ترجمة وتحرير: نون بوست
صرّح عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر، لقناة دبليو سي بي إس الأمريكية خلال مؤتمر صحفي عقده يوم الأحد الماضي، أنه “كانت لديه مخاوف بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وعلى الرغم من أنه صوت ضده في السابق، إلا أنه الآن يعتقد أنه يجب أن يُمنح الوقت للعمل”. وبناء على هذه التصريحات، ردّ دونالد ترامب من خلال تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي، قائلا إن “السيناتور شومر كان يكره صفقة إيران التي جاء بها الرئيس أوباما، ولكن نظرا لأني أصبحت طرفا فيها في الوقت الراهن، أصبح موافقا عليه”. وأضاف “تشاك قل هذا لإسرائيل”.
في هذه التغريدة، يبدو أن ترامب عندما قال “إسرائيل”، كان يقصد بحديثه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي رحب بعدم رغبة إدارة ترامب تصديق امتثال إيران، حيث أشار ترامب خلال حوار أجراه مع قناة سي بي إس في برنامج “فايس ذا نايشن”، إلى أن نتنياهو قد نصحه إما “بإصلاح الاتفاق أو إلغائه”. ومن المرجح أن تصريحات ترامب الأخيرة سوف تعزز من شعبيته المتزايدة لدى مؤيدي الليكود، الذين يشهدون بادرة غير مألوفة من التقارب الرئاسي بين كل من نتنياهو وترامب.
في المقابل، إذا كان “ترامب” يقصد بعبارة “إسرائيل” الخبراء النوويين الإسرائيليين، أي الأشخاص الذين درسوا جيدا تفاصيل الصفقة وقادوا المؤسسات المسؤولة عن السياسة الأمنية للبلاد، فإن شومر لا يحتاج إلى عناء كبير لإخبارهم أنه يجب أن منح الصفقة المزيد من الوقت، نظرا لأن ذلك بالضبط ما كان يقوله خبراء النووي الإسرائيليون.
في وقت سابق من هذا الشهر، أجرت الصحفية روبن رايت مقابلات مع الرئيس السابق للبحوث في الموساد، عوزي عراد، الذي شغل في السابق منصب رئيس مجلس الأمن القومي في إدارة نتنياهو بين سنة 2009 و2011. وخلال سنة 2000، عقد عراد مؤتمر إسرائيل حول الأمن القومي في مركز هرتسليا متعدد التخصصات (حيث كنا زملاء من 2002 إلى 2004).
لا يزال عراد متشككا في الحملة التي شنها نتنياهو ضد الاتفاق النووي، مشيرا إلى المحادثة التي أجراها مع مسؤول كبير، وهو محارب قديم في مجالي العلوم والدفاع، الذي كان مستاء من دعوة نتنياهو لإلغاء خطة العمل الشاملة المشتركة
خلال ذلك المؤتمر، كان عراد يهدف للتشاور مع الأشخاص الملمين بهذه المسألة، على غرار أذرع المخابرات السابقة، وموظفي الدفاع المدني المشاركين في شراء وإنتاج منظومات الأسلحة، وخبراء مراقبة الأسلحة، والعلماء، فضلا عن المهندسين الذين يفهمون قضايا انتشار الأسلحة النووية؛ وأعضاء “الطبقة السياسية” الذين نصبوا أنفسهم خبراء في كل من القضية النووية ومكانة القادة الأجانب.
عندما كانت رايت تجري مقابلة معه، حاول عراد حشد دعم الجمهوريين في الكونغرس من أجل مساعدته على إنقاذ الصفقة. وعلى ضوء إعلان ترامب بعدم مصادقته على الاتفاق النووي، وترحيب نتنياهو بذلك، أعتقد أنني يجب التحقق من المسألة مرة أخرى منه شخصيا.
في الواقع، لا يزال عراد مقتنعا بأن الاتفاق يخدم مصلحة إسرائيل، لأنه وضع حدا لحملة الإيرانيين لصنع قنبلة نووية، ناهيك عن أنه يوفر عملية دبلوماسية لمعالجة القضايا الجديدة، فضلا عن أنه يصقل الإستراتيجيات القديمة التي كانت تتبعها إيران. في سياق متصل، أوضح عراد أن “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تعرف رسميا باسم الاتفاق الإيراني هو إطارنا الكتابي الوحيد الذي يحدد بالضبط ما هي الانتهاكات، فضلا عن أنها تمثل الآلية التنظيمية التي تمكنا من متابعة سير المفاوضات أو العقوبات التي يجب فرضها لمعالجة هذه التهديدات”.
علاوة على ذلك، لا يزال عراد متشككا في الحملة التي شنها نتنياهو ضد الاتفاق النووي، مشيرا إلى المحادثة التي أجراها مع مسؤول كبير، وهو محارب قديم في مجالي العلوم والدفاع، الذي كان مستاء من دعوة نتنياهو لإلغاء خطة العمل الشاملة المشتركة. وكان عراد قد سأله عن وجهة نظره حول سياسة رئيس الوزراء، فكان رده بأنها “تعد جنونا”.
