يمر الإنسان بمفترقات طرق وقرارات لا يعرف نتائجها، ووجد المختصون أن عقل الإنسان ينجذب نحو القرارات التي تؤيد معتقداته واتجاهاته الفكرية، بل هو أيضًا يبحث عنها ويتجاهل الأفكار والأفعال التي تتعارض مع قناعاته الشخصية.
هذه التحيزات المعرفية من الممكن أن تجعل الفرد يتخذ قرارات خاطئة، لأنه لا يرى الحقيقة كاملة أو يتجاهل رؤيتها، لكن مع الانفتاح الثقافي أصبح من الصعب أن يعزل الفرد نفسه عن كل ما يتضارب مع معتقداته الداخلية.
كل مناقشة يقوم بها الفرد مع المعلومة المتنافرة لا تكون مناقشة منطقية
قدم عالم النفس الاجتماعي ليون فيستينغر عام 1957 نظرية “التنافر المعرفي” التي تتلخص بالاضطرابات النفسية التي تتزاحم داخل الفرد عندما يفقد التوازن بين معتقداته وسلوكياته، محاولاً التوفيق بين أفكار أو سلوكيات أو اتجاهات متضادة، فيتولد لديه شعور النفور من الاختلاف والتناقض فيحاول الابتعاد عن دائرة الصراع التي تسبب له الضيق النفسي.
عندما يرفض الفرد المعلومة الجديدة ويحصر نفسه في معتقداته المسبقة وكل مناقشة يقوم بها مع المعلومة المتنافرة لا تكون مناقشة منطقية بحيث إنه يقدم حجج تؤيد قراره وبالتالي فإنه لا يسمح لنفسه بأن يفكر بشكل منطقي ويغلق على نفسه رافض الأفكار المخالفة وفقط يعمل على تأكيد أفكار قديمة.
يرى الباحث ليون فيستينغر أن التنافر ينشأ عند اتخاذ القرارات، على سبيل المثال، في قرارت الشراء يحدث التنافر إذا كنا نختار بين شقق سكنية، يحدث التنافر عندما نبحث عن خصائص جذابة في الشقة التي لم نخترها ونشعر بالسوء بسبب النواقص الموجودة في الشقة التي اخترناها، أو كلما قمنا بعمل منافي لمعتقداتنا وعاداتنا فإننا نعيش النزاع الداخلي لهذا التضارب.
ما الذي يؤثر في حجم التنافر المعرفي؟
المعتقدات ووجهات النظر جاءت نتيجة لتراكمات من موروثات عائلية أو اجتماعية اكتسبناها في الصغر، وأي معلومة متصلة بالمخ البدائي فإن العقل يتعامل معها باهتمام وحماية ويركز على هذه المعلومة الأساسية التي تكون جزءًا من هويتنا وصورتنا الشخصية.
إن لم نكن صرحاء مع أنفسنا فستكون ردود أفعالنا محاربة للمعلومات الجديدة ودفاعية
وتتوقف درجة التنافر المعرفي على عدة عوامل: قيمة الاعتقاد الذي نؤمن به، فكلما زادت قيمة ذلك الاعتقاد، زادت نسبة التوتر الملحة للتخلص من هذا التنافر الناتج عن الأفكار المتعارضة، أيضًا جدير بالذكر أن موقف الجماعة أو الغالبية ومدى تأييدهم للاعتقاد يؤثر في الرأي.
عامل آخر مبني على طبيعتنا وارتكاز هذه المعلومة في وجداننا، فإذا كانت طبيعتنا أن نرى العالم باللونين الأبيض والأسود فقط فسنجد أن طبيعة معلوماتنا تكون مطلقة وليس لدينا مرونة فكرية نتقبل بها آراء مختلفة أو جديدة علينا، إضافة إلى إن لم نكن صرحاء مع أنفسنا فستكون ردود أفعالنا محاربة للمعلومات الجديدة ودفاعية، أخيرًا، مكانة الأشخاص الذين نتفق أو نختلف معهم، فالاختلاف مع أشخاص لا نهتم لهم يخلق تنافر أكبر من الاختلاف مع أشخاص نقدرهم.
وضع فستنغر عدة حلول للحد من هذا التنافر:
الحل الأول: إعادة تقييم السلوك كأن يترك المدخن سلوك التدخين ليتماشى مع إدراكه.
الحل الثاني: إعادة تقييم المعتقد كأن يبحث المدخن عن معلومات تقلل من خطورة التدخين، ليحافظ على اتزانه النفسي ويتماشى مع سلوكه، حتى يتخلص من أي شعور مزعج حيال تصرفه.
أكدت الأبحاث أن التنافر المعرفي قد يكون جيدًا لنا، من أجل التغيير واكتساب معرفة جديدة قد تكون مفيدة لنا للحصول على فرص لم تكن في الحسبان، لذلك على الفرد أن يلاحظ سلوكياته ويتابع أفكاره حتى يتمكن من فهم مواقفه وما يترتب عليها حتى يحدث التغيير، أيضًا، أوضحت الدور المهم الذي يلعبه التنافر من خلال معرفة ما يمكن للفرد فعله في التعامل مع الأفكار المختلفة وبالتالي تقييم ذاته وإعادة تنظيم إدراكه ليقلل من النزاع الداخلى لهذه المواقف المتكررة.