لم يعد المعلّم في اليمن حامل الطباشير وصانع الأجيال فقط، بل صار في نظر جماعة الحوثي خصمًا خطيرًا يجب إخضاعه أو تكسير إرادته، ففي بلد أنهكته الحرب وبدّدته الانقسامات، تحوّل التعليم من أملٍ للمستقبل إلى جبهة صراع مفتوحة، يتعرض فيها التربويون لاعتقالات تعسفية وإخفاء قسري وتعذيب وملاحقات لا تتوقّف.
من قاعات الدرس التي فرغت من أصوات الطفولة إلى الأقبية المظلمة التي امتلأت بشهقات المعلّمين، ينسج الحوثيون فصولًا جديدة من مأساة تُهدّد العقل اليمني كله. التقارير الحقوقية والشهادات الحية تكشف أن المعلّم أصبح ضحية مزدوجة؛ مُطارَدًا في رزقه، ومُستهدَفًا في رسالته، ومُحاصَرًا بين فقدان الأمان وضياع دوره التربوي.
فما كان يُفترض أن يكون ساحة لتشكيل العقول، صار ميدانًا لفرض الطاعة العمياء وغرس خطاب العنف والموت، حيث تحل الخطابات الطائفية محل المناهج، والسجون محل المدارس، والمعتقلات بدل ساحات العلم. وهكذا، يجد المعلّم اليمني نفسه اليوم بين السبورة والزنازين، وبين الطباشير والهراوات.
أقبية مغلقة وتُهم جاهزة
في صنعاء، لم يكن عدنان محمد (اسم مستعار)، معلّمًا في مدرسة حكومية، يتوقّع أن تبدأ سنته الدراسية داخل قبو مغلق بدلًا من قاعة الصف، حيث أُجبِر عدنان، مع عشراتٍ من زملائه، على حضور دورة حوثية استمرّت أسبوعين، ركّزت على خُطب حسين الحوثي وزعيم الجماعة، وعلى ثقافة الطاعة المطلقة والموت في سبيل مشروعهم.
يقول عدنان: “كانت المحاضرات مليئة بالتضليل، معظمنا كان يستمع ساخرًا في داخله، لكننا لم نجرؤ على الاعتراض، فالعقوبة جاهزة. الفصل أو السجن”، ويُضيف أن الحوثيين وزّعوا قوائم بأسماء الحاضرين، وأخرى بأسماء المتخلّفين، في إشارة واضحة إلى أن هذه الدورات ليست اختيارية، بل أداة قسرية لإخضاع المعلّمين وتحويلهم إلى أدوات في مشروع الجماعة.
وفي حديثه لـ”نون بوست”، يروي محمود سعيد (اسم مستعار)، أحد أقرباء معلّم اعتقلته الميليشيات الحوثية في صنعاء، في يوليو/ تموز 2025، حين اقتحمت مجموعة مسلحة المنزل بلا مقدمات، ففتّشوا الغرف بعنف، صادروا هاتفه وجهاز الكمبيوتر، ثم اقتادوه إلى جهة غير معلومة. ومنذ تلك اللحظة لم نستطع رؤيته أو معرفة مكانه، ولا نعلم حتى الآن ما التُّهَمُ الموجّهة إليه.
ويُضيف سعيد أن قريبه لم يكن ناشطًا سياسيًا ولا منخرطًا في أي نشاطٍ حزبي، فهو مجرد مدرس معروف بين طلابه وزملائه بالالتزام والانضباط، كل حياته كانت بين الفصل والبيت، لكن الحوثيين يتعاملون مع المعلّمين وكأن مجرد وجودهم في الميدان التربوي يُهدّد مشروعهم.
ويصف أثر الغياب المفاجئ على أسرته قائلًا: “كان العائل الوحيد لوالدته المُسنّة المريضة بالقلب والضغط. منذ اعتقاله تعيش في قلق دائم، لا تفكّر إلا فيه، ونخشى أن تتعرض لانتكاسة صحية جديدة بسبب الخوف المستمر من مصيره المجهول”.
ويؤكّد علي أن ما جرى لقريبه ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من الانتهاكات ضد التربويين، فخلال الأشهر الماضية فقط، سمعنا عن اعتقال العشرات من المعلمين، بعضهم بتهمة الانتماء السياسي، وآخرون لمجرد رفضهم حضور الدورات الطائفية. قريبي اتّهموه بالانتماء لحزب الإصلاح، وهي تهمة جاهزة يستخدمونها لإقصاء أي شخص لا يُقدّم لهم الولاء.
