ترجمة وتحرير نون بوست
“قد تستغل الدول ذات النوايا العدائية التواصل الذي يعتبر قلب العولمة لتعزيز أهدافها … […] تعد المخاطر المطروحة عميقة وتمثل تهديدا أساسيا لسيادتنا”.
أليكس يونجر، جهاز الاستخبارات البريطاني، ديسمبر/ كانون الأول سنة 2016.
“إنها ليست مهمة جهاز المخابرات البريطاني للتحذير من التهديدات الداخلية. لقد كان خطابا غريبا جدا. هل كان أحد فروع جهاز المخابرات البريطاني يقوم باستهداف فرع آخر؟ أم هل هو موجه إلى حكومة تيريزا ماي؟ هل هي على علم بشيء ما نحن نجهله ولا تريد أن تخبرنا به؟”.
محلل كبير في جهاز الاستخبارات، أبريل/ نيسان 2017.
في يونيو/ حزيران سنة 2013، كانت خريجة أمريكية شابة تدعى صوفي تمر عبر طرقات لندن عندما اتصل بها مدير إحدى الشركات التي خضعت لتدريب فيها. كانت هذه الشركة عبارة عن مجموعة مختبرات للاتصالات الإستراتيجية، التي اشتراها روبرت ميرسر، أحد المليارديرات السريين في صندوق التحوط (المحفظة الوقائية)، والتي تعرف باسم “كامبريدج أناليتيكا”. وقد لاقت الشركة رواجا كبيرا في صفوف شركات تحليل البيانات للدور المهم الذي لعبته في حملة ترامب الانتخابية وحملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ولكن كل هذه المعطيات لم تكن قد وقعت بعد على أرض الواقع. ففي سنة 2013، كانت بريطانيا منغمسة في الاحتفال بدورة الألعاب الأولمبية، كما لم تكن قد تطرقت بعد لمسألة خروجها من الاتحاد الأوروبي. وإلى حد ذلك الوقت، لم يمر العالم بأي محن تذكر. وفي هذا الصدد، أخبرني أحد موظفي “كامبريدج أناليتيكا” سابقا والذي سأطلق عليه اسم بول، “حدث ذلك قبل أن نصبح شركة بيانات مظلمة سرية ونمنح العالم ترامب. آنذاك كنا مجرد شركة “حروب نفسية””.
في الأثناء، بادرت بطرح السؤال التالي على بول “هل حقا كان ذلك اختصاص الشركة التي كنت تعمل بها، “الحروب النفسية”؟”. فأجابني بول قائلا: “نعم، هذا ما هي عليه، شركة تقوم بعمليات نفسية، وتعتمد الأسلوب ذاته التي تستخدمه الجيوش للتأثير على مشاعر عامة الشعب. ويعني هذا الأسلوب “الظفر بقلوب وعقول الأشخاص”. في الواقع لقد كنا نقوم بذلك فقط للفوز بالانتخابات في البلدان النامية التي لا تخضع للعديد من القوانين والقواعد“.
وطرحت على بول سؤالا آخر، “لماذا قد يرغب أي شخص في أن يتدرب في شركة “حرب نفسية”؟”. فرفع بول رأسه ونظر لي كما لو أنني شخص مجنون، وأجابني “كان الأمر شبيها بالعمل لصالح جهاز المخابرات البريطانية. كانت شركة بريطانية فاخرة، يديرها خريجو جامعة إيتون. فضلا عن ذلك، سيتسنى لك أثناء عملك أن تقوم بالعديد من الأمور الرائعة كالسفر إلى جميع أنحاء العالم. كنا نعمل في الغالب مع رئيس غانا أو كينيا أو في أي مكان آخر. في الواقع الحملات الانتخابية هناك لا تشبه الحملات الانتخابية في الغرب. كنا مطالبين بالقيام بالعديد من الأمور الجنونية”.
في ذلك اليوم من شهر يونيو/ حزيران سنة 2013، اجتمعت صوفي مع الرئيس التنفيذي لمجموعة مختبرات الاتصالات الاستراتيجية، ألكسندر نيكس، وقدمت له “بذرة فكرة”، حيث أخبرته أنه “في حاجة ماسة للوصول إلى البيانات”، واقترحت عليه أن يتواصل مع شركة يملكها شخص ما تعرفه عن طريق والدها.
من هو والدها؟
“إيريك شميت”
إيريك شميت، رئيس مجلس إدارة شركة غوغل؟
“نعم، لقد اقترحت على ألكسندر أن يقابل شركة تدعى “بالانتير”
في الحقيقة، تحدثت إلى الموظفين السابقين في كامبريدج أناليتيكا لعدة أشهر، واستمعت إلى العشرات من القصص المخيفة، لقد كنت حقا متفاجئ من سماع كل تلك الحقائق. بالنسبة لكل الأشخاص الذين يشعرون بالقلق تجاه مراقبة الشركات لهم، أظن أن بالانتير إحدى أبرز الشركات في هذا المجال. تجمع هذه الشركة التي تعنى باستخراج البيانات العديد من عقود مع عدة حكومات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية ووكالة الأمن القومي الأمريكية. ويمتلك هذه الشركة الملياردير بيتر ثيل، المؤسس المشارك لكل من “إيباي” “وباي بال”، الذي يعد من بين أول المؤيدين لترامب في وادي السيليكون.
من جانب آخر، يعد ظهور ابنة إريك شميت للتعريف بشركة “بالانتير” مجرد جزئية غريبة أخرى تنضاف إلى بقية التفاصيل الغامضة التي اكتشفتها أثناء بحثي المعمق في حيثيات هذه المسألة. مما لا شك فيه أن هذه الجزئية مثيرة للريبة ولكنها تحمل في طياتها معاني أكثر عمقا، حيث تسلط الضوء على السبب الذي يجعل شركة كامبريدج أناليتيكا تثير قلق الجميع دون استثناء.
“رجل المال”: روبرت ميرسر، مؤيد ترامب وصاحب كامبريدج أناليتيكا
والجدير بالذكر أن صوفي شميت تعمل مع إحدى أكبر الشركات في وادي السيلكون؛ “أوبر تكنولوجيز”. وفي الأثناء، تقف قوة وهيمنة وادي السيليكون (غوغل وفيسبوك ومجموعة صغيرة من الشركات) في قلب التحول التكتوني العالمي الذي نشهده حاليا.
في واقع الأمر، يزيل ما ذكر آنفا النقاب عن ثغرة خطيرة وحساسة فيما يتعلق بالنقاشات السياسية التي تدور في بريطانيا. ففي الحقيقة، كل ما يحدث في الولايات المتحدة وبريطانيا متشابك، فضلا عن أن ترامب ومسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أيضا يعدان أمران مترابطان. علاوة على ذلك، تعتبر العلاقة بين الإدارة الأمريكية وكل من روسيا وبريطانيا متشابكة أيضا. وفي خضم كل ذلك، تعد شركة كامبريدج أناليتيكا نقطة محورية، حيث يمكننا من خلالها أن ندرك ماهية هذه العلاقات المتداخلة. كما تكشف لنا هذه الشركة عن الخطر المحدق الذي يتجاهله الجميع في ظل اقتراب موعد الانتخابات العامة: بريطانيا أقدمت على جعل مستقبلها مرتبط بالولايات المتحدة التي وقع إعادة تشكيلها، بطريقة جذرية ومثيرة للقلق، من قبل ترامب.
