عانت القارة الإفريقية من الدعاية السواء طويلا، عُرفت في الذاكرة العربية على وجه الخصوص، بالوعاء الذي يحمل الفقر والمرض والمجاعة والتخلف الفكري والثقافي، دون أن تتحرك هذه الذهنية قيد أنملة، رغم القفزات الكبيرة التي حققتها الكثير من دول القارة، ونجاحها في استغلال موارها الطبيعية لدفع الحياة إلى أفضل سبل يمكن توقعها، ومن هذه الدول «أوغندا» .
سياح في رحلة سفاري في أوغندا
كيف تصدرت السياحة الإفريقية ؟
لولؤة إفريقيا، هكذا كان يطلق وينستون تشرشل، رئيس وزراء المملكة المتحدة في أربعينات القرن الماضي، على المحمية التي استمرت تحت ألوان الحكم البريطاني حوالي سبعين عامًا، قبل أن تحصل على استقلالها عام 1962.
يسكنها حاليا حوالي 42.86 مليون وفقا لآخر إحصاء في البلاد عام «2017»، يتحدثون «الإنجليزية» في تعاملاتهم التجارية، كلغة رسمية أولى في البلاد، أما الوافدين الذين هاجروا لأوغندا من بلدان مختلفة، ومعظمهم من باكستان والهند، لازالوا يتحدثون بلغاتهم الأصلية، ويدين بالمسيحية الغالبية العظمى من السكان، بنسبة تقترب من 84.5% وخلفها الإسلام، ويدين به حوالي 13.7%، وبجانبهما فيما تعتنق النسبة القليلة المتبقة الديانات القديمة في التاريخية في البلاد .
وتعيش أوغندا طفرة كبرى في عالم السياحة، وضعتها على قمة القارة السمراء في المقاصد التي يأتي إليها السياح من جميع دول العالم، وبدأت هذه النهضة تحديدا منذ عام 2011، تخطت بها جنوب إفريقيا، صاحبة التفوق في السمعة السياسية، على جميع دول القارة، بنسبة نمو بلغت حوالي 25٪.
استطاعت أوغندا الوصول إلى هذه المعدلات، وإبراز قيمتها السياحية، بسبب سيطرة الحكومة بشتى السبل على التوترات السياسية والأمنية في البلاد، منها اعتماد آلية ـ التفاوض ـ مع «جيش الرب»، بعدما أثار توترات شديدة في الجزء الشمالي للبلاد، بجانب إصلاح علاقاتها مع البلدان المجاورة، وأبرام اتفاقيات لإدخال تأشيرة سياحية واحدة للسائح، لاستكشاف جميع مقاطعات شرق أفريقيا فانعكست هذه الترتيبات سريعا على صناعة السياحة، إثر ضمان أمن المسافرين.
تعد بحيرة فيكتوريا الأوغندية، أحد أهم البحيرات الكبرى في أفريقيا، ولاسيما انها أكبر بحيرة في العالم، وتمتد من تنزانيا إلى أوغندا مع جزء صغير في كينيا
ولم تترك الحكومة مواطنيها يسقطون من برنامج التطوير، فأسندت إلى مجلس السياحة الأوغندي، مهمة خلق الوعي بين المواطنين في شرق إفريقيا بشكل عام، عبر ابتكار خطاب يحثهم على مساعدة الحكومة في تنمية هذه الميزة في البلاد، بما ساهم في زيادة الوعي حول أهمية الحفاظ على استقطاب السياح لتعزيز إقتصاد أوغندا، الأمر الذي ينعكس بدوره على مواطنيها في المقام الأول .
الرقص والأشجار والغوريلا .. أهم عوامل جذب السياحة لـ«أوغندا»
تتمتع أوغندا بالكثير من عوامل الجذب، أهمها «الغوريلا الجبلية» ويعيش في الحدائق الاوغندية ما يقرب من نصف عددها في العالم أجمع، وهي واحدة من أهم أسباب تدفق الزوار على لؤلؤة إفريقيا من سائر دول العالم، والإقبال على رحلات السفاري، التي تنظم بشكل مستمر وآمن إلى الحدائق الوطنيية، مثل شلالات مورتشيسون الشهيرة، وجزيرة شمبانزي، ورياضات الطيور بأنواعها.
الغوريلا الجبلية
وتعد بحيرة فيكتوريا الأوغندية، أحد أهم البحيرات الكبرى في أفريقيا، ولاسيما انها أكبر بحيرة في العالم، وتمتد من تنزانيا إلى أوغندا مع جزء صغير في كينيا، وتحتوي على الخزان الرئيسي لنهر النيل، وهي أيضا أكبر بحيرة للمياه العذبة في أفريقيا.
شلالات مورشيسون.. اكتشاف بريطاني في أوغندا
ومن عناصر الجذب السياحي لأوغندا، الحديقة الوطنية المعرفة بـ«وادي كيديبو» وهي أحد أكثر الحدائق إثارة في العالم، وتطل على ميناء غير مسبوق في أي حديقة أخرى بشرق أفريقيا، بجانب الأغطية النباتية «السافانا»، وتمتد الحديقة إلى جوف الغابات الجبلية في أماكن شاهقة الارتفاع، وتحوي العديد من الحيوانات المفترسة مثل الأسود، والفهود، والنمور، بجانب الزرافات، فضلا عن ما يقرب من 500 نوعا نادرا من الطيور .
