جاءت حادثة حرق الناشط الأمازيغي “منير كجي” لصورة رئيس الحكومة المغربي والأمين العام لحزب العدالة والتنمية “عبد الإله بن كيران”، أمام مقر حزبه بمدينة أكادير، لتشعل الساحة السياسية المغربية من جديد، وتضع العديد من علامات الاستفهام حول تحول الخطاب الامازيغي من المعارضة اللفظية إلى العنف، في الوقت الذي ارتفعت فيه العديد من الأصوات الإعلامية والسياسية والحقوقية المحذرة من تنامي خطاب الكراهية والحقد، الذي يهدد منظومة الاستقرار المجتمعي الذي تنعم به المملكة…فهل بات المغرب على مشارف مواجهات صادمة بين التيار الإسلامي والحركات المناهضة له؟ أم تنجح الحكومة في وأد أي محاولات للتعدي على أمن وتماسك نسيك المجتمع الذي عرف عنه طيلة العقود الماضية تلاحم أركانه وتناسق مكوناته؟
موقف الإسلاميين من الفكر الأمازيغي
في الوقت الذي يسعى فيه التيار الإسلامي لإحداث حالة من التناغم والتناسق بين طوائف الشعب المغربي، في محاولة لإرساء قواعد الاستقرار والأمان، هناك من يحاول تعكير الصفو، وإثارة القلاقل والفتن بين الحين والأخر..كانت هذه الكلمات ملخص ما أورده باحثون ينتمون للتيار الإسلامي المغربي تعليقا على موقفهم من التيار الامازيغي ومساعيه الرامية إلى فرض الفكر العلماني على الشعب المغربي بشتى السبل.
الباحث المغربي شكيب عبداللطيف أشار إلى أن الحركة الإسلامية المغربية المعتدلة استطاعت وبنجاح كبير أن تجد لها موقعا داخل المجتمع المغربي، وبالرغم من قرب التوجهات الفكرية لهذه الحركات، إلا أنها متعددة في التنظيم، ولكل قيادته وهيكلته وإجتهاداته – (حركة التوحيد و الإصلاح و ذراعها السياسي حزب العدالة و التنمية، جماعة العدل و الإحسان، التيار السلفي…)-، مشيرا أن الحركات الإسلامية قد مرت بفترات من التوتر أبقتها في كثير من محطاتها التاريخية مهمشة، غير أن الخيط الجامع بين هذه الجماعات هو التعاون في ما اتفق عليه وتوجيه الانتقادات والنصح في المختلف المآرب و القضايا.
وأضاف عبداللطيف إن موقف الإسلاميين من الأمازيغية يتحدد انطلاقا من مشروعهم نحو بناء الدولة الإسلامية أو الخلافة، ومن تم فإن الأمازيغية لا تعدوا سوى مسألة هامشية أمام تحديات المشروع الكبير الهادف لوحدة الأمة، فالنزعة الأمازيعية حسب رأيهم، برزت مع الظهير البربري، ملفتا إلى تمييز الإسلاميين بين التيار الأمازيغي الراديكالي الذي يهدف إلى تهديد و حدة البلاد، و خلق حالة من الفتنة و التشتت و التشرذم، و بين التيار الأمازيغي المنطلق من الإسلام كمرجعية فكرية و ثقافية و المهتم بالقضايا التراثية و المناهض للنزعة العرقية.
وتعد الحركة الامازيغية حركة علمانية في المقام الأول، لا تؤمن بالمفاهيم الثابتة والمعتقدات الراسخة لدى التيار الإسلامي، فهي تنظر للخلافة كـ “رجعية”، وتوحيد الرؤى والتوجهات “تخلف عن الديمقراطية”، ومن ثم فهي تقف من الحكومة الحالية والتي يغلب عليها الطابع الإسلامي موقف العداء، لاسيما وهي تعترض طريقها نحو نشر الفكر العلماني الإلحادي.
ولم يكن الخلاف بين التيار الإسلامي والحركة الأمازيغية مقتصرة على الأطر الفكرية والإيديولوجية فحسب، بل هناك ملفات عدة شائكة تمثل حائط صد بين التيارين، تتصدرها القضية الفلسطينية والتي تمثل محورا أساسيا في الخلاف بين الجانبين.
