أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن إحباطه لعدم اتخاذ مجلس الأمن موقفًا قويًا في الخلاف بينه وبين المغرب بشأن ملف الصحراء الغربية، قائلاً إنه سيثير الأمر مع الدول الأعضاء بالمجلس قريبًا، في وقت أكد وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار أن بلاده “على خلاف مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وليس مع المنظمة الأممية”.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ستيفان دوجاريك، أمس الجمعة، إن الأخير محبط بسبب عدم اتخاذ مجلس الأمن الدولي الخميس موقفًا واضحًا بشأن الخلاف الذي نشب بين الأمين العام وسلطات الرباط.
وذكر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن بان كان يرغب في موقف قوي من مجلس الأمن بشأن التوتر الحاصل بينه وبين الرباط على خلفية وصف الأمين العام الأممي الوضع في الصحراء الغربية بأنه احتلال، وهو ما أثار غضب السلطات المغربية التي انتقدت الأمين العام بشدة، واتهمته بالابتعاد عن الحياد في نزاع الصحراء الدائر بين المغرب وجبهة البوليساريو، وأضاف دوجاريك: “كان الأفضل لو تلقينا كلمات اوضح من رئيس مجلس الأمن لكنه لم يسهب في التفاصيل”.
وناقش مجلس الأمن الأزمة أمس الأول الخميس، وتصاعد الخلاف بين الأمم المتحدة والمغرب في اجتماع مغلق بعد ساعات من قرار الرباط بخفض كبير في عدد موظفي بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية المعروف اختصارًا “بالمينورسو”.
وعقب المناقشات قال إسماعيل أبروا غاسبار رئيس مجلس الأمن الدولي للدورة الحالية ومندوب أنغولا الدائم لدى الأمم المتحدة إن “أعضاء المجلس يشعرون بالقلق العميق إزاء ملف مينورسو، وإنهم اتفقوا على أن ينخرطوا (15 دولة) وبشكل ثنائي مع المغرب، لإعطاء دفعة إيجابية للملف نحو الأمام”.
وأوضح في تصريحات للصحفيين عقب جلسة مشاورات مغلقة عقدها مجلس الأمن واستمرت أكثر من ثلاث ساعات أول أمس الخميس، أن هناك “حاجة إلى مزيد من العمل الدبلوماسي مع المغرب لمواجهة جميع المشاكل”.
وذكر ديبلوماسيون أن الدول الأعضاء في المجلس، التي عارضت خروج بيان مؤيد لـ “بان” وأيدت أن تتعامل الدول مع القضية بشكل ثنائي، شملت فرنسا وإسبانيا ومصر والسنغال.
وقرر المغرب تقليص حجم الموظفين المدنيين العاملين في إطار بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية (مينورسو)، بالإضافة إلى سحب مساهمته المالية التطوعية للبعثة الأممية، وذلك ردًا على تصريحات للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشأن قضية الصحراء.
وذكر بيان للخارجية المغربية أن الوزير صلاح الدين مزوار، سلم رسالة إلى بان كي مون تضمنت احتجاج المغرب على تصريحاته خلال زيارته الأخيرة للجزائر، ولمخيمات اللاجئين الصحراويين بولاية تندوف، جنوب غربي الجزائر، حيث وصف الأقاليم الصحراوية بأنها “محتلة”.
وذكر بيان الخارجية أيضًا أن المملكة “قررت اتخاذ تدابير فورية (…) عقب التصريحات غير المقبولة والتصرفات المرفوضة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة”، وفق نص البيان.
وتتمثل هذه التدابير وفق البيان في “إجراء تقليص ملموس خلال الأيام المقبلة لجزء كبير من المكون المدني وخاصة الشق السياسي من بعثة المينورسو، وإلغاء المساهمة الإدارية التي تقدمها المملكة لسير عمل البعثة الأممية”.
وكشف بيان وزارة الخارجية المغربية أن الرباط “تبحث صيغ سحب التجريدات (تشكيلات عسكرية) المغربية المنخرطة في عمليات حفظ السلم”، كما لوّح البيان بأن “المملكة المغربية تحتفظ بحقها المشروع في اللجوء إلى تدابير أخرى قد تضطر إلى اتخاذها، للدفاع، في احترام تام لميثاق الأمم المتحدة، عن مصالحها العليا وسيادتها ووحدتها الترابية”.
ويساهم المغرب بما يصل إلى ثلاثة ملايين دولار في نفقات إقامة موظفي بعثة المينورسو، كما يساهم بحوالي 2300 جندي في قوات حفظ السلام، وتأتي التطورات الأخيرة بعد استخدام بان كي مون أثناء زيارته لمخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف في الجزائر، كلمة “احتلال” في إشارته للمغرب، وهو ما اعتبره هذا الأخير “انحيازًا وإساءة بالغة”.
وأوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن القرار المغربي يتعلق بـ 84 عضوًا مدنيًا دوليًا في بعثة مينورسو (81 عضوًا تابعًا للأمم المتحدة و3 للاتحاد الأفريقي)، وأكد أن هذا الإجراء “سيشكل تحديًا لوجستيًا ويجعل مهمة البعثة شبه مستحيلة”، مما يضطر الأمم المتحدة لدراسة خطط عاجلة.
واتهم دوجاريك المغرب بالقيام بـ “عمل أحادي الجانب مما يتنافى بشكل فاضح مع التزاماته الدولية”، وقال “ما نشهده أمر غير مسبوق”.
ووفقًا لما ذكرته إدارة قوات حفظ السلام، هناك 85 موظفًا دوليًا في بعثة الأمم المتحدة، وأمر المغرب 81 منهم بالمغادرة، إلى جانب ثلاثة من مراقبي الاتحاد الأفريقي.
ولم يكن المبعوث الخاص للأمم المتحدة كيم بولدوك الكندي، الذي يقود البعثة وكبار المسؤولين الآخرين في القائمة التي طلب منها المغادرة، وفقًا لما ذكرته الإدارة.
من جهته اعتبر ممثل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) في الأمم المتحدة أحمد بخاري أن على مجلس الأمن أن يدعم بان كي مون ويواصل العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، ملوحًا باستئناف القتال إذا لم يتم ذلك.
وقال بخاري للصحفيين إن المغرب يبذل جهودًا حثيثة من أجل “وضع حد لبعثة مينورسو”، مما سيولد فراغًا وسيشكل “أقصر طريق نحو استئناف الحرب”.
وسيطر المغرب على معظم مناطق الصحراء الغربية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 بعد انتهاء الاحتلال الإسباني، مما أدى لاندلاع نزاع مسلح مع جبهة البوليساريو استمر حتى العام 1991.
وتنشر الأمم المتحدة هناك بعثة مينورسو منذ العام للسهر على تطبيق وقف إطلاق النار في المنطقة التي تقترح لها الحكومة المغربية حكمًا ذاتيًا واسعًا تحت سيادتها، في وقت تطالب البوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
وخلال زيارته السبت الماضي لمخيم للاجئين الصحراويين قرب تندوف بالجزائر، قال بان كي مون إنه يتفهم “غضب الشعب الصحراوي تجاه استمرار حالة احتلال أراضيه”، بحسب ما نقلته عنه وسائل إعلام محلية.
اتهم رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون “بتشجيع الكيانات الوهمية”، في إشارة إلى الصحراء الغربية، وقال بنكيران الذي كان يتحدث السبت في جلسة استثنائية دعا إليها أعضاء غرفتي البرلمان، إن “الأجدر بالسيد الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدر مخاطر الإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة، عوض تشجيع الكيانات الوهمية ومنطق التجزئة الذي لا يمكن أن يؤدي إلا لمزيد من عدم الاستقرار”.
وأكد أن زيارة المسؤول الأممي وتصريحاته ستدفعان بلاده إلى “اتخاذ ما تمليه عليه مصالحه الاستراتيجية، وفي مقدمتها الوحدة الوطنية والترابية”، معتبرًا أن “الزيارة وما تخللها من تصريحات وتعبيرات، مست بحقوق المغرب وبمشاعر المغاربة، وبصورة ومصداقية الأمم المتحدة ذاتها”.
واعتبر بنكيران أن استعمال الأمين العام كلمة “الاحتلال” يعد “سابقة في قاموس الأمم المتحدة في تناولها لملف الصحراء المغربية، إذ لا تستند إلى أي أساس سياسي أو قانوني، ويعتبر استحضارها في هذه الحالة مخالفًا للقانون الدولي وللأعراف المعمول بها”.
ورفض الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس اتهامات الرباط له بعدم التزام الحياد بشأن الصحراء الغربية في زيارته الأخيرة للمنطقة، وأكد أن إحياء المفاوضات بين الحكومة المغربية وجبهة البوليساريو لا يزال هدفًا ذا أولوية بالنسبة إليه.
وقال فرحان حق المتحدث باسم بان كي مون إن “الأمين العام يعتبر أنه والأمم المتحدة شريكان حياديان، وفعل كل ما بوسعه من أجل حل الوضع في الصحراء الغربية”، مضيفًا أن الأمين العام “أراد أن يضمن أن هذه الإشكالية موضوعة فعلاً على الأجندة الدولية في السنة الأخيرة من ولايته”.
وشهدت العاصمة المغربية الرباط يوم الأحد تظاهرة حاشدة للاحتجاج على هذه التصريحات، وقالت وكالة المغرب العربي للأنباء إن ثلاثة ملايين شخص شاركوا في مسيرة الأحد، وقال بعض المحتجين إنهم نقلوا في حافلات مجانًا إلى المسيرة، وإن قطارات قامت برحلات مجانية أيضًا في اليوم نفسه.
ويعد هذا الإجراء أول الخطوات المغربية في اتجاه تفعيل حزمة من القرارات أعلن عنها أول أمس الثلاثاء، ففضلًا عن إجراء تقليص في بعثة المينورسو، سيلغي المغرب المساهمة الإرادية التي يقدمها لسير عمل المينورسو، كما أكد أنه يبحث سحب مساهماته في عمليات حفظ السلام، أي وحداته التي تعمل ضمن قوات الأمم المتحدة التي تحفظ السلام في مناطق النزاعات.
ولم يدع مجلس الأمن المغرب إلى العودة عن قراره، ولم يعرب عن دعمه بان كي مون، وقال المتحدث باسم الأمين العام إن بان سيطرح التوتر القائم في اجتماع غداء مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن سيعقد الإثنين المقبل، ويعد الخلاف بسبب تصريحات بان هو الأسوأ من نوعه بين المغرب والأمم المتحدة منذ عام 1991 عندما توسطت المنظمة الدولية من أجل إبرام وقف لإطلاق النار لإنهاء الحرب في الصحراء الغربية وتشكيل البعثة الدولية هناك.
ويعتبر المغرب الصحراء الغربية الشاسعة والغنية بالمعادن من “أقاليمه الجنوبية”، وعرض حكمًا ذاتيًا موسعًا للمنطقة، ولكن جبهة البوليساريو تصر على تقرير المصير من خلال استفتاء للسكان المحليين، ولم يحدث ذلك بسبب الخلافات حول قوائم الناخبين.