6/10
معادلة صعبة للغاية متمثلة في سيطرة تنظيم ما يعرف بداعش على ما يقارب 52% من مساحة العراق وفرض إرادة واقعة كاملة على محافظة نينوى، وأغلب الانبار، ونصف صلاح الدين، ومناطق متفرقة من ديالى، وهو ما يستدعي حشد الحشود وتحييش الجيوش من أجل إعادة السيطرة على هذه المناطق، ومن ثم جعلها تحت سيطرة الحكومة من جديد، وأنى يحصل هذا في ظل جيش يرتجف خوفاً، ويلقي بسلاحه هاربا من أرض المواجهة.
هنا كان لا بد من بدائل تعيد المناطق المغتصبة حتى لو كانت هذه البدائل جيش احتلال جديد، أو قوات حفظ أمن، أو ما شابه ذلك.
ماذا الآن..
مسؤول في قيادة المنطقة المركزية الأميركية يصرح أن خطة تحرير الموصل هدفها تحرير المدينة من تنظيم داعش في عملية برّية واسعة تبدأ في المهلة بين شهري أبريل ومايو المقبلين، أي بعد ستة أسابيع.
وهنا سؤال فيما إذا كان دخول القوات البرية ضمن الخطة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وبين العراق، أم هو اتفاق خاص لأن الحدث فرضه على ارض الواقع.
هذه المرة المتحمس بشدة لوصول القوات هم العرب السنة، بل هم الذين سيروا وفدين إلى الولايات المتحدة أحدهما من نينوى والآخر من الانبار والهدف المعلن تسليح العشائر، والمخفي: التدخل العسكري البري للقضاء على تنظيم داعش.
الحديث الآن عن عدد للقوات التي ستقوم بالحملة تصل إلى 25 ألف جندي عراقي موزّعين على خمسة ألوية ستقوم بالهجوم فيما تتولى 3 ألوية دور الدعم والاحتياط، وتقوم ألوية أخرى بأعمال حماية الأمن بعد تحرير المناطق.
أمر المعركة بحسب قائد أمريكي كبير يعود إلى وضعية داعش في الزمن المرتقب، أي خلال شهري أبريل ومايو، وأن عدم تمكّن القوات العراقية من شنّ الهجوم في هذا الوقت، أي بين أبريل ومايو، سيعني تأخير العملية إلى ما بعد شهر رمضان.
ويتعلّق التأخير أيضاً بتمكّن الأميركيين من إنجاز التدريب المطلوب للألوية العراقية، ويبدو أن الأميركيين مستعدون لتقديم الدعم الجوي والاستطلاع والتسليح والدعم، حسب ما أكد المسؤول الأميركي، وكشف أن العراقيين حددوا 6 ألوية مؤهلة للتدريب وللهجوم، ويهتم بها الأميركيون، كما يضاف إليها قوات كردية من البيشمركة.
لكن تأخّر التدريب والتسليح أمر ممكن، وهذا ربما يؤخّر المعركة، كما أن القوات المحلية السنيّة تخضع للتدريب في عدة معسكرات داخل العراق لكن المشاكل السياسية تضغط على العلاقة بين هذه القوات الممكنة والحكومة المركزية.
تأثيرات الصراع الداخلي..
ربما هو شعرة معاوية فلا يزال عدم التوافق السني الشيعي يفرض نفسه بقوة، حتى بعد تسلم العبادي قيادة رئاسة الوزراء، لكن الطرف السني لم يحسم أمره إلى الآن، فهو بين هيئة رئاسة في اتحاد القوى العراقية تضم الجبوري والنجيفي والمطلك ويبدو أن التناغم يبتعد أحياناً كثيرة عنهم، بالإضافة إلى موقف متقلب غير ثابت يلعبه المطلك في العملية القيادية بل السياسية عامة.
هذا من شأنه أن يلقي بظلاله على مجمل التفاهمات بين الأطراف السياسية لبدء ساعة الصفر للقضاء على داعش، وقد تكون المشكلة الأكبر، لدى الطرف الشيعي الذي يخشى إلى الان من تسليح العشائر، ومتردد في قانون الحرس الوطني، ويتخوّف من التحرك الأمريكي البري، الذي قد يقلب عليه الطاولة، وتستفيق خلايا نائمة من قبل الصدريين، والميليشيات الأخرى للتحرك من جديد، واختلاق أزمة داخلية بالدرجة الأولى، وفيما يتعلق بالطرف السني فقد حسم أمره، وهو مرحب بالقوات الامريكية لأنه لم يعد نفعا من كل المحاولات إلا الإستعانة بهم.
وللايرانيين نصيب..
في الجهة الشرقية لا يبدو أن إيران ستقف متفرجة، وسليماني يصول ويجول في العراق، ويتخذ من المنطقة الخضراء المحصنة سكنا له، بالإضافة إلى المطلوب الآخر أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي، وقد تشاغب إيران في هذه المرحلة، لفرض بعض الإجراءات التي لا تقبل أن يمارسها الأمريكان لوحدهم، مما يطيل أمد الحرب، إلا في حالة واحدة وهو دخولها على الخط، واعتبارها مستشارا اول، لتكسب القوات الأمريكية ودها، ويكون التعاون جزءا من بداية جديدة في الملف النووي وباقي الملفات المعلقة الأخرى.
ماذا عن البيشمركة..
عندما نتحدث عن البيشمركة فنحن نتكلم عن الجهة الوحيدة التي وقفت بوجه داعش في ظل انهزامية القوات العراقية التي كانت متمركزة في الموصل وهروبها سريعاً ليس بالمواجهة بل لقرب داعش.
البيشمركة التي قدمت ما يزيد عن ألف قتيل، وآلاف الجرحى وهي تتصدى لداعش، لن يكون دورها هامشيا في عملية تحرير نينوى، بل ستكون القوة الأولى المعتمد عليها في مساندة القوات الأمريكية، إلا إذا حدث جديد، فيما يتعلق بالعلاقات بين حكومة الاقليم والمركز، ما قد يؤثر على الحكومة المركزية أولا، وتقبل بشروط اقليم كردستان عبر الضغط الأمريكي الذي سيكون مستمراً لسببين: الأول: لتحقيق انتصار مشترك على داعش، والثاني: لتقريب وجهات النظر مع حكومة بغداد.
تبقى قضية المتدربين من أبناء نينوى في كردستان، وإمكانية زجهم في معركة التحرير، في ظل عدم إكتمال تدريبهم.
ختاماً..
عملية تحرير نينوى، وفق مراقبين، ستكون سلمية، مع وجود بعض الخلايا القليلة جدا التي ستواجه القوات الأمريكية، أما باقي أفراد تنظيم داعش فسيهربون إلى سوريا وإلى الرقة بالتحديد حيث يقطن زعيمهم، سيسجل الانتصار باسماء الأمريكان والعرب السنة، والاكراد، وسيكون الموقف الشيعي هنا محايدا، ومراهنا على عدم هزيمة داعش.