اللاجئون السوريون في لبنان.. بين العنصرية وخطر الترحيل

3313599483

تعتبر الحكومة اللبنانية اللاجئين السوريين الذين هجروا من ويلات الحرب في بلادهم، عبئاً على الحكومة وعلى الداخل اللبناني الذي يعيش اقتصادًا هرم، حسب تعبير الحكومة. ويستمر مسؤولون في الحكومة اللبنانية بتوجيه رسائل عنصرية للمكوّن السوري المقيم في لبنان، وسط مخاوف تعترض مصيرهم وتضعهم على حافة الخطر المتمثل في إعادتهم إلى سوريا، وجعلهم عرضةً للاعتقال والتجنيد الإجباري في صفوف قوات الأسد، في حين بدأت السلطات اللبنانية اتخاذ إجراءات تضيق على السوريين في لبنان.

رسائل عنصرية

يستمر المسؤولون في الحكومة اللبنانية بتوجيه رسائل عنصرية تطال اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان، والذين أصبحوا ضحية جشع الحكومة اللبنانية، التي اتخذت منهم الشغل الشاغل لها خلال تصريحاتها، باعتبارهم مشكلة تقف حائلًا بينهم وبين “لبنان الذي يطمحون إليه”، ورمي فشل حكومتهم على عاتق اللاجئ السوري، الذي اتخذ من لبنان محطة آمنة بعد هروبه من النظام السوري.

ويعرف وزير الخارجية واللبناني جبران باسيل بتصريحاته المحرّضة ضد اللاجئين، فقد كتب تغريدة على تويتر: “هذه الأرض التي أثمرت أنبياء وقديسين لن يحل محلنا فيها، لا لاجئ ولا نازح ولا فاسد”. ويبدو باسيل يحاول تحريض الحكومة اللبنانية ضد اللاجئين بعنصرية بحتة توضح تعاون حكومته مع الأسد و “حزب الله” في التضييق على المهجرين السوريين قسراً من بلادهم.

تسعى الحكومة اللبنانية إلى رفض توطين اللاجئين السوريين في لبنان ضمن سعيها المتسمر لإخراج السوريين إلى بلادهم

واعتبر باسيل سبب فشل حكومته في انقاذ الاقتصاد اللبناني هو وجود اللاجئين، عبر تغريدة أخرى أشار فيها إلى عجز اللبنانيين عن رفع اقتصادهم، في قوله: “لا نستطيع ان ننقذ اقتصادنا وعلى أرضنا مليون ونصف من غير اللبنانيين الذين يعملون مكاننا ويجب ان نواجه هذه الحقيقة”.

كما حمّل باسيل السوريين أيضًا مسؤولية ارتفاع نسبة البطالة في أوساط المجتمع اللبناني. وبحسب باسيل فإن <a href="


“>5 ألاف سوري فقط يملك إجازة عمل، بينما الآلاف يعملون في لبنان دون إذن عمل مما ساهم في انتشار البطالة، على حد ادعائه.

وتسعى الحكومة اللبنانية إلى رفض توطين اللاجئين السوريين في لبنان ضمن سعيها المستمر لإعادتهم إلى بلادهم ووضعهم في موقف حرج لا يتناسب مع توجهاتهم السياسية ضد النظام السوري. واعتبر باسيل في تغريدة له منذ أيام، أن: “خطر التوطين زاد اليوم لأنه انتقل من لاجئ إلى نازح وهناك إرادة واضحة بأن يبقوا على أرضنا، فيما واجبنا إعادتهم إلى أرضهم عند زوال المحنة وهي تزول”، محاولًا تلبية دعوات نظام الأسد في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بعد الانتصار الذي حققه النظام وحلفائه على المعارضة السورية وبسط سيطرته على مناطق الأخيرة.

كما أكد باسيل أن حكومته ستسقط مخطط التوطين و”سيعود الفلسطيني والسوري إلى أرضه ودولته ووطنه”، مما أثار خوف لدى السوريين من اتخاذ الحكومة اللبنانية قرارات نيابة عنهم وإجبارهم على العودة. ومن جانبه دعا الرئيس اللبناني ميشال عون خلال زيارة لموسكو في نهاية آذار الماضي لحلّ قضية اللاجئين السوريين وتسهيل عودتهم إلى بلادهم، بالتعاون مع روسيا في قوله: “أتمنى التعاون مع روسيا في مجال إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وخصوصًا أنه إذا لم نصل الى حل لمعاناة النازحين”، كما اعتبر عون أن اللاجئين يشكلون خطرًا على الدول الأوربية بسبب فرار الآلاف منهم نحو أوروبا نتيجة الاوضاع المعيشية الصعبة في لبنان.

