تكبدت دولة الاحتلال الإسرائيلي هزيمة كبرى، بعدما شنت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، عملية عسكرية مباغتة.
بدأت العملية عبر هجوم صاروخي واسع استهدف مختلف المستوطنات الإسرائيلية، وتزامن ذلك مع اقتحام بري من المقاومين عبر السيارات رباعية الدفع والدراجات النارية والطائرات الشراعية وغيرها للمستوطنات المتاخمة لغزة، وسيطروا على عددٍ من المواقع العسكرية خاصة في سديروت، ووصلوا أوفاكيم، واقتحموا نتيفوت.
خلال هذه العملية قتلت المقاومة الفلسطينية أكثر من 1400 إسرائيلي – في حصيلة هي الأكبر منذ عقود – كما أسروا عددًا من الجنود والمدنيين واقتادوهم إلى غزة، فضلًا عن اغتنام مجموعةٍ من الآليات العسكرية الإسرائيلية.
كانت صدمة الإسرائيليين كبيرة، وهو ما يفسر همجية جيش الاحتلال، وللتغطية على فشله الاستخباراتي والأمني، استهدف الكيان الإسرائيلي المدارس والمستشفيات ودور العبادة والوحدات السكنية في غزة، ودفع الأموال الكثيرة لتشويه المقاومة وتبييض صورته.
لم يستفق الكيان الصهيوني من صدمة يوم السابع من أكتوبر، حتى تلقى صفعات جديدة أهمها فيديوهات الأسرى التي تتهم حكومة بنيامين نتنياهو بالعجز السياسي والأمني والعسكري والدبلوماسي، ما من شأنه أن يرجع حكومة نتنياهو إلى الوراء مجددًا ويؤكد تفوق المقاومة وسيطرتها على الوضع، رغم محاولة الإسرائيليين تدارك الأمر عبر بث العديد من الأكاذيب الجديدة.
فيديوهات الأسرى
بثت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أمس الإثنين، تسجيلًا مصورًا لثلاث أسيرات تحتجزهن منذ الهجوم الذي شنته على الكيان الإسرائيلي، وظهرن وهن يوجهن رسالة حادة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
ظهرت الأسيرات وهن يجلسن على كراسٍ بلاستيكية وخلفهن بلاط أبيض اللون لمدة 76 ثانية، وطالبت إحداهن بإعادتهن إلى منازلهن وإطلاق سراح جميع المحتجزين مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
وقالت إحداهن في التسجيل موجهة كلامها لنتنياهو: “نحن بهذا الوضع بسبب إخفاقك، وأنت ملزم بإطلاق سراحنا جميعًا”، وقالت رهينة أخرى: “نعلم أنه كان هناك مطلب لوقف إطلاق النار، وكان من المفترض أن تطلقنا جميعًا، كنت ملزمًا بإطلاق سراحنا جميعًا، وبدلًا من ذلك نحن نعاني من عجزك السياسي والأمني والعسكري والدبلوماسي”.
“نحن هنا بسبب فشلك السياسي والأمني والعسكري، أنت تريد أن تقتلنا”.. أسيرة إسرائيلية لدى حمــ ـاس توّجه رسالة لنتنياهو من #غزة. #غزة_تنتصر pic.twitter.com/Yt3yz3jNGN
— نون بوست (@NoonPost) October 30, 2023
قالت إحدى الأسيرات لنتنياهو: “نحن مواطنات بريئات، ندفع الضرائب لدولة إسرائيل، نوجد الآن في الأسر في ظل شروط بلا شروط”، ثم ختمن بالقول: “حررنا الآن، حرر الأسرى الفلسطينيين، اسمح لنا بالعودة إلى عائلاتنا الآن”.
وقبل ذلك، نشرت المقاومة الفلسطينية فيديو للإفراج عن أسيرتين إسرائيليتين لديها، وكان من اللافت في مشهد التسليم أن إحداهما أصرت على أن تحيي عناصر المقاومة، وقد انتشر هذا الفيديو على نطاق واسع، رغم المحاولات الإسرائيلية لتقييد الوصول إليه.
