في مقال نشرته “بلومبيرغ” الأمريكية قبل يومين، كتب دانيال شابيرو -الذي شغل منصب السفير الأمريكي في إسرائيل في عهد باراك أوباما- متوقعًا نشوب حرب جديدة مع حركة حماس في قطاع غزة. وقال شابيرو إنه يجب على الولايات المتحدة أن لا تبقى مكتوفة الأيدي في الدفاع عن “إسرائيل” وحمايتها من خطر “الإرهاب” على حد تعبيره، داعيًا في الوقت نفسه إلى دعم ترامب لدولة الاحتلال بأنظمة صاروخية متطورة في حربها على غزة. مشيرًا في الوقت نفسه أنه يجب على إدارة ترامب أن تستعين بمصر كطرف وسيط في حال اندلاع حرب بين حماس و”إسرائيل”، لإن مخابرتها قوية ولها علاقتها مع حماس والكيان الإسرائيلي في نفس الوقت، داعيًا إدارة بلاده عدم توسيط القطريين أو الأتراك لإنه “يجب عدم الثقة فيهم أو بوعودهم”، على حد تعبيره.
وفيما يلي النص الكامل لما كتب السفير الأمريكي السابق، والذي ترجمته “نون بوست” من “بلومبيرغ”:
تدل كل المؤشرات على إمكانية بروز صراع جديد، في أي لحظة، في قطاع غزة، حيث أعلن قادة حماس، مؤخرا، عن التزامهم بالكفاح المسلح ضد إسرائيل. في المقابل، صرح مدير جهاز الأمن العام الإسرائيلي “شاباك” أن إسرائيل على استعداد تام لإحباط الهجمات الإرهابية التي قد تشنها حماس في الضفة الغربية. والجدير بالذكر أن أي هجوم ناجح ضد إسرائيل سيكون كفيلا بإشعال فتيل نار الحرب في غزة من جديد.
في الواقع، على الرغم من أنه من الضروري منع اندلاع أي أعمال عنف أخرى في غزة، إلا أنه لا يجب أن نبقى مكتوفي الأيدي في حال نشب صراع بين مختلف الأطراف في غزة. وبصفتي سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، فقد شاركت في مفاوضات وقف إطلاق النار التي أنهت الصراع الدائر في غزة في سنة 2012 و2014. وقد خرجت بخلاصة مفيدة حول السبل الكفيلة باحتواء العنف وايقافه حال انطلاقه، أو منعه من الظهور من جديد.
في البداية، دعونا نسلط الضوء أولا على الطرف المسؤول عن معاناة أهالي غزة. في حقيقة الأمر، خصصت حماس، منذ استيلائها على الأراضي في قطاع غزة، في سنة 2007، بعد انسحاب إسرائيل الكامل منها في سنة 2005، جل مواردها لتهريب الأسلحة، وإطلاق الصواريخ، وبناء الأنفاق واختطاف الإسرائيليين متغاضية تماما عن ضرورة تحسين ظروف عيش سكان القطاع.
“من المرجح أن يندلع النزاع التالي بالطريقة نفسها. وفي حال وقوع ذلك، لا يجب أن نبدي أي تعاطف تجاه المعتدين؛ فحماس تعد منظمة إرهابية. فضلا عن ذلك، دعت هذه المنظمة علنا إلى تدمير إسرائيل من خلال الكفاح المسلح”
من جهة أخرى، استجابت إسرائيل لطلبات كل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وقامت بتخفيف القيود الاقتصادية تدريجيا على قطاع غزة، وسمحت بدخول مساعدات إنسانية كبيرة له. وفي الأثناء، أدت أعمال العدوان والهجمات الإرهابية التي كانت تقوم بها حماس، بصفة دورية، إلى نشوب صراعات جديدة، وبالتالي، عادت الأمور إلى ما كانت عليه من تأزم وربما أصبحت أسوأ.
وفقا لهذه المعطيات، من المرجح أن يندلع النزاع التالي بالطريقة نفسها. وفي حال وقوع ذلك، لا يجب أن نبدي أي تعاطف تجاه المعتدين؛ فحماس تعد منظمة إرهابية. فضلا عن ذلك، دعت هذه المنظمة علنا إلى تدمير إسرائيل من خلال الكفاح المسلح، كما تربطها علاقات مع متطرفين إقليميين آخرين أمثال إيران وتنظيم الدولة. ومع ذلك، لا ننكر قلقنا العميق بشأن أولئك الذين بقوا عالقين في تبادل إطلاق النار بين حماس، التي تتخذ من المدنيين دروعا بشرية، وجيش الدفاع الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة إلى أنه، وخلال المواجهات التي جدّت في سنة 2014، قتل مئات المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك العديد من الأطفال. أما من الجانب الإسرائيلي، فقد لقي ما يربو عن 40 جندي حتفهم، وعاش الملايين من المدنيين الإسرائيليين حالة من الرعب في ظل الصواريخ التي تستهدف منازلهم ومدارسهم ومواطن عملهم.
خلال مسيرتي المهنية، اكتسبت خبرة كافية، تسمح لي بأن أشير إلى مختلف الطرق التي قد تعتمدها الولايات المتحدة لمواجهة القتال المتجدد في غزة. وفيما يلي ذكر لأبرز الأسباب التي يمكن أن تتدخل من خلالها الولايات المتحدة في حال اندلاع حرب جديدة في قطاع غزة:
أولا، يجب على الولايات المتحدة تقديم دعم جماهيري قوي وعلني لإسرائيل
في الحقيقة، تعد الحيثيات المتعلقة بكيفية نشوب صراع جديد في غزة مسألة مهمة، ولكن السيناريو المحتمل، يتمثل في قيام حماس بالمبادرة أولا بشن هجمات على إسرائيل أو تصعيد المواجهات. ومن الأسباب التي تقف وراء ضرورة دعم الولايات المتحدة لإسرائيل هو حق تل أبيب في الدفاع عن نفسها. فضلا عن ذلك، يمكن أن يكون الدعم الأمريكي العام لإسرائيل مرفقا بدبلوماسية خاصة تهدف بالأساس لتشجيع إسرائيل على مضاعفة جهودها لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وتجنب العمليات الأكثر تطرفا، مثل الغزو البري.
في حقيقة الأمر، استطاع الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، تحقيق هذا التوازن في سنة 2012، من خلال التصريحات العلنية والاتصالات الخاصة المستمرة مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو. وفي سنة 2014، ومع استمرار الصراع وارتفاع عدد الضحايا، أخذ مستوى التنسيق بيننا في التراجع. وعلى الرغم من ذلك، أشاد كبار ضباط الجيش الأمريكي بالإجراءات التي اتخذتها إسرائيل للحد من حجم الخسائر في صفوف المدنيين، في حين شدد نظرائهم بالجيش الإسرائيلي على ضرورة مضاعفة هذه الجهود.
ثانيا، عندما يتعلق الأمر بمفاوضات وقف إطلاق النار، لا بديل عن مصر كطرف رئيسي
في الواقع، تعد مصر الدولة الوحيدة التي تجمعها علاقات وطيدة مع كلا الجانبين، وذلك من خلال معاهدة السلام مع إسرائيل، والقنوات الاستخباراتية الفريدة من نوعها مع حماس. وبالتالي، من المرجح أن تعمل مصر بفعالية وسيطا بين الطرفين. ولقد تجسد ذلك في فترة حكم الإخوان المسلمين في سنة 2012، من ثم عندما تولى الرئيس، عبد الفتاح السيسي السلطة في سنة 2014.
“يعتبر تحسن علاقات مصر مع حركة حماس مؤشرا إيجابيا لاحتواء الصراع. وفي حين تدرك مصر جيدا كيف يمكنها الضغط على حماس”
ومن هذا المنطلق، يجب أن تتكفل الولايات المتحدة بتقديم الدعم فقط، دون السعي لقيادة المفاوضات. والجدير بالذكر أنه، وخلال مفاوضات سنة 2014، حاولت الولايات المتحدة وضع كل ثقلها، ولكنها اكتشفت لاحقا أنها وضعت نفسها في موقف محرج، حيث وجدنا أنفسنا عالقين بين حليفتنا الديمقراطية ومنظمة إرهابية (عن طريق الوكلاء الأتراك والقطريين)، الذين لا يمكننا أن نثق فيهم، ولا في وعودهم.
عموما، يعتبر تحسن علاقات مصر مع حركة حماس مؤشرا إيجابيا لاحتواء الصراع. وفي حين تدرك مصر جيدا كيف يمكنها الضغط على حماس، تعي الحركة أن لديها الكثير لتخسره إذا ما همشت الحكومة التي تقيد تحركاتها بشكل كبير.
ثالثا، يجب على الولايات المتحدة أن تكون على أهبة الاستعداد لمواصلة تقديم المساعدة لإسرائيل فيما يتعلق ببرامج الدفاع الصاروخي الناجحة
يعتبر نظام القبة الحديدية، الذي يحظى بأكثر من 1.3 مليار دولار من الاستثمارات الأمريكية، عاملا رئيسيا في احتواء الصراعات، الأمر الذي منح القادة الإسرائيليين الوقت الكافي والمرونة اللازمة لتحديد سبل الاستجابة لأي تهديد. فعلى سبيل المثال، وفي سنة 2014، تصدت القبة الحديدية لأكثر من 700 صاروخا صوب باتجاه مناطق مأهولة بالسكان. وتجدر الإشارة إلى أنه في حال سقط صاروخ واحد وتسبب في وقوع خسائر فادحة ومقتل ضحايا، فسيواجه القادة الإسرائيليين ضغوطا كبيرة من قبل المدنيين للقيام بغزو بري شامل لقطاع غزة.
