التزمت السعودية الصمت خلال الفترة الماضية بخصوص المجازر العرقية في ميانمار ضد الأقلية المسلمة، الروهينغا. وهو ما أثار تساؤلات عند البعض حول هذا الموقف المتردد للسعودية، خصوصًا أنها تعد قائدة العالم الإسلامي، وبلاد الحرمين، في حين أن دولًا أخرى دافعت عن قضية مسلمي الروهينغا بشكل شرس وحركت العالم لأجل القضية.
في الحالات السابقة لأزمة الروهينغا كانت السعودية تخرج وتندد في العقود الماضية، بل واستضافت عشرات الآلاف منهم على الأراضي السعودية. بينما في هذه الأزمة اكتفت باستثناء تصريح يتيم صدر عن البعثة الدبلوماسية في الأمم المتحدة في الوقت الذي كان البعض يتوقع أن تقود الرياض البلدان العربية والإسلامية لوقف المجازر ومساعدة ضحاياها المسلمين.
ماذا قدمت السعودية للروهينغا؟
أدت عملية “التطهير العرقي” حسب وصف تقارير الأمم المتحدة، في ميانمار إلى تهجير ما بين 300 إلى 500 ألف شخص من أقلية الروهينجا المقدر عددها بـ1.1 مليون نسمة، وذلك عقب مضي عقود من الاضطهاد الموجه ضدهم، كان أبرز تجلياته تجريدهم من الجنسية سنة 1982.
بعد أيام عد من تلك الانتهاكات وانتقادات لاذعة طالت السعودية بسبب صمتها المريب، جاء إعلان المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور، عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة، يوم الثلاثاء الماضي 19 أيلول/سبتمبر، ليكسر الجليد ويقول صدر توجيه من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للمركز بتخصيص مبلغ 15 مليون دولار أمريكي مبادرة منه لما يتعرض له مسلمي الروهينغا الفارين من ميانمار جراء الإبادة والتعذيب.
يبدو تخلي السعودية عن دورها الإنساني والقيادي في أزمة الروهينغا، نابع من مصالح تجارية واقتصادية بالدرجة الأولى
وأضاف الربيعة “إنه منذ صدور التوجيهات العليا في هذا الشأن يستعد فريق مختص من المركز للتوجه خلال الساعات القادمة إلى جمهورية بنغلاديش للوقوف على أوضاع المهجرين من الروهينغا لرصد أهم الاحتياجات العاجلة وتقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية والإيوائية الطارئة لهم”.
و “أن المركز بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين قام بعدة مشروعات، منها ما نُفّذ ومنها ما هو جارِ تنفيذه، وأخرى تحت الإجراء، وأن هذه المشروعات تنوعت ما بين إغاثية وإنسانية، حيث تم مؤخراً توزيع (19.404.00) سلة غذائية في شهر رمضان الماضي بولاية راخين أراكان في جمهورية اتحاد ميانمار، استفاد منها (116.424) شخصاً، اشتملت هذه السلال الغذائية على المتطلبات الأساسية للأسر المتضررة”.
وفي بيان نشرت رابطه الصفحة الرسمية للسفارة السعودية في تركيا على موقع تويتر، عن أن السعودية كانت من “أوائل الدول التي ساندت الروهينغا في المحافل الدولية وفي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كما أدانت عدم حكومة ميانمار بهم كمواطنين منذ عام 1982 بحجة أنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين”.
وتابع السفير أن السعودية قدمت تبرعا لهذه الأقلية المسلمة قدره خمسون مليون دولار عبر برامج التأهيل الصحية والتعليمية، كما أنها بدأت استضافتهم منذ عام 1948، وقد بلغ عددهم الآن نحو 300 ألف على أراضيها، حسب البيان، كما عبّرت المملكة مرارًا وتكرارًا عن إدانتها لـ”استمرار أعمال العنف في حق أقلية الروهينغيا وما يعانونه من حالات القتل والاغتصاب والإخلاء القسري للسكان، والاضطهاد وحملات التطهير العرقي”.
غياب استجابة السعودية عن أزمة الروهينغا يعود جزئيًا إلى مصالحها التجارية المربحة في جنوب شرق آسيا. فهناك خط أنابيب افتتح مؤخرًا في ميانمار يوصل النفط من الدول العربية والقوقاز إلى مقاطعة يوننان الصينية
بينما على النفيض دخلت تركيا بثقلها على خط الأزمة منذ البداية سياسيًا وإغاثيًا، فلا يفتأ الرئيس التركي يصف ما يحصل هناك بالإبادة الجماعية وأثار هذه القضية في كلمته بالأمم المتحدة، وكذا الدبلوماسية التركية تذكر قضية الروهينغا في المحافل التي يحضرون فيها ويطالبون بحلها، إذ سافر وزير الخارجية جاويش أوغلو وعقلية الرئيس التركي ووفد مرافق، إلى بنغلاديش حيث تستضيف أكثر من 150 ألفًا من مسلمي الروهينغا الفارين من المجازر وما يحصل هناك، وتم توزيع مساعدات على اللاجئين.
