تعيش العلاقات المغربية الموريتانية، فترة حرجة عنوانها الجفاء والاستفزاز المتبادل، خاصة بعد التوتر الذي تعيشه المناطق الحدودية بين البلدين، واتهام المغرب لجارته الجنوبية بخروجها عن حيادها في صراع المملكة مع جبهة البوليساريو وتتالي الخطوات الاستفزازية الموريتانية في منطقتي الكويرة والكركرات الحدوديتين.
مركز تفتيش أمني موريتاني جديد يؤجج الأزمة
ذكرت تقارير إعلامية، عزم موريتانيا، إقامة مركز تفتيش أمني جديد عند البوابة الحدودية الموريتانية التي تربطها بالمنطقة المتوترة “الكركرات“ على حدودها مع المغرب، إضافة إلى مراكز الدرك الوطني والشرطة والجمارك، وأكّدت التقارير، صدور أوامر إلى جهاز أمن الطرق بوضع نقطة تفتيش أمنية جديدة عند معبر “PK55” الحدودي البري المحاذي للمغرب.
قرار إقامة جهاز التفتيش الأمني الموريتاني، يأتي في ظل تشنج العلاقات المغربية الموريتانية، وسمحت موريتانيا، بداية الشهر الحالي، لزعيم ومقاتلي جبهة البوليساريو بعبور منطقة الكويرة، وأوردت مواقع تابعة لجبهة البوليساريو، في الرابع من ديسمبر الحاليّ، صورة يظهر فيها زعيم الجبهة إبراهيم غالي بالقرب من شواطئ المحيط الأطلسي، وتوضح الصورة وجود إبراهيم غالي بزي عسكري رفقة ثلاثة عناصر عسكرية تابعة للجبهة، وقالت مصادر تابعة لجبهة البوليساريو، إنها نشرت نحو 300 فرد من عناصرها بالمنطقة، ويتّهم المغرب، جارته موريتانيا بالخروج عن حيادها المفترض.
تشهد الحدود بين المغرب وجارته الجنوبية حالة من الاستنفار، بعد التحركات العسكرية بالمنطقة الحدودية “الكاركارت” الفاصلة بين الدولتين
تقع بلدة الكويرة، أقصى جنوب الصحراء، على شاطئ بحر الظلمات بطول 40 ميلاً، على بعد سبعة أميال من مدينة نواذيبو الموريتانية شرقًا، ويحدّها من الغرب والجنوب المحيط الأطلسي ومن الشمال وادي الذهب، عدم بسط المغرب لسلطته وإدارته الفعلية على المنطقة العازلة وعلى بلدة الكويرة الحدودية، أدى إلى سعي جبهة البوليساريو لوضع المنطقة تحت نفوذها، ويعتبر المغرب بلدة الكويرة جزءًا من ترابه الوطني رغم وقوعها تحت سيطرة الجيش الموريتاني.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
تقارير استخباراتية، كشفت مؤخرًا، أن الجنود المغاربة ومقاتلي البوليساريو يتمركزون في مواقع قريبة من بعضها البعض في الشريط الفاصل، في الخط الذي يحد المغرب والحدود الموريتانية، وتشهد الحدود بين المغرب وجارته الجنوبية حالة من الاستنفار، بعد التحركات العسكرية بالمنطقة الحدودية “الكاركارت” الفاصلة بين الدولتين، وشهدت هذه المنطقة في أغسطس الماضي، عملية تطهير كبيرة قادها المغرب ضدّ المهربين وتجار المخدرات، بهدفوضع حد لأنشطة التهريب والتجارة غير المشروعة، وهو ما اعتبرته جبهة البوليساريو خرقًا لاتفاقية وقف إطلاق النار الذي وقع سنة 1991.
من جانب آخر يخشى المغرب من سيطرة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم داعش على منطقة الكركرات الحدودية، نتيجة التساهل الموريتاني، حسب وصف خبراء مغربيين، ويطلق السكان المحليون للمنطقة عليها تسمية “قندهار” في إشارة إلى نشاط التهريب في الجنوب الأفغاني، وتتسم منطقة كركرات (قندهار)، الفاصلة بين الحدود الشمالية لموريتانيا والحدود الجنوبية للمغرب، بغياب حكم القانون فيها، فهي أرض قفار مترامية الأطراف يتم استغلالها من طرف شبكات الجريمة المنظمة.
