يُقال إن الأغنياء يحلمون بالعودة إلى أيام الشباب، وإن الشباب يحلمون بمستقبل يكونون فيه أغنياء، والحقيقة التي لا تغيب عن هؤلاء جميعًا هي أنهم سيكبرون ويموتون، لكن الأغنياء يعتقدون أن بإمكانهم شراء المزيد من الوقت عن طريق درء أمراض الشيخوخة التي تدفعنا حتمًا إلى القبر، فهل بإمكانهم إعادة الزمن إلى الوراء أم أن هؤلاء المليارديرات ينفقون أموالهم بإسراف؟
قبل 10 سنوات، وتحديدًا في 18 سبتمبر/ أيلول 2013، أعلن لاري بيج، أحد مؤسسي شركة جوجل، إنشاء شركة كاليكو (Calico) للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الحيوية، وتمويلها بسخاء بهدف رسم خريطة لعملية الشيخوخة وإطالة العمر الصحي بضعة عقود إضافية على الأقل، ورغم الضجة التي أحاطت بإطلاق الشركة، تساءلت مجلة “تايم“: “هل تستطيع جوجل حل مشكلة الموت؟”، وظلت كيفية تحقيقها لهدفها طويل الأجل بمثابة لغز.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تشكلت شركة طموحة جديدة متخصصة في أبحاث مكافحة الشيخوخة تسمى Altos Labs، كأحدث رهان لوادي السيليكون على “تحقيق خلود البشر”، من بين أبرز مستثمريها الملياردير الروسي يوري ميلنر، والمؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة أمازون الملياردير جيف بيزوس، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يلقي فيها مليارديرات وادي السيليكون ثرواتهم في مشكلة الشيخوخة، لكن دون أي نتائج تُذكر بعد.
كذلك فعل المؤسس المشارك لشركة باي بال (PayPal) الملياردير بيتر ثيل، الذي أنفق الملايين على أبحاث مكافحة الشيخوخة في مسعى للعثور على “مفتاح الحياة الأبدية”، ويمول أبحاث إطالة العمر من خلال مؤسسته غير الربحية Breakout Labs، التي تهدف إلى دعم الباحثين والمؤسسات الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، ومع ذلك لم يتحول الموت من لغز إلى مشكلة قابلة للحل حتى الآن كما يعتقد.
رغم أن سكان المملكة من الشباب نسبيًّا، حيث يبلغ متوسط العمر حوالي 31 عامًا، إلا أنها تشهد معدلات إصابة عالية بالسمنة والسكري
واقعيًّا، يتعلق الأمر بزيادة العمر الصحي للإنسان، وليس العمر الافتراضي، وتلك فكرة تجذب الأغنياء عمومًا للاستثمار في أبحاثها، وينطبق الأمر على الدول كما الأفراد، فبعد أن مكّنت الثروات النفطية الهائلة السعودية من دخول عالم الرياضات العالمية والسيارات الكهربائية والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، تحاول المملكة التي تمتلك من المال أكثر ممّا يملكه جميع من سبق ذكرهم، إثبات أنه ربما يمكن للمال أن يشتري كل شيء، إذ تنفق بسخاء لتحقيق هدفها التالي الأكثر طموحًا: إطالة عمر الإنسان.
لماذا الشيخوخة؟
مع وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد عام 2015، دخلت شيخوخة السكان في السعودية مرحلة جديدة مع اقترابها من الوصول إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق، إذ توقعت الأمم المتحدة حينها أن يصل عدد سكان المملكة إلى حوالي 37.6 مليون نسمة عام 2025، و45 مليون نسمة بحلول عام 2050 (بعد أن كان 3.1 ملايين نسمة فقط عام 1950)، بينهم نحو 25% ممّن تناهز أعمارهم الـ 60 عامًا فما فوق.
قدَّرت دراسة نُشرت عام 2015 عبر موقع مؤسسة النقد العربي تحت عنوان “شيخوخة السكان في المملكة”، أنه من المتوقع أن يبلغ إجمالي سكان السعودية عام 2050 ما مقداره 40 مليون نسمة، لكن مع اقتراب سكان البلد الخليجي من 37 مليون نسمة عام 2023، مقارنة بـ 24 مليون نسمة قبل 10 سنوات، يبدو أن الرقم سيلامس حاجزًا غير متوقع بعد 27 عامًا من الآن.
تظهر الدراسات السكانية أن أعداد من هم في الـ 60 من عمرهم فما فوق سيزداد بشكل كبير خلال العقود القليلة المقبلة، وقد تصل نسبتهم إلى 8% (2.9 مليون) عام 2025، ويتخطى عددهم حاجز 10 ملايين بحلول عام 2050، ومن المتوقع أن يصل عدد السكان الذين يبلغون 80 عامًا فما فوق إلى 3% تقريبًا من إجمالي السكان في الفترة نفسها (أكثر من مليون نسمة)، وتصل النسبة إلى 4% من إجمالي عدد السكان (1.6 مليون) بحلول عام 2050.
يخشى ابن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، أن يشيخ سكان المملكة بمعدل متسارع، وأن يشكّل ذلك تحديًا على المدى البعيد ويهدد مستقبل البلاد
في الأساس، يعاني الأشخاص في الدولة الخليجية من “أمراض الثراء” الناجمة عن الأنظمة الغذائية الدسمة وقلة ممارسة الرياضة، ويتقدم عدد كبير من السعوديين في العمر بيولوجيًّا أسرع ممّا هم عليه زمنيًّا، ويقول مسؤولو الصحة العامة السعوديون، بحسب دراسة أُجريت عام 2019 في “المجلة الطبية السعودية”، إن ازدهار البلاد أدّى إلى معدلات عالية من الهشاشة (الضعف الجسدي) أو التدهور الفسيولوجي، ما يتطلب حاجة ملحّة لوضع برامج الوقاية والسيطرة.
رغم أن سكان المملكة من الشباب نسبيًّا، حيث يبلغ متوسط العمر حوالي 31 عامًا، إلا أنها تشهد معدلات إصابة عالية بالسمنة والسكري، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تحتل السعودية المرتبة السابعة عالميًّا من حيث معدل مرض السكري، حوالي 7 ملايين من سكانها مصابون بهذا الداء، وحوالي 3 ملايين يعانون من مقدماته.
تدخل بذلك المملكة في غمار عصر جديد لا عهد لها به بشأن حجم شيخوخة سكانها، حيث تغيّر هيكل أعمار سكان المملكة لأسباب يعزوها الخبراء إلى 3 عوامل، أولها انخفاض معدل الخصوبة ما أدّى إلى ظهور أعداد أقل من صغار السن، وثانيها الحركة التصاعدية في متوسط العمر المتوقع، انتهاءً بالتقلبات في معدلات الولادة والوفاة، ما نتج عنه نقص في فئة الشباب قابله توسع في فئة المسنين.
الارتفاع الملحوظ لمعدلات شيخوخة السكان وصل إلى الحد الذي تشكّلُ فيه هذه الظاهرة الجديدة نسبيًّا تحديًا يهدد الاقتصاد السعودي، إذ سيرتفع الإنفاق الحكومي على كبار السن، خاصة نفقات الرعاية الصحية، كما سيرتفع عدد الأفراد المستفيدين من مزايا التقاعد بسبب زيادة عدد المسنين تزامنًا مع انخفاض أعداد العاملين، والذي قد يلعب دورًا في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتراجع كل من الاستهلاك والاستثمار، بسبب إثقال كاهل الأسر بدفع نسبة أكبر من دخلها لصناديق التقاعد.
يخشى ابن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، أن يشيخ سكان المملكة بمعدل متسارع، وأن يشكّل ذلك تحديًا على المدى البعيد، ويهدد مستقبل البلاد، فوفقًا لتقديرات الأمم المتحدة والفرضيات الموضحة أعلاه، قد يعاني الاقتصاد السعودي من تباطؤ في النمو بعد عام 2035 بسبب زيادة عدد المسنين، لكن الاقتصاد السعودي قد يحظى بنمو أعلى إذا تمَّ السماح لهذه الفئة العمرية بالعمل لمدة أطول، وهذا هو سبب ذهاب مجلس الشورى في مايو/ أيار 2014 إلى طرح اقتراح تمديد سنّ التقاعد للموظفين الحكوميين من 60 إلى 62 عامًا.
