عمليات “الذئاب المنفردة” تضرب أوروبا.. ما دلالات هذا النمط الجديد؟

برشلونة فكامبريلس الإسبانيتين ثم توركو الفنلاندية، مدن أوروبية كانت ضحية هجمات “الذئاب المنفردة” التي أقلقت أوروبا والعالم أجمع في السنوات الأخيرة، وزادت إثر انحسار نفوذ تنظيم داعش في العراق وسوريا وليبيا، وما يلاحظ في الهجمات الأخيرة أن أغلب المنفذين كانوا أصيلي المملكة المغربية، فهل تحول المغاربة إلى “ذئاب منفردة” تقلق أمن دول أوروبا؟
برشلونة أولًا
في وضح النهار وفي قلب مدينة برشلونة عاصمة إقليم كاتالونيا الإسباني، يتجه سائق شاحنة صغيرة قرب جادة لاس رامبلاس السياحية فيقتل 13 شخصًا ويصيب نحو مئة، وتخرج بعدها الحسابات المؤيدة لـتنظيم الدولة الإسلامية وتبارك عملية “الذئاب المنفردة”، بعد تبني التنظيم في بيان نشرته وكالة أعماق الدعائية التابعة له الهجوم، معتبرًا منفذي هجوم برشلونة من جنود الدولة الإسلامية، ونفذوا العملية استجابة لنداءات استهداف دول التحالف ضد الجهاديين في سوريا والعراق، فيما لم تتبن أي جهة الاعتداء على كامبريلس.
اعتقلت الشرطة 4 أشخاص يُشتبه في صلتهم بعمليتي الدعس في مدينتي برشلونة وكامبريلس، 3 منهم مغاربة
السلطات الإسبانية تعتقد أن 12 شخصًا ربما شكلوا خلية نفذت هجوم برشلونة وخططت لاستخدام أسطوانات غاز البوتان، وسبق أن نفت الشرطة الإسبانية تقاريرًا تحدثت عن مقتل منفذ عملية الدعس وقالت إنه ربما يكون على قيد الحياة وهاربًا.
وبالتزامن مع ذلك اعتقلت الشرطة 4 أشخاص يُشتبه في صلتهم بعمليتي الدعس في مدينتي برشلونة وكامبريلس، 3 منهم مغاربة، فيما قتلت 5 شمال شرق البلاد مشتبه بهم، صدموا بسيارة مشاة في منتجع كامبريلس في الهجوم الثاني فجر الجمعة، وأعلنت الشرطة أنها تعرفت على هويات جثث 3 مغربيين وهم موسى أوكبير (17 عامًا) وسعيد علاء (18 عامًا) ومحمد هشامي (24 عامًا)، وجميعهم من سكان منطقة ريبول.
وإلى الآن ما زالت الشرطة الإسبانية تبحث عن رجل واحد، وحسب وكالة رويترز، فإن المتحدث باسم الشرطة ألبرت أوليفا قال لمحطة إذاعية محلية إن الرجل هو يونس أبو يعقوب (22 عامًا) المولود في المغرب أيضًا.
“توركو” أيضًا
بعد هجمات برشلونة وكامبريلس الإسبانيتين، كان الدور على توركو الفنلاندية، حيث أقدم شاب قبل أن يتم القبض عليه، على طعن أشخاص أسفر عن مقتل امرأتين وأصيب 8 بينهم 6 نساء، في سوق بمركز مدينة توركو التي تقع جنوب غربي البلاد على بعد 140 كيلومترًا تقريبًا من العاصمة هلسنكي، وقالت الشرطة إنه استهدف النساء.
وبدأ التحقيق في الاعتداء على أنه عملية قتل، ولكن الشرطة أوضحت قائلة: “في ضوء معلومات إضافية وردتنا خلال الليل، تتضمن الاتهامات حاليًا عمليات قتل ومحاولات قتل بدافع إرهابي”، وأوردت الشرطة أن المهاجم مغربي يبلغ 18 عامًا، مشيرة إلى أنه وصل إلى فنلندا مطلع عام 2016 حيث قدم طلبًا للجوء، ولكن لم يتم كشف اسمه ولم تتضح دوافعه بعد، وأوضحت غرانروث “حاولنا التحدث إلى المهاجم في المستشفى، ولكنه لم يرغب بالحديث”، ويتلقى المشتبه به العلاج في غرفة العناية الفائقة في مستشفى، إثر إصابته بطلق ناري في الفخذ.