الاستغاثة بواشنطن وتهديد وحدة المغرب
وبالعودة للوراء قليلا..وبالتحديد في 18ديسمبر 2007 نشر موقع “ويكيليكس” وثيقة عن أمازيغ المغرب، جاء فيها أن مجموعة من الناشطين الأمازيغ “استنجدوا” بواشنطن لمناهضة ما أسموه “بالتطرف العربي الذي يهدد العالم”، حيث أشعلت هذه الوثيقة حينها النار بين الامازيغ والحكومة المغربية، لاسيما وهي تهدد وحدة المغرب، ومن ذلك الوقت لم يتوان الامازيغ عن مهاجمة الإسلاميين ليل نهار.
تقول الوثيقة إن أحد النشطاء الأمازيغيين يرى أنه “لا يوجد ما يوحّد الأمازيغ والعرب ثقافيًا”، بل يعتقد أنه “تتوافر إمكانية كبيرة للتحالف مع الولايات المتحدة”، بتعليل ورد على لسان الشخص نفسه: “نحن أقرب جغرافيًا و فلسفيًا من واشنطن أكثر من الرياض أو طهران، نحن حلفاؤكم الطبيعيون”.
يجمع هؤلاء النشطاء، بحسب الوثيقة، على أنّ “الثقافة الأمازيغية ليست موجّهة ضد الغرب، كما تلك التي تؤمن بها الحركات القومية العربية والإسلامية، حيث دعا أحدهم “إلى إضعاف العرب”، مؤكدًا “إننا لسنا بعرب، و إنما أُكرهنا أن نكون كذلك”.
تتحدث الوثيقة على لسان أحد النشطاء الأمازيغ عن “غضب متنام وسط الشباب الأمازيغي نتيجة الإحباط الذي يعيشونه، ويمكن أن يؤدي إلى أعمال عنف، كما سنة 2007 بين الطلبة الأمازيغ و”القوميين العرب”، لهذا ناشد الولايات المتحدة لأن تتدخل على الخط تفاديًا لأي تطرف ممكن”.
القضية الفلسطينية
الجميع يعلم أن القضية الفلسطينية تمثل للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها قضية عقدية لا شك فيها، فالذود عن المسجد الأقصى وتحرير القدس من دنس اليهود لا خلاف عليه باعتباره واجب ديني مقدس، ومن ثم فمن يشكك في هذه المعتقد فهو أبعد ما يكون عن المنظومة الفكرية والإيديولوجية التي يحيا بداخلها الإسلاميين.
وفي نظرة سريعة نجد أن موقف الحركة الأمازيغية من القضية الفلسطينية يتعارض تماما مع الإسلاميين وهو ما يعمق الفجوة بين الجانبين، فالأمازيغ ينظرون إلى الموضوع نظرة إنسانية بحته، وبالتالي فإن تضامنهم مع الشعب العربي الفلسطيني المقهور تحدده هذه الخلفية، فالفلسطينيون يتساوون عندهم مع اليهود، ولهذا فإنهم لا يتضامنوا معهم( أي مع الفلسطينيين) بصفتهم عربا أو مسلمين أو باعتبارهم أشقائهم، لكن لكونهم بشر مثلهم فحسب.
كما يعزف أنصار هذا الفكر الملحد على وتر التمييز بين التعامل مع الشعب اليهودي، الذي تجمعهم به علاقات الصداقة والمودة والتعايش السلمي كما يشهد بذلك التاريخ، وهي علاقات قديمة جدا، تماما كما تجمعهم بالشعوب الأخرى. ومن هذه الزاوية لا يجدون أدنى مشكلة في التعامل مع اليهود سواء كأفراد أو كتنظيمات مدنية ديمقراطية (كحركة السلام مثلا)، بعكس التعامل مع دولة إسرائيل التي تمارس شتى الإرهاب النفسي والجسدي على الإنسان العربي الفلسطيني، وهي دولة فاشية عنصرية توسعية حسب رأيهم، لا يجب التعامل معها نهائيا، هذا بغض النظر عن موقفهم من القضية الفلسطينية.
موقف الأمازيغ من التيار الإسلامي
في المقابل يرى أنصار الفكر الأمازيغي أن العلاقة مع التيار الإسلامي انتابها – ولا زال – تيارات المد والجذر، نظرا للاختلاف الفكري والإيديولوجي، وهو ما أشار إلية الناشط الأمازيغي محمود بلحاج، مؤكدا أن موقف الإسلاميين المغاربة من الحركة الأمازيغية يتراوح بين موقف القبول والرفض، خاصة بعد تطور مطالب الحركة، وانتقالها من المطالب الثقافية إلى المطالب السياسية، وعلى رأسها دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي كلغة وطنية ورسمية، وتبنيها الصريح والعلني للعلمانية، وتأسيس الكونكريس العالمي الأمازيغي سنة 1995، وصولا إلى مسالة اختيار الحرف الأمازيغي بعد تأسيس ما يسمى بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتأسيس أيضا الحزب الأمازيغي الديمقراطي المغربي بقيادة الأستاذ احمد الدغرني سنة 2005 .