تبدو العنصرية واضحة تجاه السوريون المقيمون في لبنان وخاصة من مسؤولي الحكومة، وتوجيه الإعلام اللبناني الموالي للحكومة في تفاقم المشكلة

ويحاول رئيس الجمهورية اللبنانية توجيه دعوات للدول الأوروبية لمساعدة لبنان في مشكلة النازحين، وخاصة مع تفاقم الوضع المعيشي الذي يواجهه اللبنانيون بشكل عام، وهذا ما سيدفع السوريين للهجرة نحو أوروبا. وتشير تصريحات المسؤولين اللبنانيين إلى أن اللاجئين يشكلون “عقدة أمام تقدم لبنا”ن وخاصة خلال اللقاءات المستمرة بين الساسة اللبنانيين والأوروبيين، التي تستغلها الحكومة اللبنانية في طرح قضية اللاجئين السوريين، بينما يؤكد الأوروبيون أن من حق لبنان اتخاذ القرار تجاه النازحين السوريين في بلادهم.

االلاجئون السوريون في لبنان ضحية جشع الحكومة

كما قال عون في توجهه المقرب من حزب الله اللبناني “إن بلاده ترفض انتظار الحل السياسي في سوريا من أجل إعادة النازحين، لأنه أمرٌ غامضُ وقد عانى لبنان في هذا السياق مع الفلسطينيين الذين لا يزالون ينتظرون الحل السياسي منذ سبعة عقود من الزمن ولا أفق له”.

وتبدو العنصرية واضحة تجاه السوريين المقيمين في لبنان وخاصة من مسؤولي الحكومة، وتوجيه الإعلام اللبناني الموالي للحكومة يفاقم المشكلة، وهذا لا يناقض الدور الإيراني في تقربها من الساسة اللبنانيين لتحقيق أهدافها، وخاصة إذا ما استقر السوريون السنيون في لبنان لعقود مما سيشكل خطراً على التوجه الإيراني اللبناني الذي يطمح للتكتل الشيعي في لبنان.

 تضييق الخناق على اللاجئ السوري في لبنان

ضمن خطة ممنهجة تتبعها الحكومة اللبنانية في التضييق على اللاجئين السوريين في لبنان، لإجبارهم على العودة إلى بلادهم، دون مراعاة توجهاتهم السياسية وموقفهم ضد الأسد، الذي يحاول عبر روسيا وأذرعها السياسية الفاعلة في المنطقة تيسير عملية دخول اللاجئين الفارين إلى سوريا.

ذكرت المصادر أن الحكومة اللبنانية منعت السوريون الحصول على فرصة لطلب اللجوء أو الاعتراض على ترحيلهم، بل أجبروا على توقيع استمارات “عودة طوعية إلى الوطن”

واتهمت منظمات حقوقية معنية باللاجئين من بينها منظمة هيومان رايتس ووتش، والمركز اللبناني لحقوق الإنسان، والمفكرة القانونية، ورواد الحقوق ومركز وصول لحقوق الإنسان، السلطات اللبنانية بترحيل 26 مواطناً سورياً مقيمًا في لبنان، إلى بلادهم. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش: “إن معظم المواطنين السوريين أعيدوا إلى لبنان بعد منعهم من دخول قبرص عبر تركيا”، وأكدت المنظمة أن حوالي 30 سوريا رُحّلوا من مطار بيروت هذه السنة، استنادًا إلى تقارير منظمات محلية معنية بشؤون اللاجئين.

السلطات اللبنانية تجبر السوريين على العودة إلى بلادهم

وذكرت المصادر أن الحكومة اللبنانية منعت السوريين من الحصول على فرصة لطلب اللجوء أو الاعتراض على ترحيلهم، بل أجبروا على توقيع استمارات “عودة طوعية إلى الوطن”. وأشارت المنظمات فإن 13 من اللاجئين أعربوا عن تخوفهم من التعذيب والملاحقة في حال وصولهم إلى سوريا. فيما نفت المديرية العام للأمن العام في لبنان الاتهامات التي وجهتها منظمات حقوقية ضدها حول إجبار السوريين التوقيع على العودة الطوعية إلى بلادهم.

وتحدثت هيومان رايتس ووتش في تقرير سابق لها أن شروط الإقامة الحالية في لبنان بدأت تصعّب على السوريين المحافظة على وضع قانوني في البلاد، مما يعرضهم للاستغلال والإساءة، وفقدانهم الحقوق في الرعاية الصحية والحصول على التعليم. وأكد التقرير أن 74% من السوريين في لبنان يحتاجون لبطاقة الإقامة القانونية ويواجهون خطر الاحتجاز نظرًا لوجودهم غير القانوني. وبحسب المنظمة فإن لبنان ملزم بمبدأ القانون الدولي العُرفي في عدم الإعادة القسرية، الذي يمنع إعادة الأشخاص إلى أماكن قد يتعرضون فيها للاضطهاد، أو تعريض أي شخص لخطر حقيقي يعرض حياته للخطر.