في الحقيقة، هناك ثلاثة خطوط عريضة لهذه القصة؛ كيف تم وضع أسس دولة المراقبة الاستبدادية في الولايات المتحدة؟ وكيف تم التلاعب بالديمقراطية البريطانية من خلال خطة سرية بعيدة المدى تقوم على التنسيق بين جهات مختلفة وضعها ملياردير أمريكي؟ وكيف يمكن أن يتم الاستيلاء على أراضي ضخمة من قبل المليارديرات عن طريق البيانات؟، علما وأن هذه البيانات يتم جمعها في كنف السرية ومن ثم تخزينها. ومن يمتلك هذه البيانات يمتلك المستقبل.
بدأت رحلتي في هذا البحث مصادفة أثناء تصفحي لغوغل في وقت متأخر من الليل. في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبينما كنت أجري بحثا اقترح محرك البحث غوغل هذا الموضوع “هل حدثت المحرقة فعلا” وأخذني إلى صفحة كاملة من النتائج التي تؤكد أن المحرقة لا وجود لها. كانت جميع خواريزميات غوغل مشبعة بالمواقع المتطرفة. ولقد ساعدني جوناثان أولبرايت، أستاذ الاتصالات في جامعة إيلون بولاية نورث كارولينا، على السيطرة على كل ما كنت أشاهده. كان أولبرايت أول شخص يقوم برسم مخطط واضح يكشف عن معلومات وأخبار تتعلق “ببديل اليمين” والنظام الإيكولوجي بأكمله، وقد كان أول شخص يفسر لي حقيقة شركة كامبريدج أناليتيكا.
وفي هذا السياق، أخبرني أولبرايت أن هذه الشركة تعد طرفا مركزيا في صلب “آلة الدعاية” الخاصة باليمين. وقد اعتمدت هذه العبارة تحديدا في إشارة إلى الدور الذي اضطلعت به الشركة خلال حملة ترامب الانتخابية وحملة “مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي”. وقد دفعني ذلك إلى كتابة مقال ثان يسلط الضوء على كامبريدج أناليتيكا – على اعتبارها عقدة مركزية في شبكة الأخبار والمعلومات البديلة، التي اعتقدت أن روبرت ميرسر وستيف بانون، المساند الرئيسي لترامب الذي يشغل الآن منصب كبير مستشاريه، كانوا بصدد إنشائها.
في الحقيقة، لقد وجدت أدلة تشير إلى أنهم كانوا يقفون وراء مخطط إستراتيجي لسحق وسائل الإعلام الرئيسية والمعهودة وتركيز منصات إعلامية بديلة تشمل حقائق مغايرة؛ تاريخ مزيف ودعاية يمينية. والجدير بالذكر أن ميرسر يعد عالم كمبيوتر متميزا، ورائدا في مجال الذكاء الاصطناعي وأحد مالكي أنجح صناديق التحوط (المحفظة الوقائية) في العالم بأسره (مع عائدات تقدر بحوالي 71.8 بالمائة). كما اكتشفت أيضا أنه صديق مقرب من نايجل فاراج.
من جانب آخر، أخبرني أندي ويغمور، مدير الاتصالات في حملة “مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي” أن ميرسر تولى بنفسه الإشراف على عملية مساعدة شركته كامبريدج أناليتيكا لحملة “مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي”. أثار التقرير الثاني الذي كتبته تحقيقين، ما زالا قائمين إلى حد الآن، أحدهما من قبل مكتب مفوض المعلومات فيما يتعلق بالاستخدام غير المشروع للبيانات. والثاني من قبل اللجنة الانتخابية البريطانية، علما وأن التحقيق يشمل البحث عن “ما إذا كان واحد أو أكثر من التبرعات – بما في ذلك الخدمات – التي تم قبولها من قبل حملة “مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي” غير مسموح بها”.
وما اكتشفته لاحقا هو أن دور ميرسر وتأثيره على مجريات الاستفتاء أبعد مما كنت أتخيل، فقد تمكن من تجاوز كل السلط القضائية في بريطانيا. ويتمثل المفتاح لفهم كيف يمكن لملياردير طموح ويتمتع بالعزيمة والإصرار تجاوز القوانين، لا بد من الرجوع إلى شركة “أغريغايت أي كيو”، وهي شركة تحليلات ويب غامضة تقع في مكتب فوق متجر في فيكتوريا، كولومبيا البريطانية.
في الواقع، قامت مجموعة “فوت ليف” “Vote Leave” ” (الحملة الرئيسة لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي) بتزويد شركة “أغريغايت أي كيو” بحوالي 3.9 مليون جنيه إسترليني، أي أكثر من نصف ميزانيته الرسمية التي تقدر بحوالي 7 ملايين جنيه إسترليني. وقد أقدمت ثلاث حملات أخرى تابعة لمجموعة “فوت ليف”؛ “بيليف”، “وقدامى المحاربين في بريطانيا”، “والحزب الديمقراطي الوحدوي”، على القيام بالأمر ذاته، حيث قدموا لهذه الشركة ما يربو عن 757.750 جنيه إسترليني. يعد “التنسيق” بين الحملات محظورا بموجب قانون الانتخابات في المملكة المتحدة، إلا إذا تم الإعلان عن نفقات الحملة، بشكل مشترك. ولكن الأمر لا ينطبق على مجموعة “فوت ليف”، حيث أفاد القائمون على الحملة أن اللجنة الانتخابية “قد أجرت تحقيقا في الغرض” وأعلنت أنها “نظيفة” من أي اتهامات.
وفي هذا الصدد، تساءل مارتن مور، مدير مركز دراسات الاتصالات والإعلام والسلطة في كلية كينجز في لندن، “كيف استطاعت شركة كندية غامضة الاضطلاع بدور محوري في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟”. وأضاف مور “لقد دققت في جميع فواتير مجموعة “فوت ليف”، إبان قيام اللجنة الانتخابية بتحميلها على موقعها في فبراير/ شباط. أبث بالذهول أمام الكم الهائل من الأموال التي يقع تحويلها لهذه الشركة التي لم أسمع عنها من قبل في حين ليس هناك أية معلومات متعلقة بها على شبكة الإنترنت.
وأردف مور “لقد كانت الأموال التي حولت لصالح شركة “أغريغايت أي كيو” تتجاوز كل المبالغ التي حظيت بها الشركات الأخرى في أي حملة أخرى خلال الاستفتاء بأكمله. في المقابل، كل ما وجدته عنها على شبكة الإنترنت، صفحة واحدة، بالفعل إن هذه الشركة بمثابة لغز محير”. من جانب آخر، شارك مور في كتابة تقرير لصالح كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية الذي نشر في أبريل/ نيسان.
وقد أشار مور في هذا التقرير إلى أن القوانين الانتخابية في المملكة المتحدة كانت “ضعيفة وعاجزة” عن مواجهة أشكال جديدة من الحملات الرقمية. فقد ساهمت الشركات في الخارج، والمال الذي كانت تتزود به قواعد البيانات، فضلا عن أطراف ثالثة لا تخضع لأي قيود في ارتفاع الإنفاق. وبالتالي، لم تعد التشريعات التي كانت تمثل دعامة القوانين الانتخابية في بريطانيا ملائمة لخدمة الأهداف المنشودة. ومن هذا المنطلق، ووفقا لما ورد في التقرير، تحتاج هذه التشريعات إلى “مراجعة عاجلة من قبل البرلمان”.
فضلا عن ذلك، تحمل “أغريغايت أي كيو” في جعبتها المفاتيح الضرورية للكشف عن شبكة معقدة أخرى من النفوذ التي أسسها ميرسر. وفي هذا الإطار، أرسل لي أحد المصادر رسالة بريدية أخبرني من خلالها أنه اكتشف أن عنوان “أغريغايت أي كيو” ورقم هاتفها يتوافق مع شركة مدرجة في موقع كامبريدج أناليتيكا على اعتباره مكتب خارجي له “مجموعة مختبرات الاتصالات الإستراتيجية كندا”، ولكن بعد يوم واحد، اختفى هذا المرجع من على الإنترنت.
