بدأ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اليوم الخميس جولة خارجية هي الأولى منذ اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران الماضي بين قطر ومحور أبوظبي – الرياض، وبدأ الأمير جولته ابتداءًا من تركيا ليمكث فيها ليوم واحد ويتوجه بعدها إلى ألمانيا ويعقد لقاء صحفي مع المستشارة الألمانية ظهر الغد ويختتم الزيارة الخارجية إلى فرنسا.
ومن المتوقع أن يتوجه أمير قطر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويوك بأمريكا التي تفتتح أعمالها في 19 سبتمبر/أيول المقبل أي بعد خمسة أيام من اليوم. ويتزامن مع زيارة أمير قطر، زيارة رئيس مجلس الوزارء الكويتي في تركيا حل أمس الأربعاء وتستمر لأربعة أيام، وتأتي هذه الزيارة بعد الزيارة الرسمية الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي إلى الكويت لتقوية وتمتين العلاقات معها بشكل أكبر.
الجولة الخارجية الأولى
ليس غريبًا أن يختار أمير قطر تركيا محطته الأولى في أول زيارة خارجية له منذ أكثر من ثلاثة أشهر بعد قطع كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر وفرض حصار بري وبحري وجوي عليها. ومن المقرر أن يبحث الزعيمان العلاقات الثنائية والعلاقات الإقليمية والدولية بحسب بيان الرئاسة التركية.
تأتي زيارة أمير قطر إلى تركيا في ظل التعاون المكثف بين قطر وتركيا في قضايا عدة، من بينها الأمنية والسياسية والاقتصادية. حيث تُعتبر تركيا من أوائل الدول التي أعلنت وقوفها إلى جانب قطر، في الأزمة الخليجية.
خلال الأعوام الفائتة تشكل بين قطر وتركيا علاقة استراتيجية أدركت قطر مبكرًا أنها ستستفيد وجود قوة إقليمية كبيرة مثل تركيا كحليف إستراتيجي طويل الأمد وبالأخص بعد توقيع العديد من الاتفاقيات العسكرية بين البلدين على رأسها إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر، أما الأتراك فقد نظروا إلى قطر أنهم البلد الخليجي الذي يشترك مع تركيا بنفس الرؤى حيال الأحداث السياسية الحاصلة في المنطقة، وكان اتصال الأمير القطري بأردوغان بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا صيف العام الماضي إثبات أكبر لأنقرة بأن قطر حليف استراتيجي.
من غير المستبعد أن ينشأ تحالف ثلاثي بين كل من قطر والكويت وتركيا يقوم على التفاهمات المبنية بين الدول الثلاثة على العديد من القضايا التي تعصف بالمنطقة وأبرزها الأزمة الخليجية
وعلى أثر هذا لم يتأخر الحيار التركي في الأزمة الخليية إذ سارع البرلمان التركي إلى إقرار قانون يسمح بنشر جنود أتراك في قاعدة الريان العسكرية التركية في قطر ووافق الرئيس التركي على القانون لتبدأ تركيا خطوات فعلية في نشر قواتها هناك وتبطل أي نوايا لتدخل عسكري في قطر كانت دول الحصار تفكر فيه. بالإضافة إلى ذلك عملت تركيا على فتح خط إمداد إلى قطر بإرسال بواخر وطائرات محملة بمنتجات تركية لتعويض النقص الحاصل من تلك المواد بعد قطع الصادرات السعودية والإماراتية عنها. جدير بالذكر أن القاعدة العسكرية شكلت مطلبًا رئيسيًا لمطالب دول الحصار بين مطالبها الـ13 إذ طلبت من قطر إغلاق القاعدة التركية العسكرية في قطر.
وتعد قطر من الدول الأوائل بالاستثمار بتركيا بحجم استثمارات تزيد عن 20 مليار دولار، كما يبلغ حجم استثمارات الشركات التركية العاملة في قطر نحو 11.6 مليار دولار. ويشهد حجم التبادل التجاري التركي مع قطر ارتفاعًا ملحوظًا وصل إلى 1.720 مليار دولار، مع توقعات بتصاعد حجم هذا التبادل، في ظل التعاون المتنامي بين البلدين، ليتعدى الملياري دولار.
تقوية النفوذ والوجود التركي في الكويت سيعطيها نفوذًا أكبر في منطقة الخليج وتقويض لمحور الرياض أبوظبي وما يحيكاه للمنطقة.
ومن المتوقع أن ينعكس تحسن العلاقات بين قطر وتركيا ليحمل فرصا مهمة للبلدين فيما يتعلق بزيادة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري ليتعدى 5 مليارات دولار سنويًا، وقد أشار مستثمرين أتراك في هذا الشأن أنهم يسعون لدعم قطر في المجالات ذات الحاجة، والحصول على بيئة استثمارية جديدة.
تزامن زيارة أمير قطر مع رئيس وزراء الكويت
تزامنت زيارة أمير قطر إلى تركيا مع وصول رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك إلى تركيا تلبية لدعوة رسمية من رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم. لم يدلي أحد بأن هناك تنسيق مسبق من أي طرف على الالتقاء أو إجراء اجتماع ثلاثي لمناقشة التطورات في المنطقة والأزمة الخليجية، بالأخص أن زيارة رئيس الوزراء الكويتي تستمبر لأربعة أيام وتهدف لتعزيز التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية. وسيعقد على هامش الزيارة المنتدى الاقتصادي التركي الكويتي في مدينة اسطنبول.
فالعلاقات بين أنقرة والكويت شهدت تطورًا ملحوظا في كثير من المجالات خاصة الاقتصادية منها، فهناك 280 شركة ممولة برأسمال كويتي تعمل بتركيا في مقابل 7 شركات تركية تنشط بالكويت. ومن بين الاتفاقيات التي تم توقيعها اليوم بحضور رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، بروتوكول تعديل اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي فيما يتعلق بضرائب الدخل ورأس المال، بحسب وكالة الأنباء الكويتية (كونا).
تعد قطر من الدول الأوائل بالاستثمار بتركيا بحجم استثمارات تزيد عن 20 مليار دولار
كما وقع الجانبان اتفاقية التعاون في مجال الشباب، ومذكرة تفاهم بين الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الكويت، ومنظمة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تركيا. وشملت الاتفاقيات الموقعة مذكرة تفاهم في مجال الطيران المدني، وفي مجال الاتصالات وتقنية المعلومات. ووقع الجانبان بروتوكول تعاون بين حكومتي البلدين في مجال التعليم والتدريب لأفراد القيادة العامة لقوات الدرك في تركيا والحرس الوطني في الكويت.
وبحسب الإحصاءات الرسمية فقد بلغت قيمة الاستثمارات الكويتية في تركيا خلال عام 2015 خمسة مليارات دولار ويأتي القطاع العقاري في مقدمة قطاعات الاستثمار الكويتية في تركيا لاسيما بعد اقرار قانون التملك الحر المباشر لمواطني دول الخليج هناك. وأدى ذلك إلى إقبال كثيف من المستثمر الكويتي على شراء العقار التركي ليصبح اليوم واحدا من ضمن المستثمرين الخمسة الأوائل من حيث عدد العقارات المستملكة من الاجانب في تركيا. وشهد حجم التبادل التجاري بين البلدين قفزة نوعية فبعد أن كان يتراوح بين 600 و700 مليون دولار ارتفع في السنوات القليلة الماضية إلى ملياري دولار بحسب ما أعلنه اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي. بحسب “كونا”.
هدت تطورًا ملحوظا في كثير من المجالات خاصة الاقتصادية منها، فهناك 280 شركة ممولة برأسمال كويتي تعمل بتركيا في مقابل 7 شركات تركية تنشط بالكويت
سبق لأردوغان أن وصف العلاقات مع الكويت بـ”الممتازة” ويبين تطور العلاقات بين البلدين بعد العديد من اللقاءات والزيارات الرسمية بين البلدين، في تعزيز العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين الجانبين. ويرى مراقبون أن الكويت بعدما رأت سلوك تركيا مع قطر بعد الأزمة الخليجية وإحباطها المساعي التركية لأي تدخل عسكري خليجي على قطر إضافة إلى الدعم الاقتصادي والسياسي الذي قدمته لها، ستتجه الكويت بشكل أكبر لتعزيز جملة من التحالفات العسكرية والأمنية معها.
فإلى جانب اكتساب هذه الزيارة أهمية اقتصادية بالنسبة للجانبين فإن هناك أهمية سياسية بارزة، ينظر لها المسؤولون الأتراك من باب أنها قد تطلق مرحلة جديدة للعلاقات بين البلدين تخدم مصالحهما. فالزيارة في هذا التوقيت لها دلالة كبيرة من حيث ما تشهده المنطقة من تبدلات كبيرة وأزمات تعصف بها تتطلب عقد تحالفات وتعاون وثيق بين البلدين، بالأخص أن تقوية النفوذ والوجود التركي في الكويت سيعطيها نفوذًا أكبر في منطقة الخليج وتقويض لمحور الرياض أبوظبي وما يحيكاه للمنطقة.
ومن غير المستبعد أن ينشأ تحالف ثلاثي بين كل من قطر والكويت وتركيا يقوم على التفاهمات المبنية بين الدول الثلاثة على العديد من القضايا التي تعصف بالمنطقة وأبرزها الأزمة الخليجية، ومن شأن هذا التحالف أن يردع أي تدخل خارجي بقطر والكويت من خلال التواجد العسكري التركي في قطر، إضافة إلى الاستفادة بشكل أكبر من الفرص الاقتصادية المتوفرة في الدول الثلاثة.