ترجمة حفصة جودة
هناك الكثير من الصحفيين الغربيين المستعدين دائمًا للكذب دفاعًا عن “إسرائيل” بغض النظر عما تفعله، إنهم لا يعترفون بذلك مطلقًا، لكنهم يفعلونه مرارًا وتكرارًا، لقد كذبوا عندما أمر قادة ميليشيا تلك الدولة العنصرية فرقة من القوات بمهاجمة 14 ألف طفل وامرأة ورجل فلسطيني يعيشون في مخيم جنين للاجئين ويتعرضون للقتل باستمرار.
هذه الفقرة السابقة تضم 3 كلمات لا يحب معظم المحررين في الغرب استخدامها عند وصفهم الطريقة الإسرائيلية المدمرة: “ميليشيا” و”فصل عنصري” و”هجوم”، لذا فهم يفضلون الكذب بدلًا من ذلك.
لنبدأ بكلمة “هجوم”، في الأسبوع الماضي استخدم ألفا جندي إسرائيلي مدرعات وطائرات دون طيار وصواريخ ومروحيات حربية لترويع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة لمدة يومين.
لم يكن الأمر كذلك لكتاب العناوين في نيويورك تايمز وسي إن إن، فـ”إسرائيل” لم تهاجم جنين، بل أطلقت عملية، “عملية كلمة لطيفة وغير مؤذية، أليس كذلك؟
هذه الكلمة تفترض عدة أشياء، فهي أولًا تتضمن موافقة الأشخاص الخاضعين لتلك العملية عليها، وثانيًا؛ الهدف من أي عملية إصلاح ما هو معطوب، وأخيرًا؛ عندما تنتهي العملية فمن غير الضروري القيام بعملية أخرى.
لكن ذلك لم يكن ما حدث في جنين، فقد قُتل على الأقل 12 فلسطينيًا بينهم أطفال، كما أُصيب الكثيرون جسديًا ونفسيًا، ونُهبت المنازل ودُمرت المحال التجارية، واضطر اللاجئون إلى اللجوء لمكان آخر في المخيم، بينما وعدت “إسرائيل” باستئناف هجماتها وقتما تشاء.
مع ذلك، تختار الصحف الغربية كلمة “عملية” بدلًا من قول الحقيقة، فلماذا؟
كلمة “غارة” تقلل من شأن الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين العزل الذين اضطروا للفرار من مخيم محاصر لا يمكن الهروب منه
كتب جورج أورويل عام 1946 قائلًا: “العدو الأكبر للغة الواضحة هو النفاق”، سيختار معظم الصحفيين الغربيين – شخصيًا أو مؤسسيًا – النفاق في كل مرة يكتبون فيها عن “إسرائيل”، فبالنسبة لهم هذا هو الخيار الأكثر أمانًا والمتوقع منهم، إنه ليس تحيزًا غير واع، بل خيار صريح ومتعمد، فالرجال الأخيار لا يهاجمون الفلسطينيين بل يعملون عليهم، ما ألطفهم!
يقول أورويل إن هذه التعابير الملطفة تُستخدم عند إثارة مواضيع معينة لضمان ذوبان المجرد في الملموس، فالحقائق الملموسة والصور التي تنقل الرعب الذي يواجهه الفلسطينيون في جنين وسيستمرون في مواجهته يختفي وسط كلمات مجردة لا معنى لها، حيث يستخدم الصحفيون الغربيون تلك العبارات الملطفة للتغطية على العواقب البشرية المميتة للعدوان الإسرائيلي.
النتيجة المعتادة لتلك الظاهرة، تأكيد المحررين الغربيين على الطبيعة التاريخية ونطاق العملية الإسرائيلية في جنين بدلًا من التركيز على أسماء وأعمار الفلسطينيين الذي قُتلوا وأُصيبوا جرّاء تلك الهجمات، أو قصص عائلاتهم المكلومة.
تنتج المؤسسات الإخبارية الغربية عناوينًا متوافق عليها بينهم مثل “أكبر عملية عسكرية لـ”إسرائيل” في الضفة الغربية منذ سنوات تدخل يومها الثانية”، مبروك “إسرائيل”!
في الحقيقة، بالنسبة لكاتب العناوين الرئيسية في موقع “ديلي بيست” الشهير، فالجنود الإسرائيليون لم يقتلوا الفلسطينيين في أثناء غارة سريعة، لكن الفلسطينيين يزعمون سقوط قتلى وجرحى، فالعنوان المنشور على الموقع يقول “غارة إسرائيلية على مخيم للاجئين تترك 9 قتلى وفقًا لما يقوله الفلسطينيون”.