بدأ لاجئون سوريون ببرنامج العودة الطوعية على دفعات من لبنان إلى سوريا، بالتنسيق بين كل من السلطات اللبنانية ونظام الأسد عبر لجنة التنسيق الروسية والأمم المتحدة

وطالب رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني، أحمد رمضان الأمم المتحدة بفتح تحقيق رسمي حول قيام أجهزة الأمن اللبنانية بترحيل لاجئين سوريين من مطار بيروت إلى سوريا، مما يجعلهم عرضةً للاعتقال والتعذيب. واعتبر رمضان أن 74% من السوريين في لبنان يواجهون خطر الترحيل، نظرًا لتعنت السلطات اللبنانية وهيمنة ميليشيا حزب الله وإيران على المؤسسات اللبنانية.

وخلال مؤتمر صحفي في 8 مايو / أيار قال وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل: “لقد بحثنا بفكرة أساسية هي كيف نتساعد لتعزيز فكرة عودة النازحين إلى بلدهم، ولدينا قناعة أن الأموال تنفق لإبقائهم حيث هم وليس لعودتهم إلى بلدهم”.

وبدأ لاجئون سوريون ببرنامج العودة الطوعية على دفعات من لبنان إلى سوريا، بالتنسيق بين كل من السلطات اللبنانية ونظام الأسد عبر لجنة التنسيق الروسية والأمم المتحدة، ولكن ذلك يحدث بوتيرة بطيئة، وبحسب السفير اللبناني في روسيا شوقي بونصار فإن السلطات اللبنانية أعادت نحو 174 ألف لاجئ سوري إلى بلاده وهم لا يشكلون 10% من السوريين في لبنان.

السلطات اللبنانية تكثف ضغوطها على اللاجئين السوريين

وتحاول الحكومة اللبنانية وأجهزتها الأمنية تشديد الخناق أكثر، بعد فشل الخطة الروسية اللبنانية العام الماضي التي تقضي بإعادة اللاجئين، وتهميش الأمم المتحدة للقضية نظرًا للتوجهات السياسية التي يرغب بها المسؤولون اللبنانيون، والروس على حدٍ سواء، إضافة إلى عدم موافقة اللاجئين السوريين بالخروج من لبنان بسبب عدم استتباب الأمن في البلاد، مما سيعرضهم للملاحقة من قبل قوات النظام، وتعتبر عمليات التضييق على السوريين ضمن هذا الفشل لإجبارهم على الفرار من لبنان.

وأخرجت بلدية بيروت نحو 60 لاجئًا سوريًا يقيمون في مبنى سكني، كما عمل عناصر البلدية على إخراج فرشهم إلى الشارع، وذلك بناءً على شكوى قدّمها السكان ضد المقيمين، دون توضيح سبب إخراجهم من البناء، بحسب ما أفادت المصادر.

 وفي سياق الضغط على السوريين ستقوم السلطات اللبنانية بهدم خيام اللاجئين المدعمة بالإسمنت في منطقة عرسال، بعد فشل الجهود المحلية من اللاجئين، وممثلين عن الأمم المتحدة في منع السلطات بهدم الخيام. وبحسب الناشط السوري المقيم في عرسال أحمد القصير، فإنه سيتم تنفيذ القرار في 10 يونيو /حزيران القادم، بينما ستتحمل الأمم المتحدة تأمين الخيام “الشوادر” والخشب. واستهدف القرار كل بناء شُيِّدَ لإسكان السوريين، بما في ذلك الخيام ذات الأطراف الطينية أو الإسمنتية أو الجدران الحجرية، وهو ما سيلحق الضرر بآلاف العائلات السورية اللاجئة في لبنان.

ويعيش في لبنان نحو 1.5 مليون سوري في ظل أوضاع إنسانية صعبة تعاني منها لبنان، التي يبلغ عدد سكانها نحو 4.5 مليون، وبحسب تقارير حكومية لبنانية، التي وصفت السوريين بالعبء الذي يواجه الاقتصاد اللبناني وسيطرة السوريين على أسواق العمل، بينما لا يجد السوري أي مهرب من قبضة الأسد على الرغم من خروجه من البلاد، ومع استمرار وصول نازحين جدد بطريقة غير شرعية، تعرض حياتهم للخطر من أرياف دمشق وحمص وهي المناطق التي خضعت للمصالحات خوفاً من الاعتقال والزج في الخدمة الإلزامية في صفوف نظام الأسد، وهكذا أصبح السوري بين خيارين أحدهما العودة لحكم الأسد والثاني الموت في المعاناة والاستهداف المباشر من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية.