سعود الفيصل: إرث من الحزن

أعلنت المملكة العربية السعودية، مساء أمس الخميس 9 يوليو وفاة وزير خارجيتها السابق الأمير سعود الفيصل في ولاية لوس انجلوس الأمريكية بعد معاناة مع المرض.
وتوفى الفيصل بعد شهرين من تركه منصب وزير الخارجية الذي شغله لمدة سمحت له بأن يصبح أقدم وزير خارجية في العالم.
فقد عُين الفيصل وزيرا لخارجية المملكة في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز. وفي السنة التي شهدت تعيينه وزيرا للخارجية كان الرئيس الأمريكي هو جيرارد فورد، وكانت نهاية حرب فيتنام، في حين كانت شركة مايكروسوفت قد فتحت أبوابها للتو.
المسيرة الطويلة للأمير سعود الفيصل، المعروف بحنكته السياسية، وإرثه الذي تركه يمكن تعريفه بمعالم الإحباط، أكثر مما يمكن تعريفه بالنجاحات التي حققها الأمير الراحل.
في حوار له في عام 2009 مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قال الفيصل إنه “لم ير لحظة سعادة في كل هذا الوقت” الذي قضاه على رأس الدبلوماسية السعودية. وتابع مؤكدا “لم نجد سوى لحظات الأزمة، والصراع، وكيف يمكن لنا أن نشعر بلحظات سعادة بينما يعيش الفلسطينيون في تلك الأوضاع التي يعانون جراءها”.
لكن هذا التصريح لا يعكس الحقيقة التي لا خلاف حولها، فعلى مدار أربعين سنة هي عمر الفيصل في وزارة الخارجية السعودية، لم تتحسن أحوال الفلسطينيين قيد أنملة، إن لم تكن قد ازدادت سوءا!
ورغم مرضه الشديد، الذي ظهر منذ عام 2009 في نحول جسده والصعوبة الشديدة التي كان يبديها ليبقي عنقه وظهره منتصبا، إلا أن المحيطين به كانوا يؤكدون أنه يتابع جدول أعماله المضني كما كان يفعل دائما، يعقد الاجتماعات، يسافر حول العالم، يستشير مع الملك (عبدالله حينها).
حافظ الفيصل خلال عمله كوزير للخارجية على كونه الوزير الهادئ، استخدم الدبلوماسية غير الصاخبة، وفضل ألا يظهر بحدة في المشهد، واستخدم ثروة المملكة النفطية لبسط نفوذها وأجندتها. لكن أجندة السعودية تجاه القضية الفلسطينية، والتي ظهرت في أبرز تجلياتها من خلال مبادرة السلام التي قدمها الملك عبدالله، لم تكن على قدر تطلعات الشعوب العربية، إلا أنها ضمنت له صداقة الولايات المتحدة لفترة طويلة.
درس الأمير الراحل الاقتصاد في جامعة برينستون المرموقة. تقول سيرته الذاتية إنه يتحدث سبع لغات، كما أنه كان متزوجا ولديه ستة أبناء، يصفه الصحفي مايكل سلاكمان بأنه شخص دافئ مع حس دعابة واضح ورغبة في الحديث مع الصحفيين بشكل علني.
ويصف عماد جاد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية، في تصريح له قبل عدة سنوات، الفيصل بأنه “ليس صانع قرار”، فهو ليس أكثر من منفذ للسياسات التي تقرها المملكة، ورغم نفوذه في ديوان الملك إلا أنه لم يكن القول الفصل له أبدا، بحسب جاد.
مواقف الفيصل تجاه إيران كانت شديدة الوضوح. ورغم تصريحه مؤخرا بأن بلاده ليست في حالة حرب مع إيران في اليمن، إلا أن له العديد من التصريحات التي يؤكد فيها على أهمية كف إيران عن امتلاك سلاح نووي.
لكن السنوات الأخيرة كانت زاخرة بالأحداث بالنسبة للفيصل، وللمنطقة ككل. فوفاة الفيصل جاءت في وقت تحاول فيه السعودية الإبحار في الفوضى التي تسببت بها بشكل جزئي في دول الربيع العربي.
فالانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المصري والذي دعمته المملكة العربية السعودية، أدى بالبلاد لدخول مرحلة من العنف والفوضى لم تتضح كل معالمها بعد، وكان للفيصل تصريحات اعتمدت على بيانات الأجهزة الإعلامية المصرية قال فيها إن “انتفاضة 30 مليون مصري لا توصف بالانقلاب العسكري”. وجاءت تصريحات الفيصل بعد أقل من أسبوع من فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة.
وأشاد الفيصل حينها بأداء السلطات المصرية التي قتلت ما لا يقل عن 817 شخصا طبق أكثر الإحصاءات تحفظا والذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الفيصل قوله “لا بد من الإشادة بما قامت به الحكومة المصرية وقدرتها على فضها (الاعتصامات في كل من ميداني رابعة العدوية والنهضة) في فترة زمنية قياسية قصيرة وبأقل عدد من الأضرار”!
كما أن الموقف السعودي المتردد من دعم الثوار السوريين أدى لصعود جماعات أكثر تطرفا مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بالإضافة إلى أن الخشية السعودية من صعود الإسلاميين في اليمن ساهمت بشكل مباشر في صعود أسهم الثورة المضادة وإلى تحالف الحوثيين مع الديكتاتور اليمني المخلوع على عبدالله صالح والذي كانت المملكة قد استضافته على أرضها بعد محاولة اغتياله في وقت مبكر من الثورة اليمنية.
لا يمكن الاختلاف حول محورية الدور الذي لعبه سعود الفيصل في السياسة السعودية على مدار أربعة عقود، إلا أن ما قد يتم الاختلاف عليه هو جدوى هذا الدور ومدى إيجابيته.