حكومة الاحتلال تختلق الأكاذيب
لمواجهة هذا الفيديو وتأثيره الكبير على المجتمع الإسرائيلي و”تماسكه”، سارعت حكومة الاحتلال الإسرائيلية كعادتها إلى خلق الأكاذيب، وهذه المرة عبر ادعاء تحرير مجندة محتجزة لدى المقاومة، حيث ذكر بيان مشترك للجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) أنه “تم الليلة (ليلة أمس) إطلاق سراح المجندة أوري مجيديش، خلال عملية برية”، وأن “حالتها جيدة والتقت عائلتها”.
من جهتها، قالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، إنه تم الإعداد مطولًا للعملية العسكرية التي أدت إلى الإفراج عن الجندية، وأضافت أن أوري مجيديش كانت محتجزة بمفردها ولم يصب أي جندي إسرائيلي خلال العملية، لكن تبقى المعلومات عن هذه العملية البرية ضئيلة.
🛑 إعلام الاحتلال : عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة تناشد خلال مظاهرة في تل أبيب، حكومة نتنياهو الإسراع بعقد صفقة أسرى وقالوا: “في النهاية سيكون هناك صفقة تبادل، ماذا تنتظرون، لماذا تضيعون الوقت، أهلنا أُسِروا في غزة – العار على نتنياهو فليذهب إلى السجن
— شمس نيوز الإخبارية_Shms news (@Shmsnews2023) October 14, 2023
في مقابل ذلك، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، إنه لن يكشف أي تفاصيل تتعلق بظروف تحرير المجندة، وهو ما يشكك في مصداقية الرواية الإسرائيلية، وبالنظر إلى القائمة الرسمية الصادرة عن السلطات الإسرائيلية بشأن الأسرى لدى حماس، لم يكن اسم المجندة المعلن تحريرها ضمنها، لكن تم إضافة الاسم بعد الإعلان عن تحريرها مباشرة، وفق ما تداوله ناشطون فلسطينيون من معلومات عن المجندة.
فضلًا عن ذلك، تداول الناشطون صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، قالوا إنها صورة لصفحة أوري مجيديش على منصة فيسبوك وتظهر أنها نشرت تعليقًا يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، أي بعد 5 أيام من معركة طوفان الأقصى، ما يؤكد أنها لم تكن ضمن أسرى كتائب القسام في عملية طوفان الأقصى.
كما أن الحالة التي ظهرت عليها المجندة الإسرائيلية من تسريحة الشعر ولون طلاء الأظافر الذي يبدو جديدًا تؤكد أن أوري مجيديش لم تكن في الحجز لمدة 22 يومًا، ما ينفي صحة الرواية الإسرائيلية بشأن عملية تحريرها من المقاومة.
رسائل قوية للداخل الإسرائيلي
فشلها في تحقيق أي تقدم في مسألة الأسرى لدى المقاومة، دفع حكومة الاحتلال لاختلاق الأكاذيب، وقد سارت على نهجها وسائل الإعلام الغربية الموالية لها وانساقت لروايتها دون أن تبحث عن مدى مصداقيتها، رغم أن أدلة كذبها كثيرة.
فضلًا عن خلق الأكاذيب، منعت الحكومة الإسرائيلية جميع وسائل الإعلام المحلية من بث التسجيل المصور للمحتجزات الثلاثة في غزة، كما تم حظر تناقل الفيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعي في “إسرائيل”، إذ سبق أن أصدر الرقيب العسكري تعليمات بمنع نشر أي معلومات تتعلق بسير الحرب على قطاع غزة إلا بعد الاطلاع عليها من أجهزة الاستخبارات والرقيب العسكري.
هذه الإجراءات الهدف منها التخفيف من وطأة فيديو الأسيرات على المجتمع الإسرائيلي، إذ أثبتت المقاومة الفلسطينية أولًا أنها تحافظ على حياة الأسرى وحريصة على سلامتهم وأمنهم، عكس كيان الاحتلال الذي يقصف غزة غير مكترث بحياة الأسرى، ما أدى لمقتل نحو 50 منهم نتيجة هذا القصف العشوائي.
