في خطوة، وصفها مراقبون بـ”المفاجئة”، استبعد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رئيس الحكومة عبد المالك سلال من منصبه رغم قيادته مشاورات غير رسمية لتشكيل الحكومة الجديدة وعين مكانه وزير السكن والعمران والمدينة عبد المجيد تبون، ليضع بهذا القرار حدًا لطموحات سلال للوصول للرئاسة وخلافته.
استبعاده من الوزارة الأولى
لم يشفع له قربه من بوتفليقة وخدمته له لسنوات، حتى أصبح يلقب بـ”وزيره المقرب”، أن يواصل عمله على رأس الحكومة الجزائرية والاستعداد من خلاله للانتخابات الرئاسية القادمة، فقد أمر الرئيس بوتفليقة الذي تنتهي ولايته الرابعة رسميًا في أبريل 2019، عشية أمس الأربعاء بتعيين عبد المجيد تبون في منصب الوزير الأول في الحكومة الجزائرية الجديدة، خلفًا لسلال، وفق ما أكده بيان لرئاسة الجمهورية.
ويعد عبد المجيد تبون الوزير الأول الجديد (71 سنة) أحد أبرز رجالات النظام الجزائري
وباشر سلال قبل أيام مشاورات سياسية مع أحزاب في السلطة والمعارضة لغرض ضمّها في حكومة معبرة عن إفرازات المشهد السياسي الناجم عن الانتخابات البرلمانية، وأبرزها حركة مجتمع السلم (إسلامي) وجبهة المستقبل والتحالف الوطني الجمهوري (التيار المحافظ) والحركة الشعبية الجزائرية (علماني)، إلا أن الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحي الذي يشغل منصب مدير ديوان الرئاسة الجزائرية، رفض دعوة سلال لتباحث مستقبل الحكومة الجديدة، بمبرّر أن المشاورات عن التشكيل الوزاري لم يعلن عنها بشكلٍ رسمي ولم تصدر عن رئيس البلاد.
ورغم ان اسم تبون تم تداوله قبل الانتخابات التشريعية كخليفة محتمل لرئيس الوزراء، فتكليف بوتفليقة سلال بقيادة مشاورات تشكيل الحكومة خالفت كل التكهنات، ويعد تبون (71 سنة) أحد أبرز رجالات النظام الجزائري، فقد تبوّأ منصب وزير السكن والعمران والمدينة، وكذا المكلف بمهام وزير التجارة بالنيابة في الحكومة السابقة، وقد سبق له أن شارك في عدة حكومات جزائرية، إذ كان وزيرًا منتدبًا بالجماعات المحلية عامي 1991 و1992، كما عين وزير السكن والعمران عام 1999، ووزيرًا للاتصال عام 2000.
عبد المجيد تبون الوزير الأول المعين
وعاد لوزارة السكن والعمران عامي 2001 و2002، وهو نفس المنصب الذي تبوّأه منذ عام 2012، قبل أن يتم تعيينه مكلفًا بمهام وزير التجارة بالنيابة بداية هذا العام مكان بختي بلعايب الذي غادر الوزارة لظروف صحية.
وقد تخرج تبون في المدرسة الوطنية للإدارة، اختصاص اقتصاد ومالية، وهو من مواليد عام 1945، وأتى هذا التعيين وفق المادة 91 من الفقرة الخامسة من الدستور، وهي المادة التي تعطي الحق لرئيس الجمهورية في تعيين الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية، وقد أشار البيان أن بوتفليقة كلّف أعضاء الحكومة المغادرة بتسيير الشؤون الجارية لقطاعاتهم في انتظار تعيين الحكومة الجديدة.
من هو سلال؟
يلقب عبد المالك سلال (69 سنة) بـ”الوزير المقرب” لبوتفليقة الذي عينه في سبتمبر 2012 وزيرًا أولاً بعد أن كان يشغل خطة وزير الموارد المائية ووزير النقل بالنيابة خلفًا للوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى (للأمين العام للتجمع الوطني الديموقراطي ثاني أكبر حزب موالٍ).
ويعتبر من المقربين من الرئيس بوتفليقة، فقد كلف بتنظيم الانتخابات الرئاسية في أبريل 1999 التي أوصلت بوتفليقة للحكم في الجزائر، وفي عام 2004 اختير ليكون مديرًا لحملته الانتخابية، وكذلك كان الشأن أيضًا في عامي 2009 و2014 كذلك.
في ظل مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعدم قدرته على التنقل خارج البلاد مثّل سلال بلاده في العديد من المناسبات الدولية
تخرج عبد المالك سلال السياسي التكنوقراط – قبل أن ينتمي عام 2015 إلى حزب جبهة التحرير الوطني – من المدرسة الوطنية للإدارة، وشغل خلال مسيرته المهنية العديد من المناصب، منها وزير الداخلية والجماعات المحلية 1999، أي مباشرة بعد تولي عبد العزيز بوتفليقة الحكم في الجزائر، ثم وزير الرياضة والنقل والأشغال العمومية والموارد المائية.
استطاع سلال الذي دخل السياسة مع تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الحكم فرض نفسه كأحد الفاعلين الأساسيين في محيط بوتفليقة، الذي أتعبه المرض، وبعد عام من إصابته بجلطة دماغية، أدى بوتفليقة على كرسيه المتحرك اليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة، ويرجع الفضل الكبير للفوز بها إلى مدير حملته سلال.
وفي ظل مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعدم قدرته على التنقل خارج البلاد مثّل سلال بلاده في العديد من المناسبات الدولية، وضمن هذا الإطار، استقبله مع زوجته الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض في الخامس من أغسطس 2014.
الحملة الانتخابية
ظهر عبد المالك سلال خلال حملة الانتخابات التشريعية الأخيرة بمثابة المرشح للانتخابات الرئاسية، الطامح للوصول إلى رئاسة الجمهورية، فقد عمد خلال هذه الحملة إلى تقديم الوعود والإشراف على تجمعات انتخابية كبرى والتنقل إلى المدن والمحافظات وإن كان تحت لافتة حث الجزائريين على المشاركة في الانتخابات والتصويت.
عبد المالك سلال خلال أحد لقاءاته الانتخابية
وحسب عديد من الخبراء، فقد أزعجت هذه التحركات وهذه الرغبة بشكل حاد فريق رئاسة الجمهورية الذي مهّد الطريق في وقت سابق لـ”سلال”، بعد استبعاد الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني يوم 22 من أكتوبر 2016 من الأمانة العامة للحزب الحاكم، وعمل سعداني على منع سلال من الدخول إلى الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطني، نتيجة حداثة انخراطها في الحزب.
ويعدّ هذا القرار الأخير لبوتفليقة، حسب خبراء، عقابًا لسلال من بوتفليقة على رغبته المبطنة في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وهو مثل ما فعله سابقا أكثر من مرة مع مستشاره عبد العزيز بلخادم وأمين عام الحزب الحاكم عمار سعداني وقبلهما رئيس حكومته علي بن فليس الذي انتقم منه بعد رئاسيات 2004 حين ترشح لمنافسته.
الصراع مع أويحي
لم يكن خافيًا على أحد الصراع الدائر بين سلال وأويحي، إلا أن هذا الصراع خرج مؤخرًا إلى العلن واشتد خلال حملة الانتخابات التشريعية الأخيرة التي انزعج منها أويحي ورأى فيها حملة انتخابية مسبقة لرئاسيات متوقعة في أي لحظة لسلال، رغم تفادي عبد المالك سلال الحديث عن أي طموح شخصي له في خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
عبد المالك سلال إلى جانب أحند أويحي
ويؤكّد مقربون من أويحي أن الرجل ملّ من مراوحة المكان بين رئاسة الحكومة والأمانة العامة لحزبه وبعض المناصب الوزارية منذ 1995، فهو يرى في نفسه المرشح الأمثل لخلافة بوتفليقة في منصب الرئاسة، وسبق أن وجه أويحي الذي يتحدث بنبرة المرشح الموعود سهام النقد لسياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والبداية من سياسة بوتفليقة الاجتماعية، ورفعه لأجور ملايين العمال، فضلاً عن السكن والتجارة والفلاحة والتعامل مع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي.
وحرص أويحي، خلال التجمعات الشعبية والمقابلات التي أجراها خلال فترة الحملة الانتخابية، على التأكيد أن لحزبه برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا مستقلاً عن برنامج الرئيس، قد يتقاطع معه في كثير من الجوانب لكنه مستقل عنه.
وعمد أويحي إلى تقديم نفسه كرجل دولة، والإعلان عن مواقف سياسية وتصورات اقتصادية واجتماعية تتجاوز تصورات بوتفليقة، وظهر برنامج ومواقف أويحي وكأنه عبارة عن برنامج رئاسي أكثر من كونه برنامجًا انتخابيًا لاستحقاق برلماني.