تتوجس العديد من دول العالم للدور الذي ستلعبه تركيا في المرحلة المقبلة بعد فشل الانقلاب في 15 يوليو/تموز ومن الدور الذي سيمارسه الرئيس رجب طيب أردوغان محليا وفي المنطقة بما يخص ملفات إقليمية ودولية مهمة، فتركيا ستحاول أن تملك خيوط الحل والعقد في المنطقة بشكل أكثر من السابق لتصبح لاعب دولي وإقليمي في المنطة لا يكمن استثناءه ليس في المحافل الإقليمية فحسب بل وفي الدولية أيضًا يحفزها على ذلك قوة الاقتصاد الصاعدة الطامحة لأخذ مكان بين أكبر عشر اقتصاديات في العالم.
وقد عبرت الصحف الأجنبية إبان فشل انقلاب 15 يوليو/ تموز في تركيا عن خشيتها من تركيا في المرحلة المقبلة من أن يؤدي فشل الانقلاب إلى تعزيز سيطرة حزب العدالة والتنمية على السلطة والتضييق على المعارضة المحلية أكثر وضرب كل من تسول له نفسه في الانقلاب أو النيل من هيبة الدولة.
عبرت الصحف الأجنبية عن خشيتها من تركيا في المرحلة المقبلة من أن يؤدي فشل الانقلاب إلى تعزيز سيطرة حزب العدالة والتنمية على السلطة والتضييق على المعارضة المحلية
ففي ظل هذه الحرب الدائرة بين الحكومة التركية من جهة وفلول الانقلاب تركز جهات كثيرة حول العالم أن فشل الانقلاب العسكري يعد بمثابة شيكًا على بياض لسحق دائرة الكيان الموازي الذي يتربص بها أردوغان منذ سنوات ويتهم زعيمها فتح الله غولن أنه وراء الانقلاب الفاشل.
إذ من المتوقع بحسب تصريحات العديد من المسؤولين الأتراك أن تطال يد الاعتقال كل أنواع وأشكال الخونة سواء من دعم الانقلاب بشكل مباشر أو غير مباشر، خصوصًا بعد تأكيدات من الحكومة التركية أن لديها أسماء دقيقة لكثير من الأشخاص الذين يدعمون فكرة الانقلاب على الحكومة قبل القيام به.
حيث تأتي التصريحات من دول العالم بضرورة أن يكون محاسبة الانقلابيين بما يمليه الدستور وألا يتجاوز أردوغان القانون التركي في محاسبتهم، في إشارة لمعارضة إعادة حكم الإعدام، بعد مطالبة بعض المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس أردوغان بعدم التأخير في تطبيق حكومة الاعدام على منفذي الانقلاب الفاشل مؤكدًا أن الحكومة ستناقش الأمر مع أحزاب المعارضة.
فمنذ إعلان فشل الانقلاب في تركيا تم توقيف قرابة 7543 من بينهم 6038 عسكريًا بحسب التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء بن علي يلدريم.
والجدير بالذكر أن تركيا ألغت عقوبة الإعدام في العام 2004 للوفاء بالمعايير اللازمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولم تعدم أحدًا منذ 1984 بحسب وكالة رويترز الإخبارية.
وقد جاء الرد من ألمانيا حيث قالت أن إعادة حكم الإعدام إلى القانون التركي سينهي فرصة دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما تحدثت عن مشاهد مقززة من التعسف والانتقام بعد فشل الانقلاب في تركيا. وقد وردت تصريحات من الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة تفيد أن على تركيا احترام الديمقراطية والحريات في تركيا.
علمًا بأن القوى الغربية تابعت ليلة الانقلاب بترقب شديد تخوفًا من أن تهدد محاولة الانقلاب بزعزعة استقرار دولة حليفة للغرب وعضو في حلف شمال الأطلسي في منطقة تعاني من الحروب والإرهاب والهجرة، وتملك ثاني أكبر الجيوش في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أي تركيا حليف أساسي للولايات المتحدة ضد داعش حيث وافقت تركيا في الأشهر الأخيرة على فتح قاعدة أنجيرليك الجوية أمام طيران التحالف الدولي الذي ينفذ طلعات جوية في سوريا والعراق ضد داعش.
أردوغان بعد الانقلاب ليس أردوغان قبله
بعد هذه العملية الانقلابية الفاشلة من المؤكد أن تظهر بعض التصدعات في أجهزة معينة في الدولة وقد أظهرت هشاشة نسبية كادت أن تسيطر على الدولة والحكم، لذا فإن جعبة أردوغان تكاد تكون مليئة بالخطوات المهمة التي سيقوم بها بعد النتهاء من القضاء على كل فلول الدولة الموازية والانقلابيين.
