أصبح أرماندو يشتاط غضبا وتصيبه حالة من التوتر كلما مرّ بدورية شرطة مصرية. وقد صرح أرماندو “أنا لا أحب الشرطة”، فقد أجبرت على حلق ذقني حتى لا يتعرفوا عليّ عندما أمشي في الشارع. والجدير بالذكر أن أرماندو، الذي رفض الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، هو في الحقيقة طالب من أصول كولومبية، قرر بعد أن اعتنق الإسلام الانتقال للقاهرة لمواصلة تعليمه في جامعة الأزهر، التي تعد إحدى المراكز الرئيسية لتعليم أصول الدين للمسلمين السنة.
في الواقع، يطمح أرماندو أن يصبح عالم دين معروف في وطنه. وعلى الرغم من أن أقصى ما كان يعتقد أنه سيسبب له بعض المتاعب في مصر هو تعلم اللغة العربية، إلا أنه، وبعد عامين مريرين قضاهما في أرض الفراعنة، اكتشف أن مواجهة الأمن والشرطة كانت أصعب تحد توجب عليه التعامل معه.
شرطة مكافحة الشغب المصرية تقف أمام جامعة الأزهر يوم 21 تشرين الأول/أكتوبر سنة 2014
تضييق الخناق على الطلاب
وبخصوص هذه المسألة، أفاد أرماندو لموقع ميدل إيست آي، أن ” الحكومة تعامل الطلاب بقسوة”. ولإثبات صحة ما قاله، أشار أرماندو إلى الحادثة الأليمة التي وقعت له بعد شهرين من قدومه إلى مصر. فعندما كان في طريقه إلى الجامعة، تفطن إلى أن أحد ضباط الشرطة كان يجد صعوبة في تحريك طاولة ولذلك عرض عليه المساعدة. ولكن الشرطي “شرع في الصراخ وكانت ردود فعله جد عدوانية”، مما أجبر أرماندو على العدول عن رغبته في المساعدة والمضي في حال سبيله بيد أن العديد من الضباط قدموا وأمسكوا به.
تم اقتياد أرماندو إلى مركز شرطة مدينة نصر ليتم استجوابه والتحقيق معه. وبمجرد أن أدرك رجال الشرطة أن أرماندو يحمل جنسية أجنبية حتى تضاعف موقفهم العدواني تجاهه. ونظرا لعدم قدرة أرماندو آنذاك على فهم اللغة العربية لم يستطع أن يكتشف سبب صراخهم عليه
بعد ذلك، تم اقتياد أرماندو إلى مركز شرطة مدينة نصر ليتم استجوابه والتحقيق معه. وبمجرد أن أدرك رجال الشرطة أن أرماندو يحمل جنسية أجنبية حتى تضاعف موقفهم العدواني تجاهه. ونظرا لعدم قدرة أرماندو آنذاك على فهم اللغة العربية لم يستطع أن يكتشف سبب صراخهم عليه.
وفي هذا الصدد، صرح أرماندو “لقد كنت في ذلك الوقت أرتدي قبعة الكوفي وكانت لي لحية. وقد سألوني مرارا وتكرارا “لماذا خيرت الدراسة هنا؟” ما هو العطر الذي تضعه؟ ومن ثم انتقلوا إلى تفحص هاتفي الجوال، كما اطلعوا على الصور التي تجمعني بأمي وغيرها من الصور الشخصية. ولكن لم يكن من داعي لفعل كل ذلك، فأنا لم أخفي عنهم أي شيء، إذ أنه ليس هناك أي شيء أخفيه”.
فضلا عن ذلك، قام أحد ضباط الشرطة بفتح حساب أرماندو على الفيسبوك، والاطلاع على المتصفح الخاص به. وعقب ساعات قليلة سَمح له الضابط بمغادرة المركز نظرا لأنه لم يجد أي شيء يدينه. ولكن الأمر لم يقتصر على ذلك، فبعد هذه الحادثة، أوقف أرماندو مرة أخرى وتم التحقيق معه في نقطة تفتيش مختلفة، وذلك أثناء عودته إلى المنزل.
من جهته، أقر أرماندو أنه يشك بأنه قد وضع قيد المراقبة من قبل الشرطة منذ أول مرة قبض عليه فيها. وفي هذا الإطار، أورد أرماندو، أنه “بسبب اعتناقي للإسلام وإبداء رغبتي في التعرف على التعاليم الإسلامية، أصبحت مشتبها فيه ومن الممكن أن يتم تجنيدي من قبل تنظيم الدولة. هم يظنون بأنني سأذهب لأقاتل في سيناء أو شيء من هذا القبيل”.
