في الثاني من مايو 2017، يفترض أن يبدأ العمل رسميًا بالنظام الجديد لمحافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، وفقًا لما أعلنه محافظها اللواء أحمد سعيد بن بريك يوم السبت 22 من أبريل خلال أعمال مؤتمر حضرموت الجامع.
ومؤتمر حضرموت بدأت الإمارات العربية المتحدة تعد له منذ أبريل 2016، عندما أطاح الرئيس اليمني برجلها في اليمن المهندس خالد محفوظ بحاح من منصب نائب الرئيس، وحاولت أن تضع له زخمًا أكبر من خلال دعوة أثرياء حضرموت الذين حصلوا على الجنسية السعودية (محمد بقشان وعبد الله بن محفوظ محمد العمودي وأسرة ابن لادن)، إلا أنهم رفضوا بحجة أن لا علاقة لهم بالسياسة، وفي حقيقة الأمر الرياض منعتهم من ذلك، خوفًا من أن تتصاعد وتيرة تجزئة اليمن.
ابن بريك محافظ حضرموت وأحد رجال الإمارات في المحافظة دعا في المؤتمر أبناء الجنوب إلى العمل على بناء أقاليمهم وترك ما أسماه “المهاترات والتعصب المناطقي المقيت”، نافيًا في ذات الوقت انفصال حضرموت، لكنه لم يذكر فيها اليمن.
انتهى المؤتمر بتوصيات موزعة على 40 بندًا وهي ملخص لدستور تم إعداده في 2013، وهو طي الكتمان وحصل “نون بوست” على نسخة منه، وحظي بموافقة الإمارات العربية المتحدة، لكونه يمهد لاستقلال حضرموت وانفصالها عن اليمن.
أهم ما جاء في توصيات “المؤتمر” هي البنود 9 و10 و11 والتي ترسم ملامح دولة قادمة لا علاقة لها باليمن، فقط طالبت تلك التوصيات بتوسيع صلاحيات السلطة المحلية والبرلمان، وأن لسلطات حضرموت الحق في توقيع والتصديق على المعاهدات والعقود في مجال الثروات النفطية والغاز والاستثمار والأسماك
أهم ما جاء في توصيات “المؤتمر” هي البنود 9 و10 و11 والتي ترسم ملامح دولة قادمة لا علاقة لها باليمن، فقط طالبت تلك التوصيات بتوسيع صلاحيات السلطة المحلية والبرلمان، وأن لسلطات حضرموت الحق في توقيع والتصديق على المعاهدات والعقود في مجال الثروات النفطية والغاز والاستثمار والأسماك، وهذه غالبًا تكون من مهام برلمان وسلطات الدولة الاتحادية أو بالتوافق بين الطرفين دون أن يتفرد بها الإقليم، إضافة إلى أن التوصيات طالبت بوجود 40% من ممثلي حضرموت في السلطات الثلاثة ويقصد بها التشريعية والتنفيذية والقضائية، مما يتعارض مع مخرجات الحوار من زاويتين.
أولاً: مؤتمر الحوار الوطني اليمني (18 من مارس 2013 إلى 25 من يناير 2014 ) أقر 50% للجنوب بشكل كامل، وتوصيات مؤتمر حضرموت يطالب بـ90% من ذلك، وهو ما يعني نسفًا لمؤتمر الحوار الوطني الذي ينشده الرئيس اليمني.
ثانيًا: توصيات المؤتمر تتعارض مع الدولة الاتحادية ككل، فوفقًا لهذه الحسبة لن تكفي الوظائف العليا لكل الإقاليم والأمر ذاته ينطبق على المطالبة بالوجود في هيئة الدستور، كما أن البنود أعلنت استقلال حضرموت كإقليم بذاته دون شبوة والمهرة وسقطرى التي اتفق عليه أعضاء مؤتمر الحوار الوطني.