فمن المؤكد أنه سيستخدم كل الطرق لإخضاع خصومه السياسين محليًا وإقليمًا ودوليًا في تنفيذ وتطبيق العديد من الملفات الحساسة التي يخطط لها، ضامنًا بين يديه إرادة الشارع التي أيدت الحكومة المنتخبة ديقراطيًا والتي حمت الشرعية وسعت للتخلص من الانقلابيين بنزولهم إلى الشوارع تلبية لطلب الرئيس، وانطلاقًا من تلك القاعدة سيستغل الرئيس تحويل النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي بشكل مطلق أو شبه مطلق، علمًا بأن الفترة الماضية شهدت تمهيدًا لعمل استفتاء شعبي في هذا الخصوص وحتى لو تأخر هذا الاستفتاء فإنه في النهاية سيتم وفي تلك اللحظة سيكون أردوغان قد جمع بين يديه كل الأوراق التي تكفل قبول الشارع بالتصويت لصالح تعديل دستور البلاد وتغيير النظام السياسي، حيث يهدف أردوغان تبني فكرة النظام الرئاسي الشبيه بالنظام الموجود في الولايات لامتحدة بما يعزز سلطاته كرئيس.
وربما يكون أحد أسباب الانقلاب في هذا الوقت هو خشية الانقلابيين في الجيش من تغيير الدستور التركي الذي صيغ إثر آخر انقلاب عسكري ناجح عام 1980 فضلًا عن إعادة تشكيل قانون المحاكم العليا الذي تدخل أردوغان فيه بشكل أثار حفيظة الانقلابيين.
إعادة هيكلة الجيش، وتشكيل أجهزة أمنية تتبع الرئيس مباشرة، وتعزيز دور المخابرات هي الخطوات التي يُتوقع أن يقوم بها أردوغان
ولعل أحد الأمور المهمة التي سيعمد الرئيس لتطبيقها هي إخضاع الجيش وسلطاته وقاداته لإعادة هيكلة تضمن ولاء القادة العسكريين للحكومة واستراتيجيتها وعمل ما يلزم في الجيش في سبيل بتر أي محاولة انقلاب أخرى في المستقبل، ومن المتوقع أن يتم فصل شبه تام لجهاز الاستخبارات العسكرية عن سلطة الجيش لإن الجهاز أثبت فشله أو تواطؤ القائمين عليه مع الانقلابيين والكيان الموازي. وأن تتبع الأجهزة الأمنية للرئيس مباشرة بحيث تستقي أوامرها النهائية من الرئيس وتشكيل جهاز للأمن القومي يضم فيه جهاز للاستخبارات العسكرية والشرطة وغيرها.
وفيما يخص المعارضة فإن أردوغان وفي سابقة من حيث التفاصيل، قام بالتواصل مع الأحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد بعد الانقلاب وشكرهم على موقفهم المشرف الداعي لاحترام القانون والشرعية وحماية الديمقراطية في البلاد، فمما لا شك فيه أن تعزيز صلاحيات الرئيس خصوصًا إذا تم اعتماد النظام الرئاسي فستزداد معه حجم المعارضة بشكل مطرد لذلك من المتوقع أن يقوم الرئيس باحتواء الموقف السياسي بين الفترة والأخرى في محاولة لدمج المعارضة وتقريب وجهات النظر بينهم وعدم استفزازها.
وأخيرًا فإنه من المتوقع أن تتغير خريطة التحالفات التركية الإقليمية والدولية فقد تبين بعد الانقلاب الفاشل الدولة الصديقة من الدولة العدوة، لذا فإن مستقبل العلاقات الدولية سيشهد إعادة اصطفاف بما تمليه عليها مصالحها القومية في الدرجة الأولى وما تملكه من أوراق ضغط تحاول استغلالها مع الدول الإقليمية والعالمية على حد سواء بما يضمن لتركيا ان تكون لاعب مهم في القضايا التي تدور حولها.
أما الحكومة برئاسة بن علي يلدريم الذي أثبت مع طاقم حكومته خلال لحظات الانقلاب أنه على قدر المسؤولية، فإن تحقيق أهداف الحكومة واستراتيجيتها في الفترة المقبلة يعتمد على كفاءة الحكومة وتهيأة جيل تركي شاب ينقل تركيا إلى ما تصبو إليه في العام 2023 في المرحلة الأولى.