مما لا شك فيه أن هناك علاقة بين الشركتين، وبين جميع الشركات التابعة لمجموعة “فوت ليف”، وبين الاستفتاء وميرسر، علما وأنه من المستبعد أن يكون كل ذلك محض صدفة. وعلى الرغم من كل هذه المعطيات أنكرت جميع الشركات دون استثناء؛ “أغريغايت أي كيو”، كامبريدج أناليتيكا، فضلا عن مجموعة “فوت ليف”، كل ما نسب إليهم. كانت “أغريغايت أي كيو” مجرد “مقاول” تابع لكامبريدج أناليتيكا على المدى القصير، ولم يكن هناك أي معطيات لدحض هذه الحقيقة. وقد قمنا بنشر جل هذه الحقائق التي توصلنا لها. في 29 من آذار/مارس، تم التوقيع على المادة 50.
وعقب ذلك، التقيت بول، المصدر الأول من أصل مصدرين كانا يشتغلان مع شركة كامبريدج أناليتيكا، الذين كنت أعول عليهما في بحثي. كان شابا في أواخر العشرينات يعاني من “مخلفات نفسية حادة” جراء عمله هناك. وفي هذا الصدد، أخبرني بول أن “الأمر شبيه “باضطراب ما بعد الصدمة”، كان كل شيء في حالة فوضى. لقد حدث الأمر بسرعة فائقة. استيقظت في أحد الأيام لأجد أن الحزب الجمهوري الفاشي أصبح يحكمنا. ما زلت لم أستوعب الأمر بعد”.
وفي الأثناء، أخبرت بول عن اللغز الذي يحيرني في إشارة إلى شركة “أغريغايت أي كيو”. فضحك وقال لي “ابحث عن كريس ويلي”، فسألته “من هو كريس ويلي؟”. فأجابني بول أنه “المسؤول عن تأمين البيانات لصالح كامبريدج أناليتيكا كما أنه يقف وراء فكرة “الاستهداف الشخصي الموجه” (رسائل سياسية موجهة لأفراد بعينهم). تنحدر جذور ويلي تحديدا من غرب كندا. ويعود الفضل في وجود شركة “أغريغايت أي كيو” واستمرارها في العمل له، حيث تجمعه علاقة صداقة وطيدة بهم، وقد ساهم في ظهور الشركة على الساحة السياسية”.
علاوة على ذلك، أخبرني بول أنه وفضلا عن العلاقة التي تربط كامبريدج أناليتيكا “وأغريغايت أي كيو”، تعتبر كلتا الشركتين بمثابة حجر الأساس ضمن إمبراطورية روبرت ميرسر. وفي هذا الصدد، أكد بول “كان الكنديون يمثلون المكتب الخفي للشركة. فقد تكفلوا بتطوير برمجية خاصة لنا، كما اهتموا بمتابعة قاعدة بياناتنا. وبالتالي، إذا كانت “أغريغايت أي كيو” متورطة فكامبريدج أناليتيكا متورطة أيضا، بالإضافة إلى روبرت ميرسر وستيف بانون. لذلك، عليك أن تجد كريس ويلي”.
في الواقع، تمكنت من الوصول إلى كريس ويلي، لكنه رفض الإدلاء بأي تعليق. من جانب آخر، وحتى نتمكن من فهم كيف ساهمت البيانات في تحويل الشركة، ينبغي أن نعرف أولا مصدرها. وقد أدركت ذلك من خلال رسالة “مدير عمليات الدفاع، في مجموعة مختبرات الاتصالات الإستراتيجية”. كانت هذه الرسالة موجهة من قبل القائد ستيف تاثام، متحصل على الدكتوراه، وماجستير في الفلسفة فضلا عن أنه كان يعمل في البحرية الملكية البريطانية. وقد أعرب تاثام من خلال هذه الرسالة عن رفضه لعبارة “معلومات مضللة” التي اعتمدتها في التقرير الذي كتبته عن ميرسر.
وردا على ما جاء في رسالته، أشارت إلى بعض العبارات التي اعتمادها في بعض التقارير التي نشرها على غرار “الخداع”” والدعاية”، وأخبرته أنني اعتقدت أن هذه الكلمات بعد مرادفات لكلمة “معلومات مضللة”. وفي الأثناء، أصبت بالذهول، فقد كنت أحاور قائدا بحريا متقاعدا حول الإستراتيجيات العسكرية التي قد استخدمت في الانتخابات البريطانية والأمريكية.
خلافا لذلك، غاب عن التغطية الأمريكية لتحركات شركة “تحليل البيانات” أمر في غاية الأهمية؛ ألا وهو النواة الرئيسية لهذه الشركة، ليتضح أنها تنبع من عمق “المجمع الصناعي العسكري”. في الواقع، يحتل قدماء مدرسة المحافظين أو “التوريز” مكانة بارزة في الشركة، مثلما هو الحال داخل المؤسسة العسكرية في بريطانيا.
والجدير بالذكر أن البرلماني، جيوفري باتي، ووكيل وزارة الدولة للمتطلبات العسكرية السابق، ومدير شركة “ماركوني للأنظمة الإلكترونية”، كان ضمن الشركة الآنف ذكرها. وفي الوقت ذاته، كان مبعوث رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، لشؤون التجارة، اللورد مارلاند، والمؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أحد المساهمين فيها. أما بالنسبة لرئيس “العمليات النفسية” في القوات البريطانية في أفغانستان، ستيف تاتهام، فقد اطلعت “ذا أوبزرفر” على رسائل داعمة له من قبل وزارة الدفاع البريطانية، ووزارة الخارجية، وحلف الناتو.
وعلى ضوء هذه المعطيات، لم تكن “كامبريدج أناليتيكا”، التابعة لمجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية” البريطانية، مجرد شركة ناشئة قام بتأسيسها مجموعة من الأشخاص بالاعتماد على حاسوب “باور بوك”. في الحقيقة، تعد هذه الشركة جزءا من مؤسسة الدفاع البريطانية، فضلا عن أنها أصبحت من أجهزة مؤسسة الدفاع الأمريكية. ومؤخرا، انضم الضابط السابق في مركز عمليات قوات مشاة البحرية الأمريكية، كريس نالر، إلى “أي أو تا غلوبال”، إحدى شركاء مجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية”.
عموما، ينبغي التعاطي مع هذه الحيثيات ليس على اعتبارها مجرد قصة حول علم النفس الاجتماعي وتحليلات البيانات، بل من منظور مختلف: استخدام متعاقد عسكري لإستراتيجيات عسكرية وتطبيقها على سكان مدنيين، أي نحن. وفي هذا الصدد، اعتبر أستاذ علم الاجتماع بجامعة باث البريطانية، ديفيد ميلر، وأحد المسؤولين فيما يتعلق بالعمليات السيكولوجية والدعاية، الأمر بمثابة “فضيحة غير مسبوقة، وقد حدث كل ذلك على مرمى ومسمع من ديمقراطيتنا”.