تدشين تجزئة اليمن
ينص البند رقم 11 من توصيات المؤتمر على “يحق لأبناء حضرموت ترك الاتحاد متى رأوا أنه لم يعد على النحو الذي اتُّفِقَ عليه، بما يضمن امتلاكه لحقوقه كافة، ويحفظ الهوية الحضرمية، وبخاصةٍ الهوية الثقافية والاجتماعية والمدنية، وهذا يتوافق مع المادة الثامنة من دستور حضرموت، أي أن هناك نية مبيتة لإعلان حضرموت دولة مستقلة تمر عبر الإقليم، وهذا ما تدعمه الإمارات العربية المتحدة.
المادة الثامنة من مشروع دستور حضرموت
ومع إعلان السعودية تكوين تحالف عسكري “عاصفة الحزم”، كانت أنظار الإمارات الدولة رقم 2 في الحملة، تتجه صوب عدن والمواني بصورة خاصة من أجل السيطرة عليها، وبسط نفوذها لضمان السيطرة عليها واستعادة أمجاد الاحتلال البريطاني، ولذلك كانت الدولة السباقة في إرسال قوات عسكرية وقادت الهجوم البرمائي على عدن في صيف العام 2015، حتى بعدما رفض الأمريكيون طلبهم بمساعدة القوات الخاصة الأمريكية.
تمكنت الإمارات من ترسيخ قوتها وسيطرتها على المطار، واستمالت الجماعات الجهادية من السلفيين لعداء الإخوان المسلمين، وعملت توازن بين القوى المحلية وغذت أفكارهم بأهمية انفصال عدن (الخليجية) عن اليمن
وبعد أن سيطرت على عدن، تعاونت مع قوات انفصالية بعضها مدعومة من إيران وأخرى مكونة من قوات محلية تم تدريبها في الإمارات للسيطرة على الوضع الأمني، وبدأت تحارب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) على اعتبار أنهم من أدوات الرئيس اليمني السابق، فضلاً عن إشرافها على ترحيل أبناء الشمال من عدن إلى مناطقهم على اعتبار أنهم من تنظيم القاعدة أو أدوات له، كما أطلق عملاؤها في عدن على ذلك.
تمكنت الإمارات من ترسيخ قوتها وسيطرتها على المطار، واستمالت الجماعات الجهادية من السلفيين لعداء الإخوان المسلمين، وعملت توازن بين القوى المحلية وغذت أفكارهم بأهمية انفصال عدن (الخليجية) عن اليمن، وفي نفس الوقت عملت على تمديد قواتها صوب حضرموت وسقطرى في البحر العربي ساعية منها لبناء قواعد عسكرية هناك، لكن الوجود السعودي في حضرموت يبدو أنه يزعجها، فعملت على استكمال سيطرتها على الساحل الجنوبي لليمن، وتسعى لفصل المنطقة بكاملها عن عدن بل واليمن بشكل عام.
إن نجاح انفصال حضرموت عن عدن سوف يقلل من حظوظ شق قناة سلمان التي تسعى إليها المملكة العربية السعودية والتي من المقرر أن يتوافر فيها كل ما تحتاجه الباخرة والسفينة العملاقة، فتعجلت الإمارات بغزو حضرموت و”تحريرها من القاعدة” لتسيطر عليها عسكريًا ولتضمن نفوذها هناك وعدم انفصالها عن القيادة الإماراتية وتبقى ورقة مقايضة مع السعودية، وهذا يشير إلى تفاقم الخلاف بين الدولتين الأساسيتين في حملة عاصفة الحزم.
وفي الحقيقة إن هذا المؤتمر جاء بما لا تأمله الإمارات نتيجة لعدم معرفتها مالذي تريده بالضبط من الجنوب، انفصال جغرافي أو سياسي أو عسكري، أو أن يبقى الجنوب تحت إدارتها.
توقيت الإعلان
جاء توقيت المؤتمر بعد عام من دخول القوات الإماراتية إلى محافظة عدن وخوض حرب بسيطة مع تنظيمات سلفية قيل إنها تتبع تنظيم القاعدة، وبعد أشهر قليلة من تصاعد الخلاف بين رجالات الإمارات العربية المتحدة والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي طرد من عدن هو وحكومته بداية شهر أبريل الحالي.
