انتقد مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي في ظاهرة علنية ونادرة للرئيس الإيراني حسن روحاني الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وطالبه بأن يفعل المزيد لتحسين الاقتصاد والخروج من المشكلات الكبرى التي لا تزال تعاني منها البلاد، كالبطالة والركود الاقتصادي والتضخم، وقال المرشد الإيراني: “طلبت من الرئيس أن ينصح مديريه التنفيذيين أن تكون الإدارة شفافة وتحت الرقابة”، علمًأ أن هذه الطلبات تأتي قبل 3 أشهر من خوض روحاني الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية.
إيران ما بعد الاتفاق النووي
يفتخر روحاني بالإنجاز الكبير الذي حققته حكومته المتمثل في الاتفاق النووي الذي توصلت له البلاد مع ست قوى دولية والذي فتح باب الاستثمارات الأجنبية في إيران بعد الافتقار إليها لسنوات بسبب العقوبات الغربية، التي زادت حدتها منذ العام 2006 وجعلت من الاقتصاد الإيراني اقتصادًا مغلقًا ضغط على برامج التنمية وتطوير الموارد الاقتصادية المتاحة وزاد من حدة الفقر والبطالة والركود وساءت قيمة العملة والظروف المعيشية مع مرور السنوات. وقد أمل الشعب الإيراني بعد رفع العقوبات عن بلاده أن تكون بداية جديدة تتحسن فيها الظروف الاقتصادية.
ومع خروج إيران من وطأة تلك العقوبات أتاح لها فرصة الانفتاح على الاقتصاد العالمي من جديد وبدأت تسارع الخطى لتحقيق تنمية شاملة في ظل ما يعانيه العالم من أزمات سياسية واقتصادية، لعل أبرزها هبوط أسعار النفط العالمية دون 50 دولارًا.
بحلول عام على الاتفاق النووي الذي وافق 20 يناير/كانون الثاني الماضي يشير خبراء أن إيران لم تحقق أهدافها الاقتصادية المنشودة منذ الاتفاق النووي الذي لا يزال يشكل جدلًا حتى الآن، فترامب اعتبره من الأسوأ على الإطلاق وتعهد بإلغائه أو إعادة التفاوض بشأنه.
الاقتصاد الإيراني لا يزال يواجه عزوف الشركات الكبرى عن الاستثمار في إيران واستمرار تجميد الأرصدة الإيرانية في البنوك الأجنبية في الخارج والتي تصل حسب تقديرات إلى 120 مليار دولار.
وبالنظر إلى جملة من المؤشرات الاقتصادية في الفترة الماضية لا يظهر أن الاقتصاد الإيراني تأثر بشكل إيجابي بعد رفع العقوبات، بل استمر الاقتصاد بالهبوط وربما هذا ما دعا المرشد في خطابه يوم الأربعاء الماضي للإشارة حول المشكلات الكبرى التي لا تزال تواجه الاقتصاد، وأن نهج الحكومة المتبع طوال العام الفائت كرّس التبعية للقوى الدولية والرأسمالية العالمية بقيادة أمركيا وأوروبا حيث تبطن الحكومة الإيرانية العداء لهما بينما الواقع يخالف ذلك، فالحكومة توسعت في وارداتها من السلع والخدمات من تلك الدول بشكل كبير.
ومن بين تلك المؤشرات العملة الإيرانية التي شهدت تراجعًا كبيرًا خلال الفترة الماضية بسبب ارتفاع قيمة الدولار في السوق العالمية بشكل عام، كما هو الحال في أسوق الاقتصادات الناشئة الأخرى، حيث بلغت قيمة الدولار في ديسمبر/كانون الأول 2016 نحو 41.5 ألف ريال إيراني مرتفعًا عن 35.7 ألف في سبتمبر/ أيلول.
وبعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض وطرحه الاتفاق النووي مع إيران وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها بعدما أقر عقوبات على 12 مؤسسة إيرانية، وهو ما أنعش الأسواق السوداء في إيران مجددًا وهدد بعودة شبح العقوبات من جديد، ففي حال عودة العقوبات فالمتوقع أن تفقد البلاد القدرة على توفير العملات الصعبة وانهيار العملة المحلية بشكل أكثر، ويحمل هذا بين طياته المزيد من الأعباء التضخمية التي سيتحملها المواطن.
كما تعتمد إيران على الاستثمار الأجنبي المباشر على أمل أن تتطور البنية الإنتاج للنفط والغاز ورفع منسوب الإنتاج في البلاد، وبالرغم من أن استجابة الشركات الأجنبية كانت قليلة فإن خبراء يرون أن اعتماد إيران على الاستثمارات الأجنبية المباشرة يضعها في موقف ضعيف أمامها بسبب الامتثال لشروطها والتبعية لها، حيث أعلنت وزارة الطاقة الإيرانية مؤخرًا عن السماح لـ 29 شركة أجنبية بالتقدم للاستثمار في قطاع النفط والغاز الطبيعي كما أن مسؤولو الطاقة الإيرانيون يعلقون تطوير حقولهم النفطية على الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير.
ولا تزال إيران تستورد التكنولوجيا من الخارج وتتعاقد مع الشركات الأجنبية على إنشاء محطات الكهرباء وإنشاء السفن بينما كان من المتوقع أن إيران قد أعدت لهذه المرحلة من إنتاج التكنولوجيا طوال سنوات العقوبات الاقتصادية، مقارنة مع ما حصل في قطاعات أخرى كالصناعات العسكرية التي تمكنت إيران من تطويرها بشكل فائق بالاعتماد على نفسها وقدراتها، حيث عقدت إيران مع كوريا الجنوبية اتفاقًا بموجبه تستورد 10 سفن تجارية عملاقة من كوريا وتقدر قيمة الصفقة بـ650 مليون دولار.