يؤكد هذا الفيديو أيضًا أن الحكومة الإسرائيلية لا تأخذ ملف الأسرى على محمل الجد في الوقت الحالي، فالمقاومة الفلسطينية عرضت إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكن حكومة نتنياهو ردت على هذا العرض بتكثيف قصف المدنيين.
نظم المئات من عائلات أسرى إسرائيليين محتجزين لدى “#الفصائل_الفلسطينية” في #غزة، مظاهرة وسط #تل_أبيب، طالبوا خلالها برحيل رئيس الوزراء #بنيامين_نتنياهو وتحرير أبنائهم.#نتنياهو #Gaza #Palestine #إسرائيل #فلسطين #طوفان_الأقصى #القدس #الجيش_الاسرائيلي #العالم_الجديد pic.twitter.com/zZKEyZ16Bc
— العالم الجديد (@aalam_jadeed) October 22, 2023
كان ممثلون عن ذوي الأسرى الإسرائيليين الموجودين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة قد طلبوا من نتنياهو إعادة ذويهم قبل أي عملية برية، مؤكدين قبولهم بصفقة تبادل تقوم على مبدأ “الجميع مقابل الجميع”، وحمّلوا الحكومة وحدها مسؤولية سلامة ذويهم، فيما تظاهر أفراد من عائلات الأسرى أمام منزل نتنياهو في كيساريا جنوبي حيفا.
ويواصل الطيران الحربي الإسرائيلي قصفه قطاع غزة بإسناد بري وبحري، في ظل فشله إلى اليوم في تحقيق أي تقدم ملموس على الأرض، ففصائل المقاومة نجحت في التصدي لمحاولته المتكررة للتوغل في غزة.
ضعف إسرائيلي
خلق الأكاذيب ومنع تداول فيديوهات الأسرى والمقاومة والتضييق على الأسيرات المفرج عنهن، يؤكد ضعف الكيان الإسرائيلي وسيطرة المقاومة الفلسطينية على مجريات الأمور في قطاع غزة.
وإلى الآن، لم يتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أي هدف من أهدافه المسطرة من الحرب على غزة، ذلك أنه عجز عن إجبار الفلسطينيين على مغادرة شمال غزة والتوجه جنوبًا ومن ثمّ تهجيرهم إلى سيناء المصرية، ما يعني أن هدف التهجير لم يتحقق.
أيضًا تحدث كيان الاحتلال في البداية عن اجتياح كامل لقطاع غزة في فترة وجيزة، لكن ذلك لم يحصل، وحسب تطورات الوضع من المستبعد أن يحدث، فالمقاومة أثبتت شراسة كبيرة لم يتوقعها الاحتلال للتصدي لمحاولات الاجتياح، وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية للاكتفاء باختراقات بسيطة لأراض زراعية غير سكنية.
موقع دفار العبري:
عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة تناشد خلال مظاهرة في تل أبيب، حكومة نتنياهو الإسراع بعقد صفقة أسرى وقالوا: “في النهاية سيكون هناك صفقة تبادل، ماذا تنتظرون، لماذا تضيعون الوقت، أهلنا أُسِروا في غزة – العار على نتنياهو فليذهب إلى السجن” pic.twitter.com/xFhQZyHr1O— حسام الغمري (@HossamAlGhamry) October 14, 2023
من أهداف حكومة نتنياهو أيضًا القضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس وذراعها العسكرية “كتائب القسام”، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، فليس من السهل التغلب على المقاومة الفلسطينية التي اكتسبت قوة كبيرة خلال السنوات الأخيرة.
أما عن هدف تحرير الأسرى من قبضة المقاومة، فهذا أيضًا لم يتحقق كما قلنا في البداية، وأكدت بعض المعطيات أن الحكومة الإسرائيلية غضت الطرف عنه ولم تعد تهتم بهذا الأمر، ما يفسر القصف العشوائي للأحياء السكنية التي يوجد فيها الأسرى.
بالمحصلة، أثبتت المقاومة الفلسطينية طيلة الأيام المتواصلة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أنها مسيطرة على مجريات الوضع، فرغم ارتفاع حصيلة شهداء العدوان، فإن المقاومة كبدت العدو الإسرائيلي خسائر كبرى لم يعتدها.