قتيلان بعملية طعن في كورتو
وعلى إثر هذه العملية اُعتقل 4 مغاربة في شقة بتوركو وبمركز لاستقبال اللاجئين خلال الليل، بحسب الشرطة التي ذكرت أن عددهم 5 قبل أن تصححه، والأربعة على ارتباط بالمشتبه به، ولكن الشرطة لم تتأكد بعد إن كانوا على صلة بعملية الطعن، وتحاول الشرطة تحديد إن كان هناك ارتباط بين هجوم توركو واعتداءي الدهس في إقليم كتالونيا الإسباني خاصة أن معظم المشتبه بهم باعتداءي برشلونة ومنتجع كامبريلس في إسبانيا مغاربة كذلك.
الذئاب المنفردة
تؤكد هذه الهجمات حسب العديد من المراقبين تحول بعض المغاربة إلى “ذئاب منفردة” تقلق أمن دول أوروبا، خاصة بعد تراجع تنظيم الدولة وانحسار نفوذه في سوريا والعراق وليبيا بعد الضربات التي تلقاها من قبل التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وتمثل الذئاب المنفردة أكبر تحد يواجه أجهزة المخابرات، إذ لا يمكن مراقبة أو متابعة الذئاب المنفردة، فهم يخططون ويحضرون وينفذون بمفردهم.
يشير خبراء أمنيون إلى أن الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة فردية يمثلون خطرًا أكبر من تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة والتنظيمات المتفرعة عنه
والذئاب المنفردة هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، وبات يطلق هذا الوصف أيضًا على هجمات فردية تنفذها مجموعات صغيرة من شخصين أو 3 كحد أقصى، وهي استراتيجية تعتمدها الجماعات الجهادية وخصوصًا تنظيم داعش، ووصفت صحيفة “واشنطن بوست” ظاهرة الذئاب المنفردة في وقت سابق بـ”الكابوس الجديد”، بينما اعتبرت صحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية منع الذئاب المنفردة من ارتكاب أعمال إرهابية يمثل التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية في الغرب.
ويشير خبراء أمنيون إلى أن الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة فردية يمثلون خطرًا أكبر من تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة والتنظيمات المتفرعة عنه، وبالعودة إلى أصول التسمية تظهر أنها غير مرتبطة فقط بالجماعات الجهادية، فهي تعبر عن أي شخص يمكن أن يشن هجومًا مسلحًا بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو حتى مرضية.
خطر الذئاب المنفردة يهدد أوروبا
وفي مايو الماضي، حذرت الاستخبارات المغربية من خطر الذئاب المنفردة التي تسعى لتنفيذ هجمات إرهابية في أوروبا كرد فعل على تراجع نفوذ الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ونقلت تقارير إعلامية عن عبد الحق الخيام رئيس المكتب المركزي للتحقيقات القضائية في المغرب قوله “أكبر تهديد يتجسد في اندماج تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية بمنطقة الساحل”، وأكد أن الخطورة الأكبر تتمثل في تطوير التنظيمين لآليات تستفيد أكثر من الذئاب المنفردة والعمل على زرعها في نقاط حساسة في المنطقة العربية والعالم.
وتهدف عمليات الذئب المنفرد إلى إحداث أضرار معنوية تتبناها تنظيمات جهادية وتوحي من خلالها بأنها قادرة على الهجوم في كل زمان ومكان، فإشاعة الرعب كفيلة بزعزعة ثقة المواطن في الدولة، وهذا ما تسعى إليه الجماعات المتطرفة حسب العديد من الخبراء، وتكمن خطورة الذئاب أنهم مجهولو الهوية، ومن الصعب أن تجد لهم ملفًا أو سيرة ذاتية أو معلومات.