وأردف ميلر أن “الناخبين في حاجة إلى معرفة المصادر التي تتأتى منها المعلومات بكل وضوح. وبالتالي، وفي حال غابت عن المعلومات صفتا الشفافية والانفتاح، سيطرح ذلك العديد من التساؤلات حول ما إذا كنا نعيش فعلا في كنف الديمقراطية أو العكس”. من جانبهما، عمل كل من ديفيد وبول سابقا في شركة كامبريدج أناليتيكا، في الوقت الذي قامت فيه الشركة بإدماج إستراتجية جمع البيانات الضخمة وتقنيات الحرب النفسية الخاصة بها. وفي هذا الإطار، أخبرني ديفيد أن “هذه الطريقة الجديدة والقوية قد عمدت إلى الدمج بين علم النفس، والدعاية، والتكنولوجيا معا في آن واحد”.
ستيف بانون، نائب رئيس شركة “كامبريدج أناليتيكا” السابق، والمستشار الأول لدونالد ترامب
لعب موقع فيسبوك دورا مهما في خضم هذه المسألة، حيث اعتمدت شركة “كامبريدج أناليتيكا” في المقام الأول على هذا الموقع للحصول على على كل البيانات الضخمة التي بحوزتها. وفي وقت سابق، عمل مجموعة من علماء النفس في جامعة كامبريدج على جمع البيانات من موقع فيسبوك (بطريقة قانونية) لأغراض تتعلق بالبحث، ومن ثم قاموا بنشر عملهم الرائد، القائم على مراجعة الأقران، الذي تناول تحديد السمات الشخصية، والميولات الحزبية السياسية، والحياة الجنسية ومواضيع أخرى بالاعتماد على عدد “اللايكات” في فيسبوك.
وفي الأثناء، تعاقدت شركة كامبريدج أناليتيكا مع أحد العلماء في هذه الجامعة، الدكتور ألكسندر كوغان، وذلك حتى يتكفل “بحصد” بيانات جديدة من موقع فيسبوك. من جهته، قدم كوغان مبالغ مالية لمجموعة من مستخدمي فيسبوك مقابل مشاركتهم في اختبار للشخصية. وقد مكن هذا الاختبار كوغان من استخلاص جملة من البيانات من حسابات هؤلاء، فضلا عن الحسابات الخاصة بأصدقائهم، علما وأن هذه العملية مشروعة.
ومن هذا المنطلق، أصبح موقع فيسبوك بمثابة مصدر للرؤى السيكولوجية التي مكنت “كامبريدج أناليتيكا” من استهداف الأفراد، علاوة على أنه شكل الآلية والركيزة الأساسية التي سمحت للشركة بالانتشار على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، قامت الشركة (قانونيا) بشراء مجموعة مختلفة من بيانات المستخدمين في علاقة بجميع المجالات، انطلاقا من اشتراكات المجلات ووصولا إلى رحلات الطيران، ومن ثم ألحقتها بالبيانات النفسية التابعة لملفات الناخبين.
علاوة على ذلك، قامت الشركة بمطابقة هذا الكم الهائل من المعلومات مع عناوين الأشخاص، وأرقام هواتفهم، وغالبا عناوين البريد الإلكتروني الخاص بهم. وفي هذا السياق، أشار الموظف السابق بالشركة، ديفيد، إلى أن “الهدف وراء ذلك يتمثل في التطرق إلى كل جانب من جوانب بيئة المعلومات المحيطة بكل ناخب. وبالتالي، مكنت هذه البيانات الشخصية شركة كامبريدج أناليتيكا من صياغة رسائل فردية موجهة بشكل شخصي”.
في الواقع، يعد إيجاد ناخبين “يسهل إقناعهم” مفتاح أي حملة انتخابية، وبفضل كنزها الثمين من البيانات، تستطيع كامبريدج أناليتيكا، على سبيل المثال، استهداف الأشخاص الذين تغلب عليهم سمة العصبية أثناء تفاعلهم مع صور المهاجرين الذين “يغمرون” البلاد. ومن هذا المنطلق، ارتكز عمل الشركة على اكتشاف المحفزات العاطفية لكل ناخب على حدى.
عموما، شاركت شركة كامبريدج أناليتيكا في العديد من الحملات الانتخابية في العديد من الولايات الرئيسية لصالح لجنة العمل السياسي الجمهوري، حيث كان هدفها الرئيسي، وفقا لمذكرة اطلعت عليها “ذا أوبزرفر”، “تثبيط رغبة الناخبين”، بالإضافة إلى “إقناع الناخبين الديمقراطيين بالبقاء في منازلهم”. وقد شكل الأمر تكتيكا مثيرا للقلق بشكل كبير. وعلى الرغم من أن جملة من الادعاءات السابقة قد أشارت إلى استخدام “تكتيكات القمع” ضمن الحملات الانتخابية، إلا أن هذه الوثيقة توفر أول دليل فعلي على هذه المسألة، ما يطرح العديد من التساؤلات حول نجاعة خطط الشركة.
من بين أبرز الانتقادات التي تطرقت لها من خلال مقالاتي والتي وردت في العديد من التقارير الأخرى قيقة بيع كامبريدج أناليتيكا “لوصفتها الخاصة” مقابل مبلغ يتجاوز قيمتها الأصلية. وفي هذه المرحلة، لسائل أن يسأل: هل يختلف عمل الشركة عما تقوم به أي شركة استشارات سياسية أخرى؟ من جهته، أفاد ديفيد أن “كامبريدج أناليتيكا ليست مجرد شركة استشارات سياسية، ينبغي أن تعي أنها ليست شركة عادية بأي شكل من الأشكال”.
وأضاف ديفيد قائلا: “لا أظن أن روبرت ميرسر يهتم إن كانت الشركة تدر الأموال أم لا. فقد شيد هذا الملياردير مختبر للعلوم التجريبية الخاصة به وأنفق مبالغ ضخمة لتمويله، بغية وضع يديه على كل الجوانب الصغيرة التي من شأنها أن تؤمن له النفوذ الكافي للتأثير على الانتخابات. في الواقع، لم يقم ميرسر بالاستثمار في هذه الشركة حتى يقوم بإجراء مجموعة من التجارب التي تخضع لضوابط خارجية، فالرجل يعد أحد أذكى علماء الكمبيوتر في العالم، وبالتالي، لن يقوم بإنفاق 15 مليون دولار على أمر تافه”.
من جانبها، بادرت الأستاذة المساعدة في الفلسفة في جامعة نيويورك، تامسين شو، بتقديم يد المساعدة لي من أجل فهم سياق الأحداث. والجدير بالذكر أن شو قادت بحثا حول مصادر تمويل وتوظيف الجيش الأمريكي للبحوث النفسية التي يقع استخدامها أثناء التعذيب. وفي هذا السياق، أوضحت شو أن “هذا العلم الذي يوظف للتلاعب بالمشاعر أصبح واقعا حتميا. ينطوي هذا الأمر على تكنولوجيا قام الجيش بتمويلها وتم استغلالها من قبل البلوتوقراطية العالمية. وفي الأثناء، يقع استخدام هذه التكنولوجيا للتأثير على الانتخابات من خلال آليات لا يستطيع الأفراد التفطن لها، كما لا يدركون أنها تستهدفهم”.
فضلا عن ذلك، أوردت شو أن “الأمر يتعلق باستغلال ظاهرة موجودة على أرض الواقع، من قبيل القومية، ومن ثم اعتمادها للتلاعب بالفئات المهمشة من الشعب. وبالتالي، يعد امتلاك حفنة من البلوتوقراطيين الدوليين لهذا الكم الهائل من البيانات وذلك بغية تسخيرها لخدمة أمرا تقشعر له الأبدان. في الوقت الراهن، نحن نخوض حرب معلومات، علاوة على أن أصحاب المليارات يقومون بشراء هذا النوع من الشركات، وذلك حتى يتمكنوا من العمل داخل الحكومة. لقد أصبح الوضع مثيرا للقلق إلى أبعد الحدود”.