أما الحديقة الوطنية بويندي، فتحتفظ بالكثير من الحيوانات المهددة بالانقراض في افريقيا، وتعد ملاذا كبيرًا ومحببا لـ«الغوريلا» وفيها ما يقرب من 160 نوعا من الأشجار النادرة في العالم، وتقع على طول الحدود من جمهورية الكونغو الديمقراطية للكونغو بجانب حديقة فيرونغا الوطنية، كما تسكن على حافة الوادي المتصدع الغربي، وفيها أيضا العديد من أنواع الطيور والفراشات النادرة، فضلا عن العديد من الكائنات المهددة بالانقراض، بما في ذلك الغوريلا الجبلية .
وتأتي كمبالا العاصمة ضمن اهم المقاصد السياحية، خاصة أنها تضم الكثير من الذاكرة الوطنية للبلاد، وخاصة متحف أوغندا، ومقابر كاسوبي، وتضم رفات ملوك البلاد القدامى، وتعود نشأتها بهذا الشكل إلى عام 1882، ثم جرى تحويلها إلى مقبرة ملكية في عام 1884، وبجانب المقابر، تعد الثقافة الأوغندية العتيقة محل جذب من جميع دول العالم، التي انتبهت إلى هذه الجوهرة المحسورة، ويعد الرقص الخاص بثقافة البلاد، أهم الفنون المعبرة عن روح التسامح والحب للإنسانية لدى أغلب السكان.
أحد أشهر الرقصات في الثقافة الأوغندية
تتبنى الحكومة سياسات مبتكرة، لتجديد البنى التحتية من شبكات طرق ومرافق لإقامة السياح، والربط بمختلف وسائل المواصلات بين متنزهات بويندي ومغاهينغا الوطنية، ومنازل الغوريلا الجبلية، الأمر الذي ساهم توجه السياح باعداد كبيرة وغير مسبوقة إلى هذه الحدائق، وحتى تضع أوغندا شخصية قوية للبلاد، تتماشي مع الثقافة الغربية، وتجعلها موضع تقدير واحترام، أقرت سياسات صارمة بشأن الصيد الجائر في المتنزهات الوطنية مثل الملكة إليزابيث، ومورتشيسون.
متنزه الملكة إليزابيث
وتفرض أوغندا على السياح الذين يقصدون حديقة بويندي تحديدا، أن يبقوا على بعد 4 أمتار من الغوريلا، للمحافظة عليهم ليس فقط من إمكانية حدوث تحول في سلوك الغوريلا، ولكن للحافظ عليهم من الإصابة بزلات البرد، وغيرها من أمراض قد تنقل لهم بسبب الاقتراب من الحيوانات المنتشرة بالحديقة.
متنزه مورتشيسون
وتوفيرالحكومة حاليا سبل للعيش الآمن حول هذه المنتزهات، وتضع معايير صارمة من قبل مجلس السياحة الأوغندي للقضاء على مرافق الإقامة الفقيرة التي لا تتناسب مع المعايير المطلوبة من قبل السائحين، سواء المقيمين، أو الذين يضعون تقييماتهم قبل مغادرتهم البلاد.
وخلال السنوات الماضية، استطاعت أوغندا التعامل بشكل احترافي يتجاوز خبرات البلاد مع الميديا العالمية، وأبرمت العديد من التعاقدات مع شركات علاقات عامة عملاقة في أمريكا وألمانيا، لتسويق السياحة الأوغندية في أوروبا والولايات المتحدة، وضمن أهم الحملات التي تستخدمها، الكشف عن مصارف الأموال التي تأتي إليهم، لبناء المدارس والمراكز الصحية ووسائل رفعة وتقدم المواطن الأوغندي، وهو جانب يعزز من احترام المواطن الأوروبي والأمريكي للشفافية التي تتعامل بها دولة تعيش في ادغال إفريقيا.
فيلم تسجيلي عن السياحة في أوغندا
أوغندا والسائح العربي .. تقدم بطئ مقارنة بالعالم
رغم شهرة أوغندا الواسعة، واعتبارها أحد أهم المقاصد العالمية، إلا أن السائح العربي لايراها حتى الآن، كما تراها الشعوب الغربية؛ فالسائح الخليجي وهو من يملك المال الكافي للتنزه، ألتفت مؤخرا إلى الغابات والبحيرات بأوغندا، حيث كان في السابق مرتادي هذا النوع من المزاج السياحي، يذهبون إلى تنزانيا وكينيا لمشاهدة الطبيعة الساحرة عن قرب.
بحيرة فيكتوريا الأوغندية
وتموج المجموعات الخليجية المهتمة بالسياحة، بالكثير من عبارات الإطراء عن طيبة الشعب الأوغندي، كأكثر ما يرشدون إليه السائح الخليجي، وخاصة المسلمين منهم، وكذلك الأمن الذي يعتبر أفضل بمراحل من كينيا وتنزانيا، اللذين يقصدهما السائح العربي، وكذلك الآسعار.
كما تأت الملاريا كأحد أهم المخاوف التي يحذرون منها، وينبهون على ضرورة اتباع إرشادات الدولة الاوغندية في الاستعانة بدواء الـ«كوكوين»، وهو علاج تنصح شركات السياحة بتناوله قبل السفر بأسبوع، وتأخذ منه حبه كل أسبوع في نفس الوقت، ثم يستمر عليه حتى بعد العوده بأسبوعين، لتأخذ أوغندا نصيبا من السياحة العربية، التي تتوزع بين بريطانيا وتركيا وماليزيا وبعض العواصم العربية مثل دبي والدوحة والقاهرة.