لم تَعد الإتهامات التي يُلقيها رجالات السلطة والمليشيات الشيعية على القاعدة أو داعش مُحفزآ للمجتمع الشيعي للوقوف مع هذا الطرف أو ذاك ؛ فالنضج والوعي في المجتمع العراقي بسنتهِ وشيعتهِ بلغ مستوى يَصعب أستغباءه! بمثل هذه الترهات ولم يُشكل حافزآ للصراع والإستقطاب الأهلي كما حصل في العام 2006م ؛ فالمليشيات لم تَعد تُمثل الشيعة كطائفة وداعش لا تُمثل السنة كطائفة فهم مجرد مافيات تتصارع فيما بينها على أدوار تتعلق معظمها بالسلطة والمال والنفوذ بأسم السنة وبأسم الشيعية.
لا شك أن هناك سني متطرف ينفذ هجمات على الشيعة والسنة ، وهناك شيعي متطرف ينفذ هجمات أخرى في أماكن أخرى على السنة والشيعة أيضآ لكن علينا أن لا نغفل الصراع السني – السني والصراع الشيعي – الشيعي ، فالسني – السني بين (داعش والمتعطفين معها – العرب السنة الرافضة لداعش) أما الشيعي – الشيعي يُمثله ( المليشيات الموالية لإيران وتنفذ مشروعها – والقوى والمليشيات المتنصلة من المشروع الإيراني ).
فكما أن هناك صراعآ سنيآ – سنيآ أو هكذا يُعتبرحاليآ ومن حيث النظرية ، هناك صراعآ شيعيآ – شيعيآ قد بدأ ولا يقل فتكآ عن الصراع مع داعش فالمليشيات الشيعية قوة تهدد قوة الدولة وسلطتها وهي خطر لا يقل عن خطر داعش على الدولة بدأ يبرز بتراجع قوة وسيطرة داعش على المناطق المحيطة ببغداد، لكنها تتوحد في الأزمات الكبرى كتحرير الفلوجة وتعود إلى صراعاتها الهوجاء حال إنتهاء عدوها الذي يوحدها وتُجيش وتستقطب وتُعسكر المجتمع من أجل هزيمته منذ عام 2005م وإلى اليوم وهي تحارب نفس الفكر ونفس التطرف بنفس الأسلوب ونفس التطرف والوحشية وبزي وثوب الدولة ؛ والذي أدى إلى ولادة جماعات متطرفة أخرى وبتشكيلات جديدة منقسمة أو خارجة من الجماعات المتطرفة الأم.
أن تفجير الكرادة مقدمة لحرب مجنونة شيعية – شيعية وفي بغداد تحديدآ بين تلك القوى والمليشيات التي أصبح عددها لا يتناسب مع الحاجة إليها! إذا أفترضنا أن هناك حاجة إليها أساسآ وأصبح عددها لا يتناسب مع أدوارها ، فكلهم روؤس ويعتبرون أنفسهم قادة والعراق بحاجة إليهم! في مُحاربته للإرهاب الذي صنعوه ويمارسون ذلك بعقلية أستبدادية تتعامل مع الآخرين بطريقة صفرية إذا تهددت مكانة ودور إحداها ، هذا وأن تنظيم الدولة لا يزال قابع في مدينة الموصل ينتظر المواجهة فما بالكم إذا ما تم القضاء عليه كيف ستكون المواجهة؟.
أن التنافس الشيعي – الشيعي والسيطرة على المدن والحواضن الشيعية سيصبح الشغل الشاغل لهذه المليشيات والقوى السياسية والدينية لإستقطابها وأستعراض العضلات فيها، فكتعبيرعن ذلك قام قيس الخزعلي وهادي العامري قادة المليشيات بزيارة موقع التفجير نفسه الذي زاره العبادي ومن دون رشق بالحجارة والأحذية برسالة واضحة على أن من يملك السلطة الحقيقية على الأرض هي المليشيات ومن موقع خارج موقع سلطة الدولة وممثلها الرسمي. أن المشروع الإيراني يعمل ويستمر بالعمل مع ضياع الدولة وتغييب القانون والدستور وأي مُحاولة لعودة الدولة تُعد مُحاولة لوأد المشروع الإيراني ليس في العراق فحسب وأنما في اليمن وسوريا ولبنان ، فالصراع سيكون بين القوى التي تسعى لعودة الدولة وتتحالف مع القوى السنية والكردية الراغبة في ذلك ، وبين القوى والمليشيات التي تسعى لتضييع الدولة وهو يُنسق ويعمل مع القوى الرافضة لعودتها ومن كل الطوائف والمليشيات والقوى كتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وهذا ما أثبتتهُ الوقائع والأحداث كتفجير الكرادة الأخير.
لقد أصبح العراق كسلة مليئة بالعقارب تتصارع فيما بينها لتبقى في النهاية العقارب الأقوى والتي أضعفتها وأنهكتها الحرب من دون أن تموت لتستسلم لعودة الدولة أو العمل معها بصفقة ؛ بعد سنوات من التجارة بالنفط والآثار والمخدرات والدين وبمستقبل العراق ومستقبل أبناءه.