في سنة 2015، أصدرت وزارة الداخلية المصرية بيانا ينص على أن الطلاب الأجانب في الأزهر، يتم، في الواقع، تجنيدهم من قبل تنظيم الدولة، وأنها ألقت القبض على طالبين من طاجيكستان لانتمائهم لهذه المنظمة الإرهابية، وفقا لما جاء في بعض التقارير الإخبارية.
الاعتقال والاختفاء
في وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت وزارة الداخلية بيانا قالت فيه إن أحد طلاب الأزهر قد قتل برصاص الشرطة خلال مداهمة في محافظة الإسماعيلية، شرق القاهرة، مدعية أنه قد بادر بإطلاق النار أولا. وفي الوقت ذاته، اتهم الطالب المصري، حسن جلال مصطفى، بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، التي صنفت من قبل حكومة السيسي في سنة 2013، على أنها منظمة إرهابية، وتم القبض عليه على إثر ذلك.
في المقابل، صرحت عائلة حسن جلال مصطفى أنه قد اختفى وهو في طريقه إلى الجامعة، في شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 2016. ووفقا للبيان الصادر عن الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، حزب الحرية والعدالة، فقد قتل حسن جلال مصطفى أثناء احتجازه لدى الشرطة.
تم اعتقال أحد أصدقاء أرماندو، الذي يحمل الجنسية التركية، واحتجازه لمدة عشرة أيام، على خلفية استخدامه لهاتفه المحمول حتى يلتقط صورة للسماء في أحد شوارع مدينة نصر
وفي حادثة أخرى، جدّت في شهر يناير كانون/ الثاني، تم اعتقال أحد أصدقاء أرماندو، الذي يحمل الجنسية التركية، واحتجازه لمدة عشرة أيام، على خلفية استخدامه لهاتفه المحمول حتى يلتقط صورة للسماء في أحد شوارع مدينة نصر، على حد ما ادعاه أحد رجال الشرطة الذي شاهده آنذاك. وفي الأثناء، أصيب الشاب التركي اليافع بحالة فزع شديدة على إثر عملية اعتقاله، ولذلك رفض التحدث لوسائل الإعلام عن محنته.
وفي هذا السياق، قال أرماندو، إنه “بعد أن أمضى كل هذه الليالي في مركز الشرطة، قاموا بالإفراج عنه واكتفوا بالقول “نحن آسفون كان هذا مجرد تحقيق روتيني”. وفي سنة 2016، اعتقل شقيقين تركيين، كانا يدرسان في الأزهر، بعد أن داهمت قوات الأمن منزلهما في القاهرة.
طلاب أمام جامعة الأزهر
ووفقا لما صرح به أرماندو، تشتبه الشرطة المصرية دائما في الطلاب القادمين من الشيشان، وكوسوفو، وتركيا وألبانيا. كما تقوم الشرطة المصرية بمراقبة مساجد مدينة النصر، أين يقطن العديد من الطلبة. وفي هذا السياق، أكد أرماندو، أنه “في حال تم الزج بي في السجن، فلن يعرف أي أحد ماذا حصل لي، إذ أن عائلتي ليست هنا. وعلى الرغم من ذلك، دائما ما أتكتم عن هذا الموضوع عندما أتصل بوالدتي، لأني موقن بأنها ستطلب مني العودة إلى كولومبيا”.
علاوة على ذلك، صرح أرماندو أنه يعتزم البقاء في مصر طيلة الأربع سنوات المقبلة على الأقل حتى يتمكن من إنهاء دراسته، نظرا لأنه يخاف أن يتم استجوابه وترحيله في المطار في حال سافر إلى كولومبيا لزيارة أهله هناك.
وفي حين لا توجد إحصائيات دقيقة توثق المضايقات التي يتعرض لها الطلاب من قبل الشرطة، أكد الباحث في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، محمد عبد السلام، لموقع ميدل إيست آي أن أمن الدولة قد كثف بالفعل مراقبته للطلاب الأجانب. وفي هذا الصدد، قال عبد السلام، أنه “يُنظر لطلاب جامعة الأزهر على أنهم مرتبطون بطريقة ما بجماعة الإخوان المسلمين وهذا هو سبب قسوة الشرطة معهم”.
