اللائحة الداخلية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر أحد نقاط الخلاف بين قياداتها المتصارعة حاليًا، بعد اعتقال ومطاردة غالبية قياداتها التنفيذية من أعضاء مكتب إرشاد الجماعة، وكذلك أعضاء مجلس الشورى العام الذي يعد بمثابة الهيئة التشريعية للجماعة.
هذه اللائحة وضعت في عام 1945 ووافقت عليها الجمعية العمومية للإخوان آنذاك بقيادة حسن البنا مؤسسها، وقد تم تعديلها بناء على اقتراح البنا بعد ثلاث سنوات من إقرارها، وعدلت اللائحة بعد ذلك عدة مرات في ظروف مختلفةكان أبرزها في العام 1951، وفي العام 1982، وكذلك 1994، و2009.
فيما جرت محاولات لتطوير الجماعة بشكل كلي يشمل لائحتها الداخلية عقب ثورة يناير عن طريق مشروع سمي بتطوير الجماعة أسندت مسؤوليته إلى خيرت الشاطر نائب المرشد العام، لكن المشروع لم ير النور حتى وقع الانقلاب العسكري على الرئيس السابق محمد مرسي، ودخلت الجماعة في صراع أمني مع النظام الجديد.
أحدث الانقلاب العسكري والتعامل الأمني العنيف مع الجماعة وأعضائها في كافة المستويات هزة تنظيمية عنيفة لم تشهدها الجماعة منذ خمسينيات القرن الماضي، وقد حاولت اللجنة الإدارية العليا للجماعة أو ما يُعرف بلجنة إدارة الأزمة عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة تجاوز هذه الحالة قبيل وقوع النزاع بين بعض قيادات هذه اللجنة وقيادات التنظيم في الخارج.
فكانت مصادر مقربة من لجنة إدارة الأزمة في الداخل قد كشفت، عن قيامها بإعداد لائحة جديدة للإخوان، من المتوقع أن يتبعها انتخاب مكتب إرشاد ومجلس شورى عام جديدين، وذلك بعد تصعيد هذه اللجنة لإدارة الجماعة، لكن لم تظهر خطوات اللجنة بعد ذلك لتنفيذ هذه المهام، وظهرت بوادر صراع داخلي في اللجنة نفسها، وصراع آخر مع قيادات الجماعة خارج مصر.
اتسعت هوة الخلاف بين الأطراف المتنازعة ووصلت إلى حد التراشق الإعلامي بالبيانات وصدرت قرارات تجميد عضويات بحق بعض قيادات الجماعة بعد إحالتهم للتحقيق ومن بينهم المتحدث الإعلامي باسم الجماعة المعروف باسم محمد منتصر، وذلم من قبل ما يُعرف بجناح القيادات التاريخية في الجماعة.
ومع تصاعد الأزمة تدخلت أطراف عدة محاولة رأب الصدع وتضييق هوة الخلاف بين الجانبين، كانت من ضمن هذه المبادرات التي تحدث عنها الشيخ يوسف القرضاوي أحد أبرز مرجعيات الجماعة الذي يتمتع بثقل تاريخي بداخلها، حيث دعا الإخوان لإجراء “انتخابات شاملة لمؤسساتها في الداخل والخارج بأسرع وقت ممكن” للخروج من الأزمة الراهنة.
ردود الأفعال على مبادرة القرضاوي كانت متباينة إلى حد ما من طرفي النزاع، حيث رحبت بالمبادرة مجموعة القيادات المعروفة إعلاميًا بالجناح الجديد أو التيار الثوري داخل الجماعة، داعية إلى الالتزام بها وتفعيلها، بينما تحدث بيان مجموعة القيادات التاريخية على لسان المتحدث الإعلامي المعين من قبلهم أن كل التوصيات والنصائح الواردة من الدكتور يوسف القرضاوي وعلماء الأمة هي محل اهتمام وتقدير وتم احالتها للجهات المختصة في الجماعة لدراستها وأخذها بعين الإعتبار ولكن دون إلزام.
في الوقت الذي أكد فيه البيان التابع لمجموعة القيادات التاريخية أنهم بصدد الإعداد لانتخابات شاملة لمؤسسات الجماعة في الداخل والخارج، تأكيدًا لقرار مجلس شورى عام الجماعة بتشكيل لجنة لمراجعة وتطوير اللوائح.
وعليه، فإن الجماعة تهيب بالإخوان في الداخل والخارج إلى سرعة التجاوب مع لجنة تطوير اللوائح وإرسال آرائهم ومقترحاتهم بشأن التطوير وكيفية تذليل العقبات الآمنية والجغرافية من أجل إجراء انتخابات تتسق مع المؤسسية وتحقق المأمول من نهضة الجماعة وتطورها، وذلك بحسب البيان المنشور على موقع “إخوان سايب”.
أتى مضمون تصريح صحفي للمتحدث الإعلامي المعين من قبل جبهة القيادات الجديدة داعيًا إلى تعديل اللائحة أيضًا حيث أكد فيه أنه “استجابة لمبادرات المخلصين من أبناء الحركة الإسلامية وفي مقدمتهم فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي، وتنفيذا للمهمة التي أوكلتها الجمعية العمومية للإخوان إلى اللجنة الإدارية العليا بإجراء تعديل لائحي ومن ثم تقديمه لمجلس الشورى العام.. نبدأ هذا الجهد نسأل الله القبول والتوفيق ووحدة الجماعة ونهضتها وخلاص أمتنا وحريتها”.
إذن تقوم الجبهتين الآن على عملية تعديل اللائحة، فيما لا يُعرف حتى الآن إذا ما كان هذا الأمر بوادر اتفاق بين الجانبين أم مزيد من الشقاق، ولا يمكن التنبؤ بنتيجة هذا التعديل حاليًا نظرًا لتضارب المعلومات والتصريحات الواردة من داخل الجماعة.
حيث تؤكد مجموعة مصادر داخلية بالجماعة، أن مبادرة القرضاوي حدث على أساسها نوع من التوافق النسبي بين الطرفين، فيما يؤكد آخرون على عدم التزام مجموعة القيادات التاريخية بنصوص المبادرة، وأن ثمة قرارات فصل تعسفية ستخرج من قبلهم بحق الفريق الآخر، دون مزيد من التأكيد حول صحة الموقفين.
في الوقت نفسه يتحدث البعض عن جاهزية اللائحة من قبل الفريق الجديد في الجماعة الذي كان يدير اللجنة الإدارية العليا الموكل إليها تعديل اللائحة وإجراء انتخابات جديدة على كافة الأصعدة، لكن بعد تطورات الموقف الخلافي بين القيادات يُرجح أن يستمر هذا الخلاف مع ورود أنباء عن استكمال فريق القيادات التاريخية لهياكل الجماعة في الداخل دون النظر إلى مآلات هذا الأمر، وهو ما يعني تجاهل الفريق الآخر تمامًا، لتبقى الأسئلة مطروحة حول إذا ما كانت عملية تعديل لائحة جماعة الإخوان ستحل مأزقها الحالي أم ستكون ذريعة لمزيد من الشقاق؟.