“سنستمر بمطالباتنا حتى تحقيق المطالب، من غير المعقول أن تحظى وزارات معينة بمخصصات مالية كبيرة تفوق الرواتب التي نتقاضاها بمقدار الضعفين وأكثر” بهذه الكلمات يفسر المتظاهر محمد سعد أسباب خروجه في تظاهرات رفقة مئات آخرين في ساحة التحرير وسط بغداد للمطالبة بتعديل قانون سلم الرواتب. 

سعد الذي يعمل موظفًا في إحدى مديريات وزارة البلديات ببغداد يؤكد في حديثه للجزيرة نت أنه يحمل شهادة البكالوريوس في الإدارة والاقتصاد وأنه موظف على الملاك الدائم منذ 13 عامًا، لافتًا إلى أن راتبه يعادل ثلث الراتب الذي يتقاضاه موظف حديث التعيين في وزارة الكهرباء ويحمل ذات الشهادة الدراسية، ويقول “لا عدالة في الرواتب والفوارق كبيرة وخيالية بين رواتب وزارة وأخرى”. 

وكان المئات من الموظفين قد تظاهروا في ساحة التحرير بالعاصمة العراقية بغداد، الثلاثاء الماضي، للمطالبة بإقرار قانون تعديل سلم الرواتب، قبيل التصويت على الموازنة المالية لعام 2023، إذ شهدت ساحة التحرير مطالبات بإقرار قانون تعديل سلم الرواتب لتقليل الفوارق الطبقية بين موظفي الوزارات ومساواتها والحد من الفروقات الكبيرة بالأجور بين وزارة وأخرى ضمن المؤسسات الحكومية.

دخول المتظاهرين بعد ان منعتهم القوات القمعية، وبعد استبدالهم بالشرطة الاتحادية#سلم_الرواتب pic.twitter.com/x5NK9o01e5

— أ.جاسم العبودي (@alikadm19919905) May 9, 2023

بداية القصة

منذ أسابيع، يشهد العراق موجة جديدة من المطالبات الشعبية التي يقودها الموظفون في القطاع العام بالبلاد، مطالبين بتعديل قانون سلم الرواتب الذي كان قد أقر عام 2008 ووضع تفاصيل الأجور التي يتلقاها الموظفون في القطاع العام بالبلاد. 

ويكمن جوهر المطالبات الشعبية للموظفين بتعديل قانون سلم الرواتب وتوحيد المخصصات الوظيفية التي يتقاضاها الموظفون في مختلف الوزارات، في الوقت الذي وجهت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني في مارس/آذار الماضي بتشكيل لجنة الأمر الديواني 24 الخاصة بإقرار قانون رواتب جديد يضمن تحقيق العدالة بين موظفي الدولة. 

ويبلغ عدد موظفي القطاع العام قرابة 4 ملايين موظف، بعد موجة التعيينات الأخيرة، وهو ما يدعو لوضع سلم رواتب جديد يحقق العدالة بين موظفي الدولة، بحسب ما يراه الخبير الاقتصادي محمد الحمداني الذي يضيف لـ”نون بوست” أن موظفي وزارات النفط والكهرباء والمالية والتعليم العالي يتمتعون بمخصصات مالية كبيرة تزيد على ضعف الراتب الأساسي، في الوقت الذي يفتقد فيه موظفو الوزارات الأخرى لأي مخصصات. 

ويتابع الحمداني “رواتب موظفي الدرجات الدنيا لا تتجاوز 200 دولار، فيما يحظى موظفو الدرجات الدنيا ببقية الوزارات بمخصصات معينة تقارب 200% من الراتب الإسمي، وهو ما يثير حفيظة الموظفين في الوزارات العراقية الأخرى”. 

الوضع القانوني 

من جانبه، يرى الخبير القانوني علي التميمي أن قانون سلم الرواتب رقم 22 لعام 2008 ينص على إلغاء قوانين الرواتب السابقة، وهو ما يجعل تطبيق المادة 3 من القانون النافذ التي أجازت لمجلس الوزراء تعديل الرواتب حسب ارتفاع الأسعار وتذبذبها، غير ممكن. 

ويتابع التميمي في حديثه لـ”نون بوست” أن قانون سلم الرواتب الجديد المقترح بحاجة لمراعاة كل الرواتب، حتى الخاصة بالدرجات العليا، وألا يؤثر عليها سلبًا، مع رفع قيمة الرواتب لموظفي الدرجات الدنيا وفق جداول ودراسات اقتصادية تتناسب مع أسعار النفط وأسعار السوق ودعم القطاع الخاص. 