تحولت الأزهر إلى مركز للاحتجاجات ضد الانقلاب العسكري، الذي جدّ في سنة 2013، وأطاح بالرئيس، محمد مرسي، العضو القيادي في جماعة جماعة الإخوان المسلمين. ومنذ سنة 2013، اشتبكت قوات الشرطة مع الطلاب داخل الحرم الجامعي، وهو ما أودى بحياة 20 طالبا على الأقل
وتجدر الإشارة إلى أن جامعة الأزهر قد تحولت إلى مركز للاحتجاجات ضد الانقلاب العسكري، الذي جدّ في سنة 2013، وأطاح بالرئيس، محمد مرسي، العضو القيادي في جماعة الإخوان المسلمين. ومنذ سنة 2013، اشتبكت قوات الشرطة مع الطلاب داخل الحرم الجامعي، وهو ما أودى بحياة 20 طالبا على الأقل واعتقال المئات من الطلاب في العديد من الجامعات في جميع أنحاء مصر، بما في ذلك جامعة الأزهر، وفقا لما أوردته مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
خلافا لذلك، لطالما قدم قادة الأزهر دعمهم لمن في السلطة من خلال مساندة السياسات الحكومية، حيث سارعوا بإعلان موقفهم المعارض لجماعة الإخوان المسلمين، في أعقاب الانقلاب. فضلا عن ذلك، كان أبرز إمام في الأزهر، أحمد الطيب، من بين أول مساندي اللواء، عبد الفتاح السيسي، إثر ظهوره على شاشة التلفزيون ليعلن على الملأ أنه قد خلع أول رئيس منتخب بحُرية، كما أعرب عن تضامنه مع الانقلاب.
علاوة على ذلك، يعد جامع الأزهر أحد أقدم مساجد مصر، فقد ظل شامخا منذ القرن العاشر، ومن ثم أصبح جامعة تدرس فقط الشيعة حتى نهاية الخلافة الفاطمية في سنة 1171. وفي وقت لاحق، تحول إلى مسجد سني وجامعة تدرس المذاهب الأربعة في التيار الإسلامي السني. ويقبل على هذه الجامعة المشهورة ما يقارب 45 ألف طالب معظمهم من دول آسيا، وأفريقيا.
في شباط/فبراير، صرح وزير التعليم العالي الماليزي أن الحكومة الماليزية لن تمنح أيا من طلابها منحة دراسية ليذهبوا إلى مصر، بما أن الأوضاع في البلاد مازالت “غير مستقرة البتة”، وذلك وفقا لتقارير إخبارية محلية.
تشديد إجراءات منح التأشيرات والإقامة
صرح الطلاب النيجيريين، الذين يعيشون في مصر منذ أكثر من خمس سنوات، والذين يزاولون دراستهم في جامعة الأزهر، لموقع ميدل إيست آي، أنه فضلا عن الصعوبات التي واجهوها حتى يتمكنوا من القدوم إلى مصر لإنهاء دراستهم، قامت الحكومة المصرية بمضاعفة معاناتهم من خلال تشديد إجراءات منح التأشيرات والإقامة خاصة في الثلاث سنوات الأخيرة.
يقول أدجومو جليل، إن العديد من رفاقه وزملائه الذين يدرسون في الأزهر قد تم القبض عليهم من قبل الشرطة في العامين الماضيين “دون سبب…ومن دون أن يرتكبوا أي جريمة تذكر”
وفي هذا الصدد، قال أدجومو جليل، إن العديد من رفاقه وزملائه الذين يدرسون في الأزهر قد تم القبض عليهم من قبل الشرطة في العامين الماضيين “دون سبب…ومن دون أن يرتكبوا أي جريمة تذكر”، فقط لمجرد كونهم طلاب هناك. كما أكد أدجومو جليل أن وتيرة الاعتقالات ترتفع خاصة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير؛ أي في الأشهر التي تنتهي فيها صلاحية أوراق إقامة الطلاب الأجانب. وفي هذا الصدد، بين جليل، أنه “من الخطر علينا أن نغادر من دون أوراق إقامتنا”.
من جانب آخر، أفاد طالب يدعى هانجا، أن الشرطة عادة ما تداهم مناطق إقامة الطلاب في هذه الأشهر بالتحديد. وقد أشار هانجا إلى أنه خلال السنة الفارطة تم ترحيل ما يربو عن 20 طالب نيجيري من جامعة الأزهر. وفي الأثناء، زعمت قوات الأمن أن أوراقهم كانت غير سليمة. في المقابل، فند هانجا هذه الادعاءات، حيث أكد على أنها كانت عبارة عن حملة ممنهجة من قبل قوات الأمن ضد طلاب الأزهر. وقد تساءل جليل، عن سبب تضييق الحكومة المصرية للخناق على الطلاب الأجانب.
وفي شأن ذي صلة، أورد جليل لموقع ميدل إيست آي، أنه لا يوصي الطلاب النيجيريين بالدراسة في مصر، حيث صرح، أنه “إذا كان هناك بديل أفضل من مصر، لنصحتهم بأن يذهبوا إليه بدل القدوم إلى هنا”. أما بالنسبة لأرماندو، الطالب الكولومبي، فإن مظاهر العنصرية متفشية أيضا في مصر. ووفقا لأحد زملائه، الأفرو- برازيلي، الذي يدرس في القاهرة، فقد تعرض لمضايقات عنصرية من قبل السلطات المصرية، حيث أقر، “لن أعود إلى مصر حتى وإن دفعوا لي مقابل ذلك”.
المصدر: ميدل إيست آي