ومثل كلمة “عملية” فكلمة “تترك” كلمة مائعة محايدة تخلو من أي هدف شرير، وهي تعني أن الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح لم يقصدوا الأذى حقًا، أما كلمة “غارة” فهي تقلل من شأن الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين العزل الذين اضطروا للفرار من مخيم محاصر لا يمكن الهروب منه.
هناك إجماع شبه عالمي بين المحررين الغربيين بأن الهدف من تلك العملية الإسرائيلية ليس ترويع الفلسطينيين وإجبارهم على الخضوع، بل التخلص من المقاومة
أما كلمة “يقول” فهي تحمل نوعًا من الشك، هل يمكن الوثوق في تقديم الفلسطينيين معلومات دقيقة؟ هل الأرقام متضخمة؟ إن الشك يتردد في كل كلمة من الموضوع، كتب مراسل ديلي بيست أيضًا “يُزعم أيضًا أن الجنود خلفوا وراءهم بعض الجرحى”.
هذا التردد في وصف الهجوم بأنه هجوم يتبخر تمامًا عندما ترد أخبار باصطدام فلسطيني يركب شاحنة صغيرة بموقف حافلات في تلك أبيب ويتسبب في جرح 9 إسرائيليين.
فبالنسبة للحسابات التحريرية في نيويورك تايمز، هجوم ألفي جندي إسرائيلي مدججين بالسلاح والمدرعات والمروحيات على مخيم لاجئين محاصرين وقتلهم عشرات الفلسطينيين لا يرقى إلى “هجوم”، لكن اصطدام شاحنة صغيرة يقودها فلسطيني واحد بالمشاة بتل أبيب أصبح “هجومًا”.
هناك إجماع شبه عالمي بين المحررين الغربيين بأن الهدف من تلك العملية الإسرائيلية ليس ترويع الفلسطينيين وإجبارهم على الخضوع، بل التخلص من المقاومة بتطهير تلك المدينة في الضفة الغربية من الجماعات الفلسطينية المسلحة.
لم يكن هناك أي اعتبار بالطبع أو اعتراف بأن الهجوم على جنين دليل على سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتتابعة مثلما وثقت منظمات حقوق الإنسان، لفرض سيادة عرقية على فلسطين المحتلة وسحق الفلسطينيين في الأحياء اليهودية بطريقة غير إنسانية.
تقول إيناس عبد الرازق، المديرة التنفيذية للهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامة: “إنه جزء من مخطط تكتيكي متصاعد تلعبه “إسرائيل” لعزل جنين وفصلها عن بقية فلسطين، مثلما فعلوا مع غزة خلال العقود الماضية”.
هكذا، فالفلسطينيون غاضبون دائمًا، أما الحزن والأسى والعزيمة فهم حكر على الإسرائيليين فقط في عقول المحررين الغربيين القاصرة، إنها كذبة أيضًا
أما كلمة “فصل عنصري” فهي كلمة محرمة في بعض غرف الأخبار الغربية، فلا يمكن بأي حال استخدامها لوصف الاضطهاد الإسرائيلي الممنهج طويل المدى للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وغزة والقدس.
عندما انتهت “إسرائيل” من تعليم الفلسطينيين درسًا قاسيًا، كتب محررو الصحيفة الوطنية الكندية “The Globe and Mail” هذا العنوان “إسرائيل تسحب قواتها من معقل المسلحين في الضفة الغربية وتحذر من أن هذه الغارة التي امتدت ليومين لن تكون مرة واحدة”.
بمعنى آخر؛ إذا لم يحسن الفلسطينيون التصرف فإن “إسرائيل” ستعود إليهم، وستطلق مروحياتها لقتل وجرح البشر الذين لا يسكنون منازل بل “معاقل للمسلحين”.
يمكن للمرء القول إن “إسرائيل” معقل مسلح جيد التأسيس يضم مجلس وزراء عنصريين ينكرون الوجود الفلسطيني ويصفقون للمستوطنين الإسرائيليين عند مهاجتهم منازل الفلسطينيين ونهبها ومهاجمة مزارعي الزيتون الفلسطينيين.
وحتى عندما حاول الفلسطينيون في جنين إعادة بنائها وسط الخسائر والدمار الذي سببته “إسرائيل”، لم تستطع “سي إن إن” مقاومة كتابة تشهير أخير، حين كتبت عنوانًا يقول: “الفلسطينيون الغاضبون ينعون 12 قتيلًا في العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين”.
هكذا، فالفلسطينيون غاضبون دائمًا، أما الحزن والأسى والعزيمة فهم حكر على الإسرائيليين فقط في عقول المحررين الغربيين القاصرة، إنها كذبة أيضًا.
لقد ظهرت غطرسة وجهل وقسوة الإعلام الغربي كثيرًا هذا الأسبوع، لتثبت لنا مرة أخرى أن خلاص وحرية فلسطين لن يحققها سوى الفلسطينيين وحدهم.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية