أعلن رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، في 21 سبتمبر/أيلول الحاليّ عن طريق مقطع فيديو بثه الحزب على صفحته الرسمية على فيسبوك، عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة 2024، مؤكدًا أن الهيئة العليا للحزب استقرت على الدفع به مرشحًا للحزب في الماراثون القادم.
وقبل أقل من 24 ساعة من هذا الخبر، كانت رئيس حزب الدستور، جميلة إسماعيل (الزوجة السابقة للمعارض المصري أيمن نور)، قد أعلنت في منشور لها على صفحتها الشخصية على فيسبوك في العشرين من الشهر الحاليّ استعدادها للترشح في ذات الانتخابات، قائلة: “لكل زملائي أعلن استعدادي للترشح على مقعد رئاسة الجمهورية”.
اللافت هنا أن المرشحين ينتميان إلى حزبين ينخرطان معًا في الكيان المعارض المعروف باسم الحركة المدنية (تأسس في 2017 ويضم عددًا من الأحزاب المدنية: حزب الدستور وحزب الكرامة وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب العيش والحرية)، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الجدل واللغط معًا.
وقبل ذلك كان المرشح المستقل والبرلماني السابق، أحمد الطنطاوي، قد طرح نفسه كمرشح للحركة المدنية، من مقر إقامته في بيروت، وقبيل وصوله للقاهرة مايو/أيار الماضي، ليصبح أول مرشح يعلن عن هويته في هذا الماراثون، وما تلا ذلك من حملة اعتقالات وتنكيل واستهداف طالته وأعضاء حملته الانتخابية بحسب ما كتب على حساباته الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي.
تعدد أسماء المرشحين المحسوبين على المعارضة يضع الأخير في مأزق حقيقي في مواجهة المرشح المحتمل، الرئيس الحاليّ عبد الفتاح السيسي، الذي لا يجد صعوبة مطلقة في حسم المعركة بسهولة في ظل تشتيت أصوات المعارضة على أكثر من شخص، ما دفع الكثير من علامات الاستفهام لأن تطل برأسها باحثة عن إجابة: هل هذا التعدد يأتي في إطار المنافسة في الانتخابات رغم أن جميعهم من بوتقة واحدة، أم أن ما يحدث ليس إلا صفقة سياسية لإخراج المشهد بشكله التعددي لتجميل الانتخابات ومنح فوز السيسي بولاية جديدة زخمًا شعبيًا وإعلاميًا يرمم ما حدث في الانتخابات السابقة؟
المرشحون المحتملون
بداية ووفق ما نقلت وكالة bloomberg الأمريكية عن أشخاص مطلعين، فإن الانتخابات الرئاسية المصرية من المقرر أن تنعقد نهاية العام الحاليّ، وسيبدأ تسجيل المرشحين في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أي بعد أقل من عشرة أيام، على أن يكون التصويت أوائل ديسمبر/كانون الأول.
وكان من المقرر إجراء تلك الانتخابات قبل ثلاثة أشهر من انتهاء المدة الرئاسية للسيسي في يونيو/حزيران 2024، أي في مارس/آذار المقبل، لكن تم تبكيرها على أمل حسم المعركة قبل نهاية العام خشية المزيد من تعكير الأجواء الملبدة بغيوم الاحتقان جراء السياسات الخاطئة التي أودت بالبلاد إلى هذا المستوى المتردي من الاقتصاد والحياة المعيشية.
كما أن تقديم موعد الانتخابات في ظل حالة الفوضى التي تخيم على المعارضة التي تعاني من اختراقات حادة وشقوق غائرة في جدارها الهش، ربما يكون الحل الأبرز لتعبيد الطريق أمام ولاية ثالثة للسيسي دون الدخول في حسابات أخرى أكثر تعقيدًا إذا كانت المعارضة في وضعية أفضل نسبيًا مما هي عليه.
بيان بشأن
"الهجمة الهمجية على حملتي الانتخابية"
٣٦ محبوس وعدد غير محدد -حتى كتابة هذا البيان- من المحتجزين
أعيش بحزن وغضب، وعزم ويقين، كل تفاصيل الهجمة الأمنية المستمرة على شركائي الأبطال المتطوعين في حملة الأمل للتغيير السلمي الديموقراطي الذي يضمن لكل المصريين حقهم في (العيش… pic.twitter.com/vZUYnuYkb5
— Ahmed Altantawy – أحمد الطنطاوي (@a_altantawyeg) September 18, 2023
وبجانب البرلماني السابق، الطنطاوي، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران، ومعهما رئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، فإن هناك أسماء أخرى كشفت عن نواياها في المشاركة بالانتخابات، أبرزهم رئيس حزب الوفد، عبد السند يمامة، الذي أثار بتصريحاته الداعمة للسيسي الجدل داخل جدران الحزب الذي كان في السابق أحد أعمدة الحياة السياسية في مصر، إضافة إلى رئيس حزب الشعب الجمهوري، حازم عمر، الذي أعلن نيته الترشح في يوليو/تموز الماضي.
من بين المرشحين الخمس المحتملين، 3 ينتمون للحركة المدنية، الكيان المعارض الأكثر حضورًا على الساحة خلال الأعوام الثلاث، اثنان منهم رؤساء أحزاب، جميلة وزهران، أما الثالث، الطنطاوي، فرغم أنه على الورق مستقل، فإنه حين طرح نفسه قبل 4 أشهر كان ممثلًا للحركة المدنية والتيار الليبرالي بصفة عامة، خاصة أنه على علاقة وثيقة وتلميذ لرموزها وعلى رأسهم المرشح الأسبق حمدين صباحي.
منافسة أم صفقة؟
القراءة التي تبناها الإعلام الموالي للنظام الحاليّ بشأن تعدد أسماء المرشحين في الانتخابات القادمة تذهب باتجاه الإشادة بتلك الخطوة التي تأتي في إطار التعدد والتنافس وتوسيع دائرة المشاركة وفق ما يرى أنصار هذا الرأي، فهي دليل على صحة المناخ الديمقراطي في مصر بما يتلاءم مع حجم وأهمية المنصب المنتخب عليه، وهو منصب رئيس الجمهورية.
ويميل أنصار هذا التوجه إلى أن الإعلان عن أكثر من اسم لخوض الانتخابات، حتى من داخل الكيان الواحد، في إشارة للحركة المدنية، يعكس حرص كل مرشح على خدمة الوطن من وجهة نظره الخاصة، معتبرين أن ذلك ظاهرة صحية معمول بها في جميع البلدان الديمقراطية حيث يترشح على المنصب الواحد أكثر من شخص ينتمي إلى المعارضة.
وفي المقابل هناك من يرى أن ما حدث ليس إلا صفقة أبرمت بين جهاز المخابرات العامة برئاسة عباس كامل، مدير مكتب السيسي الأسبق، والأحزاب السياسية المعارضة داخل الحركة، تتضمن تلك الصفقة ترشح أكثر من شخص في الانتخابات القادمة، وعدم الاصطفاف وراء مرشح واحد، نظير مكاسب سياسية محققة.
وتهدف تلك الصفقة وفق ما نشر موقع “عربي 21” في مارس/آذار الماضي إلى تفتيت الأصوات المعارضة للسيسي في ظل تصاعد الاحتقان الشعبي ضده من جانب، وتخلي حلفائه الخليجيين عنه من جانب آخر، ما يجعل من وجود مرشح واحد للمعارضة يصطف الجميع خلفه مغامرة قد تطيح بالسيسي من السلطة إذا كانت هناك نزاهة انتخابية.
ماذا نعرف عن صفقة الحركة المدنية مع عباس كامل مدير المخابرات المصرية بخصوص انتخابات الرئاسة؟
pic.twitter.com/9j33Vzeyur
— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) September 22, 2023
وتعهد رئيس جهاز المخابرات لرموز الحركة المدنية – وفق ما نشر الموقع – بمساعدة المرشحين في جمع التوكيلات اللازمة للترشح، بجانب السماح لهم بالظهور إعلاميًا، مع توفير كل الضمانات الشخصية لهم، فضلًا عن مكاسب أخرى، بعضها متعلق بالإفراج عن معتقلين وأخرى مكاسب خاصة، مع التأكيد على منحهم مجتمعين 30% من أصوات الناخبين، فيما ينجح السيسي بـ70% من إجمالي الأصوات، بحسب الصفقة المنشورة.
تتناغم بنود تلك الصفقة مع ما نشره موقع Africa Intelligence الاستخباراتي الفرنسي في 7 سبتمبر/أيلول الحاليّ حين أشار إلى أن عباس كامل طلب من حزب الوفد المعارض تقديم مرشح في الانتخابات القادمة، الأمر كذلك طُلب من رئيس حزب الشعب الجمهوري، حازم عمر، بهدف تفتيت أصوات المعارضة بين كل هؤلاء المرشحين.
وبينما تحاول المخابرات توسيع دائرة المشاركة في الانتخابات، إذ بها في الجهة الأخرى تبذل مجهودات مكثفة لتدشين تكتل سياسي داعم للسيسي في هذا الماراثون، ورغم عدم إعلان الرئيس الحاليّ ترشحه لتلك الانتخابات حتى اليوم، فإن المخابرات التي يرأسها مدير مكتب السيسي الأسبق ونجله محمود عملت على إنشاء ائتلاف يضم 40 حزبًا سياسيًا ورجل أعمال يدعمون انتخاب السيسي لولاية ثالثة لتبدأ إعلانات الشوارع والميادين العامة تعزف على هذا الوتر، فيما تقدمت عدة أحزاب بـ”مناشدات” للرئيس بالترشح لفترة جديدة.
معارضة المعارضة
يميل قطاع كبير من المتابعين إلى أن الطنطاوي ربما يكون المرشح الأكثر حضورًا في قائمة مرشحي المعارضة، بسبب مواقفه السابقة حين كان نائبًا بالبرلمان، حيث عُرف عنه هجومه الشديد على النظام ورأسه، وتصريحاته التي تعد الأقوى في مسيرة المعارضة المصرية منذ تولي السيسي الحكم، رغم الانتقادات والاتهامات التي يتعرض لها من أنصار النظام الحاليّ، على شاكلة أنه ممول خارجيًا ومدعوم من الإخوان، فيما وصفه البعض بأنه ليس إلا “كومبارس” لتمثيل دور المعارضة.
وتتعامل السلطات الحاليّة مع مرشحي المعارضة بازدواجية مثيرة للجدل، فبينما يُسمح لفريد زهران وجميلة إسماعيل بالظهور إعلاميًا على المنصات التابعة للمخابرات (يستضيف برنامج “مساء dmc”، المذاع على قناة “dmc” التابعة للشركة المتحدة المملوكة للمخابرات، في التاسعة مساء اليوم السبت فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي) تغلق الأبواب كافة أمام الطنطاوي.
تلك الازدواجية يقرأها البعض في إطار قلق النظام من الطنطاوي وأن يكون مرشح المعارضة الوحيد، وهو ما دفع الدبلوماسي المصري الأسبق، فوزي عشماوي، لوصف ما يحدث بأنه “معارضة المعارضة”، قائلًا في منشور له عبر صفحته على فيسبوك: “ألطف وصف يمكن أن نصف به الأستاذ فريد زهران والأستاذة جميلة إسماعيل أنهما ليسا رموزًا للمعارضة، بل إنهما بترشحهما أصبحا أدوات معارضة للمعارضة، التي يخوض غمارها المرشح الشاب أحمد طنطاوي”.
ويضيف عشماوي أن الطنطاوي ربما لا يمثل طموحات المصريين وأنه ليس المرشح المثالي المأمول من حيث الخبرة والتجارب والإمكانات، لكنه “بلا شك رجل شجاع، ومتحدث لبق، ومستمع جيد، وسياسي مجتهد يرغب في التعلم وتطوير قدراته، وهو نظيف اليد والسمعة وإلا لنهشته الذئاب”، لافتًا أنه كان يأمل أن يكون ترشحه نواه لالتفاف المعارضة حوله بكل أطيافها “إذا كانت تريد حقًا وصدقًا انتخابات نزيهة وإحداث تغيير سلمي للسلطة، يسمح بتأسيس دولة مدنية ديمقراطية”.
واختتم الدبلوماسي المصري حديثه بأن المعارضة فوتت على نفسها فرصة جيدة في التغيير عبر الاصطفاف خلف مرشح واحد، في حال فوزه سيسمح للجميع بحرية الحديث والحركة والمعارضة الحقيقية، بل ويفتح الباب أمام الترشح ضده مستقبلًا إذا ثبت فشله، “ولكن آفة حارتنا التشرذم والانقسام وإهدار كل الفرص!”.
https://www.youtube.com/watch?v=uYXg8lXPlDI
بين المقاطعة والمشاركة
رغم أن الماراثون لم ينطلق بعد، ولم يكشف الستار عن الأسماء المرشحة بشكل رسمي ونهائي في ظل التعقيدات المحتملة التي قد تواجه البعض في الحصول على التوكيلات اللازمة والتزكية البرلمانية المطلوبة كشرط للترشح، فإن جدلية المقاطعة والمشاركة المعتادة مع كل استحقاق انتخابي بدأت تفرض نفسها على منصات التواصل الاجتماعي مجددًا.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، عبر تغريدة كتبها على حسابه على منصة “إكس” يطالب بالمشاركة والتخلي عن فكرة المقاطعة، قائلًا: “أتفهم مخاوف المتشككين في نزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة، لكن المقاطعة تعني استمرار الأوضاع الحاليّة على ما هي عليه وربما تدهورها نحو الأسوأ. أظن أنه إذا اقتنع الناخبون بوجود مرشح جاد فسوف يلتفون حوله لعلهم ينجحون في تحويل المسرحية إلى فرصة تجدد الأمل في مستقبل أفضل.. كن إيجابيًا”.
إلا أن تلك الدعوة قوبلت بهجوم وانتقادات واسعة من خبراء ونشطاء آخرين، يرون أن الانتخابات – في ظروفها الحاليّة – ليست إلا مسرحية هزلية تحتاج إلى جمهور لمنحها الشرعية، وأن المشاركة هي قبلة الحياة التي من الممكن أن يمنحها المصريون لتمرير الولاية الثالثة للسيسي في انتخابات محسومة مسبقًا، على حد قولهم.
السياسي «محمد أبو الغار» تعليقا على الانتخابات الرئاسية: «انتهت قبل أن تبدأ» pic.twitter.com/MIWx6xqbFb
— شبكة رصد (@RassdNewsN) September 22, 2023
الخبير السياسي ثروت نافع، علق على مقترح نافعة قائلًا: “حتى لو المرشح جاد يادكتور، النتيجة واحدة وفي صالح النظام أعتقد أن المقاطعة واللجان الخاوية هذة المرة هي الأصوب وهي التي يخشاها أمام حلفائه وداعميه الخارجيين”، ويتفق معه في هذا الرأي كثيرون يرون أن المقاطعة وإن كانت تعني استمرار الأوضاع الحاليّة “فإن المشاركة تعني استمرارها أيضًا لكن بشكل جمالي وأكثر قربًا للشريعة من وجهة نظر النظام وهذا ما يريده”.
آخرون وصفوا المشاركة في ظل الأجواء الحاليّة حيث تضييق الخناق والكبت وخنق المجال السياسي والسلطوية التي تدار بها الدولة، بجانب الدروس المستفادة من التجارب السابقة في المرتين السابقتين 2014 و2018، بأنها “غباء ولا يمكن تسميتها بالإيجابية”.
قد يقول البعض إنه من المبكر تقييم المشهد الانتخابي قبل انطلاقه رسميًا، مهما كانت المؤشرات تذهب باتجاه معين، لكن الأجواء كلها – حتى كتابة هذه السطور – تشير إلى حسم الموقعة مبكرًا، وأن السيسي على مشارف ولاية ثالثة، ما لم تحدث المفاجأة، أعني المعجزة، فهل تشهدها الأيام المتبقية قبيل نهاية العام الحاليّ؟