سعد الدين العثماني.. هل يستطيع الطبيب السياسي إنهاء أزمة الحكومة المغربية؟

sdldyn

بعد خمسة أشهر من تعثر مفاوضات تشكيل الحكومة المغربية، ما بين عناد عبد الإله بنكيران وصلف حزبي الاتحاد الاشتراكي والدستوري، ها هي الأزمة تسير نحو انفراجة ربما تسدل الستار على هذا الجدل الدائر طيلة الأشهر الماضية، وذلك بعد تكليف العاهل المغربي محمد السادس، القيادي في حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، بتشكيل الحكومة الجديدة في محاولة للخروج من عنق الزجاجة.

العثماني الذي شغل منصب وزير الخارجية في الحكومة السابقة خلال الفترة من 2011 إلى 2013 ها هو يعود مجددًا بتكليف رسمي من الملك، وسط حالة من التفاؤل بين الأوساط السياسية داخل المغرب، ليبقى السؤال قائمًا: هل يلبي سعد الدين العثماني أحلام المغاربة؟ وهل ينجح في أن يكون على مستوى ثقة الإسلاميين من أبناء حزب العدالة والتنمية خلفًا لبنكيران؟

من هو سعد الدين العثماني؟

ولد سعد الدين العثماني يوم 16 من يناير 1956، في مدينة إنزكان القريبة من أغادير جنوبي المغرب، تدرج في مسيرته الدراسية ما بين الفقه والطب، حيث حصل على الثانوية العامة في العلوم التجريبية 1976، ثم توجه لدراسة العلوم الفقهية ليحصل على البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة بآيت ملول عام 1983، ليلتحق بعدها بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، ومنها حصل على درجة الدكتوراة في الطب عام 1986.

تخصص بعد ذلك في دراسة الطب النفسي، ليحصل على دبلوم التخصص النفسي عام 1994، إلا أن دراسة الطب لم تبعده كثيرًا عن شغفه بالعلوم الفقهية، ففي 1999 حصل على دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية، تحت عنوان “تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية”.

قادت الاهتمامات الدعوية، العثماني، إلى معترك السياسة بصورة مباشرة، حيث بدأ حياته مشاركًا في تأسيس “جمعية الجماعة الإسلامية” وكان عضوًا في مكتبها الوطني في الفترة (1981-1991)، ثم عضو المكتب التنفيذي لحركة “التوحيد والإصلاح” (1991-1996)، ليجد نفسه بعدها مباشرة أحد الأعضاء المؤسسين لحزب التجديد الوطني عام 1992، إلا أن رفض السلطات المغربية الترخيص له دفعه لتغيير وجهته نحو حزب الحركة الشعبية الدستورية الذي تغير اسمه فيما بعد إلى حزب العدالة والتنمية عام 1998.

تقلد العثماني خلال مسيرته الوظيفية العديد من المناصب منها الدعوي والسياسي، ومن أبرز المناصب التي شغل بها والتي ساهمت بشكل كبير في تشكيل عقله ووعيه ومن ثم ترسيخ ودعم منظومة الخبرات لديه: رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية منذ يوليو 2008 وحتى تكليفه بتشكيل الحكومة، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ أبريل 2004، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ 1999، نائب رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب (2001-2002)، نائب برلماني بمجلس النواب من 1998 وحتى 2007.

ومن أهم محطاته الوظيفية تقلده للحقيبة الدبلوماسية الدولية لبلاده من خلال تعيينه وزيرًا لخارجية المغرب خلال الفترة من 2011 وحتى 2013، استطاع خلالها أن يوثق علاقاته الخارجية والدبلوماسية بصورة أهلته لأن يكون محط اهتمام ومن ثم اختيار الملك المغربي محمد السادس.

محمد السادس يكلف العثماني بتشكيل الحكومة الجديدة

شخصية توافقية هادئة

السبب الرئيسي لاختيار محمد السادس شخصية مثل العثماني لتشكيل الحكومة المغربية بعد خمسة أشهر من التعثر إنما يعود إلى ما يتمتع به الرجل كونه شخصية توافقية هادئة، كان هذا مخلص ما أدلى به بعض المحللين المغاربة بشأن أسباب اختيار العثماني رئيسًا للوزراء.