اعتماد إيران على الاستثمارات الأجنبية المباشرة يضعها في موقف ضعيف أمامها بسبب الامتثال لشروطها والتبعية لها
وحصلت شركة الخطوط الجوية الإيرانية الشهر الماضي على أول طائرة من صنع شركة إيرباص بموجب رفع العقوبات وتعد الأولى من أصل 100 طائرة طلبتها إيران من الشركة، كما طلبت أيضًا 80 طائرة من شركة بوينغ الأمريكية.
ثم إن الاقتصاد الإيراني لا يزال يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز في إيراداتها العامة، وهو ما يعرضها لخطر صدمات تأرجحات أسعار النفط العالمية، وهي بهذا لا تختلف عن دول الخليج، كما أنها اتبعت نهجًا توسعيًا في الصناعات الحربية والتدخلات العسكرية ما كبدها تكاليف اقتصادية عالية، ونظرًا لافتقاد الاقتصاد الإيراني للشفافية في ما يتعلق بالبيانات الاقتصادية، فقد غابت التكاليف الاقتصادية لدخول إيران في أتون الحرب والصراع في كل من سوريا واليمن والعراق ولبنان.
وقد أعلن مركز الإحصاء الإيراني نهاية الشهر الماضي يناير/كانون الثاني انخفاض معدل التضخم على أساس سنوي لـ 12 شهر منتهية في 19 يناير/كانون الثاني بنسبة 0.3% مسجلًا 6.9% وتعد هذه النسبة مرتفعة ولا تعكس توقعات الحكومة في أن يمهد رفع العقوبات الاقتصادية من انخفاض نسبة التضخم بشكل أكبر، حيث لا تزال أسعار المواد الغذائية والمياه والكهرباء عالية الثمن وفي ظل استمرار فقدان قيمة العملة ترى فئة كبيرة من الإيرانيين أن روحاني لم ينجح في تخليص البلاد من المشاكل الاقتصادية وأن أوضاعهم المعيشية لا تزال سيئة، وأصبح الوضع أكثر صعوبة مع وصول ترامب للسلطة.
وبحسب مجلة “هندزبلات” الألمانية فإن الإيرانيون بعد عام ونصف من الاتفاق النووي لا يزالون ينتظرون علامات لتحسن الوضع الاقتصادي ومازال اليأس يتزايد في حين لم تصبح الأوضاع المعيشية أكثر سهولة بل ازدادت صعوبة، وبسبب الركود في الأسواق تحول الكثير من الشباب الخريجين الباحثين عن عمل إلى سائقين على تاكسي، فأكثر من 200 ألف إيراني سجّلوا في نظام “أوبر” خلال عدة أشهر فقط بحسب ما ورد في المجلة.
فكرة أن إيران ستصبح إحدى أحدث الأسواق في المنطقة بعد رفع العقوبات عنها فكرة غير صحيحة
وتوقعات النمو للاقتصاد الإيراني التي تتوقعها الحكومة والمؤسسات الدولية لا تظهر في المجالات الإنتاجية كالزراعة، والصناعة، والتي تتحمل خلق فرص عمل للخريجين، كما لا تؤثر زيادة النمو في حياة الأفراد وذوي الدخل المحدود، المتضررين في المجتمع. وتعاني العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عجزًا نقديً في معظم الأوقات، ومن خسائر هائلة، يؤدي بها في نهاية المطاف إلى الإغلاق والتوقف عن العمل. في حين أن النمو يتحسن بدافع من مؤشرات الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والسياحة.
يرى كثير من الإيرانيين أن مزايا الاتفاق النووي لم تصل إليهم بعد وإن أي مكاسب ربما تكون في خطر بسبب عدم رضا ترامب عن الاتفاق إلى جانب احتدام لهجة ترامب حول إيران والتي تلمح إلى نوع من المواجهة العسكرية، كما أشار خبراء أن الاقتصاد لا يزال يواجه بعض العقبات منها عزوف الشركات الكبرى عن الاستثمار في البلاد واستمرار تجميد الأرصدة الإيرانية في البنوك الأجنبية في الخارج والتي تصل حسب تقديرات إلى 120 مليار دولار.
فالتوقعات المبدأية للحكومة لمحاسن الاتفاق النووي والتي من المتوقع أن يكررها روحاني في حملته الانتخابية المقلبة، غير مطابقة للواقع، حيث سارت إيران بشكل بطيء جدًا في طريق حل مشاكلها الاقتصادية، ففكرة أن إيران ستصبح إحدى أحدث الأسواق في المنطقة بعد رفع العقوبات عنها فكرة غير صحيحة، في الوقت الذي لا تزال فيه القوانين والتشريعات القديمة التي تجذب المسثتمر والشركة للقدوم والاستثمار، بدون تعديل.
فضلا عن ضعف قيمة العملة وظاهرة السوق السوداء ومن ثم الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية والخاصة، وفضلا عن هذا كله زج الحكومة نفسها في شؤون الدول الأخرى وتحملها تكاليف عسكرية باهظة. إصلاح المشاكل الاقتصادية الكبرى من بطالة وركود وتضخم يقتضي الوعي بإصلاح تلك الملفات قبل أن تتفاءل الحكومة بقدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتحول إلى سوق حديثة ومتطورة.