“إذا كانت إسرائيل في حاجة إلى إمدادات ضرورية في حالات الطوارئ لتطوير القبة الحديدية، فيجب أن تسارع الإدارة والكونجرس الأمريكي لتقديم الدعم اللازم لها، تماما مثلما حدث في سنة 2014”
ووفقا لما ذكر آنفا، يعود الفضل في إنقاذ حياة كل من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى القبة الحديدية. وبالتالي، إذا كانت إسرائيل في حاجة إلى إمدادات ضرورية في حالات الطوارئ لتطوير القبة الحديدية، فيجب أن تسارع الإدارة والكونجرس الأمريكي لتقديم الدعم اللازم لها، تماما مثلما حدث في سنة 2014.
رابعا، يجب على الولايات المتحدة أن تقود الجهود الدولية، وأن تعمل مع إسرائيل ومصر، لتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة في حال وقوع أي نزاع بين الطرفين
خلال المواجهات التي اندلعت سنة 2014، سمحت إسرائيل باستمرار تدفق السلع الاستهلاكية والإمدادات الإنسانية إلى غزة. علاوة على ذلك، أمنت إسرائيل الكهرباء لقطاع غزة بعد أن أطلقت حماس صواريخها باتجاه محطة توليد الكهرباء التي كانت تمد المنطقة بالطاقة. خلافا لذلك، أدت الضربات الجوية الإسرائيلية إلى تدمير وتهديم العديد من المنازل والمرافق العامة والبنى التحتية.
في ذلك الوقت، كان من المهم للغاية تقديم مساعدات إنسانية واسعة النطاق لضمان توفير الغذاء والمأوى للمدنيين، ومنع تفشي الأمراض. ولذلك، توجه مسؤولو جيش الدفاع الإسرائيلي، في ظل شعورهم بالمسؤولية تجاه الوضع الإنساني المتدهور في المنطقة، إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للتنسيق معها فيما يتعلق بالجهود المبذولة لمساعدة المدنيين. وبالتالي، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون على أتم الاستعداد للاضطلاع بهذا الدور الريادي من جديد.
وأخيرا، يجب على الولايات المتحدة أن تدعو إلى إعادة تأهيل واسعة النطاق، مقابل انتزاع السلاح من حماس بالكامل
في الواقع، يعتبر هذا الإجراء الحل الوحيد الذي يمكن أن يخفف من معاناة أهالي غزة ويمنع نشوب صراع جديد. إثر المواجهات التي شهدتها غزة في سنة 2014، حاول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تمرير قرار يخص هذا الشأن، ولكنه فشل في ذلك. وفي ظل تغير المعطيات، يجب أن يعاد النظر في هذا القرار مرة أخرى.
على مدى عقد من الزمن، أولت حماس جل اهتمامها لشن حروب مدمرة ضد إسرائيل، التي كان لا طائل منها، على حساب تركيز جهودها لتحسين ظروف عيش الفلسطينيين. في المقابل، هناك جملة من الوسائل لقلب هذه المعطيات، وذلك من خلال تشجيع المانحين الدوليين، الذين أنهكهم الخوف المستمر من الصراع الدائم في قطاع غزة، على المشاركة في برنامج واسع لإعادة تأهيل الإسكان والبنية التحتية في غزة. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إزالة ترسانة حماس، وتدمير الأنفاق التي تعتمدها الحركة لشن هجماتها، وتركيز نظام مراقبة لضمان منعها من إعادة التسلح.
“يتعين على السلطة الفلسطينية، بدعم من إسرائيل ومصر، أن تتبنى دور الضامن والمتحكم في معابر غزة الحدودية”
من ناحية أخرى، توجد العديد من الأفكار والحلول المبتكرة التي من شأنها أن تسمح باستيراد البضائع التي تحتاجها غزة ولإعادة بناء المنطقة وضمان عدم استئناف تهريب الأسلحة، على غرار بناء جزيرة على مشارف غزة مع ميناء ومطار. ولكن يتعين على السلطة الفلسطينية، بدعم من إسرائيل ومصر، أن تتبنى دور الضامن والمتحكم في معابر غزة الحدودية، وهي الخطوة الأولى حتى تتمكن من حل محل حماس والسيطرة على كامل أراضيها.
على العموم، من المهم أن ندرك أن أي صراع ينشب في قطاع غزة سيشكل تهديدا حقيقيا للسلطة الفلسطينية، التي سيلقى على عاتقها مسؤولية كبح جماع أهالي غزة مرة أخرى، الأمر الذي سيدفع العديد من الأطراف لاتهامها بأنها تتعاون مع إسرائيل. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يفضي الصراع المطول في غزة إلى انهيار السلطة الفلسطينية، وتبديد كل الآمال بشأن حل الدولتين.
ربما لا تستطيع الولايات المتحدة وقف جولة أخرى من المواجهات في غزة، والحد من المعاناة التي سيواجهها الفلسطينيون والإسرائيليون على حد السواء. ولكن يمكننا، بل ينبغي علينا، أن نكون على أهبة الاستعداد لبذل كل جهودنا لاحتواء هذا الصراع وإنهائه، والعمل على ضمان عدم نشوب أي صراع آخر في المستقبل.
المصدر: بلومبرغ