الناشط الأمازيغي يلمح إلى أن تحليل خطاب الإسلاميين المغاربة تجاه الحركة الأمازيغية، يكشف أن قلق الإسلاميين تجاه خطاب الحركة الأمازيغية يرجع أساسا إلى المنطلقات والمرجعية الفكرية والسياسة التي تتحكم في تصورات كل طرف للقضايا المطروحة عليه، فبينما تعتمد الحركة الأمازيغية في نضالها المشروع على المبادئ الكونية ومنها: الديمقراطية – لعلمانية – الحداثة والنسبية، نجد أن الإسلاميين يعتمدون في تصوراتهم الفكرية والسياسية على أمور تختلف كليا عن المنطلقات الفكرية والسياسية للحركة الأمازيغية، ومنها، الخلافة، التمسك بنهج السلف الصالح، وما إلى غير ذلك من القضايا العقدية والفكرية التي تختلف شكلا ومضمونا مع الفكر الامازيغي بالرغم من وحدة اللغة والدين.
التيار التحكمي وإثارة الفتن
الكاتب المغربي الدكتور عبد العلي حامي الدين أشار إلى أن المسألة الأمازيغية لم تعد قنبلة موقوتة، بعدما أصبحت من الناحية الدستورية «رصيدا مشتركا لجميع المغاربة»، منوها أن خطاب الحقد والكراهية لم يقتصر فقط على الفكر الامازيغي، مؤكدا أن ” التيار التحكمي الخطير” في إشارة منه إلى “حزب الأصالة والمعاصرة المعارض ” الذي نشأ في أحضان السلطوية جدد التأكيد على المبرر الحقيقي لوجوده السياسي وحصره في «مواجهة الإسلاميين»..متسائلا : ما المغزى من ذلك؟
الباحث المغربي أجاب على سؤاله بأن المغزى الوحيد هو أن هذا الحزب ” حزب الأصالة والمعاصرة” يفتقر إلى أطروحة سياسية متماسكة، بالإضافة إلى عجزه عن إبداع تصورات اجتماعية واقتصادية تمكنه من مقارعة خصومه السياسيين في مجال التصورات والبرامج، وافتقاره لرؤى جدية يؤطر بها المواطنين، وأن خطيئة النشأة الأولى جعلته عاجزاً عن التحول إلى حزب عادي، وأن بضاعته لن تخرج عن أسلوب التحكم..والترهيب، ملفتا أن هذا الحزب ومن هم على شاكلته الفكرية لا يستهدف من يسميهم «الإسلاميين» وإنما يستهدف المسار الديمقراطي في البلاد.
وعلى مدار ثمان سنوات مضت، انحصرت الدائرة الفكرية والتنفيذية لهذا التيار المعارض على التفنن في أساليب الترهيب والإفساد لكافة أجهزة الدولة السياسية، وذلك إما بالتدخل في شئون الأحزاب الداخلية، أو ترهيب النخب وتلفيق التهم لهم حال عدم الانصياع لرغباتهم وتوجهاتهم السياسية.
التحصين من خطابات الحقد والكراهية
من خلال ما سبق يمكن تقسيم الشاشة السياسية المغربية إلى نصفين، الأول يتزعمه “تيار الإصلاح” الساعي إلى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة على أسس عادلة، وذو مرجعية إسلامية مستنيرة، ويضم بين جنباته مختلف ألوان الطيف السياسي، أما النصف الثاني فهناك ” تيار السلطوية” والمتمثل في المدارس الفكرية الرامية إلى تحقيق المزيد من المكاسب على حساب وحدة المجتمع المغربي، تحت دعاوى الحريات والنظام العالمي الجديد، والذي لازال يستهلك أسطوانة «مواجهة الإسلاميين» من أجل استمالة أصحاب القناعات السياسية المهزوزة وهم قلة.
ومن ثم بات تحصين المجتمع المغربي من خطابات الحقد والكراهية بوابة المرور نحو تحقيق الاستقرار والتماسك المجتمعي في الداخل والخارج، فالديمقراطية بدورها لن تطور نفسها بنفسها تلقائيا، بل تحتاح إلى نضال المؤمنين بها، والدفاع عن مقدساتها في مواجهة المتربصين بها، فهل ينجح المغاربة في تفويت الفرصة على أعداء الداخل أن ينفذوا مخططات أعدا الخارج؟