محمد زين الدين أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة الحسن الثاني، يرى أن رئيس الحكومة المكلف يعد من المؤسسين الأوائل لحزب العدالة والتنمية، بالإضافة إلى كونه رئيسًا للمجلس الوطني لما لهذه الهيئة من رمزية كبيرة تمثل مختلف التيارات.

زين الدين أكد أن اختيار شخصية كالعثماني في هذا التوقيت تأتي في إطار الحاجة الماسة إلى شخصية توافقية، قادرة على التَّعامل مع مختلف الأطياف بمنطق التعاون والابتعاد عن التصادم والشنآن، وهذا ما يتوفر فعليًا في رئيس الحكومة المعين، وفق تعبير الأستاذ الجامعي.

وأضاف أن الفترة التي قضاها العثماني وزيرًا للخارجية خلال الفترة من 2011-2013 عمل خلالها في هدوء وصمت بحكم تكوينه النفسي والديني، فضلاً عن قدرته الكبيرة على الإنصات والاستيعاب وقبول الرأي والرأي الآخر، فضلاً عن معرفته الكبيرة بدهاليز العمل الحكومي وكيفية التعامل معه.

اختيار شخصية كالعثماني في هذا التوقيت تأتي في إطار الحاجة الماسة إلى شخصية توافقية قادرة على التَّعامل مع مختلف الأطياف بمنطق التعاون والابتعاد عن التصادم

وفي سياق متصل، أشار الحسين أعبوشي أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن اختيار الملك لشخصية تعد من القيادات التاريخية لحزب العدالة والتنمية، ولها وزنها الاعتباري داخل الحزب، وتوجد على رأس مؤسسة استراتيجية داخله، لرئاسة الحكومة الجديدة وقيادة المشاورات، هو رهان على شخصية تتميز بتوازنها وهدوئها وقدرتها على تحقيق التوافق بين جميع التيارات.

أعبوشي أوضح أن التحدي الأكبر الآن أمام العثماني هو كيفية التعامل مع الوضع الراهن، ومدى قدرته على لم الشمل مرة أخرى، والتحرر من التراكمات السياسية السلبية وزيادة منسوب الاحتقان بين الأحزاب المتناحرة خلال الخمسة أشهر الماضية منذ بدء بنكيران مشاورات تشكيل الحكومة.

الإسلاميون والملك.. علاقة أخلاقية

العديد من الأصوات التي ذهبت إلى أن إعفاء الملك لبنكيران بشأن تشكيل الحكومة الجديدة يعد شرخًا واضحًا في العلاقات بين القصر الملكي وحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، ها هي تصاب بخيمة أمل بعد أن اختار الملك قيادة جديدة من داخل الحزب لتشكيل الحكومة، في إقرار منه – محمد السادس – على استمرار علاقته الجيدة بالتيار الإسلامي، وأن القرار مفاده الخروج من المأزق الحالي بعد توتر الأجواء بين الحزب وبقية الأحزاب الأخرى.

أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري خالد يايموت، يرى أن تعيين الملك لسعد الدين العثماني، مؤشر على استمرار العلاقة الأخلاقية بين الملك وحزب العدالة والتنمية، مستدركًا أن موقف الأحزاب الأخرى هو الذي سيحسم مستقبل الحكومة.

يايموت أشار إلى أن هذا التعامل الأخلاقي شكل تجسيدًا للسلوك السياسي الملكي وتعبيرًا عن طبيعة السلطة بالمغرب التي تعتمد على سمو الملك عن الانتماءات الحزبية، ملفتًا أن اختيار العثماني لم يكن ليتم إعلانه قبل معرفة رأي قيادة العدالة والتنمية، ملفتًا أن هذا الاختيار يؤكد من جديد الرغبة الملكية في استمرار ثقافة وسلوك التوافق بينها وبين العدالة والتنمية، وبين العدالة والتنمية والأحزاب التي تمثل الدولة في الحقل السياسي المغربي.

 خالد ياموت: تعيين الملك لسعد الدين العثماني، مؤشر واضح على استمرار العلاقة الأخلاقية بين الملك وحزب العدالة والتنمية

أستاذ العلوم السياسية شدد أيضًا على أن اختيار العثماني خصيصًا لتولي مهمة تشكيل الحكومة الجديدة رسالة واضحة للعديد من الأطراف الخليجية التي كان لها دور محوري في عزله من منصبه كوزير للخارجية 2013 بعد تدخلاتها للإطاحة به.