في الحقيقة، يعتبر المشروع الذي أطلقته كامبريدج أناليتيكا في جزيرة “ترينيداد” سنة 2013 العنصر الرئيسي الذي من شأنه أن يمكننا من الجمع بين أجزاء هذه القصة. ففي الوقت الذي بدأ فيه روبرت ميرسر مفاوضاته مع رئيس مجموعة مختبرات الاتصالات الإستراتيجية، ألكسندر نيكس، حول الحصول على جملة من البيانات، كانت المجموعة خاضعة لسيطرة العديد من الوزراء الحكوميين في جمهورية ترينيداد وتوباغو. وقد شمل عمل المجموعة في ذلك الوقت تطوير برنامج “استهداف شخصي” موجه للحزب الحاكم.
أما بالنسبة لشركة “أغريغايت أي كيو”، التي شاركت في مساعدة مجموعة “فوت ليف” حتى تضمن مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد تم الاستعانة بها لإنشاء “منصة الاستهداف”. وفي هذا الصدد، أفاد ديفيد أن “كامبريدج أناليتيكا عمدت إلى الحصول على عقد حكومي من قبل الحزب الحاكم، وقد شكل ذلك التمويل دعامة للعمل السياسي بالنسبة للأطراف المتورطة. ومن هذا المنطلق، كانت الحكومة تقوم ببعث بضعة مشاريع صحية تافهة، وذلك كغطاء لإعادة انتخاب وزير ما. وفي هذه الحالة، كانت علاقات الحكومة واتصالاتها في حوزة مجلس الأمن القومي القائم في ترينيداد”.
من جهة أخرى، أُعتبر العمل الأمني بمثابة جائزة للعمل السياسي، حيث أن الوثائق التي اطلعت عليها “ذا أوبزرفر” تبيّن أن هذا المشروع كان بمثابة اقتراح لعرض سجلات التصفح الخاصة بالمواطنين على الإنترنت، فضلا عن تسجيل المحادثات الهاتفية. بالإضافة إلى ذلك، تم تطبيق معالجة اللغة الطبيعية على البيانات الصوتية المسجلة من أجل إنشاء قاعدة بيانات للشرطة الوطنية، التي تم دعمها بإسداء علامات لكل مواطن لتقييم ميولاته لارتكاب جريمة ما.
وفي هذا السياق، قال ديفيد إن “الخطة التي قُدّمت للوزير تمثلت في اعتماد خاصية “ماينوريتي ريبورت” “Minority Report“: اكتشاف وقوع الجريمة قبل حدوثها، كما أن حقيقة عمل شركة كامبريدج أناليتيكا داخل البنتاغون في الوقت الحالي، مرعبة للغاية على ما أعتقد”. في الواقع، تسلط هذه الوثائق الضوء على جانب مهم وغير مُصرّح عنه فيما يتعلق بإدارة ترامب، ذلك أن الشركة التي ساعدت ترامب في الوصول إلى السلطة في المقام الأول قد تمت مكافئتها بعقود في البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية.
علاوة على ذلك، يحظى نائب رئيس الشركة السابق، ستيف بانون، بمكانة بارزة داخل البيت الأبيض، حيث تفيد التقارير أيضا أنه بصدد إجراء مناقشات حول “أعمال تتعلق بالأمن العسكري والوطني”. وعلى الرغم من أن الحكومة الأمريكية مُقيّدة بقوانين صارمة بشأن البيانات التي بإمكانها جمعها عن الأفراد، إلا أن الشركات الخاصة في الولايات المتحدة لا تنطبق عليها أي من هذه القيود. فهل أخذت تلوح في الأفق، بداية ظهور دولة استبدادية قائمة على المراقبة؟ دولة تقوم على أسس توطين مصالح الشركات في قلب إدارتها.
وقد كشفت الوثائق عن تورّط كامبريدج أناليتيكا مع العديد من أصحاب المليارات الآخرين ذوي الميول اليمينية، على غرار روبرت مردوخ. وأشارت إحدى المذكرات إلى أن كامبريدج أناليتيكا حاولت نشر إحدى المقالات في صحيفة وول ستريت جورنال التابعة لمردوخ، حيث جاء في المذكرة أن “روبرت مردوخ تواصل مع جيمي مكولي من مكتب روبرت تومسون في نيوز كورب”.
دفعتني هذه المعطيات إلى التفكير مجددا حول حيثيات القصة التي جمعت بين كل من صوفي شميت، وكامبريدج أناليتيكا وشركة بالانتير، فهل ينبغي أن تعتبر معطيات مهمة، أم أنها دليل على حدوث أمر آخر؟ وتجدر الإشارة إلى أن كلا من كامبريدج أناليتيكا وبالانتير قد رفضتا التعليق حول ما نشر في هذه المقالة أو ما إذا كانت تربط بينهم أية علاقة. في المقابل، أكدت العديد من المصادر ورسائل البريد الإلكتروني أن الاجتماعات بين الشركتين قد حدثت خلال سنة 2013، كما تمت، على الأقل، مناقشة إمكانية إنشاء علاقة عمل بينهما.
وفي هذا الصدد، أكدت وثائق أخرى، اطلعت عليها “ذا أوبزرفر”، أن أحد كبار موظفي بالانتير، قام باستشارة كامبريدج أناليتيكا فيما يتعلق بمشروع ترينيداد، وفي وقت لاحق، وذلك في إطار الاطلاع العمل السياسي في الولايات المتحدة. خلافا لذلك، وفي تلك الفترة، قيل لي أن بالانتير كانت تؤمن أن أي علاقة أكثر رسمية مع كامبريدج أناليتيكا ستشكل خطرا كبيرا على سمعتها.
في واقع الأمر، تتميز شركة بالانتير بقدر عال من الثقة فيما يتعلق بالتعاطي مع البيانات الضخمة الخاصة بمواطني المملكة المتحدة والولايات المتحدة لصالح “مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية” “ووكالة الأمن القومي الأمريكية”، فضلا عن العديد من البلدان الأخرى. في الحقيقة، تقبع هاتان الشركتان تحت سلطة مليارديرين ذوي إيديولوجيات متقاربة، روبرت ميرسر وبيتر ثيل. علاوة على ذلك، أفاد فريق حملة ترامب الانتخابية أن ثيل قد وفر لهم جميع البيانات الضرورية، فيما تكفل ستيف بانون، الذي كان يعمل آنذاك لصالح شركة كامبريدج أناليتيك، بقيادة الحملة.
من جهة أخرى، أشار أحد أبرز مستشاري الملكة، الذي يمضي الكثير من الوقت في “محكمة سلطات التحقيق” البريطانية، إلى أن المشكلة المتعلقة بهذه التكنولوجيا ترتبط بمن يضع يديه عليها. وأضاف المستشار أن “الشركات والحكومات تتعهد في البداية بالتزام مبدأ الثقة والديمقراطية في تعاملها مع المواطنين، إلا أنهم لا يتوانون فيما بعد عن تزويد أي نظام قمعي بالخبرات والمعلومات التي يملكونها”. أما في بريطانيا، فلا زلنا نثق بحكومتنا، كما أننا نحترم سلطات بلدنا ودعمها للقوانين. علاوة على ذلك، نحن على ثقة بسيادة القانون، ونؤمن بأننا ينبغي أن نعيش في كنف ديمقراطية حرة ونزيهة، وهو ما يجعل الجزء الأخير من هذه القصة مثيرا للقلق على ما أعتقد.
