عن اختفاء أكثر من 100 مصري قسريًا من المنازل والشوارع دون أثر

ترجمة وتحرير نون بوست
في جو من عنف الشرطة والقمع الوحشي، يعيش الناشطون والمواطنون المصريون في ظروف أبعد ما تكون عن كونها آمنة عندما يحتجون في الشوارع، ولكن حتى خيار البقاء في المنزل أو البقاء بعيدًا عن الأنشطة السياسية، لم تعد خيارات آمنة بعد الآن، حسب تعبير الناشطين.
فوفقًا لتقرير صدر هذا الأسبوع عن حركة الحرية للشجعان، وهي مجموعة تضامن مع الأسرى والمعتقلين مقرها القاهرة، اختفى 163 شخصًا على الأقل بشكل قسري، بين أبريل و7 يونيو الجاري في جميع أنحاء مصر، وتم إعادة 64 شخصًا فقط من هؤلاء إلى أسرهم.
“بعض الذين عادوا، تحدثوا عن احتجاز في مباني أمن الدولة، أو في منشأة لا يعرفون شيئًا عنها، كما رووا قصصًا عن تعصيب عيونهم، تعذيبهم، واستجوابهم، بدون أي تحقيق رسمي”، قال خالد عبد الحميد، المتحدث باسم حركة الحرية للشجعان.
وفقًا لتقرير الحرية للشجعان، تم التأكد من مقتل شخصين، وذلك إثر العثور على جثتيهما في وقت لاحق على توثيق اختطافهما، الجثة الأولى تعود لرجل من شمال سيناء، والثانية لشاب يدعى إسلام عطيتو، وهو طالب في كلية الهندسة بجامعة عين شمس في القاهرة.
في صباح يوم 19 مايو، قيل إن عطيتو كان في امتحان ضمن الجامعة، عندما دخل رجل مجهول الهوية يرتدي ملابس مدنية إلى الفصل الدراسي، وطلب من إسلام اللحاق به، بعد الامتحان، تم تصنيف عطيتو في عداد المفقودين حتى اليوم التالي، الذي ترافق مع بيان صدر عن وزارة الداخلية، تعلن فيه أن عطيتو لاقى حتفه في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن، الذين عثروا على مخبأه السري في الطريق الصحراوي، ولم تتم الإشارة بتاتًا في البيان إلى اعتقاله من الجامعة لا من قريب ولا من بعيد.
وفقًا لوزارة الداخلية، عطيتو هو أحد أعضاء الخلية الإرهابية المسؤولة عن مقتل ضابط الشرطة، وائل طاحون، أمام منزله في القاهرة في حي عين شمس في أبريل الماضي، ولكن تشير التقارير، بأن قتلة طاحون تم التعرف عليهم مسبقًا والقبض عليهم قبل اعتقال عطيتو، واعترفوا بجريمة القتل.
شهود العيان الذين تحدثوا لصحيفة أخبار مصر، ولقطات الكاميرا الأمنية التي تم التقاطها وقت حادثة القبض على عطيتو، تشير إلى أنه تم إلقاء القبض على الأخير قرب الحرم الجامعي، مما يتناقض مع رواية وزارة الداخلية حول وفاته، كما يُظهر تقرير الطبيب الشرعي الرسمي، أن عطيتو مصاب بخمسة أعيرة نارية، في حين أن أفراد عائلته الذين رأوا جثته يشيرون إلى أنه كان أيضًا يعاني من كسرين في الضلوع، كسر بالذراع الأيسر، كسر في الجمجمة، وعلامات على ربطه بالحبال وتعذيبه.
“إسلام عطيتو تم القبض عليه حينما كان يقدم الامتحان، ولكن هناك أمثلة أخرى عديدة عن أشخاص تم اختطافهم من منازلهم مثل وليد فوزي أو مجدي عاشور”، قال عبد الحميد، في إشارة إلى أن عاشور هو أحد الشخصيات الرئيسية في الفيلم الوثائقي الذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار “الميدان”.