عندما تطرقت إدارة ترامب لقضية سوء السلوك الإيراني، قدم عراد دوافع إيجابية فهو يفترض أن معظم الخبراء الإسرائيليين المحنكين الآخرين يتعاطفون مع هذه الجهود
حيال هذا الشأن، يفترض عراد أن ما دفع الرئيس أوباما إلى التحرك نحو المفاوضات المؤدية إلى إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة، التي كانت أمرا حاسما لنجاحه المحدود، رفض إدارته التخلي عن “الخيار العسكري”، الذي كان يعد الملاذ الأخير بالنسبة له. ولكن، من خلال الاتفاق مع إيران، كان أوباما يريد أن يتعهد بأن إيران لن تحصل أبدا على سلاح نووي في يدها.
بالإضافة إلى ذلك، قال لي عراد إنه يتساءل لماذا لم تلجأ إدارة ترامب إلى الخيار العسكري”، خاصة وأن عمر خطة العمل الشاملة المشتركة لا يتجاوز العشر سنوات، ولم يمض سوى سنتان على إبرامها. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على هذه الاتفاقية قائمة بالكامل على مبدأ البراغماتية، ما يفسر لماذا يعتقد عراد أن الكثير من المهنيين الأمنيين الإسرائيليين يفضلون الحفاظ على هذه الاتفاقية.
في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن قائمة الخبراء الإسرائيليين الذين يدعمون الاتفاق النووي لا تشمل عراد فحسب، بل المدير السابق للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، عوزي عيلام؛ ورئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية والمجلس الوطني للبحوث والتنمية، إسحاق بن إسرائيل؛ والنائب السابق للمدير العام للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، أرييل ليفيت؛ والرئيس السابق للموساد، إفرايم هليفي؛ والرئيس السابق لمديرية المخابرات العسكرية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، عاموس يدلين؛ رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك؛ فضلا عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت وغيرهم من المسؤولين.
عندما تطرقت إدارة ترامب لقضية سوء السلوك الإيراني، قدم عراد دوافع إيجابية فهو يفترض أن معظم الخبراء الإسرائيليين المحنكين الآخرين يتعاطفون مع هذه الجهود. لذلك، أعرب عراد عن احترامه للمهنيين “ذوي الخبرة الواضحة” في فريق الأمن القومي التابع لإدارة ترامب، ونظراء محاوريه. ومع ذلك، لم يكن عراد غير مبال ببرنامج إيران الصاروخي الباليستي بعيد المدى الذي تُرك خارج نطاق الاتفاق في الوقت الراهن. فمن وجهة نظره، يتعلق هذا البرنامج من الناحية “الاستراتيجية والمنطقية والوظيفية” بالإمكانيات النووية المهددة لإيران.
سعى الإيرانيون إلى تقديم أقصى قدر ممكن من التنازلات عن القدرات النووية، ومن جانبها حثت القوى الست على “الحصول على أقصى قدر من التنازلات من أجل الحد من قوة إيران، والاحتفاظ ببعض النفوذ
من جانب آخر، أشار عراد إلى أنه يود أن يعاد النظر في الحظر المفروض على ارتياد المفتشين مختلف المواقع العسكرية، الذي أعلنت عنه إيران بعد إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة. كما أضاف عراد أن إيران من المحتمل أن تعلن عن قيام مناطق خالية من الغش. وتبعا لذلك، هو ينتظر بفارغ الصبر الإجراءات التي ستتخذها إيران والتي لا علاقة لها تقريبا بالقضايا النووية ولكنها “مثيرة للقلق” وتتعلق “بالإرهاب، والتوسع، والنشاط العسكري في كل من “سوريا واليمن”، التي تعد من “البلدان الأقرب إلى حدودنا من حدود أي أطراف أخرى مهتمة بهذا الشأن”.
بالعودة إلى القرارات الصادرة عن ترامب، (وتشجيع نتنياهو له)، يخشى عراد من فقدان كليهما لحس التمييز الدقيق الذي من المحتمل أن تكون نتائجه كارثية. كما أفاد عراد بأن “الصفقة، في جوهرها لم تكن متناظرة، فكل طرف لم يسلم نفس العملة إلى الآخر”. ومقابل “القيود الكبيرة التي تراجعت بشكل ملموس بعد إبرام البرنامج النووي الإيراني”، قامت البلدان الست التي تفاوضت على اتفاقية العمل الشاملة المشتركة بتحمل عبء العقوبات المسلطة على إيران”.
في شأن ذي صلة، سعى الإيرانيون إلى تقديم أقصى قدر ممكن من التنازلات عن القدرات النووية، ومن جانبها حثت القوى الست على “الحصول على أقصى قدر من التنازلات من أجل الحد من قوة إيران، والاحتفاظ ببعض النفوذ”. وبدعم من نتنياهو، تجرأ ترامب على عدم المصادقة على الاتفاق.
لهذا السبب، يخشى عراد من أن يجد معسكر الجمهوريون في الكونغرس الذي يشعر بالاستياء من إرث أوباما، صعوبة أكبر في مقاومة تحدي ترامب حيال التمسك بفهم دقيق لأعمال الصفقة ومزاياها. وكنتيجة لذلك، يعد البديل المعقول لإستراتيجية “إصلاحه أو إلغاءه” في الحفاظ على الاتفاق والضغط على الجبهات الأخرى أي إيران.
أقر عراد بأنه يحب عقد مفاوضات صارمة ومنفصلة” مع إيران، وإن لزم الأمر يجب تهديدها بفرض عقوبات جديدة، مع العلم أن بعضها قيد المناقشة بالفعل في الكونغرس
في هذا الصدد، أوضح عراد لي أن “فرض الكونغرس لعقوبات جديدة على إيران مرتبط بخطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن ذلك في الحقيقة مرتبط بموقف الرئيس في حد ذاته الذي أعرب أن الإيرانيين لن يمتثلوا للاتفاق النووي على الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تقل ذلك، على غرار وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس. وبالتالي، يمكن أن ينظر الحلفاء والإيرانيين على حد سواء إلى مسألة فرض العقوبات كخرق أمريكي للصفقة.
كنتيجة لذلك، سوف تجد الولايات نفسها معزولة ولن ينطبق الأمر نفسه على إيران. وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، يوم الاثنين، أنه على الرغم من أن “إيران تشارك في العديد من الحروب في المنطقة، إلا أنه ينبغي” الحفاظ على الصفقة “. ومن المفارقات، أنه سيكون من الصعب على الكونغرس متابعة القضايا التي يود عراد أن يخوض فيها في غياب خطة العمل الشاملة المشتركة على غرار الصواريخ، والإرهاب، وعمليات التفتيش.
من جهته، أقر عراد بأنه يحب عقد مفاوضات صارمة ومنفصلة” مع إيران، وإن لزم الأمر يجب تهديدها بفرض عقوبات جديدة، مع العلم أن بعضها قيد المناقشة بالفعل في الكونغرس”، وهذا لا يعني أن إيران لا تمتثل للاتفاق. كما أشار عراد إلى أنه من أجل عدم الوقوع في أيدي الإيرانيين والمحافظة على فوائد خطة العمل الشاملة المشتركة، على القادة الأمريكيين أن يبذلوا جهودا حثيثة لفصل الاتفاق النووي عن أي عقوبات تندرج في إطار الصواريخ أو الإرهاب، وبالمثل، ينبغي فصل الضغوط العسكرية في سوريا عنه”.
في الوقت الراهن، يشعر عراد بالقلق من أن خطابات نتنياهو المعادية لخطة العمل الشاملة المشتركة التي يضخمها ترامب، ويرددها الزعماء الجمهوريون، سوف تقوض الصفقة، حتى لو اعتبر موقعوها الآخرون أنفسهم ملزمين بتنفيذها. وفي الإطار ذاته، أضاف عراد أن “إيران سوف تتقيد بعد ذلك بعضوية معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وليس بنظام التفتيش الإضافي الذي تقدمت به”.
على خلفية ذلك، ستعود المنطقة إلى حافة الهاوية العسكرية التي كانت تتسم بها قبل إبرام ذلك الاتفاق، لذلك سيكون على ترامب أن يهدد باستخدام القوة، وسوف يقوم نتنياهو بتحريضه على اتخاذ مثل هذه الخطوة، ما سيدفع ترامب إلى القيام بضربة وقائية.
في حديثه إلى قناة دبليو سي بي إس الأمريكية، أعرب السيناتور شومر عن هذا التخوف قائلا “إن أسوأ الأمور التي تقوم بها إيران حاليا ليست ضمن المجال النووي بل خارجها”. (وليس من قبيل المصادفة أن تتبنى لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية نفس الموقف. فقد أصدرت “إيباك” بيانا يؤكد على الحاجة إلى تعاون الإدارتين من جديد من أجل التصدي لسوء السلوك الإيراني، وفي الوقت ذاته، أيدت “أوجه الخلل التي توجد في خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تحدث عنها ترامب، إلا أنها أشارت إلى أن الولايات المتحدة لا تنسحب من الاتفاق في هذا الوقت).
من وجهة نظره، بين عراد أنه “يجب أن تتغير الكثير من الأمور في إيران، ولهذا السبب أؤيد تنفيذ هذا الاتفاق. ومن بين المسلمات، اعتقاده في أن التهديد باستخدام القوة العسكرية يجب أن يكون ذا مصداقية. ومع ذلك، سيكون من المتهور، التقليل من شأن مؤسسات مراقبة الأسلحة، التي تجسدت في اتفاقات مثل خطة العمل الشاملة. وحتى إذا كان الطرفان على خلاف فيجب العمل على حل المشاكل. وحتى لو تم القيام بذلك بطريقة اعتباطية، فإن تلك الجهود ستكون بناءة”.
المصدر: صحيفة نيويوركر