توصف العلاقات بين المغرب وموريتانيا بالحساسة نتيجة تدخل أجندات أجنبية
وتنتشر بالصحراء الغربية بعثة الأمم المتحدة (مينورسيو) بقرار من مجلس الأمن الدولي منذ 1991 بهدف مراقبة وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء للصحراويين لتقرير مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج في المغرب، ويوجد في الجنوب المغربي حاجز رملي بنته الرباط على طول نحو 2500 كليومتر في الصحراء للتصدي لجبهة البوليساريو، ويعتبر المغرب، تبادل الزيارات الرسمية بين النظام الموريتاني وجماعة البوليساريو، موقفًا معاديًا من الجارة الجنوبية وخروجًا عن حيادها المفروض، وعادة ما تحدد المغرب علاقتها مع أي دولة أخرى بطبيعة علاقة هذه الدولة بجبهة البوليساريو.
العلاقات بين المغرب وموريتانيا، توصف، أيضًا، بالحساسة نتيجة تدخل أجندات أجنبية، وتحاول الجزائر استمالة موريتانيا لتصطفّ وراءها وتدعم موقفها بخصوص الملف الصحراوي، ويخشى المغربيون أن يؤدّي توتر العلاقات بين بلادهم وموريتانيا، إلى توقّف مشروع خط أنابيب الغاز، الذي من المفترض أن يمر على الأراضي الموريتانية قادمًا من السنغال.
هل وجود معارضين موريتانيين في المغرب له علاقة بالأزمة؟
في مقابل ذلك، ما فتئت موريتانيا تعرب عن انزعاجها من إيواء المغرب لاثنين من أشرس معارضي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز هما محمد بوعماتو ومصطفى الشافعي، وعدم امتثال المملكة لمذكرة التوقيف الدولية التي أصدرتها موريتانيا من قبل، لتوقيف رجل الأعمال المعارض مصطفى الشافعي، ويقيم في مدينة مراكش المغربية رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو، الذي يتهمه ولد عبد العزيز بالسعي لإسقاط حكمه بالتنسيق مع الرئيس السابق أعل ولد محمد فال، الذي يقيم هو الآخر في المغرب، وحاولت نواكشوط إقناع الرباط بطردهما دون أن تفلح في ذلك.
وما زال كرسي السفير الموريتاني بالرباط فارغًا منذ مغادرة السفير المعتمد في الرباط، وتعيين مستشاره الأول سفيرًا لموريتانيا في غينيا بيساو، ليتولى المستشار الثاني تسيير شؤون السفارة الموريتانية في المغرب، في إشارة يراها البعض إلى عدم عزم موريتانيا تطبيع علاقتها مع جارتها الشمالية، واتهمت، تقارير إعلامية موريتانية المغرب بإفشال القمة العربية الأخيرة التي اقتصر التمثيل المغربي فيها على وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، واستضافت موريتانيا، القمة العربية السابعة والعشرين بعد رفض المغرب استضافتها “لعدم توفر الظروف الموضوعية للخروج بقرارات تستجيب لتطلعات الشعوب العربية”.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
وتقاسمت موريتانيا والمغرب إدارة الصحراء الغربية وفق اتفاقية مدريد 1975 إلا أن موريتانيا انسحبت عام 1979 من إقليم وادي الذهب الذي كانت تديره واستعاده المغرب كجزء من ترابه الوطني، بعد توقيعها اتفاق سلام مع جبهة “البوليساريو”، حيث تخلت موريتانيا بموجب هذه الاتفاقية عن أيّ مطالبات بخصوص الصحراء، وهي المطالبات التي كانت قد رافعت من أجلها – قبل ذلك – أمام محكمة العدل الدولية، وأيضًا خلال مفاوضاتها مع إسبانيا من أجل المطالبة بالاستقلال، أو في إطار اتفاق تقسيم الإقليم بينها وبين المغرب بعد حصولها على الاستقلال.