ترجمة وتحرير نون بوست
غالبًا ما يقارن الكويتيون بلادهم بأقطار دول الخليج الأخرى ولعل هذا ما يزرع في أنفسهم الشعور بالنقص، على الرغم من أن الكويت تحتل المرتبة الثانية على المستوى العربي في نسبة نصيب الفرد من الناتج الداخلي الخام (والمرتبة الرابعة عالميًا) نتيجة لامتلاكها مخزون هائل من احتياطي النفط مقارنة بقلة عدد سكانها، لكن عندما يتعلق الأمر بالحركية الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية، فإن الكويت تراجعت لتُفسح المجال أمام كل من قطر والإمارات العربية المتحدة، وفي الوقت الراهن، فإن المملكة العربية السعودية تبدو منفتحة اقتصاديًا مقارنة بنظيرتها الكويتية.
لكن رغم الفوارق الاقتصادية، فإن الكويت تتميز عن دول التعاون الخليجي بريادتها في مجال الديمقراطية، تحد عائلة آل الصباح المالكة من حرية التعبير من خلال تعيين أهم القيادات في الحكومة بما في ذلك رئيس الوزراء (الذي ينتقي فيما بعد بقية أعضاء الحكومة)، كما أن هذا لا ينفي أن مجلس الأمة، المكون من خمسين عضوًا منتخبًا من قبل الشعب (بما في ذلك النساء)، يلعب دورًا محوريًا في السياسة الكويتية، ففي الواقع، تمكن الناخبون، في الانتخابات التي أجريت في 26 من تشرين الثاني/ نوفمبر، من إزاحة نصف المرشحين المقترحين ليمنحوا أصواتهم إلى أولئك الذين وعدوا بالتصدي لإجراءات التقشف التي تسعى الحكومة إلى العمل بها في المدة الأخيرة.
وأشار الشيخ صباح أحمد الصباح أن “التحديات الأمنية” التي تواجهها البلاد هي السبب الرئيسي الذي يقف وراء الدعوة إلى انتخابات مبكرة، وأن جل ما يركز عليه الشعب في الآونة الأخيرة هو القرارات التي اتُّخذت بشأن الرفع في أسعار المحروقات وبقية السلع المدعمة.
ووفقًا لما أدلى به الوزراء الكويتيون، فإن اقتصاد البلاد في حاجة ماسة إلى تغطية العجز الذي وصل إلى حدود 15 مليار دولار في السنة الماضية، جراء انخفاض أسعار النفط، الذي يوفر 90% من إيرادات الحكومة، وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية، يعتقد الكويتيون أن الوضع ينذر بإمكانية تواصل التقشف وتهديد مقومات دولة الرفاه وهذا ما لن يسمح به أي عضو من أعضاء مجلس الأمة المنتخبين حديثًا.
إن الموالين للحكومة يدّعون أن مجلس الأمة يقف عقبة في طريق تطور الكويت بنسق متسارع كالذي تتبعه بقية دول الخليج، حيث تشرع العائلات الحاكمة في تنفيذ مخططاتها التنموية دون انتظار موافقة أحد، وفي حين أن مجلس الأمة الكويتي يعرقل سير المشاريع التنموية الكبرى، فإن الناخبين لا يكترثون إلا بشأن الحفاظ على فرصهم في الوظيفة العمومية والتمتع بخدمات عمومية غير مكلفة.
لكن من الخطأ أن يلقى بمسؤولية الركود الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد على عاتق المجلس، لأنه بكل بساطة لم يضطلع في الثلاث سنوات والنصف الأخيرة إلا بدور إبرام المناقصات في الصفقات العمومية.
كما أن التحوير والتنقيح الدستوري الذي طرأ على القانون الانتخابي سنة 2012، أدى إلى مقاطعة الأحزاب المعارضة لدورتين انتخابيتين (لكن الأمر ليس سيان بالنسبة للانتخابات الأخيرة)، في تلك الفترة، أحرزت الحكومة تقدمًا كبيرًا في مشاريع بناء المنازل والمستشفيات الجديدة لكنها لم تتحلّ برؤية استشرافية للاقتصاد لتحذو حذو بلدان التعاون الخليجي.