نتيجة لما سبق، دخلت المملكة السباق العالمي لاكتشاف علاج لإبطاء ومحاربة الشيخوخة، ورصدت مبالغ مالية ضخمة للأبحاث الطبية بتوجيهات من ولي العهد، ففي عام 2016، وخلال أول لقاء له للحديث عن “رؤية السعودية 2030″، سُئل عن تطلعاته لزيادة متوسط عمر السعوديين من 74 عامًا إلى 80 عامًا، فردَّ بقوله إن متوسط عمر 74 عامًا جيد، مشيرًا إلى سعي المملكة لإحراز تقدم في مجال الصحة، كونه أحد مؤشرات قياس جودة الحياة في أي دولة.
مكافحة الشيخوخة تبدأ من “هيفولوشن”
في حين يبدو أصحاب المليارات أقل حماسًا لحل مشكلة الفقر والحروب والمجاعة ووفيات الأطفال وإدمان المخدرات، ترصد السعودية مبالغ ضخمة لتطوير علاجات جديدة للشيخوخة، فقد خصّص ولي عهدها مليار دولار سنويًّا لأجلٍ غير مسمّى لتطوير علاجات جديدة للشيخوخة في محاولة لاكتشاف “ينبوع الشباب”، وذلك من خلال مؤسسة غير ربحية جديدة أُطلق عليها اسم مؤسسة “هيفولوشن” الخيرية.
تأسست “هيفولوشن” كمنظمة عالمية غير ربحية أواخر عام 2018، بموجب مرسوم ملكي سعودي برئاسة محمد بن سلمان، وتذكر على موقعها الإلكتروني أنها تقدم منحًا واستثمارات لتحفيز الأبحاث الأكاديمية وريادة الأعمال في مجال العلوم الصحية والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، التي تعمل على تعزيز الجهود لإطالة عمر الإنسان الصحي وفهم عمليات الشيخوخة، من خلال مكافحة الأمراض المرتبطة بالعمر مثل مرض السكري أو أمراض القلب.
تهدف “هيفولوشن” -واسمها مزيج من كلمتَي Health بمعنى صحة، وEvolution بمعنى تطور- سدّ فجوات التمويل للبحث في إطالة عمر الإنسان، وإيجاد طرق لتمديد عدد السنوات التي يعيشها الناس في صحة جيدة، وقد أثار الإعلان عن هذا الاستثمار الضخم بالفعل حماس الباحثين، الذين يأملون أن تموّل المؤسسة دراسات بشرية واسعة النطاق على أدوية محتملة لمكافحة الشيخوخة.
يعتقد علماء إطالة العمر ومكافحة الشيخوخة، بما في ذلك القائمون على المؤسسة السعودية، أن الاستثمار في أبحاث مكافحة الشيخوخة من شأنه أن يحسّن حياة الناس في جميع أنحاء العالم، فهي السبب الرئيسي للإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والزهايمر.
حتى ذلك الحين لم تصدر المؤسسة إعلانًا رسميًّا، ولم تكن الكثير من التفاصيل معروفة حول طبيعة عملها، لكن نطاق جهودها بدا واضحًا خلال العديد من المؤتمرات العلمية، ووقفَ مجتمع أبحاث الشيخوخة مبتهجًا، حيث لم يتوقع أحد أن السعودية ستصبح لاعبًا أساسيًّا في هذا المجال كما تقول مجلة “فوربس“.
وتتحدث بعض التقارير عن سعي السعودية لإحداث تأثير عالمي يتجاوز حدودها شيخوخة سكانها، إذ تتطلع إلى توسيع نفوذها حول العالم تحت قيادة ابن سلمان، ويمكن أن يتردد صدى مهمتها أيضًا في الداخل، فقد راهنَ ابن سلمان على تحسين نوعية الحياة لسكان غالبيتهم شباب، وبناء اقتصاد بعيدًا عن النفط.
منذ اللحظة الأولى، سعت “هيفولوشن” إلى تعيين نخبة من الشخصيات العلمية ومنحتهم ميزانيات سخية، بداية استعانت بالمستشار مايكل رينجل المعروف بأبحاث “إطالة العمر” لصياغة استراتيجية المنظمة، وفي مطلع عام 2019 أوكلت إليه مهمة ضمّ خبير تكنولوجيا إطالة العمر العالمي الأمريكي محمود خان لفريقها.
