ترجمة حفصة جودة
في الأيام القليلة الماضية، كان الإعلام الإسرائيلي يرفرف فرحًا بسبب التقارير التي تقول بأن بلادهم تلقت تميزًا غير مسبوق من منظمة الصحة العالمية (ذراع الصحة العامة للأمم المتحدة)، وعلى ما يبدو فهذا يؤكد مكانة إسرائيل كنجم بين الأمم.
وفي 13 من نوفمبر، نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الخبر تحت عنوان “الأمم المتحدة تصنف الفريق الطبي لحالات الطوارئ في الجيش الإسرائلي رقم 1 عالميًا”، بينما ذكر موقع صحيفة يدعوت أحرنوت الخبر تحت عنوان “منظمة الصحة العالمية: المستشفى الميداني الإسرائيلي الأفضل في العالم”، بينما اختارت وكالة “Jewish Telegraphic” عنوانًا يقول “مسعفو الجيش الإسرائيلي، الأفضل في الإغاثة من الكوارث عالميًا”، وأعلن موقع القناة التليفزيونية الإسرائيلية “i24news” أن “المستشفى الميداني الإسرائيلي تم تصنيفه الأفضل عالميًا حسب منظمة الصحة العالمية”.
وللحد من تلك الضجة، إليكم جوهر القصة، في عام 2013 وضعت منظمة الصحة العالمية نظامًا لتصنيف الفرق الطبية الأجنبية بشأن استجابتها للكوارث المفاجئة مثل الزلازل، وذلك لضمان التأهب وجودة الخدمات، وتسهيل نشر تنظيم أفضل للأفراد والمعدات وفقًا للوضع الحاليّ.
وفقًا للنظام الجديد، تنقسم الفرق الطبية لثلاث فئات: فئة 1، فئة 2، فئة 3، وتشير الفئة 3 إلى وجود قدرات شاملة وواسعة، والآن مع التزام الفرق العالمية بعملية التأهيل، كان فريق الطوارئ في الجيش الإسرائيلي هو الأول في تحقيق الفئة 3.
وبسبب الفضول بشأن تلك الفجوة الواسعة بين الواقع وضجة وسائل الإعلام الإسرائيلية، لذا أرسلت بريدًا إلكترونيًا لمسؤولي العلاقات الإعلامية في منظمة الصحة العالمية بجنيف، وكان ردهم كالتالي “لم تقم منظمة الصحة العالمية بتصنيف أي فرق طبية واعتبارها الأولى أو الثانية عالميًا، لكن بالنسبة للفئة 3 في تصنيف الفرق الطبية، كان الفريق الطبي الإسرائيلي أول فريق يتم تصنيفه في تلك الفئة، وقد يتم تصنيف فرق طوارئ طبية أخرى في نفس الفئة”.
في الواقع لاحظت منظمة الصحة العالمية أنه “في تلك اللحظة، يحاول 75 فريقًا طبيًا من 32 دولة العمل لتحقيق الحد الأدنى من المعايير المطلوبة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 200 فريق على الأقل”.
وكما اتضح، فيبدو أن مصدر تلك الإشاعة لم يكن سوى الجيش الإسرائيلي، حسب تغطية العديد من الصحف ومن بينها جيروزاليم بوست، التي نشرت خبرًا مفاده “صنفت الأمم المتحدة فريق الطوارئ الطبي الإسرائيلي رقم 1 في العالم، وأول مستشفى ميداني في الفئة 3، حسب ما أعلنه الجيش الإسرائيلي يوم الأحد”.
إسرائيل بلا أصدقاء
في الوقت نفسه، أثارت العديد من المقالات وجهة نظر، تقول إن سبب نفي منظمة الصحة العالمية لتلك الأخبار الكبيرة، هو أن الأمم المتحدة ليست صديقة لإسرائيل، هذا التصور الذي تعتقده الأسطورة الصهيونية بأن إسرائيل يتم اضطهادها على أيدي منظمة حكومية دولية قاسية.
وتتعجب “نيويورك بوست” من الخبر الجيد غير المتوقع لخروح إسرائيل من الأمم المتحدة، لكن الأمم المتحدة لم تقصد أبدًا تقديم أخبار سيئة لإسرائيل، والتي ما زالت حرفيًا تهرب بجرائم القتل، فيما يتعلق بالمدنيين الفلسطينيين واللبنانيين الذين لجأوا للأمم المتحدة، بالإضافة إلى موظفي الأمم المتحدة أنفسهم.
من وجهة نظر موضوعية، فحقيقة أن الجيش الإسرائيلي قتل عشرات الآلاف من الناس في العقود الأخيرة، ناهيك عن قصف المستشفيات والأماكن الطبية الأخرى مرارًا وتكرارا، تمنع حصول إسرائيل على أي نوع من أنواع التكريم في مجال الرعاية الصحية بشكل قاطع.
يستشهد مقال “Times of Israel” بتصريح الدكتور إيان نورتون من منظمة الصحة العالمية، بضرورة تشجيع الفرق الطبية التي تتعامل بشكل أخلاقي في هذا المجال، لذا فإنه ليس أخلاقيًا تمامًا، قيام إسرائيل بمساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية في هاييتي ونيبال وغيرهم، ثم تتسبب في كوارث غير طبيعية عمدًا في مناطق أخرى.
صناع الكوارث
عن طريق الصدفة، كان مؤلف مقال “Times of Israel” قد تساءل في مقال سابق له في شهر أكتوبر، عن احتمالية تحديد منظمة الصحة العالمية للفريق الذي حقق الفئة 3 قريبًا، وقت تم تسليط الضوء في هذا العنوان دون قصد على جملة “أساتذة الكوارث”.
من بين الكوارث الحديثة التي قامت بها إسرائيل، عملية وقائية قتلت فيها 2251 فلسطينيًا في غزة، على مدى 50 يومًا عام 2014، ووفقا للأم المتحدة فهذا الرقم يتضمن 299 امرأةً و551 طفل.
والأكثر من ذلك، حملات القصف المدمرة، كما تقوم الذخيرة الإسرائيلية بالعديد من المناورات على نطاق ضيق، لكنها شديدة الخطورة على صحة السكان، وهناك مثال من الكثير، حيث يتم اعتقال النساء الفلسطينيات الحوامل عند حواجز التفتيش العسكرية الإسرائيلية، والذي لا يمكن أن نقبله كاستجابة أخلاقية لحالات طوارئ، خاصة عندما يتم قتل الأم والطفل، فقد سبق وأطلقوا النار على إحدى الفلسطينيات الحوامل عند نقطة تفتيش، وفي النهاية فالموت ليس جيدًا لصحة الفرد.
هناك أيضًا التشويه الذي تسببت فيه القنابل العنقودية، وتسببها في “اضطرابات ما بعد الصدمة” مزمنة في قطاع غزة، وهناك من تم قتله بالجرافات لوقوفه أمام هدم المنازل الفلسطينية.
قائمة الجرائم الإسرائيلية ما زالت مستمرة، لذا فلا فائدة من تبييض صورة إسرائيل كمستجيب للطوارئ بدلاً من كونها السبب في حالات الطوارئ، وبينما ينبغي أن نكون أكثر صرامة بشأن تبرئتها من التطهير العرقي، فيبدو أن هذ الأمر ليس طارئًا في حد ذاته.
المصدر: ميدل إيست آي