قراءة في صعود نجم اليمين المتطرّف في انتخابات فرنسا القادمة

نشرت “صحيفة الأحد” الفرنسية صبيحة اليوم نتيجة استطلاع للآراء حول مستجدات الساحة السياسية المحلية كشفت فيه أن 31% من الفرنسيين مستعدون للتصويت للجبهة الوطنية أو ما يعرف اصطلاحًا في عالمنا العربي باليمين المتطرف الذي تتزعمه المثيرة للجدل دائمًا مارين لوبان في انتخابات سنة 2017.
“يمكنها أن تبتسم الآن”، هذا ما علقت به الصحيفة على هذه الأرقام التي تأتي قبل أقل من سنتين من الانتخابات الرئاسية، فرغم أنه لا يمكن اعتبارها (الأرقام) نوايا تصويت بحكم أن الاستحقاق الانتخابي لا يزال بعيدًا، إلا أنها تبرهن على أن رئيسة الجبهة الوطنية تسير بثبات نحو تحقيق اختراقات شعبية تجاوزت الأربع نقاط خلال أربع سنوات فقط وهو دليل دينامكية كبرى وفق معدلات التطور السياسي في الداخل الفرنسي.
وقد كشف هذا الاستطلاع ما حققته النائبة الأوروبية من اختراق في فئة الشباب بين 18 و24 سنة الذين مثلوا 42% من قاعدة المعجبين بها، كما نجحت في كسب ثقة 47% من الموظفين والكوادر المستجوبين، إضافة إلى 41% من العمال وهو ما اعتبر نجاحًا للوبان داخل “فرنسا العاملة”، أي الطبقة الشغيلة التي تشعر بأنه تمت خيانتها في عهد الرئيس السابق نيكولاس ساركوزي، وبأن سياسات الرئيس الحالي، فرانسوا هولاند، مخيبة للآمال.
ولم يكن رقم 31% هو الوحيد الجالب للاهتمام، حيث أشار نفس الاستطلاع إلى أن لوب الذين أعربوا عن أنهم لن يصوتوا البتة لها في أي استحقاق انتخابي وأيا كانت برامجها، وهم خاان، التي حصلت في آخر انتخابات على 17.9%من الأصوات، لازالت تعاني من “الرفض الإقصائي” من طرف 58% من الفرنسيين أصحاب المهن الحرة والمتقاعدين وموظفي المهن السامية أو العليا.
وفي الحقيقة، لوحظ تقدم اليمين المتطرف في فرنسا منذ الانتخابات البلدية الماضية التي تم تنظيمها سنة 2014، حيث حقق اختراقًا ملفتًا خلال الدورة الأولى من الانتخابات البلدية الفرنسية، على حساب اليسار الحاكم الذي تلقى صفعة أتاحت للمحافظين إحراز تقدم طفيف، وقد استفادت الجبهة الوطنية وقتها من مقاطعة الفرنسيين القياسية للانتخابات ومن عواقب القضايا والفضائح التي هزت الطبقة السياسية قبيل الانتخابات كتضخيم فواتير في التجمع من أجل حركة شعبية، أكبر أحزاب اليمين، والتسجيلات السرية والتنصت القضائي على اتصالات الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
وتواصل تقدم اليمين المتطرف خلال انتخابات البرلمان الأوروبي سنة 2015، حيث حصل على ربع أصوات الناخبين وهو ما يعد سابقة في التاريخ السياسي للبلاد، ويعكس إخفاق اليسار الحاكم وضعف جاذبية اليمين المعتدل الذي تتخبط أبرز قياداته في فضائح الفساد.