الاعتقالات الحوثية تتواصل في محافظة اب ..
اعتقال كل من :
_ التربوي عبدالملك علي محمد يحي من قريه الدحثاث
_ حمود الشهاري موظف في البنك المركزي بمدينة اب مديرية المشنة
_ التربوي سيلان النهمي مديرية حبيش/ عارضة نهم
_ التربوي هاشم الدرقمي مديرية حبيش / عزله شباع pic.twitter.com/CqjqxHMdEX— ابراهيم عسقين (@IbrahimAsqin) July 3, 2025
الانتهاكات الممنهجة بالأرقام
وفقًا لمنظمة “سام” للحقوق والحريات، فقد نفّذت جماعة الحوثي حملة اعتقالات واسعة طالت المعلّمين في عدّة عُزَل بمديرية حيفان بمحافظة تعز، حيث بلغ عدد المعتقلين نحو 48 معلّمًا حتى 28 أغسطس/ آب 2025، وذلك في ظل ظروف إنسانية وأمنية صعبة، ما يجعلها اعتقالات تعسفية تنتهك القوانين اليمنية والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحرية الشخصية وحقوق الإنسان.
كشف رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات، توفيق الحميدي، في تصريحٍ لـ”نون بوست”، عن حجم الاستهداف المُمنهج للقطاع التعليمي، موضحًا أن المنظمة رصدت بين سبتمبر/ أيلول 2024 ويوليو/ تموز 2025 ما مجموعه 1,253 انتهاكًا استهدف العاملين في القطاع التعليمي والتربوي، منها 1,033 حالة اعتقالٍ تعسفي، و102 حالة إخفاءٍ قسري، و118 حالة تعذيبٍ جسدي ونفسي.
وأشار الحميدي إلى أن محافظة الحديدة تصدّرت القائمة بـ189 حالة، تلتها ذمار بـ160، ثم إب بـ143، وصنعاء بـ116، وصعدة بـ67، وحجّة بـ185، فيما توزّعت بقيّة الانتهاكات على محافظات تعز والبيضاء والمحويت وعمران ولحج وريمة ومأرب وحضرموت وشبوة والضالع وعدن والجوف.
وأكّد أن جماعة الحوثي تتحمّل المسؤولية الأكبر عن هذه الانتهاكات بـ1,225 حالة، منها 1,019 اعتقالًا تعسفيًا، و98 إخفاءً قسريًا، و108 حالات تعذيب، فيما ارتكبت التشكيلات المسلحة خارج إطار الشرعية 26 حالة، والحكومة الشرعية حالتين فقط.

وأضاف أن الضحايا كانوا في الغالب من الرجال، حيث تم تسجيل 1,029 حالة اعتقالٍ تعسفي بحق معلمين رجال، مقابل 4 حالات لنساء، و117 حالة تعذيب بحق رجال، مقابل حالة واحدة لامرأة، و102 حالة إخفاءٍ قسري جميعها لرجال. وشدّد على أن هذه الأرقام تكشف حجم الاستهداف المُمنهج الذي يواجهه القطاع التعليمي في اليمن، مؤكّدًا أن الاعتداءات على المعلمين تُمثّل جريمة مضاعفة، لأنها تضرب العملية التعليمية برمّتها وتؤثّر بشكلٍ مباشر على مستقبل الأجيال.
أحمد صالح (اسم مستعار)، معلّم معتقل سابق، أكّد لـ”نون بوست” أن الحوثيين ما زالوا يُحاكمونه مع مجموعة من زملائه التربويين أمام المحكمة الجزائية، مع نيابةٍ تطالب بالإعدام، حيث قال: “نُواجه أكثر من ستٍّ وعشرين تهمة، أقلّها السجن لعشرين سنة، وأشدّها الإعدام. الاتهامات جاهزة؛ قلب نظام الحكم، وزعزعة الأمن والاستقرار، والتحريض على الدولة، والدعوة لمظاهرات. كل ذلك فقط لأننا طالبنا بحقوقنا كمعلمين، وعلى رأسها الرواتب”.
ويُضيف: “قضينا عدة أشهر في السجن وسط ضغوطٍ كبيرة لإجبارنا على التوقيع بعدم الحديث عن قضية الرواتب. اليوم نُحاكم من جديد، والنيابة تطالب بالإعدام أنا وعددٌ من زملائي من المعلّمين”.