النتائج التي نشرتها حركة الحرية للشجعان في تقريرها ليست معزولة عن الواقع، حيث إن تقارير جماعات حقوق الإنسان المصرية الأخرى، بما في ذلك جماعة الكرامة والعدالة التي تتخذ القاهرة مقرًا لها، دقت ناقوس الخطر خلال الشهر الماضي حول إطراد حالات الاختفاء القسري في البلاد.
“حكومة السيسي تتصرف كما لو أن استعادة الاستقرار في مصر، يستلزم إعطاء جرعة من القمع لم تعهدها البلاد منذ عقود، ولكن تلك العلاجات تعمل في الواقع على قتل المريض”، قال جو ستورك، نائب مدير هيومن رايتس ووتش عن شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عقب إصدار الجماعة تقريرًا يدين ما وصفته بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في البلاد، علمًا أن وزارة الخارجية المصرية ردت على هذا التقرير، باتهامه بالتسييس والافتقار للموضوعية.
كما نفى مصدر من الوزارة مؤخرًا التقارير التي تحدثت عن حالات الاختفاء القسري، وذلك في حديث له لصحيفة الشروق المصرية المملوكة للقطاع الخاص، حيث جاء في حديثه “نحن في دولة قانون، ولا نستطيع احتجاز المواطنين من الشوارع بصورة غير مشروعة، فكل من يتم القبض عليه، يواجه اتهامات وفقًا للأوامر القضائية”.
بعيدًا عن السياسة ولكن إلى اللامكان
منذ أن بدأت الانتفاضة في مصر في يناير 2011، اختفى الآلاف من الناس في جميع أنحاء الدولة بقضايا تدور حول أحداث ذات طابع سياسي، البعض منهم عاد إلى أسرته، والبعض ظهر لاحقًا في المحاكم العسكرية، أما البعض المتبقي، وكما ذكرت الميدل إيست آي في تقرير سابق لها، اختفى إلى اللامكان.
“لا يزال هناك مئات الأشخاص الذين فُقدوا خلال السنوات الأربع الماضية، والذين لم يتم العثور عليهم حتى الآن، ولكننا هنا نتحدث عن 163 حالة موثقة، فقط في الأشهر الثلاثة الماضية”، قال عبد الحميد، وبالنظر إلى الانخفاض الصارخ في النشاط الاحتجاجي في الشارع المصري منذ صدور قانون التظاهر في عام 2013، الذي حظر المظاهرات على أرض الواقع، فإن حالات الاختفاء الأخيرة تثير القلق بشكل خاص، ويوضح عبد الحميد ذلك بقوله، “في السنوات الأربع الماضية، كان هناك أشخاص اختفوا أثناء ثورة يناير، وخلال حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأيضًا في ظل حكومة مرسي، وبعد الإطاحة به، في تلك الحالات، المختفين كانوا يحتجون في الشوارع واختفوا، ولكن الآن، نحن نتحدث عن مدنيين يتم اختطافهم من منازلهم، حيث يدخل أشخاص إلى بيوت المدنيين، ويأخذونهم منها، ولا نعرف إلى أين يصطحبونهم”.
إسراء وعمر وصهيب كانوا جميعًا يدركون جيدًا مخاطر الاحتجاج والتظاهر في مصر اليوم، وهذا هو السبب الذي حذا بهم إلى البقاء بعيدًا عن السياسة، ولكن في مساء يوم 1 يونيو، اختفى الثلاثي حين كانوا يتمشون بالقرب من كورنيش النيل، بعد عشاء لطيف مع الأصدقاء.
إسراء الطويل، هي شابة مصرية تبلغ من العمر 23 عامًا، قضت معظم حياتها في المملكة العربية السعودية، ولم تنخرط في النشاط السياسي، ولكنها مع ذلك، شاركت في انتفاضة يناير 2011، ووثقتها كمصورة فوتوغرافية، “إسراء شاركت في الثورة لذات السبب الذي دفع معظم الشباب المصري للمشاركة”، قال عبد الخالق محمد، أحد أقرب أصدقاء إسراء، وأضاف “لقد خرجوا للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية”.
