وقفة احتجاجية عام 2013 للمطالبة بحقوق البدون

يعيش أبناء فئة "البدون" وهم مجموعات منتمية لقبائل شمال الكويت، لم تتحصل على الجنسية الكويتية خلال الفترة التي تبعت استقلال الكويت عام 1961 بسبب ظروف وجودهم في الصحراء، حياة صعبة لعدم اعتراف الحكومة الكويتية بهم واتهامها لهم بأنهم ينتمون لدول أخرى مجاورة.

تتهم الحكومة الكويتية البدون بإخفاء أوراقهم الثبوتية التي تعود إلى بلدان مجاورة مثل العراق والسعودية وسوريا، بينما يقول البدون إنهم ينتمون إلى الكويت وخدموا في جيشها وجهاز الشرطة فيها لأكثر من 70 عامًا بصفتهم "أبناء البادية الكويتية".

لكن نصيب المعاناة الأكبر كان من حظ الطلاب المنتمين لهذه الفئة الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الدراسة من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية، في ظل ما يصفونه بتضييق الدولة على مسيرتهم التعليمية.

معاناة الطلاب البدون في التعليم

كان "البدون" يدرسون بشكل اعتيادي في المدارس الحكومية التي توفر تعليمًا مجانيًا للجميع منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حتى تحرير البلاد من الغزو العراقي عام 1991.

البدون

وتغيرت الأمور كثيرًا عليهم بعد الغزو العراقي للبلاد، حيث مُنع الكثير منهم من العودة لوظيفته العسكرية، كما ألغت الدولة بعض الامتيازات الممنوحة لهم وأبرزها مجانية التعليم، حيث اضطر الطلاب البدون إلى التسجيل في المدارس الأهلية الخاصة التي تتقاضى رسومًا عاليةً بالنسبة لدخل العائلات المنتمية لهذه الفئة.

شهد عقد التسعينيات تفشي الأمية بين أطفال البدون، وذلك بسبب عدم مقدرة الكثير من العائلات على دفع رسوم تدريس أبنائها، بينما اضطر بعضها تقسيم أبنائهم إلى مجموعتين: مجموعة تدرس في عام دراسي ومجموعة أخرى تدرس في العام الدراسي الذي يليه.

وعلى إثر الضغط لشعبي والحقوقي، قررت الحكومة الكويتية وبوساطة من الشيخة أوراد الجابر الصباح، ابنة أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، إطلاق "الصندوق الخيري للتعليم" عام 2004 الذي يهدف إلى دفع رسوم الطلاب البدون الذين يسجلون في المدارس الأهلية الخاصة.

قامت الحكومة باستثناء قبلت فيه أبناء العسكريين البدون وأحفاد المواطنات الكويتيات في المدارس الحكومية من جديد

وتتبرع الحكومة الكويتية، إضافة إلى (بيت الزكاة) وهو هيئة حكومية مستقلة، وعدد من الشركات الخاصة، بنفقات التعليم في هذا الصندوق سنويًا، حيث تصل ميزانيته إلى 6 ملايين دينار كويتي سنويًا (ما يعادل 20 مليون دولار أمريكي) ويدرس في عهدته أكثر من 17 ألف طالب وطالبة من فئة البدون في المراحل الدراسية كافة من الابتدائية حتى الثانوية، كما قامت الحكومة باستثناء قبلت فيه أبناء العسكريين البدون وأحفاد المواطنات الكويتيات في المدارس الحكومية من جديد.

ساهم الصندوق الخيري في تقليل مشكلة تعليم البدون لكنه لم ينهها بشكل تام، إذ تواصل المدارس الأهلية الخاصة رفع الرسوم الدراسية على الطلبة البدون، ويحجم الصندوق الخيري عن دفعها، كما أن أبناء البدون الذين يتخرجون من المدارس يعانون في سبيل الحصول على مقعد جامعي داخل وخارج الكويت بسبب التضييقات المستمرة من السلطات عليهم.

موافقة أمنية!

تقدم جامعة الكويت 100 مقعد للطلاب البدون كل عام، لكن هذه المقاعد محكومة بشروط قاسية أهمها أن تكون "البطاقة الأمنية" صالحة وأن يملك الطالب إحصاءً يثبت وجوده قبل 1965 وأن يوافق "الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية" وهو جهاز حكومي مكلف بمتابعة ومراقبة البدون، على كل طلب للدخول في الجامعة.

