لا زلنا نتكلم في الصيرفة الإسلامية، نقلب في مزاياها وفروقها من حيث الشكل والمضمون عن البنك التقليدي، وقد فصلنا في المقال الماضي التورق والاستصناع والمزارعة والإجارة وهي عقود يستخدمها البنك الإسلامي لتوظيف الأموال بغرض الحصول على عوائد مالية جراء استثمارات في النشاطات الاقتصادية الحقيقية على عكس البنك التقليدي الذي يعمل على تقديم القروض النقدية بفائدة محددة مسبقًا، وفي هذا المقال سنتكلم عن دور الزكاة في الصيرفة الإسلامية من حيث أبعادها وفوائدها.
صناديق الزكاة
تعد صناديق الزكاة سمة أساسية من سمات النظام المصرفي الإسلامي وتنشئها البنوك الإسلامية لتزاول من خلالها أداء خدمات الرعاية الاجتماعية للأفراد في المجتمع الذي تعمل به، بحيث تستهدف رعاية المستحقين للزكاة وتقديم العون لهم، وتتضمن القوائم المالية والحسابات الختامية للبنوك الإسلامية حسابات مستقلة لصناديق الزكاة تشمل في جانب الموارد كزكوات المساهمين وكافة المتعاملين معها وخاصة أصحاب الودائع فضلًا عن الأفراد والهيئات في المجتمع الذين يرغبون في تفويض البنوك الإسلامية في صرف زكواتهم وتشمل في جانب المصرف “الإنفاق الموجه”.
والمعلوم أن صناديق الزكاة في البنوك الإسلامية تمثل إدارات مستقلة وأجهزة متكاملة لها مواردها البشرية والمالية الخاصة وتمتلك من الإمكانيات الفنية والأساليب الحديثة ما يجعلها بمثابة مؤسسات اقتصادية لها ثقلها، وعمل بعضها على التوسع في العمل ليطور من أنشطته عن طريق إنشاء مراكز تدريب مهنية وعلمية.
الزكاة لها دور اقتصادي واجتماعي من خلال التأثير على الحد من الركود الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدل الاجتماعي وتخفيف حدة الفقر، ولها أثر واضح في توزيع الدخل والثروة.
إلا أن أيًا من الدول الإسلامية والعربية لا تمتلك تجربة فريدة يمكن القياس عليها فيما يخص تطبيق الزكاة بالنظر بالتجربة والتحقيق في البيانات لمعرفة إذا ما حققت الفوائد المرجوة منها اجتماعيًا واقتصاديًا، ومن بين الدول التي تولي أهمية كبيرة للزكاة السودان، حيث يتواجد فيه مؤسسة لها استقلاليتها وشخصيتها الاعتبارية تعرف بـ “ديوان الزكاة”.
الإسلام حرص بشكل كبير على استقلال ميزانية الزكاة بغرض حماية مستحقيها، وارتبط تشريعها بتحقيق العدل الاجتماعي من خلال الصرف على الفقراء والمساكين ومدهم بالنقود والأدوات الإنتاجية والعلاج ضد الأمراض كما تصرف على الغارمين وابن السبيل والعاملين عليها كما ورد بنص القرآن الكريم.
ويتمثل دور الزكاة في علاج مشكلة الفقر من خلال مساهمتها في تحويل الفقراء القادرين على العمل إلى منتجين، كما أنها تزيد من القوة الشرائية للنقود بنقلها إلى الفقراء الذين ينفقونها على الضروريات والحاجيات الأساسية بدلًا من أن ينفقها الأغنياء على الكماليات، بالإضافة إلى توجيهها لتحقيق التشغيل داخل البيوت الفقيرة من خلال تمويل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر مما يساهم في علاج مشكلة الفقر.
أما من ناحية توزيع الدخل والثروة، فإن الزكاة هي المورد المالي والتشريع المالي الأول الذي يواجه به الإسلام اختلال التوزيع في الدخول بين الأفراد في المجتمع، إذ عمل على تضييق الفجوة بين الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة، علمًا أنها ليست الأداة الوحيدة التي تسهم في إعادة توزيع الثروة، فتوجد وسائل عديدة منها الميراث والفيء الصدقات والأوقاف والكفارات والأضاحي وزكاة الفطر، وهذه الوسائل تؤدي دورها في إعادة توزيع الثروة والدخل بدرجات متفاوتة.
كما أن للزكاة أثر على الاستهلاك والادخار والاستثمار وهي متغيرات تؤثر على حركة الموارد الاقتصادية بين الاستخدامات المختلفة، حيث تعد الزكاة مدفوعات تحويلية من الأغنياء للفقراء، والمعلوم أن الفقراء ذوو ميل حدي عالٍ للاستهلاك وخصوصًا على السلع والخدمات الأساسية في المجتمع، لذا فالزكاة تعمل على زيادة الطلب الاستهلاكي لأنها تؤخذ من الفئات ذات الميل الحدي للاستهلاك وهم الأغنياء عادة، وتعطى للفقراء ذات الميل الحدي العالي للاستهلاك، وهذه الزيادة في الاستهلاك تؤثر على حجم الموارد المتجهة نحو الاستهلاك.
أما أثر الزكاة على الاستثمار فهي تحث أصحاب رؤوس الأموال على استثمارها بدلاً من اكتنازها ليكون إخراج الزكاة من العائد على رأس المال، عوضًا عن دفعها من رأس المال ما يؤدي إلى تناقصه سنة بعد أخرى.
والمعلوم أن إحدى أبرز وظائف المال هي استثماره في النشاط الإنتاجي، فالاكتناز يؤدي إلى جمود رأس المال مما ينجم عنه توقف الإنتاج، وبالتالي انخفاض مستوى الدخل والدخول في الركود الاقتصادي.
وفي النهاية الزكاة تلعب دورًا أساسيًا في التكافل بين أفراد المجتمع والتخفيف من حدة الفقر، تلك الآفة الاجتماعية الخطيرة التي تنتج عن أسباب اقتصادية واجتماعية وطبيعية، ومكافحة تلك الآفة تقع على عاتق الجميع أفرادًا ومجتمعات ومؤسسات، فالزكاة تعتبر مصدرًا دائمًا ومتجددًا لإخراج هؤلاء من دائرة الفقر.