وبالرغم أن السعودية تحتضن مقر المنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة عربية وإسلامية، إلا أنها لم تتخذ موقفًا صارمًا تجاه الأزمة. وقد عقدت المنظمة جلسة طارئة قبل يومين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك من أجل بحث الأزمة، وأصدرت المنظمة بيانًا مطولا تعرب فيها عن قلقها العميق إزاء نزوح الروهينغا والانتهاكات التي تجري بحقهم.
ما سبب الصمت السعودي؟
ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أمس الخميس أن السعودية التزامت الصمت طوال الفترة الأخيرة، بخصوص المجازر العرقية في ميانمار، لأسباب تتعلق بمصالحها الاقتصادية والتجارية مع شرق آسيا.
وكشفت الصحيفة عن خبراء إن غياب استجابة السعودية يعود جزئيًا إلى مصالحها التجارية المربحة في جنوب شرق آسيا. فهناك خط أنابيب افتتح مؤخرًا في ميانمار يوصل النفط من الدول العربية والقوقاز إلى مقاطعة يوننان الصينية، ويبدأ خط الأنابيب الذي يبلغ طوله كيلومترًا من خليج البنغال في ولاية راخين، حيث وقعت معظم الجرائم ضد أقلية الروهينغا.
في عام 2011، وقع فرع تابع لشركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط وشركة بتروتشاينا، وهي ذراع لشركة نيك الصينية المملوكة للدولة، اتفاقا لتوريد مقاطعة يوننان جنوب غرب الصين لإيصال 200.000 برميل يوميا من النفط الخام. ويشير محللون أن السعودية ربما لم تأخذ موقفًا جديًا من قضية الروهينغا، لأنها تعتمد في الواقع على الحكومة البورمية لحماية خط الأنابيب، فالجزء المهم بالنسبة لها هو أن الغاز الطبيعي والنفط يتدفق عبر ولاية راخين وهذا مهم بالنسبة لها.
صدر توجيه من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للمركز بتخصيص مبلغ 15 مليون دولار أمريكي مبادرة منه لما يتعرض له مسلمي الروهينغا الفارين من ميانمار جراء الإبادة والتعذيب.
وهناك جانب آخر، وهو أن السعودية لا تريد إغضاب الصين التي تعد أحد أكبر الدول نفوذًا في بورما، وترتبط السعودية مع الصين بعلاقات تجارية وثيقة وبالأخص مبيعات النفط ولا تريد أن تخسر هذا الزبون الكبير والمهم لأي منافس آخر. كما أن الصين افتتحت في العام 2013 خط إنتاج للغاز من حقل تشوي البحري البورمي عبر شركتي “بتروتشاينا” الصينية و”داي وو” الكورية، بتكلفة 2.5 مليار دولار، عام 2013.
تبع ذلك بدء استخدام خطي أنابيب نفط وغاز من ميناء بولاية أراكان البورمية إلى ميناء بجنوب الصين، وذلك بتكلفة 3.5 مليار دولار، وقد بدأ استخدامهما في مايو 2017، وذلك ضمن خطة استثمارية صينية تبلغ قيمتها 10 مليار دولار، من ضمنها إقامة منطقة اقتصادية خاصة في ميناء أراكان، وربما تصل الصين إلى اتفاق لشراء ميناء الولاية البورمية الفقيرة.
يبدو تخلي السعودية عن دورها الإنساني والقيادي في أزمة الروهينغا، نابع من مصالح تجارية واقتصادية بالدرجة الأولى. ومن ثم ما تتعرض له من قلاقل وأزمات في اقتصادها الذي يكابد عناء انخفاض أسعار النفط ولا يتحمل إغضاب الصين التي قد تقوم بقطع وارداتها النفطية من السعودية في حال تدخلت بموقف صارم بدون التنسيق معها.
إضافة إلى ذلك، المملكة منشغلة في الفترة القريبة الماضية حول ما يتم الحديث عن نية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استلام العرش عن أبيه، في غضون هذا هناك حالة من عدم الاستقرار داخل الأسرة الحاكمة الرافضة لصعود بن سلمان ووصوله إلى أعلى هرم السلطة في البلاد وسلسلة الاعتقالات التي قامت بها السلطات السعودية ضد دعاة وأكاديميين في ظروف وأسباب غامضة.