أما عن الأسباب الموجبة لتشريع القانون الجديد، فيؤكد التميمي أنها ترجع للتفاوت الكبير في الرواتب الذي يحتاج إلى العدالة والمساواة خصوصًا بين الرواتب لموظفي الدرجة الوظيفية ذاتها، وهو ما يطابق المادة 14 من الدستور العراقي المقر عام 2005 التي أكدت على المساواة بين العراقيين.

وعن علاقة قانون سلم الرواتب بقانون الموازنة المالية العامة للبلاد، التي من المؤمل إقرارها في الأيام المقبلة، أوضح التميمي أن لا علاقة لهذا القانون بقانون الموازنة، وأن كلاهما مستقل عن الآخر، لافتًا إلى إمكانية الإشارة إليه في قانون الموازنة مع تخصيص الأموال اللازمة لتعديل سلم الرواتب. 

في السياق، يشير الباحث القانوني مصطفى العبيدي إلى أن مشكلة قانون سلم الرواتب لا تكمن بالقانون القديم رقم 22 لعام 2008 بحد ذاته، موضحًا في حديثه لـ”نون بوست” أن وزارات المالية والكهرباء والنفط والتعليم العالي وبعض الهيئات الحكومية تحظى بتعليمات خاصة في الرواتب متمثلة بالمخصصات المالية التي تضاف للراتب وتصل إلى 200% في بعض الوزارات. 

وعن أسباب هذه الزيادات في بعض الوزارات والهيئات على حساب وزارات أخرى، أشار العبيدي إلى أن هذه المشكلة مستمرة منذ عام 2008، إلا أن الوضع الاقتصادي وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي قلل من القيمة الفعلية لرواتب الموظفين العموميين، بما أدى إلى تحريك موجة المظاهرات المطالبة بتعديل سلم الرواتب. 

جدل واسع 

وعلى الرغم من توجيه رئيس الوزراء العراقي بدراسة سلم الرواتب وتعديله، فإن اللغط الحكومي والشعبي حول إقراره لا يزال مستمرًا حتى اللحظة، حيث أكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح “أن الصورة لا تزال غامضة بشأن تعديل سلم الرواتب، لكن يجب في كل الأحوال تعديل سلّم الرواتب القليلة بحدود معقولة تسمح للإنسان بالعيش”.

وكشف المستشار الاقتصادي عن وجود توجهين اثنين لتشريع قانون سلم الرواتب، يتمثل الأول بتعديل رواتب الدرجات الأدنى للموظفين والمتقاعدين، فيما يتمثل التوجه الثاني بتعديل رواتب جميع موظفي الدولة، مشيرًا إلى أن التوجه الأخير بحاجة لتوافق سياسي.

من جانبها، تقول عضوة اللجنة المالية النيابية إخلاص الدليمي: “تفاجأنا بعد طرح مشروع سلم الرواتب، برفض بعض الوزارات تخفيض رواتب موظفيها وإخضاعهم لتصنيفات القانون المراد تشريعه، لأن لديهم قوانين ولوائح خاصة بهم”.

وتضيف الدليمي في حديثها لإحدى وسائل الإعلام “إذا ما مضى تعديل سلم الرواتب الجديد نحو رفع قيمة الرواتب الدنيا دون تحقيق العدالة الوظيفية والاجتماعية، فإننا لن نصوت على تمريره، لأن الهدف من التشريع إخضاع جميع موظفي الدولة لسلم الرواتب الجديد”. 

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة المعقل في البصرة نبيل المرسومي في منشور له على الفيسبوك: “اذا كان تطبيق سلّم الرواتب يتطلب إضافة تخصيصات مالية تصل إلى 11 ترليون دينار (8.3 مليار دولار) إلى الموازنة المثقلة أصلًا بالعجز والديون، فهذا يعني أن سلم الرواتب لن يُقرَّ لا في هذا العام ولا في الأعوام القادمة، إلا إذا ارتفع سعر برميل النفط إلى أكثر من 100 دولار أو رفع الحكومة سعر صرف الدولار إلى ألفي دينار، وبخلاف ذلك فهو إما بنج عام أو انتحار اقتصادي”. 