ومن ثم فهناك ارتياح نسبي لدى العدالة والتنمية لاختيار قيادة بحجم العثماني لخلافة بنكيران، إذ إن الأمر لن يخرج عن رئاسة الإسلاميين للحكومة الجديدة، كما أن العثماني من أوائل المتمسكين بثوابت الحزب الوطنية والدينية، ومن ثم مواصلة السير على خط الحزب السياسي حسبما أعلن أكثر من مرة.

فشل لقاءات بنكيران بممثلي التيارات السياسية الأخرى وراء إعفائه من تشكيل الحكومة

هل تنفرج الأزمة؟

حالة من التفاؤل تسيطر على الأوساط السياسية المغربية منذ إعلان اسم سعد الدين العثماني رئيسًا مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، لا سيما بعد شبه الإجماع عليه كونه شخصية هادئة غير صداميه، توافقية تسعى إلى لم الشمل والوصول بالحكومة المغربية إلى بر الأمان.

نبرة التفاؤل التي فرضت نفسها جاءت عقب التصريحات التي أدلى بها العثماني منذ أيام خلال كلمته التي ألقاها على هامش اللقاء التكويني للفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية بمقر مجلس النواب، والذي أشار فيها إلى أن منهج حزب العدالة والتنمية قائم على “معالم مُوجِّهة، منها التشبث بالثوابت الوطنية، من مرجعية إسلامية ووحدة وطنية وملكية دستورية قائمة على إمارة المؤمنين، والتدرج في الإصلاح دون صراعات وقفز على الواقع”.

 نجاح العثماني في مهمته الجديدة بتشكيل الحكومة ربما يتوقف وبصورة أكبر على مدى استجابة التيارات الأخرى

وأضاف أن منهج الحزب يقوم أيضًا على ما أسماها “ثقافة التعاون والتوافق مع باقي الأطراف السياسية والمجتمعية”، مؤكدًا أن الوطن “يرتقي ويسمو بالتعاون وبالشراكة”، ردًا على الاتهامات التي وجهت لبنكيران بالسعي وراء الهيمنة والسيطرة على مؤسسات البلاد.

العديد من الآراء ذهبت إلى قدرة رئيس الحكومة المكلف على تجاوز العقبات والعثرات التي مني بها طريق مفاوضات تشكيل الحكومة خلال الفترة الماضية، وهو ما يضع الأحزاب التي عارضت بنكيران في تحد واضح، وربما حرج كبير، إذ إن المشكلة لو كانت في شخص رئيس الحكومة الأسبق التصادمية غير التوافقية كما اتهم سابقًا، فإنه ومع إعفائه من تشكيل الحكومة والإتيان بشخص بحجم العثماني فإن هذا يعني أن الأزمة قد انتهت، خاصة أن الرجل أعلن في أكثر من مناسبة أن الوطن لن يتقدم إلا بالمشاركة والحوار والتعاون بين الجميع.

العديد من الآراء ذهبت إلى قدرة رئيس الحكومة المكلف على تجاوز العقبات والعثرات التي مني  بها طريق مفاوضات تشكيل الحكومة خلال الفترة الماضية

أما لو استمر العناد والصلف في التعامل مع العثماني أيضًا فإن هذا يعني أن الأزمة ليست في شخص بنكيران إنما في مسألة تشكيل شخص من العدالة والتنمية للحكومة، بما يشير إلى رغبة في إعادة رسم ملامح الخارطة السياسية الداخلية، وهو ما قد يؤدي إلى صدام سياسي ربما يدفع الملك إلى التدخل مرة أخرى.

ومن ثم يمكن القول إن نجاح العثماني في مهمته الجديدة بتشكيل الحكومة ربما لن يتوقف على ما يبديه من مرونة في التعامل وفتح نوافذ جديدة في الحوار مع بقية الأطياف السياسية، والابتعاد نسبيًا عما تشبث به سلفه بنكيران فحسب، إلا أنه يتوقف وبصورة أكبر على مدى استجابة التيارات الأخرى لخطوات رئيس الحكومة المكلف والتراجع خطوة للوراء في محاولة للتوصل إلى اتفاق مشترك لخروج المغرب من هذه الأزمة السياسية التي ربما تهدد مستقبل المملكة بصورة كبيرة.