أمّا المعلّم عصام الزنداني، الذي عاش تجربة الاعتقال على يد الحوثيين، فيقول إن المعاناة التي يعيشها المعلّم في اليمن لم تبدأ مع الحرب، لكنها تفاقمت بشكلٍ غير مسبوق بعدها. ويستذكر لـ”نون بوست” يوم اعتقاله قائلًا: “كان صباح التاسع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول يومًا لن أنساه ما حييت، كنت أتهيّأ لبدء عامٍ دراسي جديد، لكنني فوجئتُ بمداهمة منزل أسرتي. جاءت جماعة الحوثي بمدرعة وأطقمٍ عسكرية وباصٍ مليءٍ بالمجندات، وأغلقوا الحي بالكامل، دخلوا المنزل بعنف، قلَبوا كل شيء رأسًا على عقب، وأرعبوا النساء والأطفال الذين جمعوهم في غرفة واحدة. وصل الأمر إلى تقييد والدي المُسنّ أمام أعيننا، نهبوا بعض الممتلكات، ثم اقتادوني بالقوة، معصوب العينين، وتحت الضرب والشتم المستمر طوال ثلاث ساعات، حتى وصلت إلى مقرّ الأمن السياسي”.
ويصف لحظات الاعتقال الأولى: “كانوا يصرخون: “ستموت، ستختفي”، فيما تنهال عليّ الهراوات والركلات. شعرتُ في تلك اللحظة أن كل ما قدّمته كمعلّم لتربية أجيال بات بلا قيمة أمام وحشية الميليشيا. كان الضرب قاسيًا لدرجة أنني فقدتُ الإحساس بجسدي”.
ويُضيف الزنداني: “بعد خروجي من السجن، أدركتُ أن التعليم لم يعد مجرد وظيفة، صار المعلّم متهمًا لمجرد أنه يحاول أن يكون مؤثّرًا في طلابه، أو يُقدّم فكرًا وسطيًا يتعارض مع ما تريده الجماعة. كثير من زملائي تركوا التدريس تمامًا، بعضهم غادر البلاد، وآخرون اضطروا للعمل في مهن أخرى لتأمين احتياجات أسرهم”.
ويشير الزنداني إلى أن الاستهداف لم يكن عشوائيًا، فجماعة الحوثي وضعت التعليم في قلب معركتها الفكرية، حيث حوّلت المدارس إلى ثكنات عسكرية، واعتقلت المعلمين، وقتلت بعضهم، وغيّرت المناهج واللوائح الدراسية، واستبدلت المدارس بالمخيّمات الصيفية التي تُستخدم لتلقين الأطفال أفكارها الطائفية.
ويتابع: “المعلّمون اليوم يُعانون أضعافًا مضاعفة، رواتبهم موقوفة منذ سنوات، وأُسرهم تعيش على المساعدات أو الديون، فيما يواجهون خطر السجن أو التعذيب أو حتى الإعدام إذا اعترضوا على سياسة الجماعة أو رفضوا تنفيذ برامجها. البعض أُجبر على الظهور في وسائل الإعلام الحوثية وكأنهم “مجرمون”، لإضفاء شرعية زائفة على الانتهاكات”.
ويختتم الزنداني شهادته قائلًا: “في السجون التقيتُ عشرات المعلمين، وحتى طلابًا صغارًا لا علاقة لهم بأي نشاطٍ سياسي، سوى أنهم كانوا بالقرب من شخص أرادت الجماعة ملاحقته”.
البُعد الفكري والسياسي
في ظلّ سيطرة جماعة الحوثي على عددٍ من مديريات محافظة تعز، تصاعدت حملات الاعتقالات التي تستهدف المعلمين والتربويين، في إطار سياسةٍ قمعية تهدف إلى فرض الأجندة الطائفية والمناهج العقائدية على العملية التعليمية، فقد أقدمت الجماعة في يوليو/ تموز 2025 على اعتقال أحد عشر مواطنًا تربويًا ومعلّمًا في مديرية الدمنة، ونقلهم إلى سجن مدينة الصالح، في حين تركزت الاعتقالات الأخرى على عناصر تعليمية رفضت الامتثال لتدريس مواد عقائدية فرضتها الجماعة على المدارس في مناطق سيطرتها.