من جانبه، أكد عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر عدم إدراج سلم الرواتب الجديد في موازنة عام 2023، مشيرًا إلى أن قانون سلم الرواتب الجديد يعد من صلاحية الجهاز التنفيذي (الحكومة) حصرًا، عازيًا ذلك إلى أنه يحمل تكلفة مالية، وأن اللجنة المالية لم تتسلم أي مسودة للقانون الجديد بشكل رسمي. 

وتابع كوجر أنه في حال تسلم البرلمان القانون الجديد بعد إقرار موازنة 2023، فإن تطبيقه سيكون وفق 3 خيارات، يتمثل الأول بأن يكون تعديل سلم الرواتب من ضمن المبلغ الحاليّ المقر للرواتب بالموازنة دون إضافات، أو أن يتم تخفيض الرواتب العليا وزيادة الرواتب الدنيا ضمن السقف المحدود في الموازنة، وفق تعبيره.

أما الخيار الثاني بحسب كوجر، فيتمثل بموازنة تكميلية خاصة بسلم الرواتب أو تأجيل تطبيقه لحين إقرار موازنة عام 2024، وهو ما قد يؤشر لاستحالة تطبيقه في ظل خضوع التعديل لتوافق سياسي لا يزال غائبًا حتى الآن، بحسب مراقبين.

تفاعلات واسعة 

ووفق الأنباء المتضاربة التي لا تزال محل الحديث عن تعديل سلم الرواتب بالعراق، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلًا واسعًا بشأن قانون سلم الرواتب الجديد، إذ غردت الناشطة تماره الخزرجي بالقول: “الانهيار الاقتصادي قادم قادم، قروا سلم الرواتب وفضوها.. خلي الانهيار يكون أقرب كم شهر شنو المشكلة عدكم؟ خلي الناس تفرح وبعدين شيصير خلي يصير.. هذه نهاية رشوة مجتمع كامل بوظائف هي عبارة عن بطالة مُقنعة”.

هو الانهيار الاقتصادي قادم قادم ، قروا سلم الرواتب و فضوها ..
خلي الانهيار يكون اقرب كم شهر شنو المشكلة عدكم ؟

خلي الناس تفرح وبعدين شيصير خلي يصير ..

هذه نهاية رشوة مجتمع كامل بوظائف هي عبارة عن بطالة مُقنعة ! pic.twitter.com/o5WNiRZxoE

— Tamara Alkhazraji (@Tamarakhop) May 9, 2023

5

فيما غرد الباحث السياسي عصام حسين بالقول: “سلم الرواتب شعار انتخابي مزيف اليوم انكشفت عورته، ليس على الكذاب من حرج، فهم كذابون ومضللون وفاسدون ولا يرتجى منهم خير أمام كل شارع يبلط هناك ملايين الدولارات تهرب يوميًا، خلال ستة أشهر فشلوا في كل الملفات وخاصة الاقتصادية، ملف الدولار وملف تضخم الأسعار وملف الموازنة وملف التعيينات وملف المحاضرين واليوم ملف سلم الرواتب، ونجحوا في ملف واحد وأنتم تعرفونه ملف الفساد، إذا مو كدها لا تأملون الناس..”.

#سلم_الرواتب شعار انتخابي مزيف اليوم انكشفت عورته، ليس على الكذاب من حرج، فهم كذابين ومضليين وفاسدين ولا يرتجى منهم خير امام كل شارع يبلط هناك ملايين الدولارات تهرب يوميا، خلال ست اشهر فشلوا في كل الملفات وخاصة الاقتصادية، ملف الدولار وملف تضخم الاسعار وملف الموازنة وملف…

— عصام حسين (@IssamHussein19) May 9, 2023

فيما غرد الحسين جثير على تويتر منتقدًا الفارق الكبير بين رواتب موظفي الدولة، لا سيما رواتب الوزراء والمسؤولين قائلًا: 

راتبي ٥٠٠ الف
سنويا اسوي سلفة ام ١٠٠ الف
يعني سنويا ادخر مليون دينار

تصور عملي لمدة سنة يعادل اجور اعلان لمدة ١٠ ثواني من اعلانات بلوكر من المحتوى الهابط

راتب واحد لاعلامي يعادل ١٢ سنة من مدخوراتي
راتب واحد لوزير يعادل مدخوراتي لطول عمري

الظلم كبير … ولن نسكت#سلم_الرواتب

— الحُسين جثير (@HUSSAIN_J_HUZAM) May 9, 2023