إن جل ما يثير استياء الشعب الكويتي، هي المقارنة التي تقام بينها ودبي باعتبار أنها كانت في فترة ما رائدة، والجدير بالذكر أن الكويت تُعدّ أول دولة في العالم لها الأسبقية في تأسيس صندوق الثروة السيادية سنة 1953، وكانت لها الريادة في مجال الرعاية الصحية.
كما كانت الكويت من أوائل المؤسسين لأولى شركات الطيران في المنطقة لكن التراجع الذي شهدته الخطوط الجوية الكويتية لم يكن في الحسبان، ويعود السبب في ذلك إلى قدم أسطولها وتراكم الديون المتخلّدة بذمتها جراء الخسائر المالية التي تكبدتها نظرًا لأن الشركات القطرية والإماراتية توفر خدمات أفضل وخطوطًا أكثر منها.
ولئن طرح السياسيون مقترح خصخصة هذه الشركة لانتشالها من الأزمة، فإن البرلمان يظل مترددًا إزاء الإقدام على هذه الخطوة التي يمكن أن تضع مستقبل أكبر مشغل في البلاد على المحك.
ويقول معظم الكويتيين الذين يعارضون سياسة السياحة في دبي: “لنترك دبي في حال سبيلها، تسمح لمرتادي الشواطئ بلبس “البيكيني” وللسياح بشرب الكوكتيل”، لكن على الرغم من احترازهم في التعامل مع هذه المسألة، إلا أن الكويتيين يحسدون دبي على نسق الحركية الاقتصادية والسياسات الناجعة التي تحظى بها.
وبينما تحتل الإمارات العربية المتحدة (التي تعتبر دبي جزءًا منها) المرتبة الـ26 في الترتيب العالمي ضمن مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، تحتل الكويت المرتبة 102، ويعود هذا الازدهار الذي تشهده دبي إلى تشجيع آل مكتوم على التنمية من خلال بعث مجموعة من الشركات تعرف “بباقة شركات دبي”.
أما في الكويت، ووفقًا لما صرح به مايكل هيرب من جامعة جورجيا، فإن الحكومة تملك جل الأراضي وتعيق عملية استصلاحها من قبل القطاع الخاص و”لا وجود لما يسمى بباقة الشركات الكويتية”.
إن إخفاقات الحكومة ألقت بأوزارها على قطاع الخدمات العمومية فأُهملت المدارس والمستشفيات الحكومية، كما أن تسعيرة الكهرباء المنخفضة مع المناخ الصحراوي تجعل المواطن الكويتي من أكبر المستهلكين للطاقة الكهربائية في العالم، لكن الحكومة، التي تُعتبر المزود الرئيسي للكهرباء، لم تستثمر في البنية التحتية، فضلاً عن ذلك، فإن الحكومة لا تبذل جهدًا كافيًا في زيادة استقطاب المستثمرين ناهيك عن استفحال الفساد في هياكل الدول، وقد أدى انقطاع الكهرباء سنة 2014 إلى إيقاف عمل ثلاث مصافي نفط في الكويت، ممّا أدّى إلى تعطيل إنتاج الوقود لمدة أسبوع كامل.
لعل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد قد دفع بالكويتيين إلى الاستجابة لدعوة الحكومة إلى التقشف من خلال مطالبتها بإرساء النظام داخل مؤسساتها، لكن بعيدًا عن الصوت المعارض في الحكومة، يظل أولئك الذين يملكون نظرة استشرافية للبلاد شبه مفقودين، ومن المرجح أنه في ظل هذه الأوضاع ستكون هناك مزيد من الانتخابات والخيبات، خاصة بعدما أجريت أربعة انتخابات فقط خلال السنوات الخمسة الماضية!
المصدر: الإيكونوميست