شرطة

غالبًا ما يعترض الجهاز دخول الطلاب إلى جامعة الكويت وذلك عبر إصدار أوامر لجامعة الكويت بعدم قبول أي طالب إلا بعد الحصول على إذن من الجهاز المركزي أو ابتزاز الطلاب عبر تخييرهم بين التوقيع على ورقة يقرون فيها بانتمائهم لدولة مجاورة أو عدم قبول الجامعة لهم.

ولا يقتصر التضييق في التعليم العالي على الدراسة في الجامعات الحكومية، بل يمتد إلى الجامعات الخاصة التي يدفع فيها الطالب تكاليف دراسته بنفسه، إذ يشترط الجهاز المركزي على "مجلس الجامعات الخاصة" وهو الجهة المكلفة بالنظر في أوراق الطلاب المتقدمين للجامعات الخاصة، الحصول على موافقة الجهاز المركزي قبل أي طالب من البدون.

كما يُشترط على الطالب البدون المتقدم للجامعة الخاصة أن يملك بطاقة أمنية صالحة، وهو ما لا يملكه الغالبية العظمى منهم اليوم، بسبب إصرار الجهاز على طلب توقيعهم على أوراق تثبت انتماءهم لبلدان أخرى لاستلام البطاقات الأمنية الخاصة بهم وهو ما لا يملكه البدون، بحسب قولهم.

الشباب البدون ومشاعر اليأس

يحكي أحمد العنزي لـ"نون بوست"، وهو طالب حاصل على نسبة 93% في الثانوية العامة، قصته مع محاولاته الالتحاق بالدراسة الجامعية التي فشلت على مدار عامين كاملين.

يقول أحمد: "بعد تخرجي من الثانوية تقدمت إلى برنامج المنح الخاصة بالبدون في جامعة الكويت، وحصلت على قبول أولي بسبب نسبتي العالية ودرجتي المرتفعة في اختبار (القدرات) وفي موعد المراجعة النهائية فوجئت برفض إدارة الجامعة اعتماد أوراقي بسبب انتهاء البطاقة الأمنية".

البدون

وعندما اتجه العنزي إلى الجهاز المركزي كي يطلب تجديد بطاقته الأمنية أو منحه استثناءً للقبول في الجامعة، طلب منه المسؤولون في الجهاز التوقيع على ورقة يقر فيها امتلاكه لأوراق ثبوتية سعودية مقابل منحه فرصة الدخول إلى الجامعة، لكن رد العنزي عليهم كان: "لو كنت أملك جنسية سعودية لما بقيت بدونًا يومًا واحدًا".

لم تتوقف مأساة العنزي عند عدم قبوله بجامعة الكويت الحكومية، بل اتجه إلى جامعة خاصة بعد حصوله على "منحة خيرية" من أحد التجار الكويتيين، وفوجئ أيضًا برفض الجامعات الخاصة تسجيله، قبل أن يمنح صاحب المنحة الفرصة لأحمد بالدراسة في الخارج، وهو ما لم يحدث بسبب عدم منحه "وثيقة سفر مادة 17" التي تعد بمثابة جواز سفر مؤقت تصرفه السلطات الكويتية لفئة البدون. يقول العنزي "لقد دمروا حياتي، إنني أشعر باليأس وأفكر بالانتحار".

دفعت الظروف المعيشية الصعبة عددًا من البدون إلى الانتحار، حيث انتحر الشاب عايد مدعث في يوليو/تموز هذا العام بعد طرده من وظيفته وعدم حمله لبطاقة أمنية، كما انتحر الشاب بدر مرسال الفضلي في نوفمبر/تشرين الثاني بسبب ظروفه الاقتصادية الصعبة، قبل أن يلحقه زايد العصمي الذي انتحر في ذات اليوم بسبب عدم مقدرته على توفير المصروف اليومي لأبنائه.

يحكي سعود زيد، وهو شاب آخر من فئة البدون قصته، فيقول لـ"نون بوست": "تخرجت بنسبة 87% من المدرسة الثانوية قبل 20 عامًا، لم يكن هناك أحد يدفع تكاليف دراستي، بل كنت أذهب إلى المدرسة صباحًا، وأبيع المكسرات عصرًا في الشوارع لتغطية هذه التكاليف، وعندما تخرجت من الثانوية لم أجد جامعة تقبل بي".

ويرى الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية أن خطوات التضييق على البدون في معيشتهم وتعليمهم أتت أُكلها وذلك عبر اضطرار الكثير منهم للتوقيع على أوراق ثبوتية تثبت انتمائهم لبلدان أخرى، رغم أنهم لا يملكون أي وثيقة حقيقية، لكنهم يضطرون لذلك رغبة في الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي أو بطاقة أمنية تمكنهم من التنقل والدراسة والدخول إلى المستشفيات وغيرها.