وخلال الفترة الماضية توترت العلاقة بين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والإمارات العربية المتحدة، منذ أن أقال هادي خالد بحاح من منصبه كنائب له ورئيس للوزراء، واستبدل به الجنرال علي محسن الأحمر الوجه البارز لحزب الإصلاح (إخوان اليمن).
رغم محاولة السعودية أن تتوسط بين هادي والإمارات، فإنها فشلت، وزادت بعد أن جاء قرار رئاسي آخر بتغيير قائد حماية أمن مطار عدن صالح العميري – المحسوب على أبو ظبي – الذي رفض قرار الرئيس بتغييره من منصبه، بعد أيام من منع قوات إماراتية هبوط طائرة الرئيس هادي
ورغم محاولة السعودية أن تتوسط بين هادي والإمارات، فإنها فشلت، وزادت بعد أن جاء قرار رئاسي آخر بتغيير قائد حماية أمن مطار عدن صالح العميري – المحسوب على أبو ظبي – الذي رفض قرار الرئيس بتغييره من منصبه، بعد أيام من منع قوات إماراتية هبوط طائرة الرئيس هادي، ما اضطره إلى تغيير وجهته نحو مطار جزيرة سقطرى.
ولذلك عملت الإمارات على دعم هذا المؤتمر، وإخراجه بصيغة أخرى غير تلك التي يتبناها الرئيس اليمني بجعل اليمن دولة فيدرالية لضرب مشروعه في مقتل، ومن ثم إثارة مخاوف الشعب اليمني من مشروع هادي الذي قد يصور لهم أنه يعمل على تجزئة اليمن إلى دويلات متناحرة.
دستورية رسائل المؤتمر
رغم أن المؤتمر جاء نكاية بالرئيس هادي، وأثار جدلاً واسعًا في الوسط الشعبي والنخبة السياسية نتيجة لبعض البنود التي أقرها المؤتمر الحضرمي الجامع، فالحكومة اليمنية باركت ذلك، ودعت بقية المحافظات الأخرى إلى البدء بمرحلة تقسيم وتدشين أقاليمها.
الإعلان الحكومي يبدو أنه جاء فقط لنكاية الإمارات رغم أنها تعلم أن ذلك ليس دستوريًا، وإن كانت تعتمد على الدستور الذي لم ير النور حاليًا وشرعته دون مجلس النواب اليمني، أو الاستفتاء الشعبي على مواده فهذا يعني أن ما يعلنه ليس له أثر قانوني أو دستوري وهو بحكم العدم، وإعلان المحافظات إقليم خاص بها، خالف للدستور ويعتبر انفصال من جانب واحد.
إن مؤتمر حضرموت محاولة لتأكيد هوية خاصة للمحافظة وخروج عن الهيمنة التقليدية لقوى النفوذ في الجنوب والشمال، وأنه خطوة تمثل ضربة موجعة لحركة الانفصال في الجنوب ولفكرة الأقاليم التي يتبناها عبد ربه منصور هادي
ولهذا نستطيع القول كتحليل برؤية مستقلة، إن مؤتمر حضرموت محاولة لتأكيد هوية خاصة للمحافظة وخروج عن الهيمنة التقليدية لقوى النفوذ في الجنوب والشمال، وأنه خطوة تمثل ضربة موجعة لحركة الانفصال في الجنوب ولفكرة الأقاليم التي يتبناها عبد ربه منصور هادي.
لكنها فكرة لن يكتب لها النجاح، لأن ذلك مرتبط بتوفر أسس دستورية وعسكرية ودعم إقليمي ودولي حتى الآن، ومن غير الإمارات لا يبدو واضحًا أو متوفرًا، ولهذا ستظل رسالة سياسية لأطراف عديدة ويرتبط نجاحها بالمتغيرات على الأرض ومصير الحرب وتفاهمات السلام.