● نحذر من اقدام مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لايران، على افتتاح مدارس دينية “مغلقة” على الطريقة الداعشية، في الوقت الذي تمارس فيه سياسية تجريف ممنهج للعملية التعليمية، عبر استمرارها في قطع مرتبات المعلمين، والعبث بالمناهج الدراسية، وفرض رسوم دراسية مضاعفة على الطلاب، وتشجيع… pic.twitter.com/SCvl0WUwla
— معمر الإرياني (@ERYANIM) May 8, 2024
أمين عام نقابة المعلمين، عبد الرحمن المقطري، يُؤكّد في حديثٍ لـ”نون بوست” أن العملية التعليمية في محافظة تعز شهدت خلال الفترة من 2014 وحتى 2024 سلسلةً من الانتهاكات المُمنهجة التي طالت المعلمين والطلاب والمدارس، نفذتها جماعة الحوثي، وأدّت إلى تدهور الوضع التعليمي والحقوقي في المحافظة.
وأضاف المقطري أن حصيلة القتلى من المعلمين والمعلمات بلغت 240 معلّمًا، بالإضافة إلى 30 حالة وفاة سابقة بين 2011 و2013، كما بلغ عدد المصابين 115، بينهم 3 حالات إعاقة دائمة نتيجة الإصابات.
وأوضح أن عدد المعتقلين والمخفيين قسرًا وصل إلى 90 شخصًا، بعضهم قضى أكثر من خمس سنوات في سجون الحوثي، مع الإشارة إلى حالتين لا يزالان في عداد المخفيين، ومن بينهم الأستاذ عبده غالب البحيري، نقيب معلمي موزع. وأشار إلى وفاة معلمين تحت التعذيب، من بينهم صادق فائد العديني، ونجيب حسان علي العنيني، رغم علم الصليب الأحمر ومفوضية حقوق الإنسان بمقتلهما.
كما كشف المقطري عن حرمان نحو 600 معلّمٍ وتربوي من مرتباتهم منذ عام 2016 في مديريات الصراخ والوازعية وموزع والمخاء، وتهجير أكثر من 15 ألف معلّم قسرًا، فضلًا عن تدمير أكثر من 150 مسكنًا للمعلمين والمعلمات جزئيًا أو كليًا. وأضاف أن الاعتقالات الجديدة شملت خلال الشهرين الأخيرين 79 معلّمًا، وموجّهًا للقرآن، ومديري مدارس، بعضهم أعضاء في مجالس محلية، موزّعين على عدّة مديريات مع احتمال ارتفاع العدد.
وأكّد المقطري أن هذه الانتهاكات من قبل جماعة الحوثي تمثّل تهديدًا مباشرًا للعملية التعليمية ومستقبل الأجيال في المحافظة، داعيًا المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية إلى التحرّك العاجل لحماية المعلّمين وتأمين التعليم في بيئةٍ آمنةٍ ومستقرة.
وتشهد مناطق سيطرة جماعة الحوثي في محافظتي إب وتعز تصعيدًا واضحًا في حملات الاعتقال والاستهداف المُمنهج للكوادر التربوية والتعليمية. فقد تحوّل القمع من ممارساتٍ عابرة إلى سياسةٍ ممنهجة تهدف لإسكات الأصوات المؤثّرة في المجتمع، بما في ذلك المعلّمون، والخطباء، والأكاديميون. وتستهدف هذه الاعتقالات المواطنين قبل المناسبات الوطنية، مثل ذكرى ثورة 26 سبتمبر/ أيلول، في محاولةٍ لمنع أي نشاطٍ وطني أو احتجاجٍ شعبي.
من جهته، أكّد الإعلامي والباحث السياسي عبد الله إسماعيل لـ”نون بوست” أن جماعة الحوثي تستهدف التعليم والعِلم بشكلٍ منهجي، مُشيرًا إلى أن أساليب الجماعة تُشبه ما كان يقوم به الإمام الزيدي عبر التاريخ، من استهداف العلماء والمصلحين والمدارس العلمية والمكتبات. وأوضح أن الاستهداف ليس عشوائيًا، بل يهدف إلى تغيير العقل الجمعي وطمس الهوية الوطنية، من خلال فرض فكرٍ متشدّد يُكرّس الولاء للجماعة على حساب الفكر الوسطي والمعتدل.
وأضاف إسماعيل أن التحدي الأكبر يكمن في حماية التعليم والأجيال الناشئة في مناطق سيطرة الحوثيين، خاصةً مع محدودية قدرة الحكومة الشرعية والمجتمع المدني على الوصول إلى الطلاب، ما يضع العبء الأكبر على الأهالي لحماية أبنائهم من الانخراط في الفكر الطائفي أو التعرّض لغسل الفكر.