ماذا يعني تقدم اليمين المتطرف؟
أول المتضررين من هذا التقدم سيكون العرب المقيمين في فرنسا الذين سيضطرون لمواجهة متاعب عديدة، فالتوجه السياسي لحزب الجبهة الوطنية الفرنسي يأخذ الاتجاه المعادي للمهاجرين وكل من لا يدعم الثقافة العامة الفرنسية، وتشكل الأقليات المسلمة في فرنسا واحدة من “الأعداء المعلنين” على أجندة اليمين المتطرف، الذي يتربص بها في تظاهراته وخطاباته و”تحرشاته” العنصرية أيضًا، ويكفي هنا التذكير بأن لوبان، التي خلفت والدها على رأس الحزب، تقود بالإضافة إلى “الحزب العائلي” المتطرف، كل المنظمات الداعية لعداء الأجانب والمنحدرين من الثقافات الإسلامية والشرق الأوسطية مثل “النازيين الجدد”، وهو ما سيدفع فرنسا قدمًا نحو التحول إلى بيئة طاردة للمهاجرين بامتياز أكثر مما هي عليه الآن.
وعند الرجوع إلى يوميات لوبان المثيرة للجدل، نجد في جعبتها العديد من التصريحات المتطرفة المتعلقة بالعرب والمسلمين، كان أبرزها تنديدها خلال اجتماع عام بـ “صلوات الشارع” التي يؤديها المسلمون مشبهة إياها بالاحتلال النازي لفرنسا إبان الحرب العالمية الثانية، وهو ما جرها لأروقة المحاكم بعد اتهامها بتهمة “التحريض على الحقد العرقي” ومن المنتظر أن تعقد الجلسة الأولى خلال أيام.
أما في علاقة بالسياسات الخارجية، ورغم أنه لا يزال بعيدًا عن تحقيق نسب تؤهله لحكم فرنسا، يمثل اليمين الفرنسي بصفة عامة أحد أشد أعداء تيارات الهوية في العالم العربي، والثابت أنه لن يدخر جهدًا للتخلص من التيارات الإسلامية خاصة في الدول الموجودة ضمن المجال الحيوي الإستراتيجي مثل دول الشمال الأفريقي خاصة.
وفي علاقة بالمنطقة الشرق أوسطية، تعد المملكة العربية السعودية أحد أهم الأسواق التي تسعى فرنسا دائمًا لعدم التفريط فيها خاصة بعد لجوء الأخير لسوق السلاح الفرنسي خاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني، وحتى إن صعد اليمين المتطرف للحكم فلن يكون له مجال لتغيير موقف الدولة من الدولة انطلاقًا من المسلمة التي تقول بأن للدولة أيدولوجيتها التي تظل أكبر وأقوى من أيديلوجيا من يحكمها، وأن من يدخل للدولة بهد أدلجتها لفظته.
وعلى صعيد آخر، ورغم أن حزب الجبهة مشهور بمواقفه التي تتسم بالعنصرية ضد اليهود، حيث وصف مؤسس الحزب لوبن الأب المحرقة بأنها مجرد واحدة من “تفاصيل التاريخ”، إلا أن مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية الحالية تعمل على إعادة تشكيل صورة الحزب في هذا المجال، بل ذهبت إلى أن حزبها يعد حاليًا المتحدث الأمثل باسم الجالية اليهودية، حيث إن التطرف الإسلامي والجالية المسلمة بشكل عام، يغذيان مشكلة معاداة السامية، وفق تعبيرها، وهو ما يعني أن صعود سهم اليمين المتطرف في فرنسا سيصب في صالح اللوبي اليهودي الساهر على حماية مصالح دولة الاحتلال.
تشير التوقعات إلى أن اليمين المتطرف الأوروبي وليس في فرنسا فقط في سبيله لتحقيق المزيد من المكاسب خلال السنوات القليلة القادمة، وبالتالي سيظل فاعلاً سياسيًا واجتماعيًا، وتحديدًا فيما يتعلق بقضايا الهجرة، الأقليات، وحقوق الأفراد، وهو ما سيفرض وضعه على قائمة محددات المراكز البحثية وإنتاج السياسات في العالم.