دونالد ترامب برفقة بيتر ثيل، أحد أبرز المؤيدين له من منطقة “سيليكون فالي”
في نهاية المطاف، أزيح الغموض الذي لطالما اكتسى طبيعة عمل شركة “أغريغايت أي كيو” بفضل التفاصيل التي اطلعنا عليها فيما يتعلق بمشروع ترينيداد. في الواقع، مثلت ترينيداد أول مشروع لمجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية”. وقد وقع في إطار هذا المشروع استخدام البيانات الضخمة لتنفيذ مخطط الاستهداف الشخصي الموجه قبيل أن يستولي ميرسر على الشركة.
من جهة أخرى، كان ميرسر يهدف إلى شراء النموذج الذي كانت تعتمده الشركة، حتى يتمكن من ضم جميع اللاعبين؛ على غرار عالم النفس بجامعة كامبريدج ألكسندر كوغان، وشركة “أغريغايت أي كيو”، وكريس ويلي، بالإضافة إلى شخصين آخرين، اللذين لعبا دورا هاما في هذه القصة وهما؛ خبير مجموعات التركيز، مارك غيتلسون الذي كان يعمل سابقا لصالح الديمقراطيين الأحرار، علاوة على ابن فيكتوريا بورويك، توماس بورويك، النائب المحافظ في البرلمان عن مدينة كينغستون.
في الوقت الذي نُشرت فيه مقالتي التي سلطت من خلالها الضوء على العلاقة بين ميرسر وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في شباط/فبراير، أعرب المستشار المحافظ السابق، دومينيك كامينغز، واستراتيجي مجموعة فوت ليفعن امتعاضه الشديد من المقالة. آنذاك، أطلق كامينغز حملة شرسة على موقع تويتر، حيث أشار إلى أن “المقال مليء بالأخطاء، كما أنه يشيع العديد من المعلومات المظلّلة، ذلك أن كامبريدج أناليتيكا لم يكن لها أي دور على الإطلاق بشأن الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
بعد أسبوع، كشفت “ذا أوبزرفر” عن الرابط المحتمل بين “أغريغايت أي كيو” وكامبريدج أناليتيكا، في الوقت الذي كانت فيه عاصفة كامينغز على تويتر قد هدأت، كما لم يبادر بالرد على أي من رسائلي أو رسائل البريد الإلكتروني. وفي ذلك الوقت، أخذت الأسئلة تحوم حول ما إذا كان هناك أي تنسيق بين حملات الخروج.
خلال الأسبوع الذي سبق الاستفتاء، تبرعت مجموعة “فوت ليف” بالأموال لمجموعتين تطالبان أيضا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث قدّمت مبلغ 625 ألف جنيه إسترليني إلى مجموعة “بيليف”، التي يديرها طالب الأزياء دارين غريمس، و100 ألف جنيه إسترليني إلى مجموعة “قدامى المحاربين في بريطانيا”. في المقابل، خصصت كلتا المجموعتان المال فيما بعد لصالح “أغريغايت أي كيو”.
من ناحية أخرى، أشار مصدر مطلع على التحقيق أن اللجنة الانتخابية بعثت برسالة إلى شركة “أغريغايت أي كيو”، التي ردّت بأنها وقعت على اتفاقية عدم الافصاح. ونظرا إلى أن الأمر كان خارج نطاق السلطات القضائية البريطانية، لم يفض التحقيق إلى أية نتيجة. من جهتها أقرت مجموعة “فوت ليف” أن لجنة الانتخابات قد سلمتها بيانا يعلن أنها “نظيفة” من أي اتهامات.
في الأثناء، أورد دومينيك كامينغز على مدونته العديد من المقالات بشأن حملة الاستفتاء، إلا أنه لم يتطرق إلى تفاصيل حول علماء البيانات التابعين للحملة، واكتفى بالتطرق إلى “استئجار علماء فيزياء”. فضلا عن ذلك، تضمنت الكتب التي تناولت مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تصريحات أعضاء آخرين من الفريق الذين أكدوا على توظيف “علماء الفيزياء الفلكية”، للعمل “في كنف السرية” ضمن الحملة، حيث قاموا ببناء نماذج باستخدام البيانات التي تم تجميعها من موقع فيسبوك.
أخيرا، بعد أسابيع من محاولتي الاتصال به من خلال بعث العديد من الرسائل الهاتفية، أرسل لي دومينيك كامينغز رسالة بالبريد الإلكتروني، أورد فيها “لقد اتضح لي أنني أتفق معك في شيء وايد وهو أن القانون الذي يسير الهيئات التنظيمية هو مجرد مهزلة، نظرا لأن أي شخص يريد الاحتيال على القانون يمكن أن يفعل ذلك بسهولة دون أن يتفطن المواطنون له”. وأضاف دومينيك كامينغز أنه “من خلال حث الأشخاص على التركيز على القصص الزائفة؛ مثل تلك المتعلقة بالدور الوهمي الذي اضطلع به ميرسر في الاستفتاء، فإنك تحجب عن المواطنين العديد من القضايا المهمة”.
وفيما يتعلق بكيفية تواصل مجموعة “فوت ليف” مع شركة “أغريغايت آي كيو”، الكندية الغامضة، التي توجد على الجانب الآخر من الكوكب، أورد دومينيك كامينغز أن “شخص ما عثر على شركة “أغريغايت أي كيو” على شبكة الإنترنت ومن ثم قام بالاتصال بها ثم قال لي: لنعطيها فرصة. لقد بدت لي أكثر كفاءة من أي شركة أخرى تواصلنا معها في لندن”.
في الواقع، يتمثل الجانب المؤسف من هذا كله في أن كلام دومينيك كامينغز يفتقر للمصداقية. فعندما تقوم بفلترة البيانات وفقا للتاريخ أثناء البحث على محرك البحث غوغل تكتشف أنه لا يوجد بيانات تتعلق بشركة “أغريغايت أي كيو” في أواخر سنة 2015 أو أوائل سنة 2016، فضلا عن أنه لا توجد أي تغطية صحفية بذلك التاريخ. علاوة على ذلك، لا وجود لموقع يخص هذه الشركة على الإنترنت. وبذلك تمكنت، بسهولة، من اكتشاف الحقيقة البديلة التي ساهم دومينيك كامينغز في خلقها.
في المقابل، تأكدت من حقيقة أن كلا من المستشارين السابقين في مجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية” “وكامبريدج أناليتيكا”، غيتلسون وبورويك كانا أعضاء أساسيين في فريق مجموعة “فوت ليف”. علاوة على ذلك، تأكدت من وجود اسميهما في وثائق “فوت ليف” الرسمية المقدمة إلى لجنة الانتخابات. لقد كان الرجلان يتحدثان بحماس عن عملهم السابق في “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية” وكامبريدج أناليتيكا والعلاقات التي يملكونها مع العديد من لجان الانتخابات المحلية ومجلس الشيوخ وحملات المحافظين.
وتجدر الإشارة إلى أن بورويك لم يكن مجرد عضوٍ في مجموعة “فوت ليف”، بل كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في المجموعة. في الحقيقة، تنطوي هذه القصة على شبكة معقدة من العلاقات التي كانت ينبغي أن تكون واضحة للعموم، مع العلم أن كلا من كامبريدج أناليتيكا وميرسر طرفين بارزين فيها.
وفي هذا الإطار، أخبرني ديفيد أن “شركة “أغريغايت أي كيو” قد لا تكون تابعة لميرسر ولكنها موجودة حتما في صلب عالمه، حيث حصلت تقريبا على جميع عقودها من قبل كامبريدج أناليتيكا أو ميرسر. فلولا هاتين الشركتين لما كانت “أغريغايت أي كيو” موجودة. وخلال طيلة فترة الاستفتاء، كانت تعمل “أغريغايت أي كيو” لصالح حملة “تيد كروز” بالتعاون مع ميرسر وكامبريدج أناليتيكا. وتجدر الإشارة إلى أن شركة “أغريغايت أي كيو” كانت مسؤولة عن بناء وتشغيل منصات قاعدة بيانات كامبريدج أناليتيكا”.
لا أتصور أن كامينغز سوف يعترف بهوية مصمم النماذج، في حين تٌظهر الفواتير المقدمة إلى لجنة الانتخابات قيمة المدفوعات التي ذهبت لصالح شركة تدعى “ادفانسد سكلز انستيتوت”. ولقد استغرقت وقتا طويلا لأتمكن من معرفة الدور الذي اضطلعت به هذه الشركة لأنه عادة ما يشار إليها باسم “آسي داتا ساينس”، فضلا عن أنها تملك فريقا كبيرا من علماء البيانات، الذين ذهبوا للعمل مع كامبريدج أناليتيكا والعكس الصحيح. وتوجد أشرطة فيديو لعلماء هذه الشركة وهم يقدمون نماذج صفحات كامبريدج أناليتيكا، التي قامت كلا الشركتين بالتعاون معا من أجل تصميمها.
وخلال الانتخابات الأولية في الولايات المتحدة، وقعت شركة “أغريغايت أي كيو” على الملكية الفكرية لهذه النماذج على الرغم من أنها لا تملكها. والجدير بالذكر أن شركة “أغريغايت أي كيو” كان من المفترض أن تحظى بتصريح من ميرسر إذا كانت ترغب بالعمل مع حملة أخرى في بريطانيا.
وردا على السؤال حول ما إذا كان لديه أي تعليق على الروابط المالية أو التجارية بين “كامبريدج أناليتيكا”، “وروبرت ميرسر”، “وستيف بانون” “وأغريغايت أي كيو” “وليف إي يو” “وفوت ليف”، قال متحدث باسم كامبريدج أناليتيكا إن “الشركة التي يعمل معها لا تعمل بأي شكل من الأشكال لصالح “ليف إي يو””.
عموما، هذا لا يعني أن كل ذلك كان نتيجة دهاء دومينيك كامينغز الذي استطاع العثور على جملة من الثغرات في قواعد اللجنة الانتخابية من أجل إيجاد طريقة لإنفاق مبالغ إضافية. فضلا عن ذلك، لا تتمحور هذه القضية حول التنسيق السري الذي دار بين مجموعة “فوت ليف” وحملة “ليف إي يو” للتعاون مع كلا من “أغريغايت أي كيو” “وكامبريدج أناليتيكا”. في المقابل، ترتكز هذه القضية على اكتشاف الدور الذي لعبه كلا من الملياردير الأمريكي، ميرسر ورئيسه بانون في أكبر تغيير دستوري في بريطانيا، خلال القرن الحالي.
وحتى نفهم كيف أثّر ترامب على مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يجب أن نرجع إلى سنوات من العلاقات طويلة الأمد التي فرضت نفسها وسط كامبريدج أناليتيكا نتيجة للشراكة عبر الأطلسية، التي تمتد لسنوات إلى الوراء.
منذ سنة 2012، كانت تربط كلا من زعيم حزب استقلال بريطانيا “نايجل فاراج” و”ستيف بانون” علاقات وثيقة. ففي سنة 2014، افتتح بانون فرعا لموقعه الإخباري بريت بارت، في لندن بهدف دعم حزب استقلال المملكة المتحدة اليميني. وفي هذا السياق، صرّح بانون في حوار أجراه مع صحيفة نيويورك تايمز على إثر افتتاح هذا الفرع في لندن، أن “هذه الخطوة تمثل آخر جبهة، في حربنا الثقافية والسياسية الحالية”.
وفقا لما قاله لي موظف سابق في كامبريدج أناليتيكا، الذي أبى ذكر اسمه، كانت بريطانيا دائما مفتاحا لخطط بانون، لذلك كانت بريطانيا جزءا حاسما من إستراتيجيته لتغيير النظام العالمي بأسره. وأضاف المصدر نفسه قائلا: “يؤمن بانون أنه وفي سبيل تغيير السياسة، عليه أولا تغيير الثقافة، وكانت بريطانيا مفتاح ذلك. فضلا عن ذلك، كان بانون يعتقد أنه ومن خلال تموقع بريطانيا في الطليعة ستميل الولايات المتحدة إلى السير على خطاها، ولذلك كانت تحظى فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأهمية رمزية كبيرة، بالنسبة له”.
وفي 29 آذار / مارس، عندما قررت الحكومة البريطانية تفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة للاتحاد الأوروبي، حاولت الاتصال بإحدى الحملات الصغيرة، التي يطلق عليها اسم حملة “قدامى المحاربين في بريطانيا”. وعلمت أن مجهودات كامينغز لاستقطاب المزيد من الناس في الأيام الأخيرة، قد تضاعفت، حيث قدمت مجموعة “فوت ليف” لبعض المجموعات الصغرى قرابة 10 آلاف جنيه استرليني، في الأسبوع الماضي. فضلا عن ذلك، تم منح عدد قليل من الأشخاص الذين يلعبون دور “المقنعين” أكثر من مليار دولار، في الأيام القليلة الماضية.
وعندما سألت ديفيد بانكس، لماذا قبلت هذه الشركات المال من “أغريغايت أي كيو”، أخبرني “نحن لم نبحث عنها بل هي من قامت بذلك ولم يكن هناك داعي لكي نشعر بالقلق، فقد كانت هذه الشركة الكندية التي قامت ببعث مكتب في لندن للعمل على الساحة السياسة البريطانية، تمنح الحملات البريطانية أشياء لا يمكن للشركات البريطانية أن تقدمها لهم. فضلا عن ذلك، كانت هذه الشركة تعمل بتقنيات لم تصل إلى المملكة المتحدة بعد، حيث كانت قادرة على استهداف المزيد من الأفراد، وذلك استنادا إلى رؤى سلوكية”.
في أعقاب حديثي معه، بدا واضحا لي أن ديفيد بانكس لم يكن يدرك أن هناك مؤامرة تحاك خلف الدعم الذي تلقاه، فهو رجل وطني يؤمن بالسيادة والقيم والقوانين البريطانية. لا أعتقد أنه كان على علم بأي تدخل أجنبي. حقيقة لا أستطيع أن أفكر إلا أنه قد خُدع. في الحقيقة، نحن، “الشعب البريطاني”، خُدعنا جميعا.
من جانب آخر، كتب دومينيك كامينغز في مدونته أن “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جاء نتيجة تصويت قرابة 600 ألف، شخص، أي أكثر بقليل من 1 بالمائة من جملة الناخبين المسجلين”. حقيقة، فليس هناك مجال للتصديق أن شخصا واحدا كان قادر على التأثير على نسبة التصويت.
في الواقع، أنفقت مليارات الدولارات الأمريكية خلال هذا الاستفتاء، فقد كانت العديد من الأطراف تسعى للتأثير على نتيجة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو يجب أن أقول أن هناك أطرافا أخرى في هذه القضية. فمن خلال الاعتراف بالعلاقات عبر القارية الوثيقة التي تربط بريطانيا والولايات المتحدة، “بريكسيت” وترامب، علينا أيضا أن نعترف بأن روسيا، هي طرف آخر في اللعبة التي حيكت ضد بريطانيا.
في الشهر الماضي، كنت أبحث فيما يتعلق بالعلاقات التي تربط اليمين البريطاني، بإدارة ترامب واليمين الأوروبي. واكتشفت أن العلاقات بين “نايجل فاراج” “ودونالد ترامب” “وكامبريدج أناليتيكا”، كانت تصب في نهاية المطاف لصالح روسيا.
وفي هذا الصدد، أظهرت خريطة نشرتها الصحيفة البريطانية “ذا أوبزرفر” العديد من الأماكن في العالم، حيث عملت مجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية” و”كامبريدج أناليتيكا” في العديد من الأماكن الأخرى ومنها: روسيا، وليتوانيا، ولاتفيا، وأوكرانيا، وإيران، ومولدوفا. بالإضافة إلى ذلك، كشفت مصادر متعددة في “كامبريدج أناليتيكا” أن روسيا كان لها دور آخر ارتكز على تنظيم رحلات لصالح مجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية” و”كامبريدج أناليتيكا” إلى البلاد، فضلا عن أنها رتبت لاجتماعات مع المديرين التنفيذيين للشركات المملوكة للدولة الروسية مع هذه الجهات. من جهة أخرى، كشفت التقارير عن أسماء لموظفين من مجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية” كانوا يعملون لصالح كيانات روسية.
في الوقت الذي قامت فيه الحكومة بتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة للخروج من الاتحاد الأوروبي، كانت شركة “أغريغايت أي كيو” خارج نطاق السلطة القضائية البريطانية، في حين كانت اللجنة الانتخابية عاجزة عن اتخاذ أي قرار. فضلا عن ذلك، أعلنت بريطانيا عن تنظيم انتخابات في غضون شهر، وذلك بالاعتماد على القوانين القديمة نفسها. والجدير بالذكر أن تحركات الحكومة لا تعني بالضرورة عدم وعيها بوجود بعض الأمور المثيرة للريبة.
مؤخرا، علمت صحيفة “ذا أوبزيرفر” أن دائرة الادعاء العام عينت مدعيا خاصا لإجراء تحقيق جنائي حول ما إذا تم خرق قوانين تمويل الحملات الانتخابية. وقد أحالت دائرة الادعاء العام ملف القضية من جديد إلى اللجنة الانتخابية. وفي هذا الإطار، أخبرني أحد المقربين من لجنة الاستخبارات أن ” التحقيقات جارية” من أجل الكشف عن أدلة فيما يتعلق بالتدخل الروسي المحتمل في نتيجة الاستفتاء البريطاني.
من ناحية أخرى، صرح خبير في القانون الانتخابي ومراقبة الانتخابات، يُدعى “غافن ميلار” أن الوضع أصبح “مثيرا للقلق”. ويعتقد ميلار أن الطريقة الوحيدة للكشف عن الحقيقة تتمثل في إجراء تحقيق علني. ولكن هذا التحقيق لا يتوافق مع مآرب الحكومة التي خاضت انتخابات لا لشيء إلا لتعزيز قاعدة مؤيدها.
وفي هذا الصدد، أشار مارتن مور، الباحث في كلية كينغز، في لندن إلى أن الانتخابات تعد أداة حديثة العهد بالنسبة للدول الاستبدادية. وأضاف مور، “كل ما يقوم به أردوغان في تركيا، وتيريزا ماي في بريطانيا يعتبر معاديا تماما للديمقراطية بطريقة ما، حيث أن تيريزا ماي تحاول تعزيز نفوذها لا غير. بالنسبة لبريطانيا، ما يحدث على الساحة السياسية، في الوقت الراهن، لا يمكن اعتباره معركة سياسية بين حزبين”.
كانت هذه صورة عن بريطانيا في سنة 2017، التي أصبحت ترتدي حلة ديمقراطية “مزيفة“، حيث تعمل وفقا لما يمليه ملياردير الولايات المتحدة، ترامب، الذي لجأ لاستخدام نموذج التكنولوجيا العسكرية للفوز بالانتخابات. في الحقيقة، إذا لم نحاول أن نكشف عن الحقائق المخيفة التي تقبع وراء نتيجة الاستفتاء، فنحن نعبر بذلك عن مُوافقتنا الضمنية على كل ما يحدث. في واقع الأمر، لا تتعلق هذه القضية ببقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الأوروبي بل إنها خطوة شجاعة تتحدى عالم متعطش لتحريف الديمقراطية.
الأسماء الرئيسية
مجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية”: وهي شركة بريطانية تمتلك قرابة 25 سنة من الخبرة في “العمليات النفسية” العسكرية وإدارة الانتخابات”
كامبريدج أناليتيكا: وهي شركة تحليلات البيانات تأسست سنة 2014. ويمتلك روبرت ميرسر 90 بالمائة من أسهمها. كما تمتلك مجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية 10 بالمائة منها. نفذت حملات الاستهداف الرقمي الرئيسية ضمن حملة دونالد ترامب، وحملة ترشح تيد كروز والعديد من الحملات في الولايات الأمريكية الأخرى، وذلك بتمويل من ميرسر، فضلا عن أنها قدمت لنايجل فاراج الدعم في حملة “ليف أوروبا” خلال فترة الاستفتاء.
روبرت ميرسر: الملياردير الأمريكي صاحب صندوق التحوط الذي كان أكبر مانح لحملة ترامب. يمتلك كامبريدج أناليتيكا والملكية الفكرية لشركة أغريغايت أي كيو. وهو صديق لفاراج ومقرب من ستيف بانون.
ستيف بانون: هو كبير الإستراتيجيين في إدارة ترامب ونائب رئيس شركة كامبريدج أناليتيكا خلال فترة الاستفتاء، فضلا عن أنه صديق لفاراج.
ألكسندر نيكس: مدير كامبريدج أناليتيكا ومجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية”.
كريستوفر ويلي: وهو الشخص الكندي الأصل الذي أمن لأول مرة خبرة البيانات والاستهداف الشخصي الموجه لصالح كامبريدج أناليتيكا.
أغريغايت أي كيو: وهي شركة تحليل بيانات تقع في فيكتوريا، وكولومبيا البريطانية وكندا. عملت لصالح شركات ميرسر التي دعمت حملة ترامب.
حملة قدامى المحاربين في بريطانيا: تلقت دعما يناهز 100 ألف جنيه إسترليني من مجموعة “فوت ليف”
حملة بيليف: حملة نظمها طالب يبلغ من العمر 23 سنة. وقد دُفع له 625 ألفا من قبل مجموعة فوت ليف و50 ألف من قبل مانح آخر.
الحزب الديمقراطي الوحدوي: الحزب الديمقراطي الوحدوي في أيرلندا الشمالية. وقد قدم 32.750 جنيه إسترليني لصالح أغريغايت أي كيو.
توماس بورويك: الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا لمجموعة “فوت ليف”. عمل سابقا مع مجموعة “مختبرات الاتصالات الإستراتيجية” وكامبريدج أناليتيكا وأغريغايت أي كيو.
أي سي داتا ساينس: شركة متخصصة في علوم البيانات تملك علاقات مع كامبريدج أناليتيكا.
دونالد ترامب: رئيس الولايات المتحدة. وقد مول حملته الانتخابية ميرسر وأدارها بانون.
نايجل فاراج: زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة السابق. وقائد حملة ليف إي يو، وصديق ترامب، وميرسر وبانون.
أرون بانكس: المؤسس المشارك لحملة ليف إي يو. يمتلك شركة بيانات وشركة تأمين. ويعتبر أكبر مانح لحملة ليف إي يو.
ملاحظة: تم تغيير بعض الأسماء والأعمار وغيرها من التفاصيل المتعلقة بالمصادر في هذه المقالة.
المصدر: الغارديان