تستمر مجموعة كبيرة من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في إطلاق صفحة “حملة المقاطعة الوطنية” التي تهدف إلى محاولة إيقاف حزمة من القرارات الاقتصادية المتمثلة في رفع أسعار عدد كبير من السلع على رأسها مادة المحروقات التي طالها النصيب الأكبر من الرفع.
بداية دعت الصفحة إلى مقاطعة منتجي بيض المائدة والبطاطا، ومن ثم بعد نجاح الحملة في خفض أسعار المنتجين، انتقلت الصفحة بعد أن وصل مشتركوها ومؤيدوها إلى نحو مليون و300 ألف شخص، إلى الدعوة لمقاطعة شركات الاتصالات عبر حملة “سكر خطك” التي شارك فيها أيضا نحو مليون شخص ولاقت نجاحا كبيرا.
اعتقال مؤسس الحملة وإغلاق الصفحة
في السياق، حدث تطور أمني على مسار الحملة، حيث أقدمت الأجهزة الأمنية على اعتقال مؤسس الصفحة عصام الزبن، الذي يبلغ من العمر 48 عامًا، وهو مقدم طيار متقاعد من القوات المسلحة وأب لثلاثة أبناء، لكن ما لبثت الأجهزة الأمنية إلا أن أفرجت عنه بعد نحو أسبوع من الاعتقال دون أن توجه له أي تهمة.
يجب ان تفهم الحكومة بأن صنع الرأي العام والتأثير فيه لم يعد حكرًا عليها وحدها. #صفحة المقاطعه #سكر_ثمك #مقاطع
— Hamzeh Azaizeh (@hmzameen) February 7, 2017
فقد اعتبر وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني أن “حملات المقاطعة قد خرجت عن أهدافها وسياقها الاقتصادي، واتجهت نحو القدح والتشهير والذم وهو أمر مرفوض قانونًا” على حد قوله.
وأشار المومني إلى أنه “هناك خروج عن القانون وتطاول أخرج هذه الحملات عن سياقها الاقتصادي، وهذا غير مقبول ومسيء ولا يخدم مصلحة أياً كان”، وفق تعبيره. كان ذلك بعد أن وصف المومني حملات المقاطعة للسلع المرتفعة الثمن بشكل غير مبرر بأنها “سلوك حضاري متبع بأغلب الدول”.
وقال المومني عبر برنامج “أخبار وحوار” على شاشة التلفزيون “نحن دولة منفتحة وحرة، وللمواطنين حق في التعبير عن آراءهم”.
وفي السياق ذاته، تفاجأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بإغلاق صفحة “حملة المقاطعة الأردنية” على موقع “فيس بوك” عقب انتشارها على نحو واسع، لكن ما لبث ناشطون إلى إطلاق أكثر من صفحة “مجموعة فيسبوك” كبديل لها، وحققت هذه المجموعات نجاحًا كبيرًا أيضَا في الوصول إلى الناس.
تفاعل واستجابة كبيرة
حظيت المنشورات والتعليقات على الصفحة التي تدعو للمقاطعة بتفاعل كبير واستجابة ملحوظة، واكتسبت شعبية واسعة من قبل المشتركين في الصفحة سواء من داخل الاردن أو خارجه، حيث طالبوا بضرورة مقاطعة أي سلعة سيتم رفع سعرها في المستقبل.
حيث تابعت الحملة على فيسبوك جهودها في الآونة الأخيرة بالدعوة إلى حملة #صف_سيارتك التي تدعو إلى مقاطعة المحروقات احتجاجا على ارتفاع أسعارها، على أن يتم تطبيق هذه الحملة من مساء يوم الخميس إلى صباح يوم الأحد.
حملة مقاطعة المحروقات
الخميس ٩/٢/٢٠١٧
المرحلة الاولى ✌️#صف_سيارتك#حملة_المقاطعة_الاردنية #مقاطعون#الاردن pic.twitter.com/cVt8TX1sFK— المقاطعة الاردنية (@jomo8at3a) February 5, 2017
ويعبر الموافق على المقاطعة بكلمة “تم” التي باتت بمثابة إقرار ودعم للحملة، ورد فعل غاضب على قرارات حكومية جائرة ومستفزة، حتى أن البعض من المقاطعين باتوا يطلقون على أنفسهم عشيرة “التماتمة”، في إشارة إلى كلمة “تم“.
وكانت الحكومة أقدمت على فرض ضريبة مقطوعة قيمتها 3 قروش على لتر البنزين 90، و7 قروش على ليتر البنزين 95، فيما كشف وزير المالية عمر ملحس عن قرارات رفع أسعار جديدة يبدأ العمل بها اعتبارا من الشهر المقبل، وتتضمن زيادة جديدة على سعر لتر البنزين بنوعيه، والبدء بتفعيل قرار زيادة الرسوم على الاتصالات وخدمات الإنترنت.
تميزت الحملة على موقعها بكثير من التعليقات والردود التي تفاعلت مع الدعوة، حيث أظهرت هذه التعليقات مدى غضب المواطنين واستنكارهم من قرارات الجباية الحكومية، التي تتسلط على جيب المواطن ورزقه وتعمل على سرقة جهده وماله دون وجه حق.
فقد علق المحامي محمد المجالي من خلال الحملة قائلا: “على شركات الاتصالات أن تتحمل الضريبة الجديدة وحدها، وأي شركة ترفع أسعارها سنقاطعها”، بينما قال عبد السلام العياصرة ” من أجل الفقراء سأقاطع المحروقات مساء الخميس إلى صباح الأحد”.
أما إبراهيم الضمور فقد كتب من خلال صفحة الحملة “كن مع نفسك ومع كرامتك قاطع من أجل التغيير، صف سيارتك”، في حين استخدم مهند الهروط أسلوبه الخاص في الدعوة إلى المشاركة في حملة “صف سيارتك” بقوله “مارسو رياضة المشي على الاقدام، العقل السليم في الجسم السليم، أصلا السيارة بتعمل كرش”، وفق تعبيره.
فيما رأى الدكتور عمر العيوي بأنه “ما لم نقاطع فإن الحكومة لن تجد نفسها مضطرة للبحث عن بدائل غير جيوبنا”، بينما لفت الانتباه ناشط من اليمن يدعى محمد الملجمي حيث كتب “نسأل الله أن يعينكم يا أهل أردن على ما أتاكم، محب لأهلنا با الأردن من اليمن السعيد والحزين”.
أسلوب احتجاج جديد.. بعيدًا عن الشارع
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن صفحة المقاطعة باتت ناطقة باسم المقاطعين من المواطنين، وأصبحت منبرا للحديث والتباحث وبث الهموم عما يلحق بالمواطن من تبعات رفع الأسعار.
ووصف عايش في حديث لـ”أردن الإخبارية” المقاطعة “بالشكل الراقي الذي ينظم المجتمع من خلالها نفسه، ويستنهض قدراته وإمكاناته” معتبرا أنها “تمثل نقلة في أداء المستهلك لمواجهة التغول على معيشته ورزقه”.
واعتبر عايش أن “المقاطعة أسلوب حضاري تتصف به الشعوب المتحضرة في أغلب الدول، وهو عبارة عن سلوك رقابي شعبي على الأسعار حتى يتم إرجاعها إلى نصابها وحقيقتها بعيدا عن الجشع والطمع والاستغلال”.
وأفاد الخبير الاقتصادي بأن “إطلاق هذا النوع من الحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعزز مفهوم التشاركية المجتمعية، ويساعد على تحقيق أهداف المقاطعة بشكل سلمي بعيدا عن صخب الشارع واحتجاجاته”.
ثقافة المقاطعة تنتشر وتتوسع
ينوي المعلم نايف شبانة كما قال لـ”أردن الإخبارية” المشاركة في حملة “صف سيارتك” احتجاجا على فرض ضريبة مقطوعة على البنزين، مؤكدا على أنه يدعم ويوافق على حملة المقاطعة، معتبرا أن الحملة رسالة اعتراض على رفع الأسعار.
كما أمل سائق التاكسي معاوية الكسواني الذي سيشارك في حملة “صف سيارتك” في حديث لـ”أردن الإخبارية” تأثير ملموس وسريع للحملة لتتراجع الحكومة عن رفع الأسعار.
نذكر بإضراب الغد كمرحلة أولى ضد التغول الحكومي على عيش المواطن وإيقاف استخدام السيارة عند الساعة السادسة مساء#صف_سيارتك#تم#حب_الأردن
— مؤمن جعابو (@M_Jaabo) February 8, 2017
بينما دعا الممرض حمزة الحوساني عبر “أردن الإخبارية” إلى أن تصبح المقاطعة ثقافة متبعة عند المواطنين، فهو يرى أنه إذا كان من حق الحكومة رفع الأسعار فهو كمواطن من حقه الامتناع عن الشراء والمقاطعة والمشاركة في حملة “صف سيارتك”.
فيما قال المهندس حسام جبريل لـ”أردن الإخبارية” إنه مع حملة المقاطعة، وأنه ضد رفع الأسعار على المواطن الذي لا يستطيع أن يلبي احتياجاته الأساسية.
انخفاض مبيعات البنزين
إلى ذلك، كشف ممثل القطاع الخاص في لجنة تسعير المشتقات النفطية عامر الشوبكي، أن مبيعات البنزين انخفضت بعد قرار الحكومة فرض رسوم على البنزين، بالتزامن مع رفع التسعيرة الشهرية.
وقال الشوابكة في تصريحات صحفية إن “مبيعات محطات المحروقات من مادة البنزين بنوعيه، انخفضت بنسبة تتراوح بين 10-5%، منذ بداية الشهر الحالي”.
وأوضح الشوابكة أن “مبيعات المحطات قلت بشكل كبير على مادة بنزين 95، لتبلغ نسبة الانخفاض 20% في عمّان وحدها، بينما بلغت نسبة مبيعات بنزين 95 في محطات محافظة الزرقاء 1%، منذ بداية الشهر.
محامون يتطوعون للدفاع عن معتقلي الحملة
المحامي جمال القيسي أعلن تطوعه للدفاع عن أي ناشط يحال إلى القضاء بسبب مشاركته في الهبة الوطنية عبر حملة المقاطعة الشعبية.
وقال القيسي لـ”اردن الإخبارية” إن “طاقم مكتب المحاماة سيكون هيئة دفاع لا تلين ولا تستمال ولا تخشى تهديدا ولا توعدا، سندافع ببسالة عن كل مشارك في أية مبادرة ضد الفساد”.
وشدد القيسي على أن “الحق لا يطلب بل ينتزع انتزاعا”، مؤكدا على أن “المقاطعة سلوك حضاري وممارسة لا تتعارض مع القانون، لافتا إلى “وجود عدد من الزملاء المحامين الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة في التطوع عن معتقلي حملة المقاطعة”.
نواب ينضمون للمقاطعة
إلى ذلك، أعلن النائب صداح الحباشنة أنه من الواجب الالتحاق بحملة المقاطعة، التي أطلقها مجموعة من الأحرار والوطنيين الذين يدافعون عن حقوق المواطن.
وقال النائب عن محافظة الكرك عبر صفحته الرسمية على فيسبوك أن “مجلس النواب فشل في منع إقرار الموازنة العامة المجحفة، التي أنهكت ما تبقى من دخل المواطن”.
كما قررت النائب هدى العتوم انضمامها لحملة المقاطعة، عبر بيان صدر عنها قالت فيه إنه “آن الأوان للحكومة أن تبتعد عن جيب المواطن، لقد بلغ مستوى الوعي والتحضر قمته في حملات المقاطعة، وهي ضبط سلوك الاستهلاك عن كل سلعه يرتفع سعرها، وهذا تصرف سلمي و حضاري و تعبيرا من الشعب عن رفضه لسياسة اللجوء لجيبه لتغطية العجز، ومن واجبي أن أشارك وادعو للمشاركة بهذه الحملات لقناعتي بأهدافها”.
هل تنجح الحملة؟
تفاوتت توقعات مراقبي قطاع المحروقات، حول مدى نجاح حملة مقاطعة البنزين، فقد توقع نقيب أصحاب محطات المحروقات نهار سعيدات، أن حملات مقاطعة البنزين لن تدفع الحكومة إلى التراجع عن فرض رسوم على البنزين بنوعيه.
وقال سعيدات في تصريحات صحفية محلية إن “حملات مقاطعة البنزين لن تنجح في خفض مبيعات المحروقات في المحطات، ولن تشكل ضغطا على الحكومة للتراجع عن قراراتها”.
أما ممثل القطاع الخاص في لجنة تسعير المشتقات النفطية عامر الشوبكي، فقد توقع نجاح حملة المقاطعة في تخفيض مبيعات المحطات، من البنزين. وقال الشوبكي في تصريحات صحفية إن حملة المقاطعة ستكون جدية، لأن المواطن الأردني فقد الثقة في الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة.
ورأى الشوبكي بأن تقنين استهلاك المحروقات بشكل عام، قد يكون مؤثرا أكثر من المقاطعة، الأمر الذي يؤثر على التاجر والمورد للمشتقات النفطية على حد سواء.
المصدر: أردن الإخبارية