وأشار إلى أن الحوثيين يحاولون تثبيت سيطرتهم عبر استهداف الأطفال والشباب، مستغلّين ضعف البنية التعليمية الرسمية والمجتمعية، ما يُتيح لهم تشويه العقل الجمعي، وتدمير الفكر الوسطي، وفرض هويةٍ إيمانية ضيقة على المجتمع، بما يضمن استمرار نفوذهم لفترةٍ أطول.
الشهادات القانونية والحقوقية
مع تصاعد الانتهاكات الحوثية ضد المعلّمين في اليمن، يبرز الخطر الذي يُهدد العملية التعليمية والمجتمع بأسره، حيث أوضح محامي ومرافع المعلّمين المعتقلين أمام المحكمة، عبد المجيد صبرة، أن الأسباب التي تدفع الحوثيين لاستهداف المعلّمين متعدّدة، أبرزها مخالفة المعلّمين لتوجّه الجماعة، وخوف الحوثيين من تأثيرهم على المجتمع والطلاب بما يتعارض مع أفكار الجماعة وطموحاتها الطائفية، مؤكّدًا أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى فرض أفكار الجماعة على المجتمع اليمني كلّه.
وأشار صبرة لـ”نون بوست” إلى أن المعلّمين المعتقلين يواجهون معاملةً قاسية تشمل الإخفاء القسري، والتعذيب الشديد، والإهمال الصحي المُتعمَّد، وهو ما يُهدّد حياتهم وسلامتهم، مُشدّدًا على أن هذه الممارسات تؤثّر على العملية التعليمية برمّتها، حيث يتم استبدال المدارس التقليدية بمخيّماتٍ صيفية لتلقين الطلاب الانخراط في التوجّه الطائفي بدلًا من التعليم العلمي المعتدل.
وكشف صبرة أن النيابة التابعة لجماعة الحوثي أصدرت مذكرة اتهام بحق عددٍ من المعلّمين المطالبين بحقوقهم، مُشيرًا إلى أن التهم الموجّهة إليهم تتراوح بين قلب نظام الحكم، والتحريض على الدولة، والدعوة لمظاهرات، رغم أن نشاطهم ظلّ محصورًا في إطارٍ حقوقي ومطلبي، اقتصر على المطالبة السلمية بصرف الرواتب عبر منصّات التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن الحوثيين يستخدمون أساليب عقابية إضافية ضد المعلّمين تشمل وقف مرتّباتهم، وفرض أحكام جائرة تصل إلى الإعدام أو السجن لعشر سنوات أو أكثر، ما يزيد من الضغط النفسي والاجتماعي على المعلّمين وعائلاتهم، ويجعل ممارسة واجبهم التعليمي صعبة.
وتشهد مناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن، وخصوصًا محافظتي تعز وذمار، تصعيدًا مستمرًا في حملات الاعتقال التي تستهدف شخصياتٍ سياسية واجتماعية وتربوية. تأتي هذه الاعتقالات ضمن استراتيجية الجماعة لإجبار المعلّمين على تدريس المناهج والمضامين التي تفرضها، وملاحقة الناشطين المدنيين والسياسيين والحقوقيين، في إطار محاولتها فرض سيطرتها على العملية التعليمية والمجتمع المحلي.
من جهتها، أكدت إشراق المقطري، عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، لـ”نون بوست” أن اعتقال المعلّمين بات أحد أبرز أنماط الانتهاكات التي ترصدها اللجنة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي. وأوضحت أن الأرقام الواردة من الميدان خلال الأشهر الأخيرة تكشف حجم الاستهداف المُمنهج لهذه الفئة، فعلى سبيل المثال، شهدت محافظة إب اعتقال ما يقارب (120) شخصًا، بينهم نحو (95) تربويًا، فيما سجّلت مديريات ماوية وخدير وشرعب الرونة في تعز اعتقال قرابة (40) شخصًا، بينهم (30) معلّمًا. وأضافت أن مديرية حيفان وحدها شهدت اعتقال (52) شخصًا، بينهم ما بين (33–34) تربويًا.
وشدّدت المقطري على أن هذه الأرقام تعكس خطورة النهج الذي تتبعه الجماعة في تغييب الكوادر التربوية، لما لهم من دورٍ مؤثّر في المجتمع والطلاب، مؤكّدة أن استمرار هذه الانتهاكات يُمثّل تهديدًا مباشرًا لحقّ التعليم وللمستقبل الفكري للأجيال في اليمن.