وافق خان البالغ من العمر 65 عامًا، وأصبح منذ عام 2020 الرئيس التنفيذي لـ “هيفولوشن”، وفي ربيع عام 2022 انضم إلى المؤسسة فيليب سييرا ككبير المسؤولين العلميين، بعد أن كان يدير قسم بيولوجيا الشيخوخة في المعهد الوطني للشيخوخة لأكثر من عقد من الزمن، وسبق أن وصف الشيخوخة بأنها “عامل الخطر الرئيسي لجميع الأمراض المزمنة”.
يضم مجلسها الاستشاري العلمي توماس راندو، الذي يدير مركز أبحاث الخلايا الجذعية في جامعة كاليفورنيا، بينما تولت منصب نائب خان الأميرة هيا بنت خالد آل سعود، بعدها أصبحت المؤسسة فكرة مبتكرة، العقل المدبّر لها محمد بن سلمان نفسه، يتولى خان إدارتها بالكامل وتساعده الأميرة هيا لضمان الامتثال لرؤية ولي العهد.
من بين أعضاء مجلس الإدارة أيضًا المستثمر والملياردير الأمريكي رون بيركل، ورجل الأعمال الروسي البريطاني يفغيني ليبيديف، الرئيس التنفيذي السابق لشركة داو دوبونت للكيماويات أندرو ليفيريس، الذي عُيّن مستشارًا خاصًّا في الشؤون ذات الأهمية الاستراتيجية لصندوق الاستثمارات العامة في السعودية في سبتمبر/ أيلول 2018.
بحسب وصف أنطونيو ريغالادو، محرر “MIT REVIEW”، أهم الدوريات العملية في العالم، الذي دعته المؤسسة لزيارة مقرها العالمي في العاصمة السعودية الرياض في صيف عام 2022، بعدما أصبحت جاهزة للخروج إلى الضوء، فإنه يبدو من الواضح أن “هيفولوشن” هي “نتاج عدة سنوات من العمل الشاق، ولديها فريق متمكّن للغاية”، وأن “هذه ليست فكرة مستوردة من طرف ثالث” حسب قوله.
ملايين الدولارات.. أين تذهب؟
منذ بدء عملياتها عام 2021، ركزت المؤسسة السعودية في الغالب على ترسيخ وجودها في مجالات الدراسة التي تعاني من نقص التمويل، وضخّت تمويلات بملايين الدولارات، ويتوقع القائمون عليها أن يصل هذا المبلغ إلى مليار دولار (المعلن عنه من قبل ولي العهد) خلال السنتَين إلى الأربع سنوات القادمة، وستكون المؤسسة قادرة على الحصول على حصص مالية في شركات التكنولوجيا الحيوية.
إذا تمكّن السعوديون من إنفاق هذا المبلغ، فقد يجعل ذلك من الدولة الخليجية أكبر مموّل لأبحاث مكافحة الشيخوخة، بالمقارنة ينفق المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة، الذي يدعم الأبحاث الأساسية حول بيولوجيا الشيخوخة، نحو 325 مليون دولار سنويًّا، في حين أن أقل من 10% فقط من ميزانية المعاهد الوطنية للصحة تموّل أبحاث إطالة العمر.
في مقابلة صحفية، قال خان إن هذه الأموال ستذهب في البداية إلى الأبحاث، تمامًا كما فعل آخرون، مشيرًا إلى تقسيم الاستثمارات بالتساوي تقريبًا بين الشركات الناشئة لمكافحة الشيخوخة، لكنه يخطط أيضًا للذهاب أبعد من ذلك من خلال دعم الدراسات السريرية على البشر باستخدام الأدوية التي يمكن أن تؤخّر الشيخوخة، بما في ذلك الأدوية التي انتهت صلاحيتها أو لم يتم تسويقها من قبل.
وزعت “هيفولوشن” بالفعل أكثر من 20 منحة للباحثين الأكاديميين العاملين في مجالات بيولوجيا الشيخوخة، ودراسة مسبّبات الأمراض المرتبطة بالعمر، بما في ذلك المستفيدون في مستشفى ماساتشوستس العام (ثاني أكبر مستشفى في الولايات المتحدة)، ومستشفى بريغهام والنساء (ثاني أكبر مستشفى تعليمي في كلية الطب بجامعة هارفارد)، وكلية الطب بجامعة بوسطن.
وبينما بدأت المؤسسة في تقديم المنح البحثية، لن تعلن رسميًّا عن المشاريع الأولى التي ستدعمها في مجال التكنولوجيا الحيوية إلا في وقت لاحق من هذا العام، إذ يتنافس حوالي 390 عالمًا وباحثًا للحصول على ما بين 20 إلى 30 منحة في جولة التمويل الأخيرة للمؤسسة، ويقول خان إنها حددت بالفعل أكثر من 150 شركة كمرشحين محتملين للاستثمار.
رغم عدم وضوح كيفية إنفاق الأموال السعودية، تشير مجلة MIT Technology Review إلى أن أحد الاحتمالات يتضمن تمويل المؤسسة لجائزة إكس (XPRIZE) -وهي منظمة غير ربحية تنظم مسابقات فنية رفيعة المستوى تهدف إلى تشجيع التطور التكنولوجي لصالح البشرية- بقيمة 100 مليون دولار لتكنولوجيا مكافحة الشيخوخة، ويتوقع أن تستفيد المنظمة بشكل كبير من التمويل على المدى الطويل.
هل يشتري المال السعودي طول العمر؟
تواصل المؤسسة تمددها حول العالم، فقد سُجّلت ككيان غير ربحي في الولايات المتحدة وشركة ذات مسؤولية محدودة، وافتتحت قبل أيام قليلة مقرها الرئيسي في بوسطن كقاعدة لعملياتها في أمريكا الشمالية، الذي سيقوده كبير مسؤولي الاستثمار بيل غرين، وسيكون لها مراكز في وأوروبا وآسيا.
تقول صحيفة “وول ستريت جورنال” إن خطط المملكة لتمويل مجال طبي “غير متوقع” تتضاءل ميزانياته مقارنة بالأبحاث المتعلقة بأمراض مثل السرطان، تثير الترقب والتردد بشأن سياسات البلاد، كما تثير الزيادة الكبيرة في التمويل العالمي المتاح للأبحاث المتعلقة ببيولوجيا طول العمر، والذي يأتي الآن بشكل رئيسي من المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة (AFAR)، ضجة بين العلماء الذين يدرسون الشيخوخة.
وتواجه “هيفولوشن” في الوقت الحالي تحديًا أكبر يتمثل في كيفية إنفاق أموالها في مجال لا يزال صغيرًا نسبيًّا، وفي عالم ينظر فيه الكثيرون إلى أفعال المملكة بعين الريبة، وهو ما انعكس على موقف بعض المؤسسات والباحثين الذين كانوا مترددين في قبول المال السعودي، وإقامة علاقات مع نظام يواجه اتهامات بتكميم أفواه المعارضة في الداخل والخارج.
تستخدم المملكة ثروتها للتستُّر على انتهاكات حقوق الإنسان وتعزيز صورتها العالمية، ومن الممكن أن يواجه مشروع “هيفولوشن” انتقادات مماثلة
في حين قد يشكّل مصدر التمويل معضلة لبعض العلماء ورجال الأعمال بسبب سجل المملكة الحقوقي، حصل آخرون على ملايين الدولارات لأبحاثهم، وكان الاتحاد الأمريكي لأبحاث الشيخوخة، وهو منظمة غير ربحية تمثل باحثين في علم الشيخوخة، إحدى المجموعات التي قررت أن قبول الأموال السعودية لن يمثل مشكلة، وتلقت تمويلًا بقيمة 7.76 ملايين دولار من مؤسسة “هيفولوشن”، بالإضافة إلى تقديم 18 منحة لمدة 3 سنوات تبلغ قيمة كل منها 375 ألف دولار أمريكي، بإجمالي 6.75 ملايين دولار للباحثين الجدد في البيولوجيا.
حتى الآن، هناك دلائل على أن الباحثين لديهم مخاوف بشأن قبول الأموال السعودية، لكن هذا لم يمنع “هيفولوشن” من التوصُّل إلى اتفاق مبدئي لتمويل اختبار عقار ميتفورمين (Metformin) لمرض السكري على عدة آلاف من كبار السن، ومن المتوقع أن تبدأ التجارب السريرية على البشر خلال السنوات القليلة المقبلة بمجرد وصول الأموال السعودية.