إسراء تقربت من عبد الخالق، إثر إطلاق سراحه بعد 8 أشهر من الاعتقال، إبان اتهامه ظلمًا بقتل طالب، على الأرجح قُتل على يد الشرطة، “إسراء كانت توثق الأحداث السياسية لأنها تحب التصوير، ولأنها تعتقد أن الأمور الجميلة، كما هي ثورة يناير، كانت تستحق التوثيق”، قال عبد الخالق.
في يوم 25 يناير من عام 2014، كانت إسراء تلتقط الصور أثناء مظاهرة بالقرب من مسجد مصطفى محمود في القاهرة، عندما أصابت رصاصة ساقها اليمنى وارتدت لتضرب عمودها الفقري، أمضت على إثرها خمسة أشهر طريحة السرير، وتعافت بعدها لتستخدم كرسي متحرك لستة أشهر أخرى، وقبل بضعة أشهر، بدأت بالمشي باستخدام عكازًا.
“قبل إصابتها، كانت إسراء قد توقفت فعلًا عن المشاركة في المظاهرات، وخاصة منذ أُلقي القبض على العديد من أصدقائها المقربين وزملائها مثل عبد الله الشامي وصهيب سعد”، أوضح عبد الخالق.
إسراء وصهيب كانا معًا في الليلة التي اختفى فيها كلاهما، وصهيب هو واحد من خمسة طلاب يحاكمون في قضية قناة الجزيرة الشهيرة، بتهمة التآمر مع صحفيي الشبكة، رغم عدم وجود صلة لهم مع القناة القطرية أو مع الصحفيين الثلاثة المتهمين بالقضية.
القاضي الناظر بقضية صهيب أفرج عنه بكفالة وبشرط حضوره إلى المحكمة قبل الجلسة القادمة المقررة في 4 يونيو، ولكن في صباح يوم 1 يونيو، ظهر صهيب في المحكمة، وليلًا، كان قد اختفى.
“ليلة اختفائهم، بدأنا نشعر بالقلق لأن الوقت كان متأخرًا، ولكننا انتظرنا حتى اليوم التالي لأننا كنا نظن أن هواتفهم كانت مقفلة ببساطة” قالت شقيقة إسراء التي تدعى دعاء، وأضافت “حينها كانوا قد خرجوا لتناول العشاء معًا”.
في اليوم التالي على انقطاع أخبارهم، بدأ الأهل والأصدقاء بالشك جديًا حول احتمالية اعتقال الأصدقاء الثلاثة، وتذكر دعاء أن ضابط الشرطة في قسم شرطة بولاق الدكرور قال لها حينما قامت بالإبلاغ عن اختفاء شقيقتها “هل أنتِ متأكدة من أنها لم تهرب مع عشيقها؟ عودي لنا الأسبوع المقبل”.
“بعد يومين، عاد هاتف إسراء للعمل لفترة وجيزة، وقامت حينها بالاتصال بشقيقتها، ولكن عندما حاولت دعاء إعادة الاتصال بإسراء، كانت هاتف الأخيرة قد أُغلق من جديد”، قالت سارة، أحد الأصدقاء المقربين من إسراء وصهيب، وهنا تساءلت سارة “لو كانت إسراء قد هربت مع عشيقها، لماذا لم تعاود الاتصال مرة أخرى؟”.
وتابعت سارة قائلة، “بعد بضعة أيام، اتصل عمر من هاتفه بوالدته، ولكن عندما فتحت والدته الخط، سمعت بعض الأصوات، ومن ثم أغلق شخص ما الخط من على الجانب الآخر، وبعد فترة، وعن طريق أصدقاء الأصدقاء، تم إخبار عائلات وأصدقاء إسراء وعمر وصهيب، بأنهمالمع محتجزون في فيلا بالمعادي، وهي عبارة عن مبنى تابع للأمن القومي، خلف مركز شرطة المعادي”، وأضافت “علمًا أننا في ذاك الوقت كنا قد تقدمنا بشكوى إلى المدعي العام، نطلب فيها معرفة ما إذا كان قد تم إلقاء القبض عليهم، ولكن قيل لنا بأنهم غير معتقلين”.
آمال مثول المعتقلين أمام المحكمة
كان لإسراء عدد كبير من الأصدقاء من خلفيات سياسية مختلفة، ولكنها لم تكن قريبة من أي جماعة أو حزب معين، أما عمر فقد كانت يعمل كمهندس في شركة عسكرية، لذلك كانت العائلات والأصدقاء يعتقدون أن عمر وإسراء تم القبض عليهما بسبب صداقتهما مع صهيب.
وهنا استولت الآمال على العائلات والأصدقاء، حول إمكانية ظهور عمر وإسراء ومثولهما أمام المحكمة في جلسة صهيب المقبلة، أو على الأقل ظهور صهيب ذاته في الجلسة، ولكن خاب أملهم عندما تغيب الجميع في جلسة 4 يونيو، وهي جلسة المحكمة الأولى بعد اختفائهم، وحينئذ، تجاهل المدعي العام، التقارير التي تشير إلى غياب صهيب بسبب اختفائه القسري واحتمال اعتقاله من قِبل مسؤولي الأمن، وطالب باعتقال صهيب في حال عدم مثوله أمام المحكمة في الجلسة المقبلة.
وفعلًا، في الجلسة المقبلة في 11 يونيو، لم يمثل صهيب أمام المحكمة، وأصدر القاضي أمرًا بالقبض عليه، “لقد كان أفضل أمل لنا هو أن نعرف شيئًا عنهم بطريقة رسمية، ولكن من الجنون أن يكون لدى صهيب أمر اعتقال ينتظره، في الوقت الذي يُحتجز فيه ربما بالفعل من قِبل مسؤولي الأمن” قالت سارة.
في الوقت الذي لم يحضر به الأصدقاء الثلاثة أمام المحكمة، تم إخبار أصدقاء إسراء وصهيب أثناء جلسة المحاكمة، من قِبل المتهمين داخل القفص، بأن عمر كان محتجزًا معهم في سجن طرة في القاهرة، علمًا أنه لا يوجد أية أوراق رسمية تؤكد اعتقاله، ولكن السجناء الآخرين أوضحوا أنه يقبع في سجن العقرب سيء السمعة، وهو منشأة أمنية مشددة الحراسة، توجد في الصحراء على بعد 2 كم من مباني سجن طرة الرئيسية، حيث تم بناء سجن العقرب في عام 1993، بهدف استضافة نحو 100 سجين منسي، وغالبًا ما تتم مقارنته مع معتقل غوانتانامو، من جهة التعذيب وسوء المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون ضمنه.
جنبًا إلى جنب مع السجون العسكرية الأخرى مثل سجن العازولي، يعتبر سجن العقرب واحدًا من العديد من المواقع السوداء في مصر، حيث يقبع الأشخاص الذين فُقدوا، بعد اعتقالهم دون أي تحقيق رسمي، ودون توجيه أي تهم قضائية بحقهم.
“هناك فرق دقيق بين الاختفاء القسري والاختطاف” قال خالد عبد الحميد من حركة الحرية للشجعان، وتابع موضحًا “الاختطاف هو عندما يتم خطف شخص ما، واستجوابه، واحتجازه بدون تحقيق رسمي، وفي هذه الحالة نحن نعرف أين هو، أما في حالتنا الراهنة، ووفقًا للسلطات، هؤلاء الأشخاص لم يتم القبض عليهم، لكنهم اختفوا أو ببساطة أصبحوا في عداد المفقودين”.
المصدر: ميدل إيست آي