وُصفت هذه التجربة، المعروفة باسم TAME، أي استهداف الشيخوخة بالميتفورمين، بأنها أول دراسة لعقار لإبطاء الشيخوخة لدى البشر، حيث يُزعم أن الدواء يغيّر عملية الشيخوخة داخل الخلايا، وأظهرت الدراسات الأولية للميتفورمين أن مرضى السكري الذين يتناولونه يعيشون لفترة أطول من المتوقع، بل أطول من الأشخاص الأصحّاء.
حظيَ نير بارزيلاي، الباحث في كلية ألبرت أينشتاين لبحوث الشيخوخة في نيويورك، والذي أعلن عام 2014 اكتشاف جين بشري يطيل عمر الإنسان ويحافظ على صحته مع التقدم في العمر، بالاهتمام لجهوده في إقناع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بالسماح بإجراء الدراسة الأولى من نوعها، وحاول جمع 55 مليون دولار لإجراء تجربة TAME لعدة سنوات، لكنها واجهت صعوبة في العثور على التمويل لدعم اكتشافها.
بعد سنوات، عاد الأمل إلى بارزيلاي، الذي أعلن في أبريل/ نيسان 2022 أن مؤسسة “هيفولوشن” وافقت على تمويل أبحاثه، ليكون هذا الاتفاق بمثابة تأييد لـ”فرضية الشيخوخة”، التي لا يمكن قياسها بسهولة، ولا حتى تعتبرها الجهات التنظيمية مرضًا، وهذا يعني أن الهدف من تجربة TAME هو معرفة ما إذا كان تناول الميتفورمين يمكن أن يؤخّر ظهور مجموعة من الأمراض المرتبطة بالعمر، بما في ذلك السرطان ومرض الزهايمر.
ومع ذلك، يشير موقع “غزمودو” إلى أن أموال النفط السعودية حتى لو ساهمت في اكتشاف ينبوع الشباب، أو بالأحرى موّلته، فستظل السعودية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لمحو تاريخها المثير للجدل، الذي شوّهه سجلّها الدموي في مجال حقوق الإنسان.
ويشير توقيت المشروع في عام 2018 إلى أن “هيفولوشن” ونشاطها قد يكونان جزءًا من تلميع سمعة المملكة وولي عهدها، التي تراجعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بسبب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، على يد فرقة اغتيال تقول الولايات المتحدة إنها تصرفت بناءً على أوامر من الأمير الشاب.
كذلك، أثارت عمليات ضخّ أموال النفط السعودية الأخيرة في كل شيء من العقارات إلى شركات التكنولوجيا إلى الرياضات العالمية، اتهامات بأن المملكة تستخدم ثروتها للتستُّر على انتهاكات حقوق الإنسان وتعزيز صورتها العالمية، ومن الممكن أن يواجه مشروع “هيفولوشن” انتقادات مماثلة.
يبذل المسؤولون التنفيذيون في “هيفولوشن” قصارى جهدهم للإشارة إلى أنه رغم تمويلها من قبل العائلة المالكة، إلا أنها “منظمة غير ربحية وليست ذراعًا للحكومة السعودية”، ومع ذلك يشعر البعض بالقلق من أن العلماء الذين يريدون فقط تمويل أبحاثهم، يمكن أن “يوفروا غطاءً لحكومة متورطة في سلوك غير أخلاقي”، كما يقول المدير التنفيذي لمنظمة علماء من أجل المسؤولية العالمية، ستيوارت باركينسون.
هناك أيضًا بعض المخاوف من أن المشهد السياسي الداخلي في المملكة، والتحولات في اللعبة السعودية الكبرى في الشرق الأوسط، أو التغيير الحاد في ميول ابن سلمان الشخصية، يمكن أن ينتهي إلى وقف التمويل السخي بشكل غير متوقع، في حين يبقى السؤال الرئيسي الذي يطرحه العلماء هو ما إذا كان الممولون سيسمحون بإجراء أبحاث مستقلة وغير متحيزة.
إذا افترضنا السيناريو الأسوأ، ربما تنتهي مساعي مليارات ابن سلمان بالطريقة نفسها التي انتهى إليها مليارديرات وادي السيليكون، بعد أن أهدروا الوقت الثمين الذي لديهم، وسبقهم أشخاص أقوياء منذ فجر الحضارة، بدءًا من الملك جلجامش الذي سعى إلى الخلود قبل آلاف السنين لكنه فشل، إلى المستكشف الإسباني بونس دي ليون الذي كان أكثر من ارتبط